بقلم : سليمان جودة
لا تسأل الدكتور محمد الجوادي عمن أحبها ،فكتب فيها هذا الكلام،وجعله في كتابه الجديد ” أوراق القلب “.
إنك إذا ذهبت تسأله أفسدت عليه الحب،وعليك وعلينا كذلك.
لقد ” أحب فعف ” فكتب ،فهو شهيد من شهداء الهوى ،ممن يمشون على الأرض،ويجدون أشياء في القلب، ولا يجدون بدا من سرعة تسجيلها على الورق،وهي محفورة في القلب،وحتى هذه العملية،أي التسجيل،تنال من الهوى،لأنك تحسه ولا تستطيع وصفه إذ لا عقل ، ولا منطق ،ولا حساب في أحاديث الهوى ،وإنما تقرأها هكذا ،كما أحسها صاحبها،أو ندعها بغير فصال .
ولقد جعل الدكتور الجوادي كتابه الصادر عن ” دار الشروق ” على شكل رسائل عشق ووصال وفراق وجوى….إلى آخره.
وكنت كلما مضيت بين أنفاسه الملتهبة، ذكرت أحاديث الصوفية الكبار،وخاصة الشيخ” نجم الدين الكبري” الذي لما أصابه سهم من سهام الأعداء جعل ينظر إلى السماء،ويدور حول نفسه كما النحلة في مدارها وهو يردد : ” إن شئت فاقتلني بالوصال….أو بالفراق “وظل يردد هذه العبارة منتشيا حتى مات.
أما الدكتور الجوادي فلقد ظل ينتقل حائرا بين رسائل الأماني والتلاقي والافتقاد والاغتراب والافتراق،وهو حائر بين الحق والأحق.
ثلاثة أشياء كانت أمام عيني طوال صفحات أو أوراق الكتاب أو القلب….لافرق….
الأول أنه يتذوق الكلمة كما يحس الهمسة….إنهما عنده متساويتان تسيران على خطين متوازيين ولا تلتقيان.
والشيء الثاني أنه طبيب يهوى الحرف، يحترف الطب، والإنسان إذا هوى شيئا أحبه، وإذا أحبه أخلص فيه- عن غير قصد أو عمد- وأتقنه وأخرجه هكذا أوراقا من ” القلب”.
أما الشيء الثالث وربما الأهم،أنه طبيب ” قلب ” يداويه بالنهار ويغازله في المساء….ويصف له تذكرة ” المداواة ” نهارا ، ويبلل صفحات المناجاة ليلا….ثم يتساءل : متى أجد كتاب نماذج الإجابات الذي أستلهمه؟ ليس هناك من يعيرني هذا الكتاب،لأنك تحتفظين بالنسخة الوحيدة.
أعجبتني هذه اللحظة من الإفاقة….وقليلة هي اللحظات التي يفيق بها العشاق من خمر الهوى….أفاق فقال: في حياتنا متسع لكل الآمال، وليس فيها متسع لكثير من الحقائق….كل الناس يقولون إن الحقائق تنتصر لأنها الحاضر….وكان الزمن وحده يقول أن الآمال تنتصر لأنها المستقبل.
ظللت – في آخر رسائل الكتاب – أتناول فتياته الجميلات الرقيقات الطائشات، الودودات، الفاضلات، الفاتنات الحائرات….واحدة….واحدة وأمام فتاته الأولى والأخيرة وجدته يناجيها: ما جدوى أن أكتب بعض ما في قلبي إذا كنت تعرفين كل ما في هذا القلب ؟
ألقيت الكتاب،ساهما، كما فعل الشاعر….أقصد طبيب القلب من قبل، فلا يزال ولا أزال….ساهمين.
جريدة : الأهرام تاريخ النشر : 04 مايو 1995
للحصول على نسخة من الكتاب اضغط هنا