تاريخ النشر : 11 نوفمبر 2000
جريدة : أخبار اليوم
لا بد من مقدمات سريعة قبل الدخول إلى جوهر الموضوع.
المقدمة الأولى:
إن المسئول الأول عن ضياع القدس طيلة أكثر من ثلث قرن كانت نكبة 1967،ومن ثم فإن جزءا كبيرا من المسئولية عن القدس يقع على السياسة المصرية،ومن حسن الحظ أن السياسة المصرية تحس بهذه المسئولية وتمارسها بصورة متميزة،ومن الحكمة أنها تمارسها دون أن تعرج كثيرا على ما كانت السياسة المصرية نفسها قد حققته في” كامب ديفيد الأولى” فيما يتعلق بالقدس،ويتناغم الأداء المصري دون إدعاء بأن ما حدث كان يمكن تجنبه….وهذه على كل حال صورة من أداء متميز عاقل.
المقدمة الثانية :
إن الأدوات التي ساعدت على وضع القدس وانتفاضة الأقصى في الوضع الصحيح أو قريبا من الوضع الصحيح ،كانت أدوات غربية،ولم تكن للأسف الشديد أدوات عربية،وعلى سبيل المثال فإن الصورة التي فجرت التعاطف الإنساني تمت بكاميرا القناة الفرنسية الثانية وليس بكاميرا الجزيرة ولا الفضائيات العربية التي قاربت المائة.
المقدمة الثالثة:
إن ما حدث لم يكن أمرا بعيدا عن التوقع،فقد حذر منه كثيرون،منهم الرئيس مبارك نفسه منذ ما قبل نهاية” كامب ديفيد الثانية”،ومع هذا فإن أحدا لم يحسب حسابه،وأنا لا أقصد شارون بكل ما هو معروف عنه من اندفاع الدب القاتل،ولكني أقصد الجانب العربي الذي لم يضع حتى الآن الخطة الإعلامية والدبلوماسية الذكية التي من المفترض أن تواكب الانتفاضة متى بدأت الانتفاضة ( وذلك لأن الانتفاضة بطبعها تتجدد من حين لآخر ).
ومن الملاحظ أن ردود الفعل لدى القادة السياسيين الفلسطينيين كانت يومية ( على أسرع تقدير )ومع وجود عذر واضح لهؤلاء في قسوة ممارسات الإسرائيليين وغطرستهم،إلا أني كنت أعتقد أن التجربة التي مر بها الفلسطينيون في الانتفاضة السابقة كانت كفيلة ببرامج مؤسسية لاستثمار مثل هذا الكفاح النبيل.
أقول هذا مع إيماني العميق بقسوة الظروف التي يعانيها القادة الفلسطينيون لكني أظنهم أقوى وأقدر من كل هذه الظروف.
بعد هذه المقدمات فإني أعتقد أن الدور الغائب في الانتفاضة لم يكن إلا الدور الإسلامي،ومنذ أكثر من ثلاثين عاما تشكلت لجنة القدس،وقد جاء تشكيلها كرد فعل للاستنفار الإسلامي الذي حدث حين أقدم صهيوني مخبول أو موصوف بالخبل على إحراق المسجد الأقصى،وقد كان هذا التصرف الآخر بمثابة إنذار واضح للتنبيه على الوضع الحرج الذي أصبحت القدس على شقا معاناته من حين لآخر،ومن الإنصاف أن نذكر أن لجنة القدس اجتمعت وانقضت وكانت حاضرة على الدوام لكن دورها الحقيقي ظل يتضاءل حتى إذا حلت الانتفاضة الأخيرة التي هي انتفاضة الأقصى وانتفاضة القدس افتقدنا لجنة القدس تماما،وذلك على الرغم من أن الصراع أصبح يعتمد في تغذيته أو وقوده على أن المساس بمشاعر المسلمين….وأن الانتهاك بالإقدام شأنه الحريق وشأن الحفر تحت المبنى.
ومن الواضح أن الدرس الأول الذي أفرزته انتفاضة الأقصى هو ضرورة البحث عن الصيغة الفاعلة للدبلوماسية الإسلامية المتجددة بأقصى سرعة ممكنة،فمن العجيب أن ” خافييرسولانا ” حضر المؤتمر الذي انعقد في شرم الشيخ كممثل للمجموعة الأوروبية،على حين لم يحضر ممثل للمجموعة الإسلامية،مع أن المؤتمر عقد على أرض المسلمين ومن أجل ثالث مقدسات المسلمين وأولى القبلتين،وربما كان التساؤل : هل يقود حضور مندوب المجموعة الإسلامية مثل هذا المؤتمر إلى الالتزام بالتزامات محددة؟والجواب: ولما لا ؟خاصة أن معظم هذه الدول تشارك بفاعلية من خلال المفاوضات متعددة الجنسيات،بل وتتولى تمويل تكاليف السلام في النهاية.
ومع أن المؤتمر الإسلامي والمنظمات الإسلامية الأخرى نفتقد حتى الآن الجهاز الدبلوماسي الكفيل بالاستجابات حتى هذه اللحظة، ولا يكاد أحد يعرف – على سبيل المثال – على من تحل الرئاسة الحالية أو القادمة،إلا أن الدور المطلوب من أي بناء هيكلي يمثل كيان الدبلوماسية للدول الإسلامية أصبح يفرض نفسه وبصورة لا تحتمل الهروب ولا التأجيل.
ولكن إلى أين تسير الأمور؟كيف ستنتهي أزمات بيت المقدس وانتفاضاته ومعاناته؟
هناك نظرية التاريخ الطبيعي والتي أؤمن بها ،وتقول هذه النظرية في بساطة وحسم ” أن القدس لنا والأرض لنا لأننا احترمنا الأرض والمقدسات وكل ماهو مقدس “.
ذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنفسه إلى الكنيسة وأعطى العهد والتزم به،وكان من الذكاء بحيث أعلن حفاظه على حقوق الآخرين وجعله هذا الحفاظ يؤجل صلاته مع أن موعدها كان قد حل….في المقابل فإن قائدا عسكريا عرف ( على مدى عمره الطويل ) بأنه أخرق وأحمق أبى على نفسه إلا أن ينتهك الحرمات ليشعل النيران.
وليس من شك أن من حسن حظ الإسلام والمسلمين والعرب والفلسطينيين أن مستوى قيادات عدوهم انحدر حتى أصبح في مستوى نتنياهو وشارون….وقد قاد الانحدار باراك إلى حيث أصبح أقرب إلى زميليه أو إلى طريقهما.
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا