1- أستأذن القارئ في أن نبدأ بسؤال مهم يدلنا على إحدى صور الصراع والوفاق بين الهمزة والألف، يقول السؤال: ما الفرق بين الهمزة والمدة التي نكتبها فوق الألف هكذا ]آ [؟ والإجابة هي أن هذه المدة بديل إملائي عن حرفين هما همزة، وبعدها ألف مد.. وهو ما يحدث في عدة أحوال يمكن تخيلها صرفيا من قبل البحث عنها إملائيا:
– صيغة فعلان من الفعل الثلاثي المنتهي بهمزة مثل ظمأ يظمأ فهو ظمآن وملأ فهو ملآن، ونلاحظ هنا بوضوح أن [آ] تتكون من همزة وألف.
– ونحن نصادف هذا أيضا في صيغة المثنى من أي كلمة تنتهي بهمزة مثل مبدأ، فالمثنى منها مبدآن.
– يحدث هذا في جمع المؤنث السالم في الكلمة التي تكون تاء التأنيث فيها مسبوقة بهمزة، ومن ثم تأتي في الجمع همزة ثم ألف: مفاجآت، منشآت.
– يحدث هذا في بعض جموع التكسير لكلمات ذات همزة: مآثر، مآذن، مآرب، مآخذ، مآتم، مآزر.
– الكلمات المشتقة على وزن فعالة من أفعال عينها (الحرف الأوسط من الفعل) همزة: ضآلة
– شبيه بهذا ما يحدث في أي كلمة تحتوي همزة بعدها ألف: مرآة، مرآب
ليس هذا فحسب لكن المدة موجودة أيضا في أول الكلمة في حالات الجموع القياسية لكلمات تبدأ بالهمزة مثل أفق وآفاق وأذن وآذان وأمل وآمال وأحد وآحاد.
الهمزة المفردة أي ليست على ألف تبقى مفردة حين تأتي بعدها ألف المثنى والمثل الواضح على هذه القاعدة القديمة: جزءان
2- ننتقل الآن إلى جزئية مهمة مرتبطة بوجود المدة في أسماء الأعلام، فمن الطريف في هذا المقام أن معظم الذي يرتبون أسماء الطلاب أو الموظفين أو المداخل الموسوعية ترتيبا ألفبائيا (أو أبجديا) يلتزمون (في الأغلب الأعم) بأن يرتبوا الأسماء التي أولها مدة [آ] قبل الأسماء التي أولها همزة، وعلى سبيل المثال فإن آلاء وآمال تأتيان في الترتيب قبل ابتسام وابتهاج وإبراهيم، وهذا منطقي , لكن بعض برامج الكمبيوتر تعجز عن هذا الترتيب لسبب برامجي، وتضع آمال بعد إبراهيم، وإذا أردنا ترجمة هذه الجزيئة بطريقة رياضية أو عملية نقدمها لأجهزة الحساب العلمي (أو للموظف المسئول) الذي سيتولى ترتيب المداخل والأسماء فإننا نضطر في التعامل مع الذكاء الصناعي بمقاربة بسيطة لكنها تبدو غريبة على علماء اللغة وتحتاج مبررات كثيرة لإقناعهم بها وذلك من قبيل أن نزود أجهزة الكمبيوتر بحقيقة براجماتية مصطنعة نتولى صياغتها لها، وتقول هذه الحقيقة المصطنعة: إن هناك حرفا قبل الهمزة (أو قبل الألف) هو المدة.. وربما يبدو الإقناع والاقتناع السيبرنطيقي بهذه الحقيقة المصطنعة سهلا جزئيا عما إذا ما قدمنا هذا الحرف الإضافي [آ] على أنه حرفان: همزة وألف.
3- ومع هذا فإن القاعدة السابقة وجدت وفاقا أو توافقا آخر من أساتذة الإملاء وواضعي قواعد الإملاء حين كانوا قد نصوا على استثناء مهم منها، وفي هذا الاستثناء جعلوا الهمزة تبقى كما هي وتليها الألف [أا]، وقد كان هذا الاستثناء ينطبق في حالتين:
الحالة الأولى هي أن يأتي فعل ينتهي بالهمزة (ما يوصف صرفيا بأن لامه همزة مثل قرأ وبدأ) في صيغة المثنى، فعندئذ يكتب فعل القراءة المضارع للمثنى: يقرأان، وكذلك يبدأان، هكذا كان الحال أو كانت القاعدة، لكن الكتابة المعاصرة تكاد تكون قد أوشكت على أن تهجر هذا الاستثناء، ولجأت إلى قاعدة الوفاق الكامل التي تدمج الهمزة في الألف وتقدمهما معا في صورة [آ] فتكتب الكلمتين بصورة: يقرآن، ويبدآن.
الحالة الثانية أبسط من هذا بكثير وربما لا يتصور أحد أنها تحتاج قاعدة.. لكنها حالة طريفة ونموذجها الواضح جدا الفعلان الثلاثيان رأى ونأى وما على شاكلتهما أي الفعل الثلاثي معتل اللام الذي عينه همزة، ولامه ألف تكتب ياء، فهذا الفعل الثلاثي تعاقبت فيه همزة وألف ولكنهما لا تتحدان في الإملاء على هيئة مدة وإنما تبقيان في حالة وفاق وتتابع: همزة وألف، والمثل على هذا من أوضح ما يمكن في هذين الفعلين اللذين نستعملهما كثيرا جدا، وقد ذكرناهما قبل أن نذكر وصفهما الصرفي، ونحن نكتبهما بطريقة واحدة، بلا خلاف. ولا يتصور أحد منا (ولا أظن أنه مرّ بخاطر أحد) أن تطبق عليهما قاعدة دمج الهمزة في الألف وتحويلهما معا إلى مدة، لكن هذا لا يمنعنا من تصور الاحتمالات، فلو أن هذا حدث بطريقة أوتوماتية بناء على ما نغذي به أجهزة الذكاء الصناعي من مدخلات وقواعد، فإن صورة هذين الفعلين وما على وزنهما ستتحول إلى حرفين فقط ثانيهما هو المدة أو الألف الممدودة [آ]. فهل يمكن لك أن تتصور هذين الفعلين الشائعين (رأى ونأى) وقد طبق عليهما الكمبيوتر قاعدة اختصار الهمزة والألف إلى مدة [آ] فحسب فصارا: رآ، ونآ؟؟.
هذا المثل هو واحد من الأمثلة التي أستعملها للتدليل على أن قواعد اللغة والإملاء ليست، ولا يمكن أن تكون، خطية Linear تماما.
4- هل أزيد لك “البلبلة التخيلية “عنصرا، فأسألك: وماذا أنت فاعل إذا أردت أن تتحدث عن وقوع فعل الرؤية من شخصين، أنت تقول ببساطة إنهما رأيا لكن ما بالك بهذا التوالي بين المدة (المكونة من همزة وألف) وألف المثنى؟ وماذا يفعل الكمبيوتر في هذه الحالة هل يكتبها: [رآا] ؟ ستكون الإجابة في الغالب بالنفي.
5- أنتقل إلى صورة ثالثة يتجلى فيها الوفاق بين الهمزة والألف ويتكرس في وجودهما معا من دون دمج ولا اتحاد، تتمثل هذه الصورة في القاعدة التي تقول بأن الهمزة المفردة أي ليست على ألف تبقى مفردة حين تأتي بعدها ألف المثنى والمثل الواضح على هذه القاعدة القديمة: جزءان، وكأن الهمزة (لأنها على السطر) حرف كالراء والزاي والدال من الحروف التي لا تتصل أو تشتبك بما بعدها.. مع هذا فإن بعض قواعد الكتابة العصرية بدأت تميل أيضا إلى كتابة مثل هذه الكلمة بالمد: جزآن، ذلك أن الطريف في أمر القاعدة السابقة أنه إذا سبق الهمزة حرف من الحروف التي تتصل بما بعدها مثل الياء، فإن الهمزة تكتب على ياء مثلما نفعل في كلمة جريئان.
6- هكذا يمكننا الآن القول بأن الهمزة المتبوعة بألف صارت تمضي في طريقها لأن تكتب مدة [آ] على وجه العموم.. إلا في حالة واحدة لم تتطبع بعد!
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا