كان من لحظات السعادة في حياتي أن كلفت بكتابة مادة موسوعية عن الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد في قاموس الأدب العربي، وهو الرجل العظيم الذي عرفته عن قرب في العقد الأخير من حياته، و كنت فيما قبل ذلك وبعده معجبا به كواحد من كبار المثقفين المصريين الذين استولت الفكرة الموسوعية علي وجدانهم في شبابهم . و قد كنت طبيبا لاسرته في أخريات حياته ، وحين كنت أتردد على الأستاذ صلاح طاهر وهو يرسم لي البورتريه كان في كل مرة يلجأ فيها للراحة يترحم عليه وعلى ذكرياته في الاستماع إلى عزفه، فقد كان الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد هاويا للموسيقي، وكان يجيد العزف علي العود، وكان من الأصدقاء المقربين جدا للملحن الفذ الشيخ زكريا أحمد، كما كان جارا للفنان صلاح طاهر في عمارة على نيل الجيزة كان يسكن فيها أيضا الدكتور محمد عوض محمد وزير المعارف وعضو مجمع اللغة العربية
اللمعان المبكر
لمع اسم الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد مبكرا في عصر الحرية والمشروعات والطموح والعمل الجاد فقد اتفق مع اثنين من زملائه هما الدكتور عبد الحميد يونس (أستاذ الأدب الشعبي فيما بعد)، والأستاذ أحمد الششتناوي علي العمل علي ترجمة دائرة المعارف الإسلامية إلي اللغة العربية، وساروا في هذا العمل خطوات جادة، وقد أعادت «دار الشعب» في نهاية الستينيات طبع أعداد أسبوعية من هذه الدائرة في السلسلة ذائعة الصيت: «كتاب الشعب».
وفي حقبة السبعينيات والثمانينيات ظل الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد ينادي بمسئولية الدولة عن دعم الكتاب، وكان يري أن دعم الكتاب لا يقل أهمية عن دعم الخبز، وهي الدعوة التي لم تلق في بدايتها آذانا صاغية، وإن كانت قد ترجمت فيما بعد بصورة جزئية في مشروع ناجح هو مشروع «مكتبة الأسرة» الذي يقدم بعض الكتاب بأسعار زهيدة في احتفالية محددة الطابع والتوقيت، علي حين كان خورشيد ينادي بدعم ممنهج وممول و مطلق ومستمر.
النشأة والتعليم
ولد الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد سنة 1909، وتخرج في كلية الآداب جامعة القاهرة ( 1931 ) وقد تخرج في قسم التاريخ، في ثالث دفعة من دفعات الكلية، وهي دفعة من اكثر دفعات الكلية لمعانا في الحياة العامة ومن الطريف أنه كان أولهم في هذا اللمعان ومن الطريف أنه تخرج معه وزامله في هذه الدفعة رائد الاستثمار في النشر والطباعة الأستاذ سعيد السحار صاحب مكتبة مصر الذي تخرج في قسم اللغة الانجليزية ، و شهيد التعذيب الناصري المفكر الشيوعي الأستاذ شهدي عطية الشافعي ، والوزير عباس عمار الذي تخرج في قسم الجغرافيا ، والرائد الاذاعي مدير الإذاعة عبد الحميد الحديدي ، ، والدكتور محمد ثابت الفندي في قسم الفلسفة، والدكاترة عبد الحميد الدواخلى وعبد اللطيف حمزة ، ومحمد كامل حسين ، ويحي الخشاب الذين تخرجوا في قسم اللغة العربية و اللغات الشرقية بينما تخرج مع الأستاذ خورشيد في القسم نفسه زميله في ترجمة دائرة المعارف الإسلامية احمد الششتناوي ، وأستاذ التاريخ المعروف علي ابراهيم حسن.
مهامه الثقافية
عمل الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد في وظائف ثقافية متعددة، واختير مبكرا مديرا لإدارة الترجمة بوزارة المعارف، كما اختير مراقبا للشئون الخارجية في مصلحة الاستعلامات، ثم أصبح مديرا عاما للثقافة في وزارة الثقافة منذ عام ١٩٦٠ و بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر حين كان رئيس الجمهورية هو الذي يتولى تهيين مديري العموم في الدولة كلها ، و اختير رئيسا لمجلس إدارة الدار المصرية للتأليف والترجمة ، وهو الذي أعطاها الطابع المتميز لها، في سياستها وأساليب نشرها ، و الطابع الإخراجي لمنشوراتها ، وهو ما أصبح فيما بعد بمثابة الطابع المسيطر علي منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب حين تأسست بضم ثلاثة كيانات هي : الدار المصرية للتأليف والترجمة مع دار الكاتب العربي والدار القومية.
وهكذا أصبح الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد مع الزمن خبيرا بالكتب والنشر، كما أصبح بعد تقاعده مستشارا للنشر في دار المعارف في عصرها الذهبي. كما تولي من قبل الإشراف علي إصدار سلاسل كتب جيدة في التراث، والمسرح، والموسيقي، والنقد، وظل علي الدوام منفتحا علي الاتجاهات الثقافية بطيفها الواسع، و كان له فضل كبير في سلسلة تراث الإنسانية التي صدرت في مجلدات كبيرة ، ثم اعتمدت عليها مكتبة الأسرة في أول عهدها فأصدرتها في كتب صغيرة الحجم ، يضم كل كتاب منها فصلا مما صدر في مجلدات تراث الإنسانية .
وقد كان الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد عضوا في لجنة ترجمة ومراجعة مسرحيات شكسبير في الإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية التي رأسها الدكتور طه حسين.
استعانت المؤسسات الجامعية والأكاديمية بخبرات الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد فدرس وحاضر في معهد التربية العالي، وفي كليتي الآداب بجامعتي عين شمس والقاهرة، وفي معهدي الدراسات المسرحية، والتذوق الفني.
بصماته في عالم النشر
وإلي الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد يعود الفضل في صدور سلسلة «كتابك» عن دار المعارف، وقد عبرفي كلمته التي قدم بها هذه السلسلة عن نظريته التي كان يلح عليها في دعم الدولة للكتاب على نحو ما تدعم رغيف الخبز فقال:
” ….. وقد أحست دار المعارف حاجة القارئ العربي الشديدة إلى الثقافة العامة التي لا غنى عنها لكل إنسان يعيش في القرن العشرين، فاستقر رأيها على أن تمده بهذا الرغيف الثقافي الذي لا يقل وزنًا ولا خطرًا عن رغيف العيش. بل هو أسمى منه وأرفع وأقدر على تنمية الذوق، وإمتاع الفكر، وصقل الوجدان، وإفساح الرؤية”.
مما يجدر بي أن أذكره في هذا المقام أن الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد كان صاحب اللفتة المهمة في اختيار كتاب ذي قيمة مرموقة ليكون الكتاب الأول في السلسلة الجديدة أو عند إعادة إصدار السلسلة ، وبهذا المنطق فقد اختار أن تبدأ سلسلة كتابك بكتاب للأستاذ توفيق الحكيم، كما كان له الفضل الحقيقي في أن يكون كتابي عن الدكتور أحمد زكي هو أول الكتب التي عادت به سلسلة إعلام العرب إلى الصدور بعد سنوات طويلة من الانقطاع ، وفيما قبل هذا أن يكون كتابي عن الدكتور محمد كامل حسين الكتاب الأول في سلسلة كتابات جديدة ، وفيما بعد عقدين من الزمان رأى الدكتور فتحي عبد الفتاح رئيس تحرير كتاب الجمهورية أن يستأنس بهذه الفكرة التي كان قد عرفها ونشرها في وقتها ، فقرر أن يكون كتابي أوهام الحب هو الكتاب الذي يفتتح به السلسلة . وأنا مدين بكل هذا للأستاذ إبراهيم زكي خورشيد.
وقد وضع الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد كتبا تنظيرية مهمة عن وجهات نظره وخبراته في النشر منها كتابه: «ثقافة وكتاب» (1981).
جهوده في الترجمة
واصل الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد اهتمامه بالأدب العالمي وترجمته، وترجم «القوزاق» لتولستوي، وراجع ترجمة الدكتور مختار الوكيل لمسرحية شكسبير على هواك ، كما راجع ترجمة أعمال أدبية أخرى ، كما يذكر له أنه ترجم «أطلس التاريخ الإسلامي»، وراجعه الأستاذ محمد مصطفي، وقدم له الدكتور محمد عوض محمد، و«الانتصار علي الشدائد»، وهو مجموعة مقالات جمعها دونالد آدامز، وترجم أيضا «القارة البيضاء.. أرض المغامرات: قصة القارة المتجمدة الجنوبية» (1959)، وترجم «الماضي يبدأ حيا» (1953)، وترجم «قصة الجنس البشري» بالاشتراك مع زميله أحمد الششتناوي (1957).
وضع الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد كتابا مهما عن خبراته في الترجمة: و«الترجمة ومشكلاتها» (1985).
بعض ذكرياته الشخصية
روي الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد بعض ذكرياته في عدة مقالات، وفي كتاب غير مشهور اسمه «صور ضاحكة»، وفيه حديث ممتع عن أستاذه الشيخ مصطفي عبد الرازق، وعن عدد ممن عرفهم علي مدي حياته، ومنهم عميد المهندسين المصريين عبد العزيز أحمد، وقد أجاد وصف شخصيته الفذة التي أسدل عليها الستار في عهد الرئيس جمال عبد الناصر بسبب معارضته للطريقة التي نفذ بها مشروع السد العالي، والفنان الكبير محمد القصبجي و لم يكن الأستاذ خورشيد معجبا به بسبب تحيزه التام لصديقه الكبير الفنان الشيخ زكريا أحمد.
ذكريات معتز شكري عن المراحل الأخيرة من ترجمة دائرة المعارف الإسلامية
كتب الأستاذ معتز شكري في ٢٠١٠ مقالا عن ذكرياته في ترجمة دائرة المعرف الإسلامية تحت عنوان “دائرة المعارف الإسلامية”.. أو سر المنزل رقم١٤ وفي هذا المقال المهم قال:
” أحكي لكم سر المنزل رقم 14 بشارع حسن الأكبر مقر الطبعة العربية الأولى من (دائرة المعارف الإسلامية) والمترجمة عن الأصل الأجنبي The Encyclopedia of Islam ، والتي مر على بداية العمل فيها ( عام 1933) قرابة سبعة وسبعين عاماً “
” ففي ذلك المنزل بشارع حسن الأكبر، بحي عابدين العريق بالقاهرة، وبالتحديد في شقة متواضعة بالطابق الأول، كان الأستاذ الكبير الراحل إبراهيم زكي خورشيد يحتضن مشروع حياته، ويرعاه حتى آخر أيام عمره في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي. فقد شاء القدر أن يكون هو آخر من بقي على قيد الحياة من أصحاب المشروع الأصلي الذي بدأ أوائل الثلاثينيات، والوحيد الذي رافق المسيرة الصعبة له طوال ما يربو على خمسين عاماً. وكان قد تساقط خلالها باقي الرفاق بانتقالهم للعالم الآخر، وذلك باستثناء الدكتور عبد الحميد يونس الذي لم تكن تسعفه ظروفه الصحية في تلك الآونة بالاستمرار في تحمل أعباء ذلك المشروع المرهق. “
” لم تكن هذه الشقة بالطبع هي أول مكان يبدأ فيه أولئك الفتية مشروعهم عقب تخرجهم في كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1931، وفي الصدارة منهم إبراهيم زكي خورشيد ورفيق حياته منذ الصبا الدكتور عبد الحميد يونس، والأديب والمترجم أحمد الشنتناوي، فقد استأجروا في البداية غرفة صغيرة في المكان الذي توجد فيه الآن عمارة وهبة بوسط القاهرة. ولكن خصوصية المنزل رقم 14 بشارع سن الأكبر تكمن في أنه شهد المراحل التالية والأخيرة للمشروع.”
” أتيح لي شرف أن أشارك في هذا المشروع في سنواته الأخيرة، وبالتحديد ما بين عامي 1984 و1986، تلميذاً للأستاذ خورشيد، وعضواً بفريق الترجمة والتحرير لمواد دائرة المعارف الإسلامية، مع رفاق نابهين آخرين، وكنت وقتها مترجماً محترفاً حصلت للتو على دبلوم الترجمة الإنجليزية العالي ومضى على تخرجي في قسم اللغة الإنجليزية عشر سنوات تقريباً. وقد ساهمت في الطبعة العربية لدائرة المعارف الإسلامية – قبل توقفها في عام 1987 – بترجمة عدة بحوث، منها “الحمدانيون” و”الحنابلة” و”حيدراباد” و”الحمام” في المجلدين 15 و16. “
الدور المؤسسي الفذ للأستاذ خورشيد في ترجمة دائرة المعارف الإسلامية
وقد قدم الأستاذ معتز شكري لمحات مضيئة عن الدور الفدائي الذي ظل الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد يقوم به حتى نهاية عمره:
” ظل الأستاذ خورشيد يصدر دائرة المعارف الإسلامية في شكل “ملازم” متتابعة في طبعة رخيصة غير فاخرة، تقوم دار الشعب القاهرية بطبعها وتوزيعها ثم تجليدها بعد ذلك. وفهمت منه خلال عملي معه أنه كان صاحب حق نشر الطبعة العربية بعد شراء حقوقها قديماً من دار النشر الأصلية بمدينة ليدن Leyden الهولندية (ومعروف أنها واحدة من أكبر معاقل الاستشراق في العالم)، أما دار الشعب فكانت بمثابة الوكيل الذي يتعاقد معه للطبع والتوزيع مقابل نسبة معينة.”
“كانت الغرفة الداخلية من الشقة تشهد الأستاذ وهو يعكف على مراجعة الترجمات التي يقوم بها تلاميذه ويراجع البطاقات أو كما كان يفضل أن يسميها “الجذاذات”، وهي ذاتها التي يعتاد الباحثون الآن أن يطلقوا
عليها اسم “الفيش” أو “الكروت” وهي التي تحمل عناوين مداخل دائرة المعارف الإسلامية entries ، للترتيب للأجزاء التالية وفقاً للألفبائية العربية، وتوزيع موادها على المترجمين
“كان الأستاذ خورشيد يتولى بنفسه ترجمة بعض المواد بالرغم من كبر سنه وكثرة شواغله واهتماماته في تلك المرحلة المتأخرة من حياته “
” إن العمل كتب له النجاح لأنه كان أشبه بسيمفونية رائعة يعزف لاعبوها على قيم حب العلم والتبتل في محرابه والنهل من منابعه، دونما نظر إلى أي عائد مادي أو منافع دنيوية.
“كنت أعكف على الترجمة والبحث والتحرير، والتعامل مع البنط الصغير جداً للمادة الأصلية، والتقليب في المصادر والمراجع أياماً وليالي للبحث عن معنى اصطلاح أو لفهم نقطة غامضة أو لإحكام الأسلوب بلغة عربية مشرقة.. ثم أفاجأ بعد أسبوع من العمل الشاق في ترجمة نحو 20 صفحة ب”شيك” بمستحقاتي مزخرف زخرفة ملونة وجميلة بعنوان “لجنة ترجمة دائرة المعارف الإسلامية”، ويحمل مثلاً مبلغ 11 جنيهاً (أقل من أربعة دولارات عندئذ) تصرف من حساب اللجنة في بنك مصر!. ومع ذلك، كنت أواصل العمل في ترجمة دائرة المعارف الإسلامية بحب وإقبال ليقيني أنه عمل تاريخي شديد الأهمية، ويشرف كل من يساهم فيه. وكثيراً ما كنت أسمع الأستاذ خورشيد إذا ادلهمت الأمور وتفاقمت المشكلات المالية والإدارية وهو يهدد قائلاً: “إنني لو نفضت يدي من دائرة المعارف الإسلامية فسوف تنهار تماماً”.
” ولكنه لم ينفض يده بالطبع لأن دائرة المعارف الإسلامية كانت مشروع حياته، ولكن الدنيا هي التي نفضت يدها منه، فانتقل رحمه الله إلى رحاب مولاه في أوائل عام 1987، وتوقفت دائرة المعارف الإسلامية بالفعل”.
ذكريات الأستاذ خورشيد المبكرة عن أولى مراحل تجربته
نقل الأستاذ معتز شكري عن الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد بعض ذكرياته عن دائرة المعارف الإسلامية في حديث مطول نشر على جزأين، الأول في حياته بصحيفة “الخليج اليوم” 1986، والثاني عقب رحيله في الأهرام الدولي ومن هذه الذكريات التي سجلها الأستاذ معتز شكري:
“عندما تخرجنا في كلية الآداب سنة 1931، كانت كلية الآداب في هذه الفترة في عز مجدها العلمي، إذ كانت كعبة لطائفة من أئمة أساتذة العالم من كل جنس. وكان عدد طلاب الكلية لا يزيد على ستين طالباً في مختلف أقسام الكلية. وفي هذا الجو العلمي العجيب كنا نحرص على حضور المحاضرات في جميع أقسام الكلية لأننا أدركنا أنه لن تتاح لنا الدراسة على أمثال هؤلاء الأساتذة مرة أخرى. وكان من هؤلاء عدد من أعظم المستشرقين أمثال نللينو أستاذ طه حسين، وشاخت، وغيرهما”.
“وباحتكاكنا بهؤلاء المستشرقين تبين لنا أنهم جمعوا خلاصة أبحاثهم في دائرة معارف إسلامية كبرى أصدروها باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية.. ومنهم شاخت، وبلا، وأرنولد، وليفي بروفنسال، وغيرهم”.
وقد روى الأستاذ خورشيد لتلميذه معتز شكري كما روى لغيره من معاصريه ومريديه وعارفي فضله أن الآراء كانت كلها مجمعة على استحالة القيام بهذا العمل الخطير..
شهادة الإمام الأكبر الأستاذ الشيخ مصطفى عبد الرازق
وقد ظهرت في عام 1933 باكورة الطبعة المترجمة، وبعد صدور الأجزاء الأولى من هذه الطبعة العربية للموسوعة، “قامت القيامة” حسب تعبير الأستاذ خورشيد، و ” حاول بعض أساتذتنا أن يضموا هذا العمل إلى لجنة كانت لهم، ووجدنا أن هذا معناه فناء لشخصياتنا، وهنالك لم نشعر إلا بالحملات تتوالى علينا حتى “حوربنا حتى في أرزاقنا”، وبدأت حملات في بعض المجلات الثقافية التي كانت تصدر آنذاك.. لترصد أية أخطاء وتهوين قيمة العمل كله وقررنا أن نمضي في طريقنا عملاً بنصيحة الأستاذ الشيخ مصطفى عبد الرازق الذي أكد لنا أن الاستمرار كفيل بإسكات جميع الألسنة، وبالفعل انبرى لتأييدنا لفيف من الأساتذة والكتاب من أمثال العقاد والمازني، كما أرسل لنا عدد كبير من المفكرين في البلاد العربية يشجعوننا على مواصلة العمل، منهم محمد مسعود والدكتور عبد الحميد بدوي، والدكتور السنهوري، ومحمد كرد علي، ومحمد شفيق غربال وغيرهم”.
وقد نوَّه بجهدنا لاحقاً أستاذنا الدكتور مصطفى عبد الرازق في رسالة بعث بها إلينا قال فيها ” ” لقد همت طائفة من أهل العلم أن تعرب هذا الأثر الجليل، فتخاذلت هممهم دونه، أما أنتم فيسعدكم شباب في عنفوانه، وشوق إلى الدرس والمجد يمده الإخلاص في العلم والإخلاص في العمل”.
المزواجة بين آراء المستشرقين وتصويب علماء المسلمين للحقائق
وصف الأستاذ خورشيد المنهج الذي اتبعه هو زملاؤه في ترجمة هذه الدائرة بأنهم كانوا يعهدون بالمقالات والبحوث، خاصة الدينية إلى أستاذ من علمائنا في الدين للرد على ما قد يشوهها من انحراف في النظرة أو القياس في فهم حقيقة ديننا وشريعتنا “
وهكذا، فإنه عند ما صدرت دائرة المعارف الإسلامية كان القارئ يجد ما كتبه المستشرق ثم يجد بعده مباشرة رداً وتفنيداً بقلم أحد كبار العلماء المسلمين المتخصصين في الموضوع”
وقد عقب الأستاذ معتز شكري على هذه المعاني التي لخصناها للقارئ في الفقرات السابقة منصفا الأستاذ خورشيد وأقرانه بما نعرفه جميعا عن جهدهم:
” وهكذا حمل هؤلاء الرواد أنفسهم أيضاً مئونة استكتاب العلماء المسلمين للقيام بمهمة الرد والتصحيح والتفنيد والدفاع عن دين الله القويم.
دائرة المعارف الإسلامية من طبعة الثلاثينيات إلى طبعة الخمسينيات
تجدر الإشارة إلى أن طبعة الثلاثينيات ١٩٣٦ من دائرة المعارف الإسلامية التي تولى الأستاذ خورشيد ترجمتها كان قد شارك في كتابتها وتحريرها ما يربو على خمسمائة باحث متخصص، وكان كلٌّ من هؤلاء يكتب مادة مركزة في تخصصه الذي عكف عليه طوال حياته العلمية.
أما العمل في دائرة المعارف الإسلامية فكان قد بدأ أواخر القرن التاسع عشر، ثم نشرت في عدة طبعات متلاحقة فيما بين عامي 1913 و1936، وجاءت في ثلاث طبعات باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية، وكانت أجزاؤها تصدر تباعا. وحتى قبل أن تستكمل مجلدات طبعة 1936 التي صدرت في أربعة مجلدات وملحق للفنون.
وفي عام 1954 بدأت لجنة من المستشرقين المحدثين بإشراف هاملتون جيب وبرنارد لويس وغيرهما في إخراج طبعة جديدة باللغات الثلاث الإنجليزية والفرنسية والألمانية، في إطار استكمال وتحديث وتنقيح مواد الموسوعة
الفرق بين الإصدارين العربيين اللذين تولاهما الأستاذ خورشيد وزملاؤه
تجدر الإشارة أيضا إلى أن الإصدار العربي الأول من دائرة المعارف الإسلامية الذي تولاهما الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد وزملاؤه توقف (الذي استمر ما بين 1933 و1965) عند حرف الطاء.
وفي الستينيات عاد روادنا الأوائل وعلى رأسهم الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد إلى العمل من جديد سعياً وراء إخراج طبعة ثانية من المواد المترجمة من دائرة المعارف الإسلامية، مضافاً إليها المواد المستحدثة في الطبعة الثانية الأصلية من دائرة المعارف الإسلامية. وهذه هي المحاولة الشاقة التي استمرت بخطى بطيئة ومتثاقلة لقلة الإمكانيات، منذ عام 1969 وحتى وفاة خورشيد أوائل عام 1987، متوقفة هذه المرة عند نهاية مادة (الخزف) في صفحة 317، وهي آخر صفحات المجلد السابع عشر والأخير.
المحاولة الموجزة أو القاصرة التي تبنتها الشارقة
ينبغي علينا في هذا المقام أن نشير إلى انطباعاتنا عن محاولة مظهرية غير جادة وصفت بأنها استكمال لدائرة المعارف الإسلامية بمبادرة من مصر والشارقة (بين الهيئة المصرية العامة للكتاب في عهد الدكتور سمير سرحان ومركز الشارقة للإبداع الفكري، برعاية الدكتور الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة وهو الذي كان قد أنشأ هذا المركز كما هو معروف بهدف طبع ونشر الموسوعات وأمهات الكتب الإسلامية والتراثية)
كان رأي القائمين على مشروع ترجمة “موجز دائرة المعارف الإسلامية ” أن الدائرة تعد حالياً العمل الموسوعي الوحيد المكتمل عن الإسلام، إلى أن يتهيأ للأمة المسلمة أن تضع مؤلفها الموسوعي الخاص بها. وقيل إن هيئة الكتاب المصرية خصصت فريقاً من نخبة العلماء والمترجمين والمتخصصين لإنجاز هذا العمل الموسوعي الضخم، بهدف استكمال ترجمة جميع المواد التي لم يتح للفريق القديم من الرواد ومساعديهم إنجازها لقلة الإمكانيات. وصدرت بالفعل هذه الطبعة من الموجز، في 33 مجلداً تتضمن أكثر من 25 مليون كلمة وما يزيد على 9 آلاف مادة مرتبة أبجدياً وتغطي كافة جوانب الحضارة الإسلامية. لكنها كانت كما وصفها المعاصرون لها محاولة حريصة على التعجل لكسب الضوء المتاح، فقد تم اختصار المواد التي ترجمت من قبل اختصاراً مخلاً، وأزيلت الهوامش.
شاهدا عظيما
ومع هذا فقد كان هذا الإصدار المظهري المسمى “موجز دائرة المعارف الإسلامية ” شاهدا عظيما وحيا على قيمة ما أنجزه الأستاذ خورشيد وأقرانه إذا ما قورن بجهود المؤسسات الممولة عن سعة، فالترجمات غير دقيقة، وبالطبع فقد افتقدت مواد دائرة المعارف الإسلامية فيما يلي حرف الخاء من أي تعليق يوضح أو يعارض آراء المستشرقين، بل إن هذه الطبعة خلت تماماً من الصور والرسوم التوضيحية التي كانت مصاحبة لبعض المواد في الطبعة العربية السابقة.. بل خلت تماما من بعض المواد التي سبق ترجمتها وتحريرها في أثناء عهد الأستاذ خورشيد، وأغلب الظن أن هذا تم بحكم قصر النظر الشديد الذي يتجنب بعض الأمور الخلافية من أجل القفز على ما يمكن أن يجلب نقدا أو تعقيبا. وهكذا كانت كثير من الاعمال في تلك الفترة حريصة على انتزاع الدسم.
وفاته
توفي الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد سنة 1987.
تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة مباشر
لقراءة المقال من موقع الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا
%MCEPASTEBIN%