النحاس باشا يصل الى نقض اتهام ماهر والنقراشي بحوادث الاغتيال
(37) هذه الحوادث ذكر تفصيلها لأول مرة في تقرير شفيق منصور الرقيم 18 يوليو سنة 1925 بعد الحكم عليه بالإعدام. أما قبل ذلك فلم يذكر تفصيلا لهذه الحوادث أصلا بل أنه قرر في تقرير 13 أبريل ما يأتي : للحقيقة ولقول الحق أقول: لا أتذكر ولا يمكنني أن أتذكر مع من كانت المناقشة الخاصة بكل حادثة من الحوادث وسترون أنه بعد الحكم عليه بالإعدام تذكر. وفي تحقيق 21 مايو بعد ما أحيل على محكمة الجنايات قال شفيق أما الحوادث السابقة الخاصة بالوزراء فكان يشتغل فيها فروع أخرى وقد مضى عليها زمن طويل والبحث فيها لا يجدي لأن الأشخاص الذين اتهموا فيها لم يعترفوا وسبق الحكم عليهم ، وهؤلاء الأشخاص لو اعترفوا يمكنهم أن يقيموا الدليل على الجمعيات بوجوه كثيرة. وهذا وذاك يدل على عدم إمكانه إعطاء أي تفصيل عن هذه الحوادث وهو لم يعط هذا التفصيل إلا بعد الحكم عليه بالإعدام في تقرير 18 يونيو 1925
وهنا دارت المناقشة الآتية:
- النيابة (حضرة سيد بك مصطفى) : لقد ذكرت ما يتعلق بهذا التقرير وأنا مستعد للإجابة عنه وهو أنه كان موجودا في النيابة في 15 يونيو للاطلاع عليه وظاهر من المحضر أن التقرير كان بغير تاريخ ولذلك قلنا اطلعنا على تقرير شفيق منصور الخاص بأقواله بعد صدور الحكم عليه إلخ ثم ردته النيابة لوضع التاريخ عليه وفي يوم 18 يونيو نُظرت المعارضة ، والنيابة طلبت الإفراج لأن شفيق قدم تقريرا ثم ضم التاريخ على التقرير وأعيد للنيابة.
- الغرابلي باشا: لكن التقرير وضعت عليه ثلاثة تواريخ 18، 19، 20 يونيو
- النيابة : لا
- النحاس باشا : تناول التقرير من يد وكيل النيابة واطلع عليه أرجو أن يثبت حضرة القاضي أن تاريخ التقرير وصلبه مكتوبان بحبر واحد وبخط واحد مما يدل على أنهما كتبا في وقت واحد لأنه مما لا شك فيه أنه إذا كتبنا كتابة الآن ثم زدنا عليها بعد أيام عبارة أخرى فلابد أن يظهر هناك اختلاف في لون الحبر، هذا والتقرير مكون من 32 صحيفة تنتهي بإمضاء شفيق منصور وموضوع عليها التاريخ ثم ورقة أخرى عليها نمرة 33 وتنتهي أيضا بالتاريخ والإمضاء.
- القاضي: إن التقرير مكون من 32 صحيفة وعليها إمضاء شفيق منصور في 18 يونيو 1925 ثم مضاف عليه ورقة عنوانها جمعية الدفاع الوطني وعليها نفس التاريخ مكتوب بخط الورقة الأخيرة.
- النحاس باشا: هل في الورقة الأخيرة شيء خاص بحادثة المرحومين حسن باشا عبد الرازق واسماعيل بك زهدي.
- النيابة: لا … وهذه الحادثة مدونة في صحيفتي 11و 12.
- أحمد بك لطفي: خطاب الحكمدار الذي أرسل به التقرير المذكور للنائب العمومي مذكور فيه أن معه خطابا من الضابط المكلف بحراسة المسجون شفيق منصور فأين هذا الخطاب؟
- النيابة : الخطاب موجود وها هو ذا؟
- النحاس باشا: تلا النحاس هذا الخطاب وهو محرر باللغة الإنجليزية وتاريخه 20 يونيو 1925 وتلا خطاب الحكمدار وتاريخه 20 يونيو أيضا .
النحاس يقول للقاضي :أظن أنه ليس من المصلحة أن أفصل أكثر من ذلك.
واصل النحاس باشا مرافعته فقال:
يتضح من ذلك أن التقرير المذكور لم يرسل لسعادة النائب العمومي إلا في 20 يونيو1925 والنيابة تقول إن هذا التقرير كان أرسل إليها قبل ذلك بدون تاريخ فاطلعت عليه وأثبته حضرة سيد بك مصطفى في محضرة في 15 يونيو ثم رده وتفسير ذلك أن النيابة اطلعت على هذا التقرير قبل أن يتم وضعه وأظن أنه ليس من المصلحة أن أفصل أكثر من ذلك.
النحاس يجاهر باكتشافه صناعة التقرير قبل أن يبيضه شفيق
وتعليل النيابة الذي ذكره حضرة السيد بك مصطفى اليوم غير صحيح بدليل أن كتاب الحكمدار لسعادة النائب العمومي تاريخه 20 يونيو 1925 ومرفق به خطاب الضابط الإنجليزي المكلف بحراسة شفيق إلى الحكمدار وتاريخ 20 يونيو أيضا ومعنى ذلك أن هذا التقرير لم يخرج من يد شفيق رسميا إلى يد ذلك الضابط إلا في ٢٠ يونيو 1925 فلم يرسل النائب العمومي قبل ذلك بأيام، وإلا لكان ظهر أمام حضرتكم خطاب من الضابط الإنجليزي بإرسال هذا التقرير إلى الحكمدار ثم الخطاب من الحكمدار إلى النائب العمومي قبل يوم 15 يونيو 1925 الذي أثبت فيه السيد بك في محضره أنه أطلع على هذا التقرير.
- وهيب بك دوس : إن عبارة الخطاب الصادر من سعادة الحكمدار إلى سعادة النائب العمومي [قاطعة] في أنه لأول مرة تحصل مخابرة بشأن هذا التقرير حيث يقول فيه ومعه تقرير من المسجون شفيق منصور مكون من 33 صحيفة حيث طلب شفيق إرساله لسعادتكم وهذه الدلالة بذاتها ظاهرة من خطاب سجان شفيق إلى الحكمدار بما يقطع في استحالة أن يكون التقرير أرسل قبل ذلك ثم أعيد لوضع التاريخ عليه.
النحاس يواجه النيابة : التقارير تطبخ بمعرفتكم جميعا
- النحاس باشا : فلتفسر لنا النيابة ذلك
- النيابة: فسروا أنتم.
- النحاس باشا ، تريد أن أفسر إذاً أفسر ، وتفسيري أن هذه التقارير تطبخ بمعرفتكم جميعا، أفسر أكثر من ذلك ، وهو أن هذه التقارير ترتب في معمل مخصوص ، جزءا جزءا وهذا المعمل يطلع النيابة على ما حضره جزءا جزءا ، وأن النيابة في يوم 15 يونيو 1925 قبل أن يتم وضع جميع الأجزاء الخاصة بهذا التقرير في المعمل المخصوص وقبل أن تعطي إلى شفيق منصور لينسخها ويوقع عليها ، وقبل أن ترسل رسميا من الضابط الحارس ، إلى الحكمدار ومنه إلى النائب العمومي.
النحاس يتهم النيابة العمومية في مجلس القضاء
و وجه النحاس باشا حديثه الى هيئة المحكمة بثقة وجرأة وحماسة وقال :
- النحاس باشا : ” أكتبوا هذا عني وانشروه على الملأ وقولوا: ” إني أتهم علنا وفي مجلس القضاء النيابة العمومية بالاشتراك مع رجال السلطات في التدبير لاغتيال ماهر والنقراشي. والدليل ثابت مادي لا يمكن للنيابة أن تخرج منه بأي حال من الأحوال دليلي الخطاب الرسمي الصادر من الحكمدار بإرسال هذا التقرير إلى سعادة النائب العمومي بتاريخ 20 يونيو 1925 ونصه حرفيا: حضرة صاحب السعادة النائب العمومي لدى المحاكم الأهلية. نتشرف بأن نرسل لسعادتكم هذا الخطاب الوارد لنا من الملازم أول هيزرس المعين بسجن مصر للمحافظة على المحكوم عليهم في قضية مقتل المأسوف عليه السردار ومعه تقرير من المسجون شفيق منصور مكون من 33 صفحة حيث طلب إرساله لسعادتكم تحريرا في 20 يونيو والخطاب المرسل من الضابط هيزرس المذكور إلى حكمدار بوليس القاهرة باللغة الإنجليزية وترجمته ما يلي: (سيدي) مرسل مع هذا تقرير مكون من 33 صفحة عمل بمعرفة المسجون شفيق منصور وطلب مني أن ترسل إلى سعادة النائب العمومي. تحريرا في 20 يونيو 1925. وإنه لا يوجد في الأوراق أي خطاب صادر من الحكمدار إلى سعادة النائب العمومي بإرسال هذا التقرير قبل هذا التاريخ إليه أي قبل تاريخ 20 يونيو ولا جواب من الضابط المكلف بحراسة شفيق منصور بإرسال هذا التقرير من السجن إلى حكمدار العاصمة قبل هذا التاريخ أيضا أي تاريخ 20 يونيو ، ولا خطاب من النيابة إلى حكمدار العاصمة برد ذلك التقرير إلى الحكمدار لوضع تاريخ عليه ، وأن خطاب الحكمدار ذاته المحرر في التاريخ المذكور صريح في أن التقرير أرسل لأول مرة من الضابط الحارس إلى الحكمدار ، ومن الحكمدار إلى النائب العمومي.
- أريد أن أضيف عبارة بسيطة على ما قلته ردا على حضرة وكيل النيابة بأن هذا التقرير كان قد ورد إلى النيابة فوجدته غير مؤرخ فردته لوضع التاريخ عليه أقول علاوة على ما قلته إن هذا التعليل غير معقول إذ إن إعطاء الأوراق تاريخا يكفي فيه أن يثبت عليه حضرة النائب تاريخ وروده إليه كما هو المتبع في جميع الأقوال ، وكما هو المتبع في هذه القضية أيضا فإنه يوجد في الأوراق لشفيق منصور ذاته بدون تاريخ فما كان هناك حاجة تدعو إلى رد تقرير 18 يونيو لمجرد وضع تاريخ عليه ، وإلى هنا كفاية.
- أحمد بك لطفي: ألاحظ أن جواب العسكري الإنجليزي مكتوب باللغة الإنجليزية بالآلة الكاتبة وليس معروفا أن في السجن العمومي آلة كاتبة أفرنجية ولا كتبة يكتبون عليها والذي استنتجته أن هذا الخطاب كتب مع خطاب الحكمدار في المحافظة في وقت واحد ، ولم يسلم التقرير مباشرة من شفيق إلى سجانه ، والمفروض أن التقرير بعد أن كتب في جهة أخرى وتقدم للنيابة أو إلى أولي الشأن أعيد إلى المحافظ ليرسل إلى النيابة بطريقة رسمية.
- النحاس باشا: أرجو أن يؤشر حضرة القاضي على الخطابين ويثبت في المحضر أنه أشر عليهما.
- حضرة القاضي أجابه إلى طلبه.
- النحاس باشا: أعود بعد ذلك إلى الكلام عن حوادث الاغتيال حادثة/حادثة. قلت لحضرتكم إن شفيق قرر في تقريره أنه لا يتذكر ولا يمكن أن يتذكر مع منْ كانت المناقشة الخاصة بكل حادثة من الحوادث وأنه في 21مايو قرر أن هذه الحوادث مضى عليها زمن طويل والبحث فيها لا يجدي لأي الأشخاص الذين اتهموا فيها لم يعترفوا. وسبق الحكم عليهم وهؤلاء الأشخاص لو اعترفوا يمكنهم أن يقيموا الدليل على الجمعيات بوجوه كثيرة ولكنه بعد ذلك وبعد الحكم عليه بالإعدام أمكنه أن يتذكر وأن يذكر تفصيل الحوادث حادثة / حادثة وذكر ذلك في تقرير 18 يونيو 1925 تحت إشراف البوليس وغيره من السلطات كما سبق بيانه.
الحادثة الأولى: حادثة يوسف باشا وهبة
(38) ذكر شفيق لأول مرة تفاصيل هذه الحادثة في تقرير 18 يونيو 1925 فأنكر ذلك الذي قرره من قبل أنه لا يمكنه أن يتذكر شيئا من التفاصيل متى وقعت الحادثة وأين تقررت وأسماء الذين اشتركوا في تقريرها ومن ندب لتنفيذها ومن ندب لتمرين المنفذ ومن سلم القنابل إليه.
فقال: إنها وقعت في ديسمبر سنة 1919وإنها تقررت في منزل الصوفاني بك بحضور الصوفاني بك وعبد الرحمن الرافعي بك و ماهر وشفيق ومصطفى حمدي وإنه أخذ رأي النقراشي بك على انفراد وانتدب مصطفى حمدي من فرع تابع إلى عبد الحي كيره الذي كان تابعا إلى ماهر وذهب مصطفى حمدي معه للقيام بالتمرين وأنه في يوم الحادثة سلمت إليه قنبلتان ومسدسان وبالطو أصفر على ما يتذكر. ذكر هذه التفاصيل بعد الحكم عليه بالإعدام فهل لهذه الأقوال نصيب من الصحة؟ كلا فقد كذبه جميع الأحياء من الأشخاص الذين ذكرهم في كل ما اداه فكذبه الرافعي بك وماهر والنقراشي وكذبه عريان يوسف سعد في تحقيق 26 ديسمبر سنة 1925 وقرر عريان يوسف هذا أن القنبلة اشتراها من طلياني وأن مصطفى حمدي لم يرافقه وأنه لا يعرفه مطلقا وأنه لم يذهب إلى منزل الصوفاني مطلقا ولم يكن عضوا في جمعية سرية لارتكاب الجرائم مطلقا. وعريان هذا هو الذي حكم عليه في هذه الحادثة ونفذ الحكم عليه وبقي في السجن إلى أن أفرج عنه مع المجرمين السياسيين في سنة 1924.
هذه يا حضرة القاضي من الحوادث التي قلت لحضراتكم عنها إن العفو شملها ومع ذلك فرّق فيها بين الأشخاص فصرف النظر عن اتهام بعضهم ويقدم فيها الآن الأشخاص المتهمون الأربعة ماهر والنقراشي والشيشيني والبيلي. هذه الحادثة ارتكبت في 15 ديسمبر وإليكم دليل مادي يكذب شفيق منصور فيها وهو أن النقراشي كان لغاية 10 ديسمبر سنة 1919 في السويس ناظرا للمدرسة الأميرية وانتدب مديرا للتعليم في مجلس مديرية أسيوط في 11 ديسمبر سنة 1919 ولم يأخذ إجازة إلا ثلاثة أيام من 11 ديسمبر للسفر من السويس إلى أسيوط. فلم يكن مروره على مصر في هذا الوقت كافيا لأخذ رأيه في هذه الحادثة كما يدعي شفيق خصوصا أن شفيق هذا قرر في 13 أبريل أن النقراشي لم يدخل الجمعية إلا بعد ما تمت حوادث اغتيال الوزراء فلا يمكن أن يكون قد دخل الجمعية في ذلك التاريخ 15 ديسمبر أو قبل 15 ديسمبر ولا أخذ رأيه فيها.
هذه هي الحادثة برمتها ولا دليل عليها إلا الأقوال التي كتبها شفيق منصور وقد كذبه فيها جميع الأشخاص والماديات. وهي لا تؤخذ إلا على سبيل الاستدلال وقد سلمتم معنا بذلك فلابد من دليل يعززها ولا يوجد هذا الدليل :
- وإني أتحدى النيابة أن تذكر لي أي شيء يعزز أقوال شفيق عن هذه الحادثة وانتظر منها الجواب.
- إنها لا ترد
- إذاً النيابة تقر بسكوتها أنه ليست لديها دلائل أخرى تعزز بها أقوال شفيق منصور فهل تأخذون يا حضرة القاضي على ضميركم بأن تحيلوا هؤلاء المتهمين في هذه الحادثة إلى محكمة الجنايات بناء على أقوال شفيق منصور تلك الجثة الهامدة وتضربون صفحا عن كل ما يناقضها إني أربأ بكم عن أن تقبلوا ذلك على أنفسكم.
الحادثة الثانية: حادثة إسماعيل سري باشا
(39) الحادثة الثانية هي الخاصة بإسماعيل سري، وقعت في 26 يناير سنة 1920 وأقول فيها ما قلته في سابقتها فقد قال شفيق منصور في تقرير 18 يونيو الذي ظهر بعد حكم الإعدام أن هذه الحادثة تقررت في منزل الصوفاني بحضور ماهر والصوفاني وشرارة والرافعي بك وشفيق منصور وانتدب ماهر للعمل واختير أحمد توفيق للتنفيذ وهو من فرع كيرة وجرح في ظهره من القنبلة وقد كذبه شرارة والرافعي ودوسيه القضية المذكورة يكذبه كذلك.
وهناك حادثة مادية تكذبه أيضا فقد كان النقراشي بك في هذا التاريخ في أسيوط مديرا للتعليم في مجالس المديرية ابتداء من 11ديسمبر سنة 1919 إلى 20 يونيو1920 ولم يأخذ إجازة مطلقا وكان محالا عليه أن يحضر مصر بغير إجازة لأنه كان من الموظفين المبعدين عن مصر خصيصا لظهورهم في الحركة الوطنية. فضلا عما قاله عنه شفيق منصور في 13 أبريل من أنه لم يدخل الجمعية إلا بعد أن تمت حوادث الوزراء فكيف مع ذلك يتهم في هذه الحادثة. إن هذه الواقعة المادية تكذب شفيق في كل ما ادعاه، ولا يوجد في القضية إلا أقوال شفيق تلك الجثة الهامدة فهل نصدقه ونكذب الأحياء؟ في شرع من هذا؟ وإني أتحدى النيابة أن تذكر لي دليلا يعزز هذه الأقوال
- النيابة سكتت ولا جواب.
- إذاً تقر النيابة بسكوتها أن ليس لديها في هذه الحادثة سوى أقوال شفيق منصور ولا يسمح ضمير القاضي بأن يحيل المتهمين إلى محكمة الجنايات بهذه الأقوال.
الحادثة الثالثة : حادثة شفيق باشا
(40) وقعت هذه الحادث في 22 فبراير سنة 1920 ومن المدهش أن يأتي شفيق المضطرب فيذكر في هذا التقرير نفسه الحادثة بأشخاصها فهل بهذه الأقوال التي تكذب نفسها يسمح لكم ضميركم بأن تحيلوا المتهمين إلى محكمة الجنايات؟ لا أظن هذا أبدا.
وقد علمتم مما سبق من هذه السلطات المتكالبة على هذا الاتهام من الإنجليز والمصريين بقول شفيق ويغلب على ظني أن عبد القادر شحاته اختير من لدن الفرع التابع للنقراشي وقد قرر عبد القادر شحاته حرفيا أنه أحضر القنبلة من شخص يسمى فهمي وقد سئل خصيصا هل تعرف النقراشي فقال لا أعرف النقراشي قبل السجن أبدا وقد ذهبت إليه بعد السجن ليوظفني فلم يتيسر لي مقابلته وقرر أنه لا يعرف ماهر أيضا.
وقعت الحادثة في 22 فبراير سنة 1920 وكان النقراشي في أسيوط كما تقدم بيانه فكان محالا أن يشترك في هذه الحادثة كغيرها من حوادث الوزراء كما بيناه سابقا. ليس في هذه الحادثة أيضا غير أقوال شفيق منصور .
- وأسأل النيابة عما إذا كان لديها شيء آخر يعززها
- النيابة سكتت.
- إذاً لا يوجد غير أقوال شفيق منصور فهل يسمح ضميركم يا حضرة القاضي بأن تحيلوا المتهمين بمقتضاها إلى محكمة الجنايات.
الحادثة الرابعة: حادثة حسين باشا درويش
(41) ذكر شفيق منصور أيضا أنها تقررت في شهر مايو سنة 1920 بالمنزل المذكور أي بمنزل الصوفاني بحضور السابق ذكرهم عدا شرارة بك الذي انقطع تقريبا من ذلك التاريخ ، ونلاحظ أنه قرر قبل ذلك أن شرارة انقطع من تاريخ تعيينه قنصلا في ليون ثم إلى باريس وهو ما لم يحصل إلا في أواخر سنة 1923
مع أن الحادثة حصلت في سنة 1920 وهذا يدل على اضطرابه في أقواله التي لا يصح بأي حال الأخذ بها والحقيقة أنه لا ماهر ولا النقراشي ولا شرارة ولا الشيشيني لهم يد في تلك الحوادث وإنما هي التأثيرات الأثيمة التي وضعت تلك الأقوال علي لسانه فقد كان يكتب له تقرير ويرسل إليه ليبيضه ويوقع عليه.
وقد ورد في هذا التقرير أن أحمد توفيق التابع لعبد الحي كيره هو الذي قام بالحادثة وأن ماهر سلمه القنابل عن طريق كيره ولم يذكر دليلا على ذلك وقال ما يدل على الغرض الذي من أجله كتب هذا التقرير ما يأتي: يُلاحظ أن جميع هؤلاء الأشخاص كانوا يستحضرون بواسطة ماهر والنقراشي لاتصالهم بهم ومعرفتهما لهم معرفة تامة. ، هذه هي لازمته التي تدل على غرضه ، أو غرض المُغرين له، ذلك غرضهم إيقاع ماهر والنقراشي على أي حال.
ومع أن النقراشي كان في ذلك الوقت في أسيوط أيضا كما سبق بيانه وكان يستحيل أن يشترك في هذه الحادثة بناء على ذلك وعلى ما جاء في تقرير شفيق منصور الرقيم 13 أبريل من أنه لم ينضم إلى الجمعية إلا بعد أن تمت حوادث الوزراء. و إذاً هذه الحادثة لا دليل عليها إلا أقوال شفيق منصور
- فهل عند النيابة دليل آخر؟
- النيابة سكتت.
- إذاً ليس عندها أي شيء آخر خلاف أقوال شفيق منصور ولا يسمح لكم ضميركم بأن تحيلوا المتهمين على محكمة الجنايات بناء على هذه الأقوال.
ثم دارت المناقشة الآتية:
- النحاس باشا : إني تعبت وأرجو أن يُسمح بتأجيل استمرار المرافعة للغد.
- القاضي : يمكنك أن تتم دفاعك الآن.
- النحاس باشا: لا أستطيع فلا يزال لدي في الدفاع شيء يستغرق بعض الوقت أيضا لقد كان التحقيق سريا في النيابة أشبه بما كان يجري في محاكم التفتيش وقد استمر شهورا عديدة فهل لا يسمح لنا بأن نأخذ يوما بل أياما لإظهار خفاياه.
- القاضي: إن لدينا أشغالا
النحاس يشكو النيابة
- النحاس باشا: يا حضرة القاضي إنا نستخلص لك هذه الخلاصة الدقيقة من الأوراق حتى نجعل المسألة واضحة نيرة ونخرج بكم من ظلمات هذا البحر المضطرب الذي أوجدت النيابة العمومية القضية فيه ، إذ يظهر أنها تريد أن يبقى الأمر مضطربا بدليل أنها عندما شرعت في نسخ أوراق القضية خالفت ما كنا متفقين معها عليه بأن تبدأ نسخ الأوراق الجديدة حتى نطلع عليها في الوقت المناسب ثم تردفها بالقضايا القديمة ولكنها عكست الموضوع فكانت تنسح أولا القضايا القديمة وتؤخر نسخ التحقيقات الجديدة ويظهر أن ذلك حصل لكي لا يكون لنا متسع من الوقت لاستخلاص الحقيقة من هذه الأوراق الكثيرة ويبقى الأمر في الاضطراب فيسهل بذلك إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات ولكن واجبنا أن نساعد القاضي على تنوير المسألة وتبسيطها، وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن نصل إلى ذلك في الوقت القصير الذي كان أمامنا ونأمل في أن يقوم بأنفسكم عندما تتبينون من هذه الخلاصة الصحيحة ما قام بأنفسنا من جراء اتهام هؤلاء المتهمين بالباطل فتنقذونهم من أيدي المتآمرين عليهم فإن القضاء العادل المنزه من الأغراض ،وعن التأثيرات هو ملجؤنا وأملنا الوحيد.
الحادثة الخامسة: حادثة محمد توفيق نسيم باشا
(42) وردت في هذه الحادثة في تقرير منصور المعروف بتقرير 18 يونيو 1925 وذكرها فيه بتفاصيل غريبة فكتب تاريخها وقال إنها وقعت في 12 مايو سنة 1920 وأن المعتدي فيها هو حسن إبراهيم مسعود ويصحبه شخص آخر اسمه عبد العزيز علي تابع للمسكين النقراشي ، هنا لابد من ذكر ماهر أيضا لأنه لازمة اللوازم ويكفي لاتهامه أن يقول إنه هو الذي قدم إليه عبد العزيز علي. ولكي نفهم يا حضرة القاضي حالة هذا الشخص ونفسيته وما يقصده جزاءً لاتهام الأبرياء تصور قليلا أنه يقول ذلك في السجن وهو محكوم عليه بالإعدام في سنة 1925 أي بعد خمس سنين من وقوع هذه الحادثة فيذكرها ويذكر تاريخها واليوم الذي وقعت فيه. وقرر أن المعتدي أخذ القنابل كالعادة. ، هل صادقه أحد ممن قال عنهم؟ كلا لم يصدقه أحد بل كذبوه جميعا ، ولا داعي لأن أكرر ذكر المراجع لأنها هي بذاتها التي ذكرتها بمناسبة الحوادث السابقة.
فقط لي ملاحظة أريد أن أبديها وهي أن الحادثة وقعت في الوقت الذي كان فيه النقراشي مبعدا عن العاصمة ومنتدبا مديرا للتعليم في أسيوط بقصد إبعاده عن القاهرة قصاصا له على اشتغاله بالحركة الوطنية وكان بطبيعته مراقبا لا يغدو ولا يروح من 14 ديسمبر سنة 1919 بالضبط إلى 20 يونيو 1920 كما هو ثابت من شهادة وزارة المعارف التي سأقدمها لحضراتكم والنتيجة الحتمية أنه يستحيل ماديا على النقراشي أن يكون شريكا في هذه الحادثة وما سبقها بأي صورة كانت.
هذا فضلا عن أن حادثة نسيم باشا هذه هي خاتمة حوادث الوزراء التي قال شفيق عنها في تقرير 13 أبريل إنه: بعد أن تمت هذه الحوادث وبعد أن انضمت إلى لجنة الاعتداء على الأفراد الإنجليز انضم النقراشي إلى الجمعية أي أنه إلى ذلك الوقت لم يكن النقراشي قد انضم إلى الجمعية ولم يكن له دخل في هذه الحادثة وما سبقها بأي حالة من الأحوال.
تلك الحوادث يا حضرة القاضي هي التي سلمتم بأن العفو قد شملها فعلا والتي قرر سعادة النائب العمومي صرف النظر عن اتهام بعض الأشخاص فيها ولكنه أصر بعد ذلك على اتهام البعض الآخر لغرض في نفس يعقوب ويقدمهم للمحاكمة بناء على أقوال شفيق منصور.
- هل عند النيابة دليل آخر يعزز أقوال شفيق في هذه الحادثة بخصوصها
- أرى أن النيابة لا تحير جوابا
- إذاً ليس عندها شيء يعزز هذه الأقوال فهل يسمح ضميركم يا حضرة القاضي بأن تقدموا هذين المتهمين إلى محكمة الجنايات استنادا على أقوال شفيق التي بينت لكم فسادها وما يهدمها من أساسها سواء من تكذيب الأشخاص أو الماديات لكل ما ادعاه؟ لا يمكن أن أتصور ذلك.
الحادثة السادسة: دعوى الاشتراك في التآمر على اغتيال ثروت باشا
(43) لأول مرة أيضا يذكر شفيق هذه الحادثة في تقريره المشهور ويذكرها بتفصيل وهو الذي قال من قبل إني لا أتذكر مع من كانت المناقشة في كل حادثة من الحوادث ولكن الاتهام لم يشأ أن يفلت ماهر والنقراشي من هذه الحادثة أيضا فعاد شفيق منصور وذكر في هذا التقرير أو كتب له فيه تاريخ حصولها وكيفية تقريرها. وأنها تقررت من الأشخاص السابق ذكرهم وهم: الصوفاني وماهر والرافعي وشفيق منصور.
من كتاب “المقامر والمغامر والمكابر” الطبعة الأولى – دار الروضة للطباعة والنشر والتوزيع – 1441 ھ – 2020 م