بقلم : عبده مباشر
تاريخ النشر : 2009
بوضوح يرى الناس في المحروسة سحابة الإحباط التي تظلل البلد وبالرغم من كل ما يقال عن إنجازات كبرى وما يجري على الأرض من مشروعات تسهم في تغيير الواقع إلى الأفضل ، فإن هناك حالة من الاستغراق في هذه المشاريع وأخواتها،مثل هذا الأمر يجعل الناس أكثر استعدادا لتقبل هذه الحملات الضاربة التي تستهدف كل المؤسسات الرسمية وترديدها والتلذذ بذلك.
ومن قلب هذه الحالة ينتشر الحديث عن الفساد وإهدار المال العام،ويرتبط بذلك الهجوم على رجال الأعمال وعدد كبير من المسئولين والتشنيع على ما يجري من خصخصة لعدد من شركات ومصانع القطاع العام.
ومن جانب آخر يجأر الناس بالشكوى من ارتفاع الأسعار والجنون الذي أصابها ، ومن الصعب إقناع الناس بقانون العرض والطلب،فمازال يعشش في رؤوسهم ما كان يجري من تسعير لسلع طوال سنوات سابقة.
وهناك من يضغط باستمرار على الحكومة متهما إياها بالعجز، كلما ارتفع سعر سلعة أو تعذر وجودها.
ومع أن الحكومة تدفع الملايين كدعم لكثير من السلع سنويا حماية للشرائح المحدودة الدخل وليظل سعر الرغيف 5قروش أي ربع أو خمس التكلفة الحقيقية بجانب سلع أخرى منها أنبوبة البوتاجاز ،فإن أحدا لا يتوقف بالتقدير أمام هذه السياسة،أي أن الحكومة تقدم الدعم ولا تنال إلا السخط واللوم والتقريع.
ويتسع نطاق الإحساس بالإحباط وانسداد الأفق أمام الشباب بسبب البطالة وأزمة الإسكان والعنوسة ،وعدم تكافؤ الفرص ومع الاعتراف الجمعي بانهيار التعليم وتوحش ظاهرة الدروس الخصوصية التي شملت كل مراحل التعليم من الحضانة إلى الجامعة.
ومع إدراك الجميع ان نقص الموارد هو السبب الرئيسي في فشل كل خطط وبرامج إنقاذ التعليم، فإن الأغلبية ترفض المساس بسياسة مجانية التعليم.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك معاناة الناس من اختناقات المرور وتفشي الرشوة والوساطة والمحسوبية واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
ولأن الناس يتعرضون صباحا وظهرا وعصرا ومساءا وليلا لوابل من الكلمات المكتوبة والمنطوقة والمصورة تليفزيونيا التي تنتقد بقسوة وشراسة أي شيء وكل شيء ،فإنهم يخضعون لتأثير هذه الحملات الإعلامية والذين يخططون ويمولون ويقودون وينفذون هذه الحملات لا تعكس كلماتهم ومواقفهم سوى نظرة سوداوية مقبضة تنشر التشاؤم وتقتلع الأمل من عيون الناس،وهم أكثر الناس سعادة عندما يزرعون الشكوك ويغرسون الأشواك ويبثون الألغام في كل الاتجاهات.
وهذه النتيجة تعني أن القوى المعارضة للنظام والحكومة والسلطة بصفة عامة قد كسبت وبجدارة معركة الصراع على الرأي العام وتعني في الوقت نفسه أن القوى الإعلامية الحكومية،أي التلفزيون الحكومي والصحافة القومية ،قد خسرت وبجدارة هذه المعركة، وبالرغم من كل الإمكانات المتوافرة والمتاحة والقيادات اللامعة الأنيقة،كانت الخسارة هي الحصاد والأمر لا يتوقف عند هذا الحد ،بل هناك من بين صفوف الإعلام الحكومي من يعمل لهدم أركان السلطة وزعزعة الاستقرار بالتركيز على السلبيات والتجاهل الكلي أو النسبي للإيجابيات وهي بلا شك كثيرة وبصورة أخرى فإن الحكومة تدفع للبعض الملايين من الجنيهات سنويا لكي ينشروا التشاؤم ويحيطوا الإنجازات بالشكوك ويصنعوا للفساد أصناما ويطلبون من الناس تحطيمها، أي يضغطون على عدد من الرموز السياسية والتنفيذية الحالية بالهجوم على السياسات التي تنفذها والقرارات التي تصدرها بقوة الإدعاء بأنها تمس مصالح الناس وتؤثر على الفقراء وتقتطع من قوت الغلابة وهكذا لإصابتها بالشلل ،وتشجيع الذين يفضلون الخروج إلى الشوارع للتظاهر والاعتصام لإحداث الكثير من الجلبة مستفيدين من وجود سقف عال للحرية وخلال الأعوام الماضية نجحت الحملات الإعلامية في تشجيع الناس على الخروج إلى الشارع.
وهناك دائما قوى سياسية معارضة على استعداد لتهييج الناس واستغلال ظروفهم وقيادتهم للتظاهر.
وأمام شراسة الحملات الإعلامية التي تقودها المعارضة،وعجز الإعلام الحكومي،ينتشر الإحباط والأخطر أن هناك من يترك الأمور هكذا،لماذا؟ليست هناك إجابات.
ولكن العجز والفشل أمام هذا التيار لن يقود إلى أية إيجابيات ،وعلى السلطة أن تحسم أمرها،فالصراع الذي تخوضه القوى السياسية المعارضة وأذرعها الإعلامية يستهدف في النهاية السلطة القائمة، وعينها دائما على الحفاظ على هذا الإحباط وما يولده من أحقاد وكراهية للحكومة والساسة والسياسة.
الحكيم الجراح:
في زمن الجحود وعدم الإمتنان بل والإنقلاب على من مدوا أيديهم لتلاميذهم وساعدوهم للصعود على طريق المستقبل ،يطل علينا الدكتور محمد الجوادي بكتابه الجديد البديع "الحكيم الجراح" السيرة الذاتية لحياة أستاذه الدكتور" محمد عبد اللطيف" ضاربا المثل والقدوة للعلاقة بين التلميذ والأستاذ ومعترفا بفضل أستاذه في صقل أدائه من خلال الحوار العميق والشامل والجميل الذي تطرق إلى أعماق النفس الإنسانية، وارتفع إلى درجات عليا من الوعي بالحياة وتجاربها والدكتور الجوادي يحار الناس تصنيفه في مجال دراسته وتخصصه،بلغ قمة من قمم البحث العلمي في مجال طب القلب واحتل مكانة ومكانته بين أشهر أساتذة وأطباء القلب،وفي مجال الإبداع والتأليف أصدر عشرات الكتب والبحوث والمؤلفات العلمية والأدبية،ويمكن القول إنه طبيب غزير الإنتاج.
وهو يذكرنا بالأطباء الذين أصابتهم حرفة الأدب،ومنهم إبراهيم ناجي الشاعر ويوسف إدريس القاص والروائي الكبير ومصطفى محمود الذي خاض في بحار الدين والعلم والأدب والفلسفة بجسارة.
وكتاب "الحكيم الجراح" يقدم للقارئ أبعاد شخصية الدكتور "محمد عبد اللطيف" كنابغة عصامي وعالم بارع شديد الإيمان والورع وخبير بالنفس البشرية وكلما ارتقى في علمه وعمله ومناصبه وأدائه كجراح بارع وفذ،ازداد تواضعا.
الغيظاني وألف ليلة:
بدلا من توجيه الشكر العميق للأديب الكبير جمال الغيظاني صاحب التجليات على اهتمامه بإعادة طبع كتب "ألف ليلة وليلة" التي يعتبرها العالم واحدة من أفضل الأعمال التي أنتجها العقل البشري والخيال الإنساني في مجال الإبداع والأدب،نشط بشر من أهل الجمود والتخلف والتحجر،لجرجرته وبهدلته أمام المحاكم بإدعاء أنه ينشر الفسق والفجور،ويحض على الرذيلة والفساد.
الكتاب يطبع وينشر منذ قرون في العالم بصفة عامة والعالم الإسلامي بصفة خاصة،وقد قرأه عشرات الملايين وتعمق في دراسته الآلاف من الدارسين والباحثين المسلمين،ولم يتوقف أحد أمام مثل هذه الإدعاء السخيف،فهل هم أكثر إسلاما من كل هؤلاء؟أم أن الآخرين جميعا كانوا من كفار قريش؟؟ ثم من الذي جعلكم وأمثالكم حراسا للفضيلة؟؟؟ وهل هناك من جعلكم أوصياء علينا،تحددون لنا ما نقرأ وتأمروننا كيف نحيا؟؟؟؟
وياله من موقف بالغ السخف والسقوط ويا أستاذ جمال لك الشكر بإقدامك على إعادة طبع ونشر هذا الكتاب الذي يعد من عيون التراث العالمي،ودمت ابنا جميلا للكلمة وعاشقا على دربها وحارسا للفضيلة في أبهى معانيها.