الشيخ محمد عبد اللطيف دراز (1890 ـ 1977) واحد من كبار علماء الأزهر المؤثرين الذين كان لهم حضور طاغ في الإدارة والسياسة و المجتمع كما كان صاحب أمجاد في ثورة 1919 وما بعدها وكانت له صلات سياسية وشعبية و أدبية متعددة ، كما كان علي الدوام وجها مشرفا و مشرقا في الحياة العامة والبرلمانية ، وامتدت هذه المكانة حتي ما بعد 1952 حيث صادف درجة معقولة من الاحترام لكنه لم ينج من الصدام المكتوم مع الرئيس جمال عبد الناصر ، ولولا هذا لأصبح شيخا للأزهر ، وقد كان من المدنيين القلائل الذين استطاعوا النجاح في انتخابات برلمان 1957 علي الرغم من تقدم سنه وحرص النظام علي عسكرة البرلمان .
نشأته
ولد الشيخ محمد عبد اللطيف دراز في محلة دياي مركز دسوق بمحافظة كفر الشيخ سنة 1890، وتلقي تعليما دينيا بدأه في الكتاب ثم في الازهر ودرس في معهد الإسكندرية في عهده الذهبي ، و تتلمذ على الأستاذين عبد الله دراز وعبد المجيد الشاذلي اللذين كانا من الفرسان الأربعة الذين اختارهم الشيخ محمد شاكر لهذا المعهد وحصل علي شهادة العالمية 1916 في سن السادسة والعشرين سابقا بهذا ابن جيله التالي له مباشرة في المولد والتخرج الشيخ محمود شلتوت 1893-1963 شيخ الازهر الذي حصل على العالمية في 1918 . وفيما بعد تخرجه اختير للتدريس في الازهر و عهد اليه بتدريس الجغرافيا والتاريخ والحساب .
ممارسته المبكرة للسياسة
بدأ الشيخ محمد عبد اللطيف دراز حياته السياسية وهو في العشرين من عمره عام 1910 عضوا في الحزب الوطني الذي أسسه الزعيم مصطفي كامل 1874-1908 ، وقد عرف هذا الزعيم قبل وفاته في 1908 ، كما أدرك الزعيم محمد فريد قبل هجرته في 1912 وتتلمذ في أنشطة هذا الحزب علي يد الشيخ عبد العزيز جاويش 1876- 1929 وإن حرصت كتابات مزورة على أن تسدل ستارا على هذه العلاقة في ظل ما هم معروف من الرغبة في طمس دور الشيخ جاويش .
دوره في ثورة 1919
كان الشيخ محمد عبد اللطيف دراز واحدا من أبناء الحزب الوطني الذين آثروا الالتحام بتيار الأغلبية في الحركة الوطنية بقيادة الوفد وسعد زغلول باشا (شأنه شأن النحاس باشا ) ، و قد تعرف إلى سعد زغلول باشا من خلال أمين الرافعي رئيس تحرير الأخبار وسرعان ما اصبح بفضل حيويته ونشاطه واحدا من قادة الشباب في ثورة 1919، وكون جماعة «الكفاح الإسلامية»، وكان من أوائل الذين نادوا بالوحدة الوطنية وعملوا علي تحقيقها، وقد بزغ اسمه مع الشيخ مصطفي القاياتي 1879- 1927، ومحمود أبو العيون 1882- 1951 ، كأبرز زعماء العلماء الأزهريين الشبان في القاهرة. وقد كانت للشيخ محمد عبد اللطيف دراز بصمات مميزة في بلورة حركة الكفاح الوطني و صياغة التعبير عنها ، و قد مكنته سعة أفقه من أن يصوغ كثيرا من العبارات الخالدة التي أصبحت من أيقونات ثورة 1919 وما تلاها من الكفاح من أجل الوطنية والديموقراطية و الدستور ، وعلى سبيل المثال فقد كان ممن شاركوا بصفة دائبة في التوكيد على الوحدة الوطنية مما أجهض محاولات الإنجليز المعتادة في استغلال الأقليات من أجل ضرب الوحدة الوطنية ، ومع أننا لا نملك دليلا موثقا فمن الشائع أنه هو وليس غيره هو من صك شعار الصليب مع الهلال تعبيرا عن انضواء الأقباط تحت راية الثورة .
قيادته للحرس الوطني واعتقاله وإبعاده عن القاهرة
وفي أثناء الثورة بلغ الاعتماد علي الشيخ محمد عبد اللطيف دراز أن أسند إليه منصب حكمدار القاهرة ، وذلك أنه كان يتولى مهمة قيادة للحرس الوطني الذي أنشأته ثورة 1919. وقد كان من نتيجة حركة الشيخ الدائبة أن رأت قوات الاحتلال البريطاني اعتقاله ، ونظرا لأن الانجليز كانوا حريصين على عدم جرح الشعور الديني للمسلمين فقد اكتفوا بأبعاده عن الحركة الثورية في العاصمة مع تحذير شديد له من الاستمرار في دعم الكفاح المسلح .
فصله من الأزهر في عهد صدقي باشا
كان الشيخ محمد عبد اللطيف دراز واحدا من العلماء الذين فصلتهم وزارة إسماعيل صدقي باشا في 1931 ، و على الرغم من محاولة صدقي باشا نفسه استرضائه باستقباله والتلويح بتعيينه عضوا في المحكمة الشرعية فإنه ظل مقاوما لصدقي باشا ومعترضا على سياسات الشيخ الظواهري .
دوره في ثورة 1935 بأبعادها الثلاثة
كان للشيخ محمد عبد اللطيف دراز دور مؤثر في ثورة الازهر التي ارتبطت برباط وثيق مع ثورة الطلبة 1935 ومع ثورة الشعب ضد مخازي الإيطاليين في ليبيا ، و نجحت هذه الثورة في دفع الزعماء الي التحالف من اجل الاستقلال ، و في إعادة الشيخ المراغي لمشيخة الازهر. ومما يروى أنه كان من العلماء الستة الذين وقعوا بيانا شديد اللهجة ضد فظائع الإيطاليين التي وصلت إلى حد إعدامهم للزعيم الليبي عمر المختار 1931 .
عودته لعمله مع عودة المراغي للمشيخة
في العهد الثاني للشيخ المراغي عين الشيخ محمد عبد اللطيف دراز وكيلا لمعهد القاهرة الديني (1936)، ثم اختير مفتشا للعلوم الشرعية والعربية (1937)، فشيخا لمعهد الزقازيق الديني (1943)
انتخابه للبرلمان 1946 واستقالته منه
شارك الشيخ محمد عبد اللطيف دراز في العمل البرلماني ، وخاض انتخابات برلمان 1938 ، وانتخب عضوا عن دائرة شباس في مجلس النواب (1945) وهو المعروف ببرلمان السعديين، و كانت تربطه علاقة وثيقة بالنقراشي و احمد ماهر منذ ثورة 1919 . لكنه آثر في فبراير 1946 أن يستقيل من البرلمان ليحتفظ بوظيفته الأزهرية المرموقة ، ومن الطريف أن الذي خلفه في دائرته هو منافسه التقليدي عبد السلام الشاذلي باشا .
استقالته من الهيئة السعدية
تبنى الشيخ محمد عبد اللطيف دراز طلبا برلمانيا للحكومة بالسعي لعودة الزعيم العراقي رشيد عالي الكيلاني إلى العراق أو إلى أي وطن إسلامي يدفن فيه ، وأخذ يجمع التوقيعات من أجل هذا الطلب ، ولم يكن صديقه النقراشي باشا رئيس الوزراء من أنصار هذا الرأي حفاظا على العلاقات مع النظام الملكي في العراق ، و هكذا استقال من الهيئة السعدية .
المناصب الكبري التي تهيأت له في الازهر
اختير الشيخ محمد عبد اللطيف دراز سكرتيرا عاما للجامع الأزهر والمعاهد الدينية في أكتوبر 1944 في عهد الشيخ المراغي ، و ذلك مع تشكيل وزارة احمد ماهر الأولى ، ثم اصبح مديرا عاما للجامع الأزهر (1946).
اختياره وكيلا للأزهر
كان الشيخ محمد عبد اللطيف دراز مرشحا لتولي مشيخة الأزهر عقب 23 يوليو لولا أن زوج ابنته كان هو الشيخ الباقوري الذي تولى منصب وزير الأوقاف في سبتمبر 1952 ولهذا فإنه في أكتوبر1952 عين الشيخ محمد عبد اللطيف دراز هو والشيخ محمد نور الحسن وكيلين للأزهر بعد تعيين الشيخ محمد الخضر حسين شيخا للأزهر بأيام قليلة .
استقالته من منصب وكيل الأزهر
في حديث للشيخ محمد عبد اللطيف دراز في جمعية الشبان المسلمين انتقد الرئيس جمال عبد الناصر على ما كان لمز به الأزهر ورجاله ، وكان رجال النظام الجديد يعبرون له عن الاستياء من زيارته لفؤاد سراج الدين على الرغم من تحذير الضباط له بالكف عن زيارته ، ومن ثم كان لا بد له من أن يستقيل ، وكان هذا مواكبا أيضا لاستقالة الشيخ محمد الخضر حسين احتجاجا على إلغاء القضاء الشرعي و المحاكم الشرعية . و قد خلفه في هذا المنصب زميله المولود معه في العام نفسه الشيخ الحسيني سلطان 1890- 1972.
انتخابه عضوا في برلمان (1957)
وفيما بعد استقالته من منصب وكيل الأزهر وخلافه المكتوم مع الرئيس عبد الناصر مارس الشيخ محمد عبد اللطيف دراز السياسة بتحفظ يتوازى مع سنه ومكانته السياسية السابقة. انتخب عضوا في مجلس الأمة (1957).
إسهامه في جمعية الشبان المسلمين
شارك الشيخ محمد عبد اللطيف دراز في تأسيس جمعية الشبان المسلمين ، وظل معروفا كرمز من رموزها كما واظب على المشاركة في نشاطها و ندواتها .
عضويته في جمعية اخوان الصفا الأدبية
كان الشيخ محمد عبد اللطيف دراز عضوا في جمعية “إخوان الصفا” وهي جمعية أدبية كان يرأسها الشيخ عبد ربه مفتاح ( المتوفي 1938) ، وكان من أعضاء هذه الجمعية الشيخ محمود أبو العيون ، والشيخ محمود شلتوت.
تكريمه
نال الشيخ محمد عبد اللطيف دراز كسوة التشريفة 1941 كما منح اسمه وسام العلوم والفنون في الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر
وفاته
توفي الشيخ محمد عبد اللطيف دراز في 1977