الرئيسية / المكتبة الصحفية / سالمين.. أول الانقلابيين اليمنيين

سالمين.. أول الانقلابيين اليمنيين

علي سالم ربيع المعروف بسالمين 1935- 1978 هو أول زعماء الانقلابات الماركسية في اليمن الجنوبية وهو أول الرؤساء من الشبان الماركسيين الذين انقلبوا على الزعامة الطبيعية للرئيس قحطان الشعبي 1923- 1981

كان الرئيس سالم ربيع معروفا تبعا للنسق الماركسي والسوفييتي في العمل السري باسم “سالمين” وهو اسم جميل على عادة الشيوعيين العرب حين يُبدعون الأسماء أو المصطلحات أو الاختصارات النحتية من قبيل حدتو وحمتو وحستو. ومن الطريف أن الرئيس سالم ربيع علي كان هو الآخر مثل المصطلحات المنحوتة التي أشرنا إليها توا (حدتو وحمتو وحستو) واحدا من الماركسيين اليمنيين الذين تداولوا السلطة السياسية بالدم وليس على طريقة المباريات الرياضية، فلم تكن هناك قواعد للصعود ولا للتصعيد ولا للخروج ولم تكن اللعبة السياسية تخضع لمنطق الكأس ولا الدوري، ولم تكن حتى تخضع لمنطق الكراسي الموسيقية التي يخرج الخاسر منها ولا يتبقى إلا من يحتفظ بالكرسي فقد حدث خروج وعودة، كما حدث قتل واختفاء على نحو تراجيدي.

كان الرئيس قحطان الشعبي (1923 ـ 1981) هو الزعيم اليمني المدني الطبيعي الذي فاوض على الاستقلال وأعلنه وأصبح أول رئيس للدولة الجديدة 1969 لكن الأجهزة المصرية كانت لها كلمة أخرى فقد كانت عقليتها الباطشة تظن أن من حقها أن تفرض من تشاء على الشعوب العربية وكان الاتحاد السوفييتي في بدايات ترهله سعيدا بهذا الوضع الذي تّوسد فيه الرئاسة للمنضمين والمنظمين في التنظيمات الماركسية المرتبطة به، وكان الشبان في هذه المنظمات الماركسية يجمعون بين الوطنية وقلة الخبرة بما يجعلهم في نهاية الأمر ضحايا للقوى الإمبريالية الكبرى حتى وإن بدا أنهم ضحايا خلافاتهم الصغيرة أو ضحايا التدخل المصري (أو أي تدخل عربي أو غربي مشابه أو مضاد).


وقد تجلت هذه الصورة في اليمن الجنوبية على وجه أكثر تعبيرا من أي وجه آخر فقد تعاقب على رئاسة اليمن الجنوبي ما بين 1969 و1990 أي في 21 عاما خمسة رؤساء بدأوا بالرئيس قحطان الشعبي الزعيم الطبيعي ثم توالى الماركسيون الأربعة الأنداد وهم:
الرئيس سالم ربيع (1969 ـ 1978)
الرئيس عبد الفتاح إسماعيل (1978 ـ 1980)
الرئيس علي ناصر محمد (1980 ـ 1986)
الرئيس علي سالم البيض (1986 ـ 1990)
ثم حدثت الوحدة اليمنية في 1990 على نحو ما نعرف.

لا أظنني أفاجأ القارئ إذا قلت له إن هؤلاء الرؤساء الأربعة الذين خلفوا قحطان كانوا أندادا أيضا من حيث السن فقد ولد أولهم عام 1935 بينما ولد الثلاثة الباقون في عام واحد هو عام 1939 فهل رأيت نموذجا لمثل هذه الندية في رؤساء دولة؟ وهب أن واحدا من اللذين لا يزالان على قيد الحياة منهم كالرئيس علي ناصر أو الرئيس علي سالم كان هو الذي تولى الحكم في 1969 أو 1978 هل كان شأنه سيكون مثل شأن معمر القذافي أو علي عبد الله صالح؟ بدلا من المعدل العالي للتغيير الذي جعل مدد رؤساء اليمن الجنوبية الخمسة تتوالى على النحو التالي (سنتان ـ تسع سنوات ـ سنتان ـ ست سنوات ـ أربع سنوات) . بالطبع فإن الإجابة معروفة، وهي أنه كان من المستحيل على هذا الجيل الذي هو أكثر أجيال الأمة العربية تأثرا وتمزقا بالشعارات الرنانة أن يتقبل أي تراتبية (هراركية) أو تعاقب منتظم.

نعرف بالطبع أن الماركسيين يتميّزون عن الفصائل السياسية الأخرى بالحرص على كتابة التاريخ وهم يتّبعون في كتابته مذهبا يتماشى مع تفسيرهم المادي للتاريخ أي أنهم يكتبون التاريخ ليتماشى مع التاريخ الذي يدرسونه على نحو ما يريدون فهمه، ونعرف بالطبع أن الباحثين الغربيين وكتاب التاريخ لا يُمانعون في أن ينقلوا ما كتبه الماركسيون على نحو ما كتبوه مكتفين بتأطير الأمور من خارجها دون حاجة إلى فحص الروايات التي يكفي أن يُشار إلى هوامشها ليتحمّل أصحابها المسئولية عنها أو وزرها إذا كان هناك وزر يرميهم به من يُصاب بالضجر من حقيقة مغلوطة أو رواية موجهة، وعلى كل حال فإن الصراع الداخلي بين الفصائل الماركسية لا يهم الغربيين إلا بمقدار توظيفهم الناجح له، فإذا فشل التوظيف فإنهم لا يُعنون بذكره ولا بالمسئولية عنه ولا بالأسف عليه وبهذا الفهم يمكن لنا أن نفهم كل ما يتعلق بالتاريخ المعاصر لليمن واليمن الجنوبية في المصادر الأمريكية والأوروبية.


وعلى كل الأحوال ففي حياة الرئيس سالم ربيع علي كثير من المحطات الإنسانية بالغة التعبير عن أزمة المجتمع العربي مع السياسة ويكفي أنه تم إعدامه بعد أربعة أيام من الانقلاب عليه في 22 يونيو 1978 . أما بدايات سالمين السياسية فكانت في جبهة التحرير الوطني التي تزعم أجهزة مصر أمن مخابراتها هي التي أنشأتها لا من العدم ولكن من الشباب اليمني المتحمس الذي كان في بداية العشرينات حين قامت الثورة في اليمن في سبتمبر 1962 ودخلت القوات المصرية اليمن، وكما قلنا فإن الرؤساء الثلاثة الذين خلفوا الرئيس سالم ربيع علي كانوا من مواليد 1939 أما هو فكان أكبر منهم بأربع سنوات إذ ولد في 1935 (وهكذا كان هؤلاء الرؤساء في الثالثة والعشرين حين قامت ثورة اليمن وكان هو في السابعة والعشرين) .

بعد أن أعلن الاستقلال وأصبح الرئيس قحطان الشعبي رئيسا رأت جبهة التحرير أن تعمل في الخفاء من أجل الاستيلاء على الحكم لنفسها مقتدية ومهتدية بتجارب الرئيس جمال عبد الناصر والانقلابيين العرب. وكان الرئيس سالم ربيع علي قد أصبح قائدا للجناح اليساري من جبهة التحرير أي أصبح قائد يسار اليسار، وهكذا تسلّم السلطة، وبدأت بعد تسلُمه المناوشات الفكرية الداعية إلى إنشاء تنظيم حاكم على غرار تجربة الاتحاد الاشتراكي التي كانت لا تزال عاملة في مصر حتى مع الرئيس السادات الذي لم يُفرّط فيها إلا في 1976.

وفي المقابل فقد كان الرئيس عبد الفتاح إسماعيل (الذي خلف الرئيس سالم ربيع فيما بعد 1978) يتبنى فكرة الحزب الاشتراكي اليمني ولم يكن الرئيس سالم ربيع علي مُحبّذا لها. وهكذا أصبح هناك يسار جديد إلى يسار اليسار في دولة يسارية.. وكان هذا بالضبط هو نموذج التشظّي الذي عرفت الماركسيات العربية.
1 ـ فجبهة التحرير كانت إلى اليسار من الجبهة الوطنية التي أبعدتها عن الحكم بانقلاب 1969
2 ـ وفي داخل الجبهة الوطنية كان سالمين هو قائد الجناح اليساري.
3 ـ وهذا هو الرئيس عبد الفتاح إسماعيل المُصنّف عربيا على أنه ماركسي قُحْ رغم بداياته في الجبهة الوطنية مع فيصل الشعبي وقحطان الشعبي ينقلب في 1978 على سالمين ويُعدم سالمين.

أما رئاسة الوزراء في عهد الرئيس سالم ربيع فبدأت بمحمد علي هيثم لمدة عامين ثم آلت إلى الرئيس علي ناصر الذي هو الرئيس الرابع الذي خلف الرئيس عبد الفتاح إسماعيل في 1980 وكنا قد ذكرنا أن الرئيس علي ناصر واحد من الرؤساء الثلاثة المولودين في 1939، أما محمد علي هيثم فقد ولد في العام التالي 1940.

 

 

 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

 

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com