بقلم : منير عامر
تاريخ النشر : 07/06/2003
جريدة : العالم اليوم
لا أعرف أين ضاع منا حق الابتهاج بالنجاحات المصرية المتوهجة
أقول ذلك بمناسبة انتخاب شاب لم يتعد الخمسين لعضوية مجمع اللغة العربية وهو الأستاذ الدكتور محمد الجوادي أستاذ القلب بجامعة الزقازيق فلم تصدر تحية واحدة او مقالا واحدا عن هذا الانجاز الذي يتم بالانتخاب الشفاف.
أعرف محمد الجوادي منذ أن كان طالبا بكلية الطب وكان قد انجز كتابه الأول عن الجراح الأديب محمد كامل حسين،وما ان قرأ أستاذي الكبير صلاح عبد الصبور،كتاب الجوادي الأول حتى دفع به الى المطبعة، ومازلت أذكر ملامح الفرح على وجه صلاح عبد الصبور بميلاد مثقف جديد تقوم موهبته على أساس جمع الحقائق وإعادة ترتيبها ليضع منها رؤية جديدة.
ورصد محمد الجوادي سنوات عمره ليناقش كل ما كتب عن ثورة يوليو، ويحمل في أعماق ضميره إدانة بالغة لجمال عبد الناصر لأنه لم يعتمد على ما سبق الثورة من نخبة مثقفة ،ولم يتواصل مع ديمقراطية ما قبل 23 يوليو وتصل تحليلاته دائما الى الإدانة المتجددة.
وآخر هذه المحاولات هو إعادة قراءته لسيد الرواية في زماننا، من خلال بحثه عن السياسة في خفايا روايات نجيب محفوظ ويتقصى بمنهج دقيق فكرة استئصال حق الاختلاف في الرأي عبر مراحل الثورة ويضع كل تركيزه على روايتين للكاتب العبقري هما "ميرامار" و "أمام العرش"، ونجيب محفوظ هو الراهب الزاهد الذي حيرته قيمتان أساسيتان في الحياة هما :الحرية والعدالة ،فكلاهما في حالة خصام وهرب ،وحين تتواجد واحدة تختفي الأخرى، وحين يستقر لأي منهما حق السيادة نجد من يمحو بجهد العسكر أو جهد تزييف الوعي كل ملامح الوجود للثانية
حدث هذا في امريكا حين استقرت فكرة الحرية وضاعت فكرة العدالة بحماية البسطاء.
وحدث ايضا في البلاد الشيوعية ،فأطل شبح العدالة الاجتماعية وتم دهس فكرة الحرية .
هذا هو نجيب محفوظ كما افهمه وكما أحبه وكما أعلن لي في حديثيين صحفيين أولهما عام 1963 بعنوان "نجيب محفوظ يتحدث لأول مرة في السياسة "،وثانيهما من بعد هزيمة يونيو وكان عنوانه "عشرة اسئلة في السياسة وسؤال واحد في الحب".
قرأت كتاب د. الجوادي الأخير بدقة لأرقب خلافه مع جمال عبد الناصر وثورة يوليو وكيف وجد في رؤية نجيب محفوظ ما يؤكد هذا الخلاف، وان كان قد نسي أن سبب وجود 23 يوليو هو تراكم الفساد الذي سبق أن صوره نجيب محفوظ وابدعه صلاح ابو سيف في القاهرة 30، وهو مأخوذ عن نص روائي للكاتب الكبير.
قدرة نجيب محفوظ في تقييم الواقع السياسي، تتركز دائما في عبارة قالها لي "إن الإخلاص للوطن يعني ان نكشف السلبيات لنواجهها ،لا ان نظل نغني لإيجابيات تحققت".
قالها لي مرتان ، في عام 1963 واكدها بكلمات مختلفة في عام 1968 حيث أصر أن يتم كل من يذهب الى مؤتمر اقرار بيان 30 مارس بتفضيل الولاء للشخص على الولاء للوطن الى ان يثبت العكس.
أحلى ما في كتاب د.الجوادي أنه دقيق، واضحك من قلبي على هذه الكراهية الساخنة ل 23 يوليو ونقدها الجاد ، وفي قلب تلك الكراهية احترام شديد لأهدافها، وهو خلاف مع أساليبها اشترك معه فيه.
فلتواصل أيها العزيز خلافاتك المدروسة مع 23 يوليو لعلنا ننصر مستقبلنا بما يحقق حلا للمعضلة التي بحث عنها نجيب محفوظ في كل رواياته وهي تواجد الحرية والعدالة معا.