الرئيسية / المكتبة الصحفية / اللازم والمتعدي (1)

اللازم والمتعدي (1)

[حوارات الدين والطب و السياسة/ 16]

[حوارات الدين والطب و السياسة/ 16]

في الأسبوع التالي لحواري السابق فوجئت بأستاذي يقول: يا محمد لقد كنت طوال اليوم في بالي، كنت أستعيدُ حديثك في الأسبوع الماضي عن اللازم والمتعدي وأنا أستمع اليوم إلى أحد مشايخ الإذاعة الجدد ، ولا أذكر اسمه، ولكنه دكتور من دكاترة جامعة الأزهر الجدد، فقد كان يبدو طوال حديثه فرحًا و جذلان بتمكنه من التفريق بين إنزال القرآن من السماء السابعة إلى السماء الأولى، ثم تنزيله على النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة سيدنا جبريل عليه السلام.

قلت: وماذا في هذا؟!

قال: ما دليله أو ما دليلك أنت على التفريق بين الإنزال والتنزيل؟ من أين أتي بهذا المعنى؟

قلت: هل عندك هنا نسخة من المعجم المفهرس (لألفاظ القرآن الكريم)؟

قال: لا أريدك أن تلجأ إلى الآيات التي ورد فيها النص القرآني بفعل الإنزال، والآيات الأخرى التي نزل فيها النص القرآني بفعل التنزيل ، فأنا أستطيع أن أفعل ذلك بنفسي دون حاجة إليك، ولكني أسألك: ما هو دليل هذا الدكتور على أن الإنزال هو ما حدث من السماء السابعة إلى السماء الأولى، وعلى أن التنزيل هو ما حدث بعد ذلك مما نعرفه، هل عندك فرق نظري بدون أن تستعمل المعجم المفهرس؟ وتشرح الآيات ببعضها.

قلت: نعم.

قال: تفضل.

قلت: هل تعرف الفرق بين الإقطاع والتقطيع.

قال: وهل هما من نفس المادة؟

قلت: نعم من نفس الجذر اللغوي.

قال في استنكار وتمكن يقاربان الإيحاء بحرصه على ازدراء محدثه : وهل عرف العرب القدامى الإقطاع والتقطيع؟ ألم تقولوا في التاريخ إن الإقطاع لم ينشأ إلا في أوروبا.. انتهى أستاذي من هذا القول وهو يظن نفسه قد حقق الضربة القاضية.

قلت: لن نعدم جذرا لغويا آخر عرف العرب به الإفعال والتفعيل.

قال (وكانت له ـ شأن جيله كما أقول ـ معرفة جيدة بالصرف): هل تريد أن تقول إن الإفعال هو عمل الشيء دفعة واحدة والتفعيل هو عمله على مراحل أو أجزاء؟

قلت: هو ذاك بالضبط.

قال: ولكن التفعيل له معانٍ كثيرة.

قلت: وكذلك الحال في كل صيغة من صيغ الأفعال المتعدية.

قال: وهل درس علماء اللغة هذه الجزئيات؟

قلت: نعم درسوها بالخبرة الكلية.

قال: وتحت أي مسمى؟ وما هو العلم الذي يعني بمثل هذا التفكير الحديث؟ وأين الكتاب الذي فيه هذه المعاني؟

قلت: كتب كثيرة في علم الصرف ولكن أشهرها وأبسطها هو كتاب «شذا العرف في فن الصرف» للشيخ أحمد الحملاوي.

قال: وهل هو متداول؟

قلت: نعم، وقد درّسه أبو رفعت المحجوب لابنه.

قال: ومن أدراك؟

قلت: بلدياتك الدكتور هيكل (كان الدكتور أحمد هيكل قد أصبح وزيرًا سابقًا في ذلك الوقت، وبقي عضوًا في مجلس الشعب ورئيسًا لإحدى لجانه، ولم يكن رفعت المحجوب قد اغتيل بعد).

قال: وكيف عرف ذلك؟

قلت: اختلفا في شيء فإذا بالمحجوب يحضر «شذا العرف».

قال: أتطالعه؟

قلت: بل إني أنوي تطويره لو أعطاني الله القدرة والعمر.

قال: إذًا فلا تبسطه للدرجة التي تبسط بها كل شيء في طب القلب.

قلت: أوذاك عيب؟

قال: نعم… وأنت تعرف ذلك ولكنك تصمم على منتهى التبسيط لتكسب.

قلت: ولكني لا أكسب.

قال: ومَنْ أدراك؟

قلت: ليس في يدي شيء مما في أيديكم.

قال: ولكنه في رصيدك.

قلت: أوتمنحني الأمل؟

قال: بل أخبرك أنني أعرف أسلوبك في الحياة.

قلت: وهل أخفى عليك شيئا؟

قال: لا… ولكنك لا تحسب حساب الآخرين الذين يتطلعون إلى إحراز بعض مجدك.

قلت: فماذا أفعل؟

قال: تسألني أنا.. اسأل أحدا من أعمامك (وكان يقصد بالتحديد أستاذين عزيزين علىّ كانا في ذلك الوقت يشغلان منصبي رئيس الجامعة ونائب رئيس الجامعة).

قلت: ما القصة وماذا جمعهما؟

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com