النحاس باشا يتحدث عن إخلال النائب العام بحقوق الدفاع
وعلي أي حال ، فإن امتناع سعادة النائب العمومي عن إعادة مناقشة شفيق منصور في قضية السردار مع إلحاحة في ذلك كما هو واضح مما هو مدون في ملاحظة سعادته الآنفة الذكر ومما هو مثبت مع محضر تحقيق سعادته عما جاء في تقرير 18 يونيو 1925 وهذا الامتناع مع الاستناد على أقواله قد أضر بحقوق الدفاع، لأن شفيق منصور قد عدل في تقريره المذكور عن أقواله السابقة التي كان قررها عن ماهر والنقراشي فيما يختص بحادثة السردار وكان التحقيق معه في ذلك ضروريا لمعرفة العوامل التي دفعته إلى التناقض في أقواله حتى تنكشف الحقيقة من خلال مناقشته وهذه إحدى نتائج التحقيق السري السيئة ، ومع كل هذا يستند سعادته في ملاحظاته المضافة إلى قائمة الشهود على أقوال شفيق منصور الأولى عن ماهر والنقراشي في هذا الخصوص حتى بعد عدوله عنها.
العوامل التي استعملت للتأثير على شفيق منصور
(32) بينا إلى الآن العوامل المختلفة التي استعملت للتأثير على شفيق منصور فلننتقل إلى بيان حالته النفسية ونكتفي في ذلك بالوصف الذي وصف هو لنفسه في يوم 21 مايو ١٩٢٥ بحضور محاميه حضرة الهلباوي بك أمام سعادة النائب العمومي إذ قال: فيما يختص بحادثة السردار فإنني لا أرى ما يمنعني إذاً من أن أعيد اعترافي وأن أذكر في الوقت نفسه بكل نفس ثابتة الآن ولم يكن هذه النفس قبل الآن تقدر على أن تبوح بشيء ولقد كان ذلك هو السبب في أن التحقيقات الأولى ظهرت بشكل مدهش ما بين إنكار واعتراف وإنكار لأنني كنت بين عوامل غريبة لأنه كلما أراد الله سبحانه وتعالى أن يسيرني في طريق الخير وأن يجعلني أتمم اعترافي صحيحا يغلب على الطبع القديم وهو التفكير الذي كان عندي وهو استحسان هذه الأعمال وعدم التوصل إلى شيء منها فأنكر ثم تعود يد الله تعمل فيّ فأعترف ثم أعود إلى الإنكار بعد ذلك وأن هذه الحالة النفسية انتهت الآن، وإني أذكر هنا التفصيلات الخاصة بالاعتراف من أوله إلى أخره أي الوقائع.
الوعد الذي تلقاه شفيق منصور بالتخفيف عنه
” وما ثبت نفسه إلا الوعد الذي تلقاه بالتخفيف عنه إذا ما أتهم ماهر والنقراشي فهو يدعي أنه يتهمهما بنفس هادئة ، ولكن هذا الهدوء لم يكن لذكر الحق بل ليستحق الوعد الذي وعد به وهو الذي يعترف على نفسه بأنه لا يرى غضاضة في أن يتهم غيره بالباطل فقد قال في هذا التحقيق ذاته أنه أثار الشبهة ضد عبد الحليم البيلي و عبد الرحمن البيلي في كلامه الأول بسبب الاختلاف الحزبي فما بالك به إذا كان المقصود نجاة حياته. وقال لسليم أفندي زكي عندما كان يكتب تقريره الأخير عن الجمعيات السياسية في 20 يونيو سنة 1925 إني أخاف أن أكتب الآن الحقيقة بعد أن قلت قبلا أشياء ليست بالحقيقة. ذلك هو الذي كان يقرر أمام النائب العمومي في 21 مايو سنة 1925 بحضور حضرة الهلباوي بك أنه يقرر ما يقرره بنفس هادئة على اعتبار أنه يقرر الوقائع صحيحة.
ما كان يشغل شفيق منصور إلا فداء حياته
الواقع أنه ما كان يشغله إلا شيء واحد هو فداء حياته وأنه يستهين بكل شيء في هذا السبيل ولذلك رجا وهيب بك دوس عندما اختلى به بجلسة الجنايات بناء على أمر رئيس الجلسة أن يتم دفاعه بطلب التخفيف عنه ، لأنه كان مسيرا من ماهر والنقراشي أي منفذا لأوامر آخرين ، وكان رأي وهيب بك أن مثل هذا البيان من شفيق شخصيا للمحكمة سيكون حتما مضطربا فقبل أن ينقل عنه هذه الفكرة اشترط عليه أن يكتفي بما يقوله وهيب بك ولا يتكلم هو ، وثابت أن شفيق عدل عن ذلك سواء في تقرير 18 يونيو 1925 أو في أقواله في 31 يوليو 1925.
(33) وفي هذا القدر كفاية ونتيجته الحتمية عدم إمكان التعويل على أقوال شفيق منصور التي أبداها سواء في تقاريره أو في التحقيقات
تفنيد النحاس باشا للوقائع الواردة في أقوال شفيق منصور عن ماهر والنقراشي.
وننتقل مع مرافعة النحاس باشا بعد هذا البيان المجمل إلى تفنيد الوقائع التي جاء ذكرها في هذه الأقوال واحدة بعد أخرى .
وقد قال النحاس باشا بوضوح إنه سيقتصر على بعض الوقائع المتعلقة بالدعوى وإنه سيترك التفصيل لحضرات زملائه.
الواقعة الأولى : دعوى اشتراك ماهر والنقراشي في الجمعية السرية
(34) أولا- تناقض شفيق في أقواله عن هذه الجمعية تناقضا بيننا. ففي تقريره الرقيم 13 أبريل سنة 1925 ذكر أنه لما عاد من مالطة سنة1919 في أكتوبر تقريبا وجد جماعة يعملون على إنقاذ الوطن فضموه إليهم وهم عبد اللطيف بك الصوفاني وعبد الرحمن بك الرافعي وأحمد ماهر ومصطفى أفندي حمدي. وكان أول هم لهم العمل على التخلص من الوزراء الذين يعملون ضد مصلحة البلاد.
ولما تمت هذه الحالة وصل إلى علم الجماعة أن هناك أشخاصا يشتغلون في القضاء على الأفراد الإنجليز فكلف من الجماعة بالاتصال بهم لمعرفته بأولاد عنايت الذين كانوا من ضمنهم واتصل بهم فعلا وقد انضم بعد ذلك للجماعة النقراشي ولكنه كان على بعد ،وصلته به وبماهر، وكان عبد الحليم البيلي من المتصلين به شخصيا ثم عدل عن هذه الأقوال في 14 أبريل 1925. وفي 21 مايو سنة 1925 قرر أن اللجنة الرئيسية الآن مؤلفة منه ومن ماهر والنقراشي وأما قبلها فكانت مؤلفة من أشخاص آخرين انقطعوا عن الاستمرار في العمل.
وقرر أن حسن كامل الشيشيني لم يكن عضوا في الجمعية لا عضوا أصليا ولا عضوا استشاريا فلما أحرجه النائب العمومي بقوله له :هل يعقل أن تتكلم مع ماهر في موضوع خطير كهذا يريد موضوع اغتيال السردار أمام شخص أجنبي عنكم قال إن الحقيقة أنه كان عضوا استشاريا.
وفي تقرير 18 يونيو 1925 قرر أنه لما عاد من مالطة في أواخر سنة 1919 أي حوالي شهر نوفمبر وجد الجماعة مكونة من عبد اللطيف بك الصوفاني ومصطفى أفندي حمدي وأحمد ماهر والنقراشي ومحمد بك شرارة وعبد الرحمن الرافعي وأن هذه الجماعة كانت مكونة فانضم إليها. وكان هناك أعضاء استشاريون أمثال الشيشيني وكان البيلي له صلة بي عن بعد. وأن عبد اللطيف بك الصوفاني وعبد الرحمن بك الرافعي انقطعا عن العمل في يوم الانتهاء من الاعتداء على الوزراء وكذلك محمد بك شرارة من يوم سفره إلى مقر وظيفته في الخارج.
والتناقض في أقواله ظاهر في الأشخاص إذ أضاف فيما بعد النقراشي وشرارة على الأعضاء الذين كان قد أدعى أولا أنهم هم الذين وجدهم مكونين للجمعية قبل الانضمام إليهم مع أنه لم يذكر شرارة أولا وقرر أن النقراشي لم ينضم إلى الجماعة إلا بعد الانتهاء من حوادث الوزراء وبعد أن اتصل هو بجمعية الاعتداء على الأفراد الإنجليز.
وهنا دليل مادي يكذبه في دعواه أن النقراشي كان موجودا بالجمعية عندما حضر من مالطة في أواخر سنة 1919 في أكتوبر تقريبا أو حوالي شهر نوفمبر على قوليه ذلك أن النقراشي كان في ذلك العهد في السويس ناظرا لمدرستها الأميرية ابتداء من أول سبتمبر سنة 1919 لغاية 10 ديسمبر سنة 1919 ولم يغادرها في هذه المدة مطلقا لا بالإجازة ولا غيرها.
يمكن الرجوع إلى بيان وزارة المعارف العمومية الثابت فيه أن النقراشي كان ناظرا لمدرسة السويس من أول سبتمبر سنة 1919 أي قبل وصول شفيق منصور من مالطة لغاية 10 ديسمبر سنة 1919 ثم نقل إلى أسيوط مديرا للتعليم بمجلس المديرية من 11 ديسمبر سنة 1919 لغاية 20 يونيو 1920. وأنه في هاتين المدتين لم يأخذ إجازة إلا ثلاثة أيام من 11 ديسمبر سنة 1919 وهي المدة الضرورية للانتقال من السويس إلى أسيوط.
وعندئذ دارت المناقشة الآتية:
- القاضي : من الجائز أنه يجيء في إجازات غير رسمية.
- النحاس باشا: إنه كان ناظرا لمدرسة السويس ويستحيل على الناظر أن يتغيب عن المدرسة من غير أن يثبت ذلك في الجدول الخاص بالحضور والغياب.
- أحمد بك لطفي: إن النقراشي نقل إلى السويس في سنة 1919 وهي سنة اشتداد الحركة الوطنية والوزارة التي تولت الأمر عقب ذلك عملت على إبعاد جميع الموظفين الذين كان لهم اتصال بالحركة الوطنية فأبعدت النقراشي إلى السويس ثم إلى أسيوط والمعروف أن الوزارة كانت على الدوام تراقب حركات الموظفين المذكورين فلا تعطيهم إجازات وكانوا تحت المراقبة الفعلية.
- النحاس باشا : كانت الوزارة في ذلك الوقت تحت تأثر السلطة العسكرية فكان القصد إبعاد النقراشي وأمثاله من القاهرة والواقع أن النقراشي كان منفيا عن مصر فما كان يستطيع أن يحضر في إجازة غير رسمية ولا يمكن الاعتماد على غير ما جاء بالبيان الرسمي الصادر من وزارة المعارف. إن هذا الدليل المادي لا يصح الاستهتار به فهو يهدم أقوال شفيق منصور ومتى ثبت كذبه في بعض دعواه بهذا الدليل المادي سقطت دعواه كلها، هذا فضلا عن أن الباقين على قيد الحياة من الأشخاص الذين ذكرهم قد كذبوه جميعا من غير استثناء.
النحاس يثبت تكذيب الأربعة لشفيق منصور
37- ثانيا- استشهد شفيق في تحقيق 24 يونيو 1925 على أن الجمعية مكونة من الأعضاء الذين ذكرهم : محمود إسماعيل وعبد الحميد عنايت وعبد الفتاح عنايت ومحمد شمس الدين وعريان يوسف سعد. فكذبوه جميعا إذ كذبه الأربعة الأولون في التحقيق الذي عمل في 25 يونيو 1925 وقال له عبد الحميد عنايت في أثناء مواجهته به: أنا قلت عنك لأنك كنت معنا وإذا كنت أعرف شخصا آخر كنت قلت عنه وكذلك أعاد عبد الفتاح عنايت تكذيب شفيق منصور في ذلك في تحقيق 12 أغسطس سنة 1925 وكذبه عريان يوسف سعد في التحقيق الذي عمل معه في 26 ديسمبر سنة 1925.
القاضي يستجيب للنحاس باشا في تصحيح واقعة بعد تحقيقها في الجلسة
وهنا استسمح حضرة القاضي في أن أصحح واقعة جاءت في سؤال وجهه حضرته لأحمد ماهر في جلسة أول أمس أن أحمد إسماعيل ووالدته يقولان: إنه كانت لمحمود إسماعيل معرفة به وهذا لا يطابق الواقع فإن أحمد إسماعيل قرر أنه لا يعرف أن أخاه يعرف أحمد ماهر. ووالدته زينب بنت بكرى حماد لم تذكر أحمد ماهر ضمن الذين قالت عنهم إنهم كانوا يترددون على ولدها محمود ونفس محمود إسماعيل قرر أنه لا يعرف أحمد ماهر.
وهنا دارت المناقشة الآتية:
- القاضي: ألم تقل والدة محمود إسماعيل إن ولدها كان يقيم ولائم يحضرها حسن الشيشيني وأحمد ماهر وغيرهما؟
- النحاس باشا: كلا هذا غير صحيح وليس في أوراق التحقيق شيء من هذا وهذه إجاباتها في التحقيق : س: هل كان يتردد على ابنك محمود أحد من معارفه في المنزل؟ ج: اللي كان يتردد عليه كثير ويبيت معه في بعض الليالي في البيت عبد الرحمن البيلي وواحد اسمه جبريل جاء بات عندنا خمسة عشر يوما باستمرار. س: هل كان يتردد عليه أحد خلاف عبد الرحمن البيلي؟ ج: كان يعزم إخوانه وكانوا يجوا له وأنا طبعا ما شوفهمشي.
- القاضي : يمكن لها أقوال أخرى.
- النحاس باشا: كلا
- مرقص باشا حنا: النيابة موجودة وهي تقول لنا إن كان لوالدة محمود إسماعيل استجواب آخر أم لا.
- النحاس باشا: إن هذه المسألة هامة يجب تحققها ولا نود مطلقا أن يبقى في ذهن حضرة القاضي أثر لمثل هذه المسائل التي لا وجود لها في التحقيقات وبما أن التحقيقات طويلة جدا فإني أنتظر في دفاعي حتى تبحث عنها المحكمة أو النيابة
- القاضي : نتركها من ذهننا مؤقتا وأنا متنازل عنها الآن.
- النحاس باشا : هذا موضعها فأرجو تحقيقها.
- و هنا حضر حضرة مصطفى بك حنفي رئيس النيابة وقال إن أحمد إسماعيل هو الذي ذكر الأشخاص الذين كانوا يترددون على العزائم التي كان يقيمها محمود إسماعيل فتراجع.
- النحاس باشا تلا أقوال أحمد إسماعيل في صحيفتي 77و 81 وليس فيها ذكر لأحمد ماهر.
- مصطفى بك حنفي: لأحمد إسماعيل أقوال أخرى.
- القاضي: نتركها الآن وأنا أقر بأنى مخطئ
- النحاس باشا : أرجو من حضراتكم أن تعتبروا أن ما أطلبه لم يكن فيه إحراج لكم وما قصدت إحراجكم مطلقا وكل ما أقصده هو أن تقفوا على الحقيقة كما هي إذ ليس من شأني أن أترككم تفهمون الوقائع على غير صحتها فإن مهمتي كمحام هي مساعدة القضاء على كشف الحقيقة ليس إلا.
- القاضي : نترك مصطفى بك حنفي يبحثها ويقول لنا عن النتيجة.
- النحاس باشا : موافق.
- مصطفى بك حنفي : بعد البحث لم يأت في أقوال أحمد إسماعيل ذكر لأحمد ماهر.
- القاضي : لقد نزعتها في ذهني نهائيا.
- النحاس باشا : الحمد لله على ذلك.
النحاس باشا يفسر نفسية شفيق منصور
وأنتقل إذاً لنقطة أخرى وهي بيان الأسباب التي سهلت على شفيق منصور اتهام ماهر والنقراشي. هذه الأسباب هي:
- أولا: حسده لهما لتربعهما دونه في وظائف عالية في الدولة وهذا ما قرره نجيب الهلباوي وقرر أيضا أن شفيق كان يطعن على الأشخاص الملتفين حول سعد باشا بأنهم ذوو مآرب شخصية ويأخذون الوظائف لهم ولأقاربهم وأنه انتقد تعيين ماهر وزيرا والنقراشي وكيل وزارة.
- وثانيا: معارضة ماهر له في تعيينه في مكتب مجلس النواب أو في بعض لجانه واعترافه بذلك.
- وثالثا: اعتقاده بأن مسئوليته في حادثة السردار ترتفع بقوله إنه أخبر بها ماهر الذي كان وزيرا مختصا والنقراشي الذي كان وكيل وزارة الداخلية ومختصا أيضا (شهادة وهيب بك دوس). وبناء على ما تقدم لا يكون لدعوى اشتراك ماهر والنقراشي في جمعية سرية نصيب من الصحة.
النحاس ينقض دعوى وجود أحمد ماهر في مقتل مصطفى حمدي
(35) هذه التهمة مكذوبة. أولا: لأن شفيق منصور لم يذكر شيئا عن اتهام ماهر في هذه الحادثة في تقرير 13 أبريل سنة 1925 مع أنه اتهمه بوجوده في الجمعية السرية ومع كون ذكر هذه الحادثة في هذا التقرير إذ جاء فيه. وأما مصطفى حمدي فقد قتل عندما كان يجرب قنبلة من القنابل الأولى التي كانت تعمل في مصر وجربها وهو لا يعرف قوتها فأصيب بها وقد كان يشتغل بعملها وملوها واستخرج التركيب من كتاب عنده. فلو كان ماهر مشتركا في هذه الحادثة لما تأخر عن ذكره بعد أن اتهمه بأنه عضو في الجمعية السرية.
ثانيا: لأنه لم ينسب هذه الحادثة إلى ماهر إلا في تحقيق 21 مايو سنة 1925 تنفيذا للخطة التي رسمت في التأثير عليه لاتهام ماهر والنقراشي علي ما سبق بيانه وكان مطلوبا منه أن يؤيد اتهامها بوقائع حتى يستحق الوعد الذي وعد به على نحو ما سبق بيانه وقد كان في ذلك الوقت قد اطلع على جميع التحقيقات التي حصلت في الدعوى بعد إحالة القضية على محكمة الجنايات وعلم بما قيل فيها من تفاصيل هذه الحادثة فكان من السهل عليه بعد ذلك أن يتهم فيها ماهر فقد ورد في التحقيقات أن الذي أخبره لأول مرة بوجود جثة مصطفى حمدي بجبل حلوان هو عبد الحميد عنايت لنجيب الهلباوي عندما أراد أن يعرف منه مكان الجثة إذ كان لا يعرفه من قبل فقال له إني أريد أن أذهب لزيارة قبر مصطفى حمدي يوم الجمعة بدعوى أني أريد الصلاة في الإمام فقال لي: إنه موجود بحلوان لا بالإمام فقلت له لقد وجب علينا زيارته فرضى بذلك وفي ثاني يوم ذهبنا إلى حلوان إلا إننا لم نتمكن من معرفة القبر وهو بالجهة الشرقية وقرر ذلك نجيب الهلباوي في تقريره الرقيم 4 فبراير سنة1925 وقرر ذلك أيضا في تحقيق 17 فبراير سنة 1925 وقال سليم أفندي زكي في التحقيق في هذا اليوم إن عبد الحميد عنايت لما ذهب إلى الجبل مع الهلباوي لمعرفة مكان الجثة لم يتمكن من معرفة هذا بل كان معه عبد الخالق عنايت وشخص آخر سيجتهد في البحث عنه ومعرفة مكان القبر منه.
ولو كان يعلم أن الشخص الآخر هو أحمد ماهر لما تأخر عن إخباره به. وقد عملت نشرة إدارية في 14 أبريل سنة 1920 عن غياب مصطفى حمدي عن منزله من عشرين يوما سابقة على تاريخ 16 يناير سنة 1920 ولم يعد. وزيادة في ذلك فإن هذه الحادثة نسبت إلى شفيق منصور نفسه ، أرجو أن تشعروا من هذه الوقائع بمثل ما نشعر به نحن. فقد ورد ذكر هذه الحادثة بحضوره على لسان محاميه بجلسة المعارضة التي انعقدت في 28 فبراير سنة 1925 باعتبار أنها منسوبة إليه حيث قال: ويقال أيضا إن الاستاذ شفيق منصور يأخذ الناس إلى الجبل ليعلمهم إطلاق القنابل. وهنا نرد على النيابة فيما ادعته من أن أقوال شفيق منصور في ذلك تأيدت بالماديات وهي وجود الجثة فإن هذا الاكتشاف لم يحصل بناء على قول شفيق منصور بل بناء على قول عبد الحميد عنايت لنجيب الهلباوي بأن الجثة في جبل حلوان وذهابه معه فعلا إلى الجبل بحلوان لزيارة قبره فلم يعثر عليه.
النحاس باشا ينقض اتهام عبد الرحمن الرافعي و سليمان حافظ
وثالثا: لأنه قرر في تحقيق 21 مايو أنه في يوم قتل مصطفى حمدي حضر سليمان أفندي حافظ من الإسكندرية وتصادف وجوده وقت أن كان أحمد ماهر عائدا من حلوان وسمع انفجار القنبلة في مصطفى حمدي فكذبه سليمان أفندي حافظ في ذلك وقرر أنه لا يعرف أحمد ماهر ويلاحظ أن سليمان أفندي حافظ محام ومنتم إلى الحزب الوطني كما هو مذكور في أقواله.
ويلاحظ أن شفيق بعد هذا التكذيب قد تحاشى في تقرير 8 يونيو 1925 أنه في اليوم الثاني ذهب لدفن الجثة كل من ماهر وعبد الرحمن بك الرافعي وشخص اسمه يعقوب أفندي صبري أظنه موظفا في إحدى المدارس كأنه لا يعرفه من قبل مع أنه قرر في تحقيق 23 يونيو 1925 أنه كان من ضمن أعضاء جمعية الإسكندرية التي هي فرع من جمعية التضامن فكذبه عبد الرحمن بك الرافعي وكذبه في ذلك يعقوب صبري.
وخامسا: لأنه ادعى أن ماهر أخبرهم أنه عندما أصيب مصطفى حمدي أسعفه أولا بمنديله فلم يمنع الدم فمزق بطانة البالطو الذي كان يلبسه وربط رأسه بها.
وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يظهر الحق بإظهار ملابس مصطفى حمدي في جبل حلوان فقد وجدت ملابسه كاملة من بدلة وملابس سفلى ثقيلة السترة وبطانة الطربوش الداخلية. وقد أثبت الطبيب الشرعي في تقريره بتاريخ 15 يوليو سنة 1925 ما يأتي:
أولا: أن كلا المنديلين بحرف متني وإنهما من صنع واحد.
ثانيا: أنه قد عثر على أثار دم باهتة على أحدهم وعلى البطانة الداخلية لياقة السترة وبطانة الطربوش الداخلية وهذه الآثار ضئيلة للغاية ولم يمكن الحصول على تفاعل بالفحص المعملي ولذلك لا يمكن القول عما إذا كان هذا الدم آدميا أم غير ذلك.
ثالثا: إن رجل البنطلون اليمنى مقطوعة وأن جزءا من القماش منزوع من شريحة.
رابعا: إن قطعة القماش التي وجدت مقاسها 5×2 سنتيمتر وهي قماش أسود مضلع. وهذا يدل دلالة قاطعة:
- أ : على أن المنديلين لشخص واحد وهما بطبيعة الحال لنفس الشخص الذي وجد مع ملابسه لأنه لا يعقل أن يكون الشخص الذي يلبس بدلة لا يكون معه مناديل وقد قررت والدة مصطفى حمدي بأن ابنها له عادة أن يحمل مناديل بيضاء لها حرف متني. وقرر أخوه توحيد طاهر أن أخاه يحمل مناديل تيل أبيض وحرفها بعض الأحيان عريض وبعض الأحيان رفيع أي أنها ذات حرف متني. فيكون إذاً المنديلان اللذان وجداهما منديلي مصطفى حمدي ولا يمكن أن يكون أحدهما لأحمد ماهر.
- ب : على أنه لا يوجد آثار دم غزير على أي المنديلين حتى يصح القول بأنه لم يمنع لدم عندما استعمل في الإسعاف والمقرر طبيا أن آثار الدم تبقى عدة سنين فالأثر الضئيل الباهت الذي لم يمكن للطبيب الشرعي أن يحكم إن كان دم إنسان أو حيوان لا يمكن أن يكون أثر الدم الغزير الذي لم يكف المنديل لمنعه كما قرر شفيق في روايته المختلقة عن ماهر.
- ج : إن قطعة القماش الصغيرة التي وجدت مقاسها 5×2 سنتيمتر وهي من قماش أسود مضلع فهي من الجزء القماش المنزوع من بنطلون البدلة ولم يكن من بطانة بالطو أحمد ماهر كما أدعى شفيق وهي مع صغرها هذا لا تصلح لأن يربط بها رأس مصطفى حمدي طبعا وليس بها آثار دم . ولم يضبط عند ماهر بالطو بطانته منزوعة منه هذه هي الدلائل المادية التي تكذب رواية شفيق وتهدمها رأسا على عقب.
النحاس ينقض اكتتاب ماهر والنقراشي لعائلة مصطفى حمدي
(28) ادعى شفيق منصور في تحقيق 21مايو سنة 1925 أنهم عملوا اكتتابا لعائلة مصطفى حمدي جمعوا فيه 200 جنية دفع كل واحد جزءا من هذا المبلغ فهو دفع جزءا وأحمد ماهر دفع جزءا يبلغ ستين أو سبعين جنيها على ما يتذكر ودفع النقراشي جزءا بسيطا والشيشيني أيضا وأن كل من ساعد في هذا الاكتتاب ساعد بقصد إعانة عائلة فقيرة إلا أحمد ماهر فإنه دفع وهو يعلم بأن مصطفى حمدي قتل من انفجار قنبلة فيه وأن سليمان أفندي حافظ كلف بالسفر إلى الفيوم لإرسال المبلغ من بوسته الجهة المذكورة إلى والدة مصطفى حمدي وأنه سافر خصيصا على ما يتذكر.
وفي تقرير 18 يونيو 1924 قرر أن الذين دفعوا المبلغ هم المجتمعون وهم ماهر وعبد اللطيف بك الصوفاني وعبد الرحمن بك الرافعي وأنه أخذ من الشيشيني مبلغا على سبيل التبرع لعائلة مصطفى حمدي وكذلك النقراشي وهو أي شفيق و الرد على ذلك:
أولا: أن الأحياء من جميع هؤلاء كذبوه فكذبه الشيشيني وكذبه عبد الرحمن بك الرافعي وكذبه سليمان أفندي حافظ.
ثانيا: أن شفيق قرر أن حافظة إرسال النقود من بوسته الفيوم لوالدة مصطفى حمدي لابد من أن تكون كتبت بخط سليمان أفندي حافظ. وقد جعلت النيابة ذلك سببا لإطالة حبس المتهمين عدة أشهر لفحص خط الحافظة بمعرفة الخبير وحتى يقدم الخبير تقريره عمن كتبها وكانت تكرر ذكر هذا السبب في جلسات المعارضة في الحبس إلى أن اعترفت بجلسة 15 أكتوبر سنة 1925 أمام أودة [حجرة] المشورة بأن البحث في الحوالة انتهى إلى أن الخبير قدم تقريره بأن الحافظة لم تكن بخط سليمان حافظ ولا أحمد ماهر.
ثالثا: إن ادعاء النيابة وجود الحوالة بإرسال المبلغ من بوسته الفيوم إلى والدة مصطفى حمدي يؤيد أٌقوال شفيق منصور ادعاء منقوض لأن العثور على هذه الحوالة لم يجيء من طريق شفيق منصور بل من طريق أسرة مصطفى حمدي إذ إن ذكر إرسال هذا المبلغ من [بوستة] الفيوم ورد على لسان توحيد طاهر أخي مصطفى حمدي في تحقيق 17 فبراير سنة 1925 نقلا عن والدته في اليوم السابق حيث قال: وقد علمت من والدتي البارحة فقط بأنه بعد اختفاء أخي وصلها جواب [مسوكر] وبه حوالة بمبلغ 200 جنيه والجواب بإمضاء واحد اسمه مصطفى علوان من الفيوم وكذلك ورد على لسان سيف الدين طاهر وكذلك قررته والدته في 19 فبراير سنة 1925.
رابعا: إن نجيب الهلباوي قرر في تحقيق 16 فبراير سنة 1925 أن شفيق منصور أخبره أن ضمن المصاريف التي يقوم بها من جيبه الخاص إعانة عائلة مصطفى حمدي. وكذلك قرر أن شفيق منصور أخبره أن مصطفى حمدي كان يتمرن في الجبل على إلقاء القنابل فانفجرت فيه قنبلة فقتلته وأراد أن يلم الإعانة لأهله فلم يقبل أحد … وهكذا يكذب قول شفيق بأنه عمل اكتتابا لعائلة مصطفى حمدي بملغ 200 جنيه واشترك فيه ماهر والنقراشي.
وخامسا: اتضح من أقوال عائلة مصطفى حمدي أن المبلغ ورد إلى والدته في شهر يناير سنة 1920 واتضح في الحافظتين اللتين أرسل بهما مبلغ المائتي جنيه من بوسته الفيوم لأنه اتضح أنه أرسل حافظتين كل بمائة جنيه فحص الخبير خطهما وأطلعنا عليهما مع تقرير الخبير فوجدنا أن تاريخهما 17 يناير سنة 1920 وفي هذا التاريخ كان النقراشي بأسيوط ابتداء من 14 ديسمبر سنة 1919 مديرا للتعليم بمجلس مديرية أسيوط واستمر بلا انقطاع إلى 20 يونيو 1920 كما هو نص الشهادة المعطاة من وزارة المعارف العمومية. وهذا قاطع في أن النقراشي كان بأسيوط قبل وفاة الضابط مصطفى حمدي واستمر بها إلى ما بعد إرسال مبلغ المائتي جنيه من بوستة الفيوم إلى والدة مصطفى حمدي ببضعة شهور. فماذا يكون الحال في دعوى شفيق منصور أن النقراشي اكتتب في هذا المبلغ؟ إنه لا شك مختلق ومؤثر عليه بهذا الاختلاق وهذا يهدم الواقعة برمتها ومثل ذلك في الاختلاق ما ادعاه شفيق في تحقيق 24 يونيو 1925 مما لم يذكره قبلا وهو أنه كان يحصل من ماهر والنقراشي والشيشيني اشتراكات شهرية 2 جنيه من كل منهم ويسلمها للشيشيني وهذا يدفعها ليوسف طاهر خال مصطفى حمدي وقد كذبه في ذلك الشيشيني ويوسف طاهر وجميع أقارب مصطفى حمدي.
النحاس يشير إلى إضراب يوسف طاهر
“وأشير هنا إلى التأثيرات التي وقعت في السجن على يوسف طاهر لحمله على اتهام ماهر والنقراشي بالباطل فأبت نفسه الكريمة أن يخضع لهذه المؤثرات وآثر الموت على اتهام الأبرياء بالباطل [ فأضرب] عن الأكل ليفارق هذه الحياة التعسة ونقل من السجن إلى المستشفى وبقى به أحد عشر يوما وقد شاع هذا الأمر في حينه فأبلغته لسعادة النائب العمومي الذي كان له الفضل في إنقاذ حياته بأن أفرج عنه وأخلى سبيله.
الشيشينيى بأخلاقه لم يقبل أن يكون شاهد ملك
” وقد كان كلام الشيشيني في التحقيق وأمام حضرتكم عن سؤاله عن ذلك مؤثرا يشف عن الخلق الكريم والصدق التام الذي لا يأتيه الكذب من أي طريق وربما كانوا يقصدون من الشيشيني أن يكون أيضا شاهد ملك ولكنه والحمد لله لم يقبل أن يكون هذا الرجل لأن هذه هي أخلاقه فكان جزاؤه أن يؤتى به إلى قفص الاتهام لأنه لم يقبل أن يكون كيعقوب صبري شاهد ملك. وأنا معتقد أن الأثر الذي يحصل في نفوس السامعين من هذا التفصيل لابد أن يكون متفقا مع ما شعرت به أنا نفسي من أن الوقائع مختلفة ضد ماهر والنقراشي والشيشيني أيضا لأن نفسه أبيه فهو في نظرهم يستحق أيضا الإعدام.
هذه هي حادثة مصطفى حمدي برمتها التي لا علاقة لها على الإطلاق بالحوادث المعينة المنسوب للمتهمين جمعيا الاشتراك فيها قد ثبتت حقيقتها ، بما لا يدع مجالا للشك بأن ماهر والنقراشي لا يد لهما فيها بأي حال من الأحوال.
من كتاب “المقامر والمغامر والمكابر” الطبعة الأولى – دار الروضة للطباعة والنشر والتوزيع – 1441 ھ – 2020 م