الرئيسية / المكتبة الصحفية / عشق الرئيس عبد الناصر لسيكولوجية الجمل

عشق الرئيس عبد الناصر لسيكولوجية الجمل

أجاد الأدب العربي تصوير سيكولوجية الجمل والناقة في الحياة وفي التعامل مع الإنسان والطبيعة وما تتميز به هذه السيكولوجية من تفوق في عناصر الصبر والتحمل والانتقام، وليس سرا أن الرئيس عبد الناصر كان يرتاح إلى ما يترامى إلى سمعه من وصفه بأنه الجمل، والجمل هو الاسم الشائع لهذه الفصيلة المحبوبة التي عاشرها العرب وعاشرتهم في مجدهم وإنجازهم وارتحالاهم.

  

والحق أن سيكولوجية الجمل كانت من أبرز السيكولوجيات التي استغرقت من الرئيس عبد الناصر جهده، فقد عرف عنه قدر كبير من عنايته الفائقة بالانتقام والثأر من منافسيه أو من أعدائه، وقد كانت هذه العناية تأخذ من أعصابه قدرا لا يستهان به، وكانت (ثانيا) تنقلب إلى تعذيب للذات وجلد لها حين يفشل في الوصول إلى الحد يتمناه من الانتقام، وعلى صعيد ثالث فإنها كانت تنقلب إلى عذاب وأرق متصاعد حين يجد أن عدوه قد أهمل هذا الانتقام ولم يعن بأن يأخذ بثأره منه، ومن ناحية رابعة فإنها كانت تنقلب إلى غيظ حاد الملامح إذا ما استطاع هذا العدو أن يقلب المائدة لصالحه.

    

بيد أن لهذه القضية أكثر من وجه سيكولوجي مروع ومفزع، فإذا كان الرئيس عبد الناصر قد نجح في تحقيق نزواته في الانتقام من زعامات ما قبل الثورة وممن اختلفوا معه منهم فإنه فشل في أن يدمر تاريخ هؤلاء، وإذا كان قد نجح في تشريد وتعذيب مئات أو آلاف من الإخوان المسلمين فإنه خسر مشاركتهم وتعاونهم وعاش بلا ظهير مخلص حقيقي بينما بقي الملايين منهم ومن أجيالهم، وإذا كان قد نجح في تصفية المختلفين معه واعتبارهم أعداءه في القوات المسلحة فإنه عاش بقوات مسلحة مقصوصة الجناح عاجزة عن الفداء أو الجهاد.. وهكذا فإنه إذا كان الرئيس عبد الناصر قد نجح في الانتقام فإنه بمبالغته في إجراءاته انتقم من نفسه فخسر المخلصين والمحبين والشجعان على حين استبقى الأنذال والخونة والجبناء.

وليس الأمر في هذه النقطة بحاجة إلى كثير من التدليل فمعناها أوضح من أن يحتاج إلى استشهاد. ولنأخذ على سبيل المثال كيف سارع الرئيس عبد الناصر بالتخلص من أول ثماني زعامات برز دورها مع قيام ثورة 1952 وتوقع المراقبون أن يكون لها شأن في العهد الجديد:

  

1ـ أول هؤلاء هو أبو الثوار الفريق عزيز المصري كان رئيسا لأركان الجيش المصري حين كان الرئيس عبد الناصر طالبا في الكلية الحربية وكان كل الثوار يلجئون إليه للنصح واستلهام الحماسة والتجربة، وهو من مواليد 1879 أي من عمر الزعيم مصطفى النحاس باشا ومع هذا لم يكن الرئيس عبد الناصر بما هو معروف عنه من خبثه وحيطته للحفاظ على ما صادفه من نجاح) يرتاح إلى وجوده في القاهرة، ومن ثم فقد عين عزيز المصري سفيرا لمصر في موسكو وذهب معه الدكتور محمد مراد غالب فيما تصوره كثير من الروايات على أنه بُعث عينا عليه ولم يكن عونا له.. وسرعان ما ترك الفريق عزيز المصري ذلك المنصب، وانزوى هو واسمه تماما، وهو كان متوهجا قبل 23 يوليو.

  

ماذا كانت قوة الفريق عزيز المصري على الأرض التي جعلت الرئيس عبد الناصر يخشاه؟ الإجابة بسيطة وهي أنه كان متزوجا من أمريكية وكانت السفارة الأمريكية على علاقة به، هذا بالإضافة إلى علاقاته القديمة بالأوروبيين سواء الإنجليز أو حلفاء الإنجليز أو أعداء الإنجليز من حلفاء الدولة العثمانية كالألمان. كما كان الفريق عزيز المصري زميلا لرجل العراق الأول نوري السعيد باشا وهكذا كان لخبث الرئيس عبد الناصر في معاملته سبب وجبه وواضح.

   

2ـ ثاني هؤلاء هو اللواء أحمد فؤاد صادق صورته روايات الثورة على انه رفض قيادتها واختلقت الجملة الثانية باختلافات الروايات فمن قائل إنه قال إنه متمسك باليمين التي أقسمها بالوفاء للملك وهي رواية الثورة الشائعة لكنها ليست الرواية الوحيدة ذلك أن هناك رواية أخرى أقرب إلى المعقولية وهي أنه فاوضهم في مكانته ووصل معهم إلى خلاف تبلور في قوله إنه يقود ولا يُقاد والمعنى واضح ومنطقي ومنبئ عن طبيعة الخلاف.

  

3ـ القائمقام محمد رشاد مهنا وهو الضابط المحبوب كان الزعيم المعروف لانقلابين لم يكتملا في 1947 وفي 1951 وكان قائدا متمكنا من كل القدرات المؤهلة لانقلاب ناجح، وهكذا استدعى ليكون أول وزير من العسكر حتى قبل أن يشكل الرئيس نجيب وزارته الأولى وليكون بصفته هذه (وزيرا سابقا) عضوا في مجلس الوصاية ثم ليتم الاختلاف السريع معه أو بالأحرى: التحرش به وإقالته وتقديمه للمحاكمة والحكم عليه بالإعدام ثم تخفيف الحكم ثم الاعتقال والاتهام في 1956 و1965..الخ

  

4ـ اللواء علي نجيب شقيق الرئيس محمد نجيب نفسه وكان في تلك الليلة التي قامت فيها الثورة بمثابة قائد المنطقة المركزية للقوات المسلحة، وكان اسمها في ذلك الوقت “قسم القاهرة”. ولأنه شقيق الرئيس محمد نجيب نفسه، ولأنه يملك قوة كبيرة على الأرض وبين جنوده وضباطه فقد كان لا بد من ترحيله بأقصى سرعة، وهكذا عين اللواء علي نجيب سفيرا لمصر في سوريا.

 

5ـ البطل العظيم يوسف منصور صديق الرجل تحقق وجود الثورة على يديه فكان جزاؤه السجن الحربي، ليس وحده، وإنما هو وزوجته أيضا.

 

6ـ البطل العظيم عبد المنعم عبد الرؤوف عضو اللجنة القيادية وقصته معروفة حتى هروبه بعد الحكم عليه بالإعدام.

  

7ـ القائمقام أحمد شوقي انضم للثوار ليلة قيام الثورة فكان من عوامل الحسم وتصور كثيرون أنه قائد الثورة أو رجلها الثاني لكنه سرعان ما أبعد تماما عن الصورة حتى نسي اسمه تماما.

 

8ـ عبد المنعم أمين رجل المدفعية الأول بين رجال الثورة وصاحب الاتصالات الحية مع الأمريكيين وغيرهم وسرعان ما أبعد فعين سفيرا ثم أبعد نهائيا عن السلطة وإن ظل رجالها يزورونه مثل صلاح نصر.

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com