من المعروف على نطاق واسع (إن لم يكن على كل الجبهات ) أن الرئيس أنور السادات نجح في إجهاض انقلاب مبكر في مايو 1971 و قد سمي هذا النجاح بثورة 15 مايو أو على الأقل بالحركة التصحيحية، ويكاد يكون من المتفق عليه أن هذا النجاح لم يكن وليد مصادفة وإنما كان نتيجة النجاح في سيناريوهات بديلة خطط لها السادات، ومهما قيل عن مساعدة محتملة من المخابرات المركزية الأمريكية أو أية مخابرات غربية ( بما فيها المخابرات السوفيتية نفسها ) فإن كل هذا لا يرقى مع أهميته القصوى إلى أكثر من عامل مساعد من الدرجة الرابعة بعد توافر عناصر النجاح للسادات عبر إرادته، وبإرادة قيادة القوات المسلحة، وإرادة الحرس الجمهوري، وإرادة القوى الشعبية الفاعلة في الشارع من قبيل جماعات البرلمان النشطة واتحاد العمال وذلك في مواجهة التنظيم الطليعي والاتحاد الاشتراكي اللذين كانا في صف انقلاب 1971.
مذكرات الفريق صادق
لكن السر الذي لم تنكشف أبعاده إلا حين نشر الفريق أول محمد أحمد صادق مذكراته أو بالأحرى نشر الكاتب الكبير الأستاذ عبده مباشر مذكرات الفريق صادق التي كانت مكتوبة بالفعل، وكانت تضم مقالات كان الفريق صادق قد رد بها على الصحافة، في أكثر من موضع، وأكثر من مناسبة، بل إن من المذهل أن هذه المقالات بدأ بنشرها في عهد السادات نفسه في جريدة الشعب في 1980، وتصدى الفريق صادق بكل حرية لتسفيه إحدى روايات السادات عن الفترة التي سبقت حرب أكتوبر 1973 (وهي رواية ذكرها في خطابه بمجلس الشعب مايو 1980) وهي الرواية الخاصة بأنه -أي السادات- لاحظ ارتفاع سور الجهة الشرقية للقناة عن ساتر الضفة الغربية مما يجعل قواتنا مكشوفة تماماً أمام العدو .. وقد كان رد الفريق صادق -رغم ما بدا من تهذيبه واعتزازه بالسادات وبنصر أكتوبر العظيم- حريصا على تسفيه هذه الفكرة بأسلوب عسكري معروف لا يغير من الأمر شيئا لكنه يحفظ للرجل الذي هو الفريق صادق حقه في الاعتراف بأداء واجبه على نحو لائق بتاريخه.
من المهم هنا أن نشير إلى أن المجلة العربية الأسبوعية التي كانت تصدر للهجوم على السادات في باريس نشرت مذكرات كلا من الفريق أول محمد فوزي، والفريق سعد الشاذلي رغم اختلافهما مع بعضهما، لكن الفريق محمد أحمد صادق رفض عرض هذه المجلة لشراء مذكراته بأي ثمن (كما يقولون) على الرغم من أنه كان رئيسا لأركان الأول (أي الفريق فوزي) وكان الثاني (أي الشاذلي) رئيسا لأركانه!!
زيارة سرية
و من أهم الاسرار التي مررها الفريق صادق في هذه المذكرات أنه في 8 أكتوبر 1971كان يرأس وفداً مصريا إلى موسكو للتباحث مع السوفييت في شأن الأسلحة، وقد استقبله السادات قبل سفره مباشرة وأنهى إليه تعليماته الخاصة بالزيارة، ولم يكن هناك ما يدل على أن السادات ينوي زيارة الاتحاد السوفييتي عن قريب، لكن الفريق صادق حسب روايته فوجئ بأن السادات يلحق به في موسكو على غير انتظار، وأنه يقضي ثلاثة أيام في المباحثات مع القادة السوفييت ويعود إلى القاهرة تاركا الفريق صادق ليستكمل ما كان بدأه من مباحثات.
الآن وبعد خمسين عاماً من هذه الواقعة 1971-2021 نستطيع أن ندرك بدون إرهاق أن السادات قد علم بطريقة من الطرق (مصرية أو أمريكية) وعن طريق الصواب أو الخطأ (أو التآمر) أن السوفييت سيعرضون على الفريق صادق أن يساعدوه ليحل محله -السادات- سواء أكان صادق يعرف بنيتهم أم لا يعرف، وسواء أكان سيوافق أو لا يوافق؟ لكن مسار الأحداث ينبئ عن هذا حسبما يرويه الفريق صادق نفسه حين يقول بعد تحليل ظاهري أنه وفي أعقاب حفل عشاء رسمي عند وصول الرئيس السادات كان من الواضح أن ليونيد بريجنيف (الرجل الأول في الاتحاد السوفييتي) وجريتشكو (وزير الدفاع) قد اضمرا أمرا فقد أحاطا بي أي بالفريق صادق وأمسك الأول بذراعي، وتأبط الثاني ذراعي الأيسر، وخرجنا من الباب بهذه الصورة ومن خلفنا الرئيس السادات يتأبط ذراعيه كل من بودجورني رئيس الدولة وجروميكو وزير الخارجية..
يعقب الفريق صادق بسطرين متتاليين يطرحان رؤيتين قابلتين للصواب، فيقول في السطر الأول إن الرسالة كانت واضحة للرئيس السادات، وإنهم يفضلون الفريق صادق ويراهنون عليه! ويقول في السطر الثاني: وهذه الرسالة ليست أكثر من تحريض للسادات ليتخلص مني وأن يكون أكثر تساهلا معهم!
لكل من التفسيرين محله من الإعراب، لكن السادات لم يؤجل قراره بالمواجهة في الجبهتين على نحو ما نعرف!