مرقص حنا باشا (1872ـ1934) رمز من رموز الوطنية الصادقة والنجاح المهني في المحاماة، والقدرة على تأليف القلوب من حوله، وهو واحد من أشهر نقباء المحامين، ومن ألمعهم، وهو من حيث الترتيب خامسهم، كما أنه من وزراء الوفد البارزين.
كان في شبابه كالنحاس باشا من مؤيدي الحزب الوطني حزب مصطفى كامل، ثم كان من مؤيدي سعد زغلول والنحاس باشا، ولم يعرف عنه أي ميل إلى الغدر أو الانتهازية ضد مصالح الشعب.
نشأته وتعليمه
ولد مرقص حنا باشا في 4 سبتمبر/أيلول 1872، وتخرج في جامعة مونبلييه، ونال درجة عليا في القانون، ولما عاد إلى مصر التحق بنيابة الإسكندرية، وعمل في دمنهور ثم نقل إلى أسيوط، ثم استقال منها لاختلافه مع النائب العمومي حينئذ. ومارس المحاماة بأسيوط، ثم قدم إلى العاصمة، وافتتح مكتبا للمحاماة في حي الفجالة، وعمل معه في هذا المكتب الزعيم الوطني ويصا واصف، وممن عملوا معه في مكتبه في فترات لاحقة كلا من توفيق دوس باشا ومحمد صبري أبو علم.
مكانته المبكرة في الحزب الوطني والعمل العام
اجتهد الزعيم محمد فريد رئيس الحزب الوطني من أجل انتخاب مرقص حنا عضوا في أول مجلس إدارة للجامعة المصرية (1908)، ثم انتخبه المجلس أمينا للصندوق، وكان يدرّس القانون النظامي، كما أنه كان يدرس هذا العلم في مدرسة الحقوق الفرنسية. وكان قبل هذا من أكبر الداعين إلى تأسيس المدارس لتعليم البنات، ومن آثاره المهمة إسهامه في إنشاء كلية البنات القبطية. وتذكر أدبيات التاريخ القضائي له دورا مبكرا في قضية من قضايا حقوق المواطنين، وذلك أن أحد أعيان سوهاج قصد في يوم من الأيام (1905) إلى المحطة ليستقبل صديقا آتيا من القاهرة، ولم يشتر تذكرة دخول في المحطة وهي بـ5 مليمات، فاعترض الموظف طريقه، وأبى أن يسمح له بالدخول، وجرت بينهما مناقشة أصر فيها الموظف على التذكرة، وأصر الرجل على أن هذه ضريبة غير قانونية ولا حق للمصلحة فيها، وفي اليوم التالي لجأ هذا الرجل إلى مكتب مرقص حنا لاستشارته تمهيدا لرفع قضية على الحكومة، فدرس الموضوع، فوجد هذا الرسم الذي تفرضه السكك الحديدية لا يستند إلى أكثر من أمر إداري، فرفع القضية وربحها، وقضت المحكمة على الحكومة بالتعويض.
مرافعاته في القضية العسكرية
تولى مرقص حنا الدفاع في القضية العسكرية التي حوكم فيها عبد الرحمن بك فهمي (1920)، وكانت من أهم قضايا ثورة 1919.
انتخابه نقيبا للمحامين
انتخب مرقص حنا نقيبا للمحامين (1919)، وأعيد انتخابه 5 مرات.
توليه رئاسة لجنة الوفد المركزية
لما اعتقل محمود سليمان باشا رئيس لجنة الوفد المركزية وصحبه، أسندت إلى مرقص حنا رئاسة لجنة الوفد المركزية. في يناير/كانون الثاني 1922 اختير بعض الزعماء ليصبحوا أعضاء في الوفد المصري (وهو اللقب الذي كان يطلق على أعلى هيئات الوفد)؛ ليحلوا محل بعض الذين نفوا إلى سيشل أو اعتقلوا في مصر، وكان مرقص حنا هو أول هؤلاء، وقد اختير معه علوي الجزار بك، ومراد الشريعي بك، وانضموا إلى مَنْ كان باقيا في مصر من طليعة الوفد الأولى، وهم حمد الباسل باشا، وواصف غالي باشا، والأستاذ ويصا واصف.
واجه الإعدام ضمن الزعماء السبعة
أصدر زعماء الوفد الباقون بقيادة حمد الباسل باشا (بعد عودته للوفد بناء على رسالة من سعد زغلول باشا) بيانهم المشهور، وبسبب هذا البيان قبض الإنجليز على الزعماء السبعة حمد الباسل، وجورج خياط، ومراد الشريعي، ومرقص حنا، وعلوي الجرار، وواصف غالي، وويصا واصف، واحتجزوهم في قشلاق قصر النيل، وصدر عليهم من المحكمة العسكرية حكم بالإعدام بتهمة التحريض على تخريب الاقتصاد والحض على كراهية السلطات، وذلك في 25 أبريل/نيسان 1922.
تولى 3 وزارات مع 3 رؤساء
بدأ مرقص حنا باشا مناصبه الوزارية بتولي وزارة الأشغال العمومية طيلة وزارة سعد باشا زغلول (1924)، ثم تولى وزارة المالية طيلة وزارة عدلي باشا الثانية الائتلافية (يونيو/حزيران 1926-أبريل/نيسان 1927)، واستمر في الوزارة التالية، وهي وزارة ثروت باشا الثالثة الائتلافية (أبريل/نيسان 1927ـمارس/آذار 1928)، وخرج من الوزارة عندما شكلها النحاس باشا للمرة الأولى (مارس/آذار 1928)، وفي ذلك الوقت دخل وزارة النحاس باشا الأولى زوج السيدة عايدة ابنته، الذي هو مكرم باشا عبيد. ولما استقالت وزارة الشعب برئاسة سعد زغلول 1924، عاد مرقص حنا باشا إلى الاشتغال بالمحاماة، وكان مساعده في ذلك الحين محمد صبري أبو علم، ومن أشهر القضايا التي ترافع فيها يومئذ قضية حمد الباسل باشا، وسكاكيني المشهورة.
اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون في عهده
حين كان مرقص حنا وزيرا للأشغال (1924)، افتتحت مقبرة “توت عنخ آمون”، ولما رأى المسلك المتغطرس لبعض القائمين عليها من الإنجليز، فإنه صمم على أن يتخذ الإجراءات الحازمة لوقف الإنجليز عند حدهم، ولم يخش بأس أحد، وأصدر الأمر بإغلاق المقبرة، وتسليمها للحكومة المصرية، ومنع الزيارة؛ لأنها كانت مباحة للأجنبيات والأجانب بدون المصريين، وأمر بإرسال قوة من الجنود المصريين لتنفيذ أمره، وثارت ثائرة القائمين على المقبرة. وهاجمته جريدة “تايمز” ((Times بشدة؛ لكنه كان بشخصيته وبقوة الوفد وزعامته أقوى من كل هجوم، خاصة أنه قرن الأمور بالوطنية وحقوق الشعب.
وفاته
توفي مرقص حنا يوم الاثنين 18 يونيو/حزيران 1934 عن عمر 62 عاما، ودفن في دير مارمينا.