بقلم/ عماد حفني
- بين «مملكة فارسكور» و«جمهورية زفتى» عاش المصريون تاريخًا ثوريًا ضد المُحتل، سطره أبطالٌ أسطوريون صنعوا مجدًا ليورثوه لأحفادهم: أن افدوا دينكم وأوطانكم بدمائكم. وفارسكور هي إحدى مدن مُحافظة دمياط، وهي من مدن التاريخ المصري القديم، ومن أقدم المناطق المأهولة في مصر، ذكرها ياقوت الحموي في معجمه، وترجع تسميتها بهذا الاسم إلى فارس كورة بمعنى فارس القرية، وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل العظيم، في هذه البيئة التي تزخر برائحة التاريخ نشأ الدكتور محمد الجوادي أبو التاريخ طبيب القلب -والإنسان ابن بيئته- فكأن الجوادي ارتوى من التاريخ الذي صنعته فارسكور. ما كان للجوادي إلا أن يتشربَ هذا التاريخ ليصنع منه مجدًا يُقدّمه للأمة عبر مؤلفاته التي تخطت ما يحتمله عمر إنسان في مثل سنه وظروفه وتحمله للمرض، فقد كتب عشرات الكتب في كل مجال مما طالته قريحته المُتنوعة، ودبّج العديد من الكتب في تاريخ العلماء وتراجمهم، وتاريخ العلم ذاته، وكم انتشرت بحوثه في تاريخ الفكر الإسلامي، وفي التاريخ العربي والحوار الإسلامي الغربي، وكم كتب في تأريخ الحكومات ومناهج المؤرخين، وتاريخ الأدب واللغة والثقافة والصحافة، وكذلك في الفكر التربوي.
- مضى الدكتور محمد الجوادي العالم الموسوعي، الذي اشتُهر بلقب «أبو التاريخ» إلى ربه، بعيدًا عن الوطن، فبشراه بقول الحبيب المصطفى: «إنَّ الرجلَ إذا مات بغيرِ مولِدِه قِيسَ مِن مولِدِه إلى منقطعِ أثرِه في الجنةِ»، مضى بعد أن ترك بصماته العلمية في شتى نواحي العلوم الإنسانية، وكان من أبرز مؤرخي العصر وشاهدًا على الكثير من الأحداث التي مرّت بها الأمة، مضى وهو يحمل قلبًا مُعنًى بهموم الوطن، وجسدًا أنهكه المرض، مضى كما مضى أعلام كُثر من أبناء الأمة، وهامات تناطح السحاب علمًا ودينًا وحضارة، في زمن طفا فيه الغثاء، واستنسر البُغاث، وحسبنا قول الله تعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ، وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) ووسط هذا الغثاء الثقافي والفني والرياضي أما آن أن نحتفي بأهرامات الوطن المنسية في زحام العولمة البائسة، بعد أن أثبتت أحوال «الكرة» الأرضية أن هناك فرقًا شاسعًا بين من يعمل بعقله ومن يَكسِب تلال المال بقدميه؟!
المصدر : الجزيرة مباشر