أبدأ بالاعتراف بأني أكتب هذه المدونة بناء على أمر الجماهير، في أول تجربة، استهدف فيها من الكتابة الفهم فحسب وليس الإقناع الذي هو طابع ما أكتب.
لم يكن يوسف والي يتصور أنه سيقضي في الوزارة كل السنوات التي قضاها، فقد كان تقدير العاملين في مجال الزراعة أنه سيقضي عاما على أكثر تقدير.
وكان سلفه محمود داود أستاذاً محبوبا في زراعة الإسكندرية، جاء به للوزارة من باب حب الطلاب له، وذلك على ما هو الحال في عهد السادات الذي كان يختار الوزراء من الأساتذة الأكفاء المحبوبين، من دون أن يصرح بالسر، أما والي فكان من عائلة قريبة جداً من السلطة!
فأخوه المهندس علي والي كان وزير دولة للبترول 1972-ـ 1973؛ في وزارة الدكتور عزيز صدقي، وأخوه الأصغر كان متزوجا من ابنة نائب رئيس الجمهورية.
وقد عرف الضباط من عهد الرئيس عبد الناصر وهيئة التحرير، وكان من الطراز النموذجي الذي يحبه الرئيسان عبد الناصر ومبارك ولا يحبه السادات فقد كان مؤمنا تمام الإيمان بالنظرية التي عبر عنها الدكتور عاطف عبيد بقوله: هناك ضابط واحد هو الرئيس (مبارك) و الوزراء عساكر! كان يوسف والي يعمل بما يعتقد أنه اجتهاد من دون أن يعنى بصورته فيما يتعلق بالنزاهة وسلامة التصرفات وهكذا بدا في صورة أستاذ الجامعة الذي يتمتع بصفة أو أكثر من صفات يغفرها الناس لأساتذة الجامعة ولا يغفرونها للوزراء.
الصفة الأولى الأستاذ البوهيمي و الصفة الثانية الأستاذ الهلامي والصفة الثالثة الأستاذ الهليهلي الذي لا يعنى إلا بالعلم وينسى كل شيء آخر بما في ذلك الزواج والمظهر الاجتماعي والصورة الذهنية المتكونة عنه.
من مفارقات الحياة التي لم يروها أحد أنه كان وهو تلميذ صغير في المدرسة الابتدائية زميلاً للفنان أحمد رمزي، ورغم اختلافهما في البنية فإن لهما ملامح متقاربة
و بعد سنوات ذاعت هذه الصفات، فأصبح محط أنظار ثلاث فئات، الأولى: الطامحون إلى الاستثمار في الأرض الزراعية والمستصلحة وهؤلاء أباطرة، والتالية الطامحون السياسيون، والثالثة: الأجهزة الرقابية التي وجدت أن من السهل أن تعمل على الأخطاء التي تصدر عن فرق العمل التي كان يعهد إليه بالثقة، فتكون النتيجة أخطاء بالجملة.
وباختصار شديد فعلى نحو ما حدثني رئيس هيئة رقابية مشهور فقد كانت الزراعة أبرز ميدان لعمل الهيئة لأن كل عملها كان سهلاً في اقتناص التجاوزات فيه بسبب كثرتها.
وعلى صعيد آخر، فإن مهندسا شهيراً كان من أنجح الوزراء والنقباء والسياسيين كان هو الذي رشحه ليكون أمينا عاماً للحزب الوطني؛ فلما سأله الرئيس مبارك عن مبررات الترشيح أجابه بأنه يملك الوقت والهدوء، وهما ما يتطلبه هذا المنصب.
وكان هذا السياسي لا يحب سلف الدكتور يوسف والي في منصب أمين الحزب الوطني، وكان أستاذا كبيراً من أساتذة الجغرافيا ورئيسا لمجلس الشورى، وبأمانة شديدة فإن أي قارئ لو كان مكان الرئيس حسني مبارك لكان قد وافق على فكرة حلول والي محل أستاذ الجغرافيا في منصب الأمين العام للحزب الوطني.
كان من أسباب إعجاب الرئيس حسني مبارك بيوسف والي؛ أنه كان من مؤسسي الوفد الجديد، وكان الرئيس حسني مبارك بدهائه يعتبر مثل هذا التأسيس دليلا على تفوق صاحبه.
جاءت متاعب يوسف والي من زوايا متعددة، فالوزراء الطموحون إلى منصب رئيس الوزراء من طراز الجنزوري يعملون حسابه ويظنون أنه لابد من إزاحته حتى يصلوا، و كان هؤلاء أربعة وقد وصلوا إلى مواقع متقدمة بالفعل.
قدمت الأجهزة الرقابية قضايا كثيرة في كبار العاملين في وزارة الزراعة وحكم على كثير منهم بأحكام مشددة، ومع هذا كان الرئيس مبارك يحتفظ بيوسف والي على اعتبار أنه غير متورط .
لكن مبارك لم يتخير ليوسف والي؛ رجلاً منضبطا يعينه في الشؤون المالية والإدارية والتنظيمية، وكان مبارك يملك قائمة من هؤلاء المنضبطين.
كذلك فإن الرئيس مبارك لم يكلف نفسه أن ينصح يوسف والي بالعناية بصورته في الإعلام ولا كلّف نفسه بالدفاع مرة واحدة عن يوسف والي.
وهكذا أصبح يوسف والي؛ حتى إن كان شيطانا أو ملاكا بمثابة لوحة التنشين التي يتعلم عليها كل صحفي ضرب النار. بذل أساتذة كبار من أساتذة كليات الزراعة جهودهم في إثبات براءة يوسف والي من قصة المبيدات المسرطنة؛ لكن احداً لم يستمع لهم لأن يوسف والي نفسه بدأ وكأنه غير معني بالأمر على الإطلاق.
ويبدو والله أعلم أنه كان قد أصابه التبلد تماماً؛ وقل مثل هذا في توزيع الأراضي المستصلحة، وفي قصة الجزيرة التي أتهم مع عاطف عبيد رئيس الوزراء المصري الأسبق في بيعها.. إلخ.
بل إن يوسف والي حين ترك الوزارة لم يفكر في أي موقع شرفي رغم أنه كان يملك عديدا منها، وبدأ الأمر وكأنه غير معني بأي شيء في الحياة، ومن مفارقات الحياة التي لم يروها أحد أنه كان وهو تلميذ صغير في المدرسة الابتدائية زميلاً للفنان أحمد رمزي، ورغم اختلافهما في البنية فإن لهما ملامح متقاربة، وكان فيما بدا لي ذات مرة يتصور نفسه قادراً على الانعزال عن الأضواء لعقد أو عقدين من الزمان على نحو ما فعل أحمد رمزي.
في نقطة مهمة في حياته وهي أنه لو كان كما صوره الناس منتميا إلى أولاد العم لدافع هؤلاء عنه وكرّموه ومنحوه مكانة دولية وجوائز دولية ولا سمحت وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الهجوم المهين عليه
في نقطة مهمة في حياته وهي أنه لو كان كما صوره الناس منتميا إلى أولاد العم لدافع هؤلاء عنه وكرّموه ومنحوه مكانة دولية وجوائز دولية ولا سمحت وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الهجوم المهين عليه، لكنه كان يتصور نفسه في الصورة التي رسمها عاطف عبيد، ولهذا فإنه لم يؤثر عنه أي انفعال تجاه صورته وكأنه كان يحب أن يدخل التاريخ بوهيميا هلهليا على نحو ما عاش!
تسألني عن تشخيص الأزمة فأقول لك غياب التربية السياسية 30%، وغياب الثقافة العلمية 70%؛ لكن الأهم من هذين أننا ننسى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «رحم الله امرءا ذبّ الغيبة عن نفسه»، لكن الرئيس مبارك كان قد استن سنة لا تزال سارية وهي أن الرأي العام أمر ثانوي.
هناك سؤال مهم وهو: هل كانت ليوسف والي إنجازات حقيقية في وزارة الزراعة؟ نعم، إنجازات ضخمة، ومنها القمح والأرز ورفع الإنتاجية واختيار الأصناف؛ لكن أحداً لن يصدق هذا مع أن أساتذة الزراعة أنفسهم يعرفون الحقيقة.
وأختم بثلاثة أسئلة وإجاباتها: هل يستحق يوسف والي كل هذا الهجوم عليه؟ لا مجال للسؤال فقد ترسخ الهجوم.
هل يستحق يوسف والي دفاعاً عنه؟ ظلم أن نقول لا، وخطأ أن نقول نعم هل الخطأ في يوسف والي أم في المجتمع؟
أغلب الظن أن الخطأ في كليهما وبنسبة 90% لكليهما بعد أن أصبح يوسف والي وزيرا حضر لقاء رسميا فأخطأ في حق حزب الوفد الجديد فانبرى الوفديون له رداً على هجومه،لكن فؤاد باشا سراج الدين نبههم إلى أن يوسف والي كان من مؤسسي الوفد الجديد الذين وقعوا على عقد التوثيق في الشهر العقاري، وبهذا فإنه يستحق الإكرام مهما فعل من الأفعال الصغيرة التي يرتكبها من يمشون في ركاب الحزب الوطني و العسكر.. وهكذا عرف الناس أن الوفد يكرم يوسف والي في صحافته بينما لم تفعل الدولة مثل هذا.