الرئيسية / المكتبة الصحفية / رشيد كرامي أبرز ساسة لبنان في عصر الرخاء والأمان

رشيد كرامي أبرز ساسة لبنان في عصر الرخاء والأمان

كان رشيد كرامي (1921 ـ 1987) نموذجا بارزاً ومضيئا للسياسي المهذب النشط الوطني العروبي القادر على الالتقاء والارتقاء معا فقد كان استيعابيا كما كان تقدميا، وكان طموحاً متقداً بالعاطفة الصادقة، والولاء القومي وكان من حسن حظه أنه وجد في عصر الناصرية، وكان من حسن حظ الناصرية أنه وجد في عصرها، فلم يساوم بالناصرية ولا عليها، وكان هو قبل غيره أبرز الزعماء العرب الذين آزروا الرئيس جمال عبد الناصر وجوهر السمو في الفكرة الناصرية بصدق وإخلاص بعيداً عن كل الحسابات المادية والمحاور العربية والأجنبية والتيارات التحتية الخفية، والده هو السياسي البارز عبد الحميد كرامي (1887 ـ 1950) الذي كان أكبر في السن من رياض الصلح (1894 ـ 1951) لكنه تلاه في رئاسة الوزارة اللبنانية، أما جده الذي سمى ابنه رشيد على اسمه فهو الشيخ رشيد كرامي مفتي طرابلس العظيم الذي ينتمي إلى سلالة علماء دين بارزين مرموقين كان أشهرهم الشيخ عبد الحميد كرامي الذي كان مفتيا لطرابلس في بداية القرن التاسع عشر.

تلقى رشيد كرامي تعليمه في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، ومارس مهنة المحاماة في طرابلس، ولرشيد كرامي أخ يصغره بثلاثة عشر عاماً هو الرئيس عمر كرامي (1934 ـ 2015) لم يظهر نجمه إلا بعد أخيه، حتى ليظن البعض أنه ابنه بينما لم يتزوج رشيد فقد شغلته السياسة، وهو من القلائل في تاريخ الساسة العرب الذي كان رئيسا للوزراء وكان كل من والده وأخيه رئيسا للوزراء كذلك، ومع كل الاحترام للوالد العظيم الذي هو من مؤسسي الاستقلال اللبناني ولأخيه عمر فإن أثر رشيد كرامي يظل هو الأكثر بروزاً بين الأب وابنيه .

بداياته

بدأ رشيد كرامي حياته السياسية مناضلا ذا توجهات وحدوية، وشارك في وفود عدة إلى دمشق للمطالبة بإنشاء سوريا الكبرى، كما أنه طالب بالوحدة الاقتصادية والتعاون العسكري مع سوريا، وبارك قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا عام 1958.

عضوية البرلمان حتى اغتياله

انتخب رشيد كرامي عضوا في المجلس النيابي اللبناني، نائبا عن مدينة طرابلس عام 1951 على رأس لائحة “التحرر العربي”، وأعيد انتخابه بلا انقطاع حتى اغتياله.

دوره في اخراج إسرائيل من لبنان

كان الرئيس كرامي من أبرز أقطاب جبهة “الخلاص الوطني” التي ضمته هو والرئيس سليمان فرنجية والوزيرين نبيه بري ووليد جنبلاط، والتي كان لها دور محوري في إسقاط اتفاق 17 مايو 1983 بين لبنان و”إسرائيل” في عهد الرئيس أمين الجميل، ومن أقواله في تلك المرحلة: “إن ما أصاب إسرائيل في لبنان هو هزيمة لم يسبق لها مثيل في تاريخها، من هنا يجب أن ندرك مدى الحقد الممزوج بالأطماع والأحلام الذي يغذي هذه الدويلة التي أقاموها على الإرهاب والعنف والاغتصاب في فلسطين”.

المناصب الوزارية التي تولاها

قبل وصوله لرئاسة الوزراء فكان رشيد كرامي قد بدأ عهده بالمناصب الوزارية حين أوشك على بلوغ الثلاثين وذلك حين أصبح وزيراً للعدلية في وزارة رئيس الوزراء عبد الله اليافي في يونيو 1951 وحتى فبراير 1952 وكان استيزاره الأول بعد أن توفي والده بشهور (كان الوالد قد توفي في نوفمبر 1950) ثم تولى وزارة الاقتصاد والشئون الاجتماعية مع رئيس الوزراء عبد الله اليافي أيضا ما بين أغسطس 1953 ومارس 1954 وما بين مارس 1954 وسبتمبر 1954 ثم مع رئيس الوزراء سامي الصلح ما بين سبتمبر 1954 ويوليو 1955 ومع رئيس الوزراء سامي الصلح أيضا ما بين يوليو 1955 وسبتمبر 1955 حيث تولى هو نفسه رئاسة الوزارة على نحو ما ذكرنا وأصبح مناظراً للرئيس جمال عبد الناصر في مصر الذي لم يكن قد تولى رئاسة الجمهورية بعد.

رئاسته للوزارة

كانت أولى المرات التي رأس فيها رشيد كرامي الوزارة اللبنانية في سبتمبر 1955 في عهد الرئيس كميل شمعون، وكانت المرة الثانية في سبتمبر 1958 وحتى مايو 1960) في عهد الرئيس فؤاد شهاب وكذلك المرة الثالثة (أكتوبر 1961 ـ فبراير 1964) وبذلك فإنه استغرق معظم مدة الرئيس فؤاد شهاب وكان هذان الرجلان على وفاق مع بعضهما ومع مصر ومع العرب على نحو مثالي، وكذلك كان حال الرئيس رشيد كرامي مع رئيس لبنان االوطني العظيم شارل حلو حيث رأس الوزارة ثلاث مرات في عهده (يوليو 1965 ـ ابريل 1966) ومن (ديسمبر 1966 ـ فبراير 1968) ومن (يناير 1969 ـ أكتوبر 1970) مستغرقا معظم مدة الرئيس شارل حلو أيضا، وعلى وجه العموم كان رشيد كرامي يجمع وزارة المالية مع رئاسته للوزارة في معظم الأحيان وإن لم يمنع هذا من أن يجمع في بعض المرات مع الرئاسة وزارات الدفاع الوطني أو الخارجية أو الإعلام أو الإسكان أو السياحة في بعض وزارته.

وكان من الطبيعي أن يغيب هذا الرجل النبيل عن رئاسة الوزارة في بداية عهد الرئيس سليمان فرنجيه بما عرف عن الرئيس فرنجية من الميل إلى الاستقطابات والتعصبات وهكذا فإنه لم يتول رئاسة الوزارة في عهد سليمان فرنجية إلا عاما ونصف (يوليو 1975 وحتى ديسمبر 1976) بعد أن أمضى الرئيس سليمان فرنجية قرابة خمس سنوات في الحكم كانت مقدمة للحرب الأهلية اللبنانية، وكان غياب رشيد كرامي عن رياسة الوزارة في ذلك الوقت بلا شك وبلا جدال غيابا لصمام من الصمامات التي كانت كفيلة بمنع نشوب الحرب الأهلية واندلاعها، فقد كان نشاطه هو نفسه بشخصه ولحمه ودمه ونشاطه ودأبه عاملا من عوامل الوفاق والحفاظ على وحدة لبنان وعلى روح لبنان المتآلف والقادر على المضي للأمام.

قصة استشهاده

كتبت الشهادة لرشيد كرامي من أجل وطنه، فقد لقي حتفه في حادث تفجير طائرة عسكرية عمودية وقد أدين سمير جعجع قائد ما يُسمى بالقوات اللبنانية بتدبير الاغتيال وحكم عليه بالإعدام ثم بالسجن المؤبد قبل أن يُطلق سراحه في 2005. كان استشهاد رشيد كرامي بمثابة تتويج فدائي لأعظم خطوة خطاها سياسي لبناني من أجل وحدة لبنان فقد تصدى هذا الرجل العظيم بكل قوة للممارسات العبثية التي تبناها سياسيون من طراز سمير جعجع، وبذل رشيد كرامي جهوداً جبارة في توحيد صفوف الوطنيين اللبنانيين في مواجهة منطق القوة، ولهذا السبب العظيم وبمنظور الذين لا يعترفون إلا بالقوة لفرض آرائهم وتوجهاتهم فقد قرر من ينهجون نهج سمير جعجع ألا مناص من إنهاء حياة رشيد كرامي وذلك بتفجير طائرته العمودية التي كان يعود بها من طرابلس إلى بيروت في أول كل أسبوع. وقد أصيب الوزير عبد الله الراسي في حادث اغتيال رشيد كرامي إصابة غير قاتلة . كانت عملية التفجير واضحة وضوح الشمس في دلالتها وإشارتها إلى طبيعة منفذها وصاحب المصلحة فيها ومن الطبيعي ان مثل هذا التيار السياسي لم ينكر دوره بل تباهي به في وقت لاحق، وذلك على الرغم من المحاولة المبكرة لجذب الأنظار إلى طريق آخر للإتهام من خلال بيان مشبوه أرسل لوكالة الصحافة الفرنسية باسم منظمة الثأر الإسلامي.

لكن الحقيقة سرعان ما تكشفت وألقت التحقيقات التهمة على عاتق سمير جعجع والقوات اللبنانية واقتنع اللبنانيون جميعا بضرورة نزع سلاح “القوات” وحل القوات وملاحقة جعجع، الذي لوحق أيضا في ملف اغتيال رئيس حزب الوطنيين الأحرار داني شمعون ابن الرئيس اللبناني الثاني كميل شمعون وفي اتهامه بتفجير كنيسة “سيدة النجاة” في كسروان، واغتيال النائب طوني فرنجية ابن الرئيس سليمان فرنجية وعائلته وفيما سمي بـ”مجزرة إهدن”فيما بعد ،  أطلق سراح سمير جعج بعفو من قبل المجلس النيابي الذي انتخب بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، وعاد إلى نشاطه السياسي وترشح إلى الانتخابات الرئاسية. بيد أن الوزير السابق فيصل عمر كرامي اعتبر أن “هذا العفو يعتبر إهانة لمؤسسة الجيش والقضاء اللبناني”. وقالت عائلة كرامي إنها ستقدم مذكرة إلى مجلس الأمن تطلب فيها ضم جريمة اغتيال الرئيس كرامي إلى الجرائم التي تنظر فيها المحكمة الدولية، مؤكدة أن “العدالة لا تتجزأ ويتردد أن ملف اغتيال كرامي يضم 223 ألف وثيقة تشكل محاكمة متكاملة، وتتضمن اعترافات أكثر من عنصر ساهم في عملية الاغتيال، والزورق الذي استعمل أثناء المراقبة، والجهاز الذي استعمل في عملية التفجير.

وفي كلمة له في ذكرى اغتيال كرامي قال الوزير السابق فيصل عمر كرامي: “حين قلنا إننا لم نسامح ولن ننسى، فذلك لأننا نعتبر أن لا قيامة لدولة على قاعدة الجريمة، ولن يستقيم أمر الدولة سوى على قاعدة العدالة”. وأكد كرامي أن العفو لا يعني البراءة، وإن كان جعجع واثقا من براءته فليطلب إعادة المحاكمة، ولكن ذلك لم يحصل لأن التهمة ثابتة”، وقا كرامي ل: “لقد قلنا إننا لن نسامح ولن ننسى ليس لأننا عائلة رشيد كرامي، لأنه ليس ملكا لعائلته، فهو رجل الدولة الذي أمضى زهاء 36 عاما في سدة المسؤولية، وكان أرفع تجسيد للوطنية، ونحن طلاب عدالة لا انتقام

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com