الشيخ عبد الجليل عيسى (1888 ـ 1981) واحد من علماء الأزهر المرموقين الذين عرفوا على نطاق جماهيرى واسع بسبب مشاركاتهم المبكرة في الأحاديث الدينية من خلال الإذاعة، كانت له مكانة كبيرة بين زملائه وتلاميذه، وكان رجلاً صالحاً عاملاً، وقد رزق طول العمر (93 عاما)، وحسن العمل، وخلود الذكر، وظل طيلة حياته رمزاً عاليا للإباء والكرامة والعزة ورمزا عمليا للايجابية والتقدم إضافة إلى العلم والمرجعية، وقد كان مرشحاً لمنصب الإمام الأكبر شيخ الازهر إلا أن أخلاقه ومكانته كانت أكبر من أن يتحملها المنصب حين رشح له. وهو قبل ذلك العالم الأزهري الذي جمع بين عمادة كليتي أصول الدين واللغة العربية واحدة بعد أخرى على نحو ما جمع الشيخ حمروش بين عمادتي كلية اللغة العربية الشريعة واحدة بعد الأخرى
نشأته وتكوينه
اسمه الكامل عبد الجليل عيسى أبو النصر المالكي، ولد في عزبة الرملة بمديرية البحيرة عام ١٨٨٨، وفي بعض المصادر انه ولد 188٩. وتلقى تعليماً دينياً بدأه في الكتاب، ثم تلقى علومه الأولى في الجامع الأحمدى في طنطا، وحصل على عالمية الأزهر أو العالمية القديمة (1914) في سن الخامسة والعشرين.
وظائفه الأولى
بسبب تفوقه عين الشيخ عبد الجليل عيسى مدرساً بمعهد طنطا، وقد عاصر تولى الشيخ محمد الاحمدي الظواهرى مشيخة ذلك المعهد العريق، ولما اندلعت ثورة 1919 كان عبد الجليل عيسى من أبرز علماء الأزهر الذين شاركوا في ثورة الشعب الكبرى ضد التواجد الإنجليزي في مصر مشاركات ذات قيمة كبيرة، وفيما بعد الثورة عاد إلى ممارسة عمله في هدوء، وإن لم يبتعد عن السياسة.
إسهامه المبكر والبارز في العمل الوطني
ظل الشيخ عبد الجليل عيسى معنزا بالحق والخلق القويم، ثائراً للحق وثائرا على الباطل على الدوام وكان واحدا من كبار العلماء الذين بدأوا ثورة الأزهر في الثلاثينيات وهي ثورة متعددة التوجهات والأهداف لكن أنبل أهدافها كان هدفا اختفى الحديث عنه وهو تأييد الزعيم الليبي عمر المختار في ثورته ضد المحتل الإيطالي، وقد تولى الشيخ عبد الجليل عيسى تجميع العلماء من أجل هذا الهدف النبيل، فأصدروا بيانا شديدا أثار احتجاج الايطاليين ومن كانوا يوالونهم من المصريين، وكان الملك فؤاد نفسه ممن يوالون الايطاليين بحكم إقامته السابقة في إيطاليا .
لما أسس الشيخ المراغي معهد شين الكوم الأزهري في ١٩٣٧/ 1938 اختار الشيخ عبد الجليل عيسى ليكون أول عميد لهذا المعهد، وقد كان الشيخ على العهد به من حسن الظن به
اشتراكه في ثورة 1935
وكانت هذه الثورة الأزهرية ذات الطابع الوطني المؤيد للمجاهدين الليبيين تشترك مع ثورة الطلبة في الوقوف ضد الاحتلال البريطاني مما أدى كما نعرف إلى ائتلاف الأحزاب والتفاوض والوصول إلى معاهدة 1936 أما الهدف الثالث للثورة وهو ما تبقى الحديث عنه لاسباب معروفة تتعلق بمحاولة تجاوز عمق الهدفين الاولين، فكان هو المطالبة بعودة الشيخ محمد المراغي لمشيخة الازهر والخلاص من الشيخ محمد الأحمدي الظواهري.. وقد تحققت أهداف هذه الثورة بما فيها هذه الأهداف الثلاثة.
فصله بسبب آرائه وجهاده
كان اسم الشيخ عبد الجليل عيسى في مقدمة أسماء القائمة الشهيرة من الأزهريين الذين فصلتهم وزارة إسماعيل صدقي باشا بدعم من الملك فؤاد في مطلع الثلاثينيات وذلك من أسباب فصلهم احتجاجهم على الممارسات الوحشية للاستعمار الإيطالي في ليبيا على إثر إعدام المجاهد عمر المختار.
كفاحه ضد حكم صدقي باشا
عرف الشيخ عبد الجليل عيسى منذ ذلك الحين بأنه أبرز المكافحين للطغيان الحكومي إذ أنه لما فصل في عهد رئيس الوزراء إسماعيل صدقي باشا رفع قضية فكسبها وأعيد إلى عمله بحكم قضائي وكان هذا إنجازا غير متصور في ذلك العهد .
تأسيسه لمعهد شبين الكوم
وفى منتصف الثلاثينيات تم تعيين الشيخ عبد الجليل عيسى شيخاً لمعهد دسوق الدينى. وقد كان لأسباب كثيرة محل ثقة الشيخ المراغي، فلما أسس الشيخ المراغي معهد شين الكوم الأزهري في ١٩٣٧/ 1938 اختار الشيخ عبد الجليل عيسى ليكون أول عميد لهذا المعهد، وقد كان الشيخ على العهد به من حسن الظن به، ففرض روح العلم والبحث والاجتهاد الالتزام الشديد والانضباط المتصل على هذا المعهد مما أهله لأن يحتل بسرعة مكانا متقدما بين المعاهد الأزهرية على مستوى القطر المصري.
تولى عمادة الكليتين
تولى الشيخ عبد الجليل عيسى عمادة كلية أصول الدين في منتصف الأربعينيات، ثم عين عميداً لكلية اللغة العربية في نهاية الأربعينيات وعلى مدى السنوات الأخيرة من خدمته.
عرف الشيخ عبد الجليل عيسى بقدراته الفذة مفسراً للقرآن الكريم في الإذاعة وعلى صفحات أبرز المجلات الإسلامية في مصر والعالم الإسلامي
كفاحه في الخمسينيات
ولما أحيل الشيخ عبد الجليل عيسى للمعاش في بداية الخمسينات رفع قضية في مجلس الدولة الذي كان قد تأسس ومارس سلطاته، فحكم له المجلس بالعودة إلى عمادة كلية اللغة العربية (على الرغم من أنه كان وقت صدور الحكم قد جاوز سن التقاعد) وحكم له بتعويض مالي وضمن القضاة حيثيات حكمهم ثناء على الشيخ وعلى شخصيته.
نشاطه في عهد 1952
انتخب الشيخ عبد الجليل عيسى عضواً في مجمع البحوث الإسلامية في مطلع السبعينيات، وقبلها اختير عضواً في لجنة الفتوى بالأزهر، كما كان عضواً في لجان المجلس الأعلى للثقافة.
قيمته الفكرية
عرف الشيخ عبد الجليل عيسى بقدراته الفذة مفسراً للقرآن الكريم في الإذاعة وعلى صفحات أبرز المجلات الإسلامية في مصر والعالم الإسلامي. وإلى جانب بحوثه في علوم الدين فقد قدم الشيخ عبد الجليل عيسى للمكتبة الإسلامية العديد من المؤلفات القيمة. عُرف طيلة حياته بأخلاق نبيلة اجتمعت في شخصه مع حرصه على العزة والشموخ الخلقي، ويروى أن والده أراد تكريمه بعد حصوله على العالمية بأن يخصه بأربعة فدادين لكنه أبى قبول ما أراد والده هبته له. تظهر عبقرية الشيخ في عنوان كتابه الجميل (ما لا يجوز فيه الخلاف بين المسلمين) وله بالإضافة إلى هذا كثير من البحوث.
آثاره:
هو العالم الوحيد الذي له تفسيران للقرآن الكريم، هما المصحف الميسر، تيسير التفسير، وله كتاب رائع عن اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم أما أشهر كتبه المقررة والتي حققت أرقاما كبرى في التوزيع فهو كتاب “صفوة صحيح البخاري”.
– ما لا يجوز فيه الخلاف بين المسلمين
– «تيسير التفسير» تفسير كامل للقرآن الكريم.
– «المصحف الميسر».
– «صفوة صحيح البخاري» في أربعة أجزاء.
– «اجتهاد الرسول».
– «صفوة صحيح البخارى، 4 أجزاء، ر 2 ج، صبيح.
– «المصحف المفسر» الكتب الحديثة.
جائزة الدولة التقديرية
كان الشيخ عبد الجليل عيسى ثاني من نال جائزة الدولة التقديرية من العلماء المرتبطين بالأزهر لم يسبقه إليها إلا الشيخ على الخفيف (1976) الذي لم يتخرج في الازهر وانما تخرج في مدرسة القضاء الشرعي وعمل أستاذا بكلية الحقوق، وقد نال الشيخ الشيخ عبد الجليل عيسى هذه الجائزة ١٩٨٠ في أول أعوام منحها لأكثر من فائز واشترك معه في الفوز بها الدكتور عبد العزيز القوصي والدكتور محمد محمود الصياد والدكتور رفعت المحبوب.
وفاته
توفى الشيخ عبد الجليل عيسى في يوليو عام 1981.