أول الاستنساخات فمعروف للكافة العامة منهم والخاصة وهو جماعة الأمة القبطية. تأسست مجلة مدارس الأحد عام 1947، وضم الرعيل الأوائل من الذين أهتموا بالكتابة في هذه المجلة عددا ممن أصبحوا أساتذة في الجامعة وكانوا في طريقهم إلى هذه المكانة: الدكتور مراد كامل، الدكتور زكريا إبراهيم، الدكتور وليم سليمان قلادة، الدكتور سليمان نسيم، الدكتور مراد وهبة. كما ضم الرعيل الأوائل عددا ممن أصبحوا قادة في الكنيسة القبطية والتعليم الكنسي:
– نظير جيد (البابا شنودة الثالث)
– وهيب عطاالله ( الأنبا غريغوريوس)
– رمزي عزوز (الأنيا يؤانس أسقف الغربية)
– عبد المسيح بشارة (الانبا اثناسيوس مطران بني سويف)
– كمال حبيب (الأنبا بيمن أسقف ملوي)
أهم هؤلاء من الناحية العلمية والأكاديمية كان هو الدكتور زكريا إبراهيم (1924- 1976) الذي حصل على الدكتوراه من جامعة السوربون، وعمل كأستاذ للفلسفة بجامعة القاهرة ووصل إلى منصب رئيس قسم الفلسفة وأنتدب للتدريس في جامعات الخرطوم والأردن والمغرب حيث توفي هناك. ألف الدكتور زكريا إبراهيم مؤلفات جيدة في مجالات الفلسفة والتربية، وعلم النفس وعلم الاجتماع والسير والتراجم، ويذكر له أنه شارك في سلسلة أعلام العرب وكتب فيها كتابين عن أبو حيان التوحيدي وأبن حزم ومن أشهر مؤلفاته سلسلة (مشكلات الفلسفة): مشكلة الفلسفة (1963) مشكلة الحب (1964). مشكلة الحرية (1967). مشكلة الفن (1967). المشكلة الخلقية (1969) مشكلة الحياة (1971). مشكلة الإنسان. مشكلة البنية.
كان الدكتور زكريا إبراهيم يكتب وهو طالب بكلية الآداب قسم الفلسفة مقالات صحفية في مجلة اليقظة وهي مجلة قبطية محدودة الانتشار والتأثير ومن مقالاته اللاهوتية والفلسفية المبكرة:
– مشكلة الجبر والاختيار في المسيحية (الحلقة الأولي). أكتوبر 1941
– مشكلة الجبر والاختيار في المسيحية (الحلقة الثانية). نوفمبر 1941
– الله الحلقة الأولي: يناير 1942
– الله الحلقة الثانية: فبراير 1942
أما في مجلة مدارس الاحد فقد تجلت إرهاصات الدور الريادي والتنظيري والتنظيمي للدكتور زكريا إبراهيم وهو دور لم تفد منه الكنيسة بالقدر الكافي بحكم طبائع الأشياء، لكنه على كل حال كان يلقي بحجر في سبيل الوعي الديني، وعلى سبيل المثال فإنه في مقال له بعنوان حاجتنا إلي ثقافة روحية (يناير 1949) يذكر بضرورة الاهتمام بالثقافة الروحية عن طريق الاهتمام بالكتب وتقرأ نصا لا يختلف في صياغته عما كان يكتبه الشيخ محمد الغزالي:
“أننا في حاجة إلي نهضة ثقافية شاملة فلابد أن نقدم للشعب القبطي سلسلة قيمة من المؤلفات الدينية الجديدة والكتب الروحية الممتازة. ولعلنا أحوج ما نكون إلي مثل هذه الحركة حتي يقبل الشباب القبطي علي دراسة المسيحية وتفهم معانيها السامية فلو أننا حرصنا علي أن نقدم للقراء كتبا ممتازة تجمع إلي قوة الإقناع براعة العرض ؛وحسن التشويق وجمال الأسلوب. لأقبل الشباب المثقف علي قراءة الكتب الدينية بشغف ولذة. ولعل من واجب الشباب القبطي أن يساهم بالقسط الأوفر في هذه الحركة الثقافية الكبرى حتي نشبع حاجة الشعب إلي الثقافة الروحية ونزيد من إقبال الناس علي الاطلاع الديني”.
وحين روى الدكتور زكريا إبراهيم ما أسماه مذكرات قبطي في باريس (يناير 1951) فإنه كان حريصا على ضرب المثل بالتزام بالدين والنسك حتى في مثل حالته، وقد سجل في مذكراته عن يوم 14 يونيو 1951 ما شعر به من حنين إلى الصلاة: “قرأت اليوم بحثا فلسفيا عن الصلاة ؛وكم أود لو استطعت نقله إلي العربية. ولكن الغريب أن نعمة الله تفتقدني دائما فقد فترت صلواتي منذ حين. ومن أجل هذا ساقتني العناية الإلهية إلي هذا البحث الفلسفي لكي يذكرني بقيمة الصلاة. والأعجب من ذلك أني رأيت أيضا في الحلم منذ بضعة أيام أن والدتي جاءت تلومني لأنني لم أفكر في الاتصال بخالقي قبل أن أذهب إلي الفراش ؛ومن يدري فربما تكون هناك قلوب طاهرة ترفع الصلوات من أجلي كل حين ؛وبفضل هذه الصلوات لم تختنق في نفسي بقية من إيمان!”.
كان الدكتور زكريا إبراهيم في عصر الإلحاد يجاهر مثله كمثل كتاب الاخوان المسلمين بأن جوهر الحياة الإنسانية الحقيقية هو النزوع الأسمى إلي ما هو أفضل؛ وتلك الرغبة المستمرة في التقدم؛فالإنسان يتحكم في الطبيعة ويظل دائما في حالة قلق مستمر وحنين دائم إلي ما هو غير موجود؛والصفة المميزة الأولي للإنسان هي هذا القلق المستمر.. ولا تتمثل عظمة الحياة الإنسانية إلا في شعور الإنسان بسمو إرادته وقدرته المستمرة علي العمل والنشاط”.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا