تاريخ النشر:٢٠٠٣/٥/١٠
جريدة الشرق الأوسط
ابتداء من الخامس من هذا الشهر، أصبح الدكتور محمد الجوادي أستاذ طب القلب أصغر عضو منتخب بمجمع اللغة العربية في مصر الذي يطلق عليه «مجمع الخالدين». ورغم أنه شغل هذا الكرسي من الجولة الأولى، لكن اختياره آثار جدلاً واسعاً في الأوساط الثقافية.
في هذا الحوار، يتحدث الجوادي عن مشروعه المستقبلي داخل المجمع والقضايا التي ينوي اثارتها، وظروف وملابسات ترشيحه.
* في البداية كيف تمت عملية انتخابك؟
ـ أعترف بأن هناك أكثر من أربعة من أعضاء المجمع لم يحدث أن التقيت بهم على الاطلاق حتى الآن، وهذا يدل على مدى الموضوعية والتجرد في هذه الانتخابات، كما أن سبعة آخرين من الأعضاء لا يستطيعون تذكر شكلي، وهذا يؤكد على معنى أن العلم رحم بين أهله كما يقول الرسول صلى عليه وسلم ، فالصلة بين أعضاء المجمع وزملائهم صلة روحية تقوم على العلم والانتاج الفكري. ومن المصادفات الحسنة أن العضو يكون ملزماً بالحديث عن سلفه في نفس الكرسي في يوم استقباله. وعلى سبيل المثال سلفي في الكرسي الذي سأشغله هو الدكتور عبد العظيم حفني صابر عميد كلية الصيدلة منذ 1960 إلى 1970، وهو من أول دفعة تخرجت في مدرسة الصيدلة بعد تحولها الى كلية سنة 1929 . وقد كان سلفه في هذا الكرسي هو الدكتور أحمد عمار عميد طب عين شمس من 1950 إلى 1960، وقد كان سلفه هو ابراهيم عبد القادر المازني، الذي لم يشغل هذا الكرسي سوى عامين فقط من 1947 إلى 1949، وقبله عالم الشريعة الكبير أحمد ابراهيم من 1942 إلى 1947. وقبله أول عضو في الجمع، وهو أحمد السكندري 1933 إلى 1938 ، وهكذا ترى أن الكرسي الواحد تم تداوله بين تخصصات الأدب وطب النساء والصيدلة وعلوم الشريعة وعلم اللغة العربية، وأخيراً طب القلب العضو السادس.
* ما هي وظائف العضو بالتحديد، وإختصاصات المجمع عموماً؟
ـ إن مجمع اللغة العربية مثله في ذلك مثل الأكاديمية الفرنسية في باريس والأكاديمية الأسبانية في مدريد مسؤول مسؤولية كاملة عن الحفاظ على سلامة اللغة الوطنية وصيانتها من العبث، ووضع الوسائل الكفيلة بتطويعها لخدمة مقتضيات الحضارة، وذلك من خلال اشتقاق ألفاظ جديدة لكل المصطلحات والمعاني والأدوات والتكنولوجيات التي تزودنا الحضارة بها يوماً بعد يوم، فضلاً عن المصطلحات العلمية والطبية والفكرية.
يكفي على سبيل المثال أن أذكر لك أمثلة من ألفاظ لم نكن نستخدمها منذ عشرة أعوام، لكنها تتكرر الآن بصورة شبه يومية في أحاديثنا وكتاباتنا، وذلك من قبيل الاستنساخ والخصخصة، والعولمة، ودعامات القلب، وأطفال الأنابيب، والاخصاب المجهري، والتنظير المعدي.
هذا التجديد اللغوي لا يتم اعتباطاً وانما من خلال جهد مجمعي عن طريق الاشتقاق والنحت والتوليد، وذلك من خلال لجان في المجمع. بالاضافة الى هذا ، فان المجمع هو المسؤول عن وضع القاموس اللغوي، وقد نجح في هذه المهمة بوضعه المعجم الوسيط والمعجم «الوجيز»، وقدمنا منهما مجموعة من الطبعات.
* لكن ما مقترحاتك اللغوية؟
ـ في الحقيقة يبدو أنك مصمم على قطع استرسالي عن مهمة المجمع ونجاحاته، لكن ربما أنك ملم بالنشاط المعجمي.
* لا.. ولكن أنا أذكر جيداً أن لك كتابا بعنوان «كلمات القرآن التي لا نستعملها، دعني أسألك سؤالاً مباشراً: هل أنت من أنصار إحياء الألفاظ القديمة واعادة استعمالها وهل يقتصر جهدك في المجمع على مثل هذا الاتجاه؟
ـ ربما، لكن لا تنسى أن الألفاظ القرآنية مثلاً حية بوجودها في القرآن، وباستعمالنا لها، وقراءتنا لها على الدوام، لكن المهارة تكمن في اعادة استعمالها في المعنى الذي تدل عليه بدقة.
* مثل ماذا؟
ـ سأضرب لك مثلاً بسيطاً وهو كلمة «قرء» بمعنى الفترة بين دورتين شهريتين، وفي القرآن الكريم توجد آية «يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء»، وهذا يغنينا عن الحديث بالتقريب على أنها ثلاثة أشهر.
* ماذا عن مقترحاتك الأخرى؟
ـ في الحقيقة أنا أعد اقتراحاً لتفسير كتابة الهمزات، وذلك بالتوحيد بين الهمزات التي تكتب على نبرة والهمزات التي تكتب على السطر، وذلك تيسيراً على الطلاب والكتاب، كذلك لدي اقتراح بكتابة الألف اللينة، ألف مطلقة حتى لا يخطئ أحد في قراءتها، وليكون ذلك موازياً تماماً للنطق في كلمات مثل «مصطفاً، الهوا، ونجوا» بدلاً من «مصطفى، الهوى، ونجوى»، وهناك اقتراح أيضاً باحياء الحروف غير المشهورة في الكتابة العربية مثل الجيم المعطشة، والفي الأجنبية . كذلك أنا مشغول بتوحيد كتابة الأعلام العربية في اللغات الأوروبية، وذلك من خلال قاموس موحد فيه كل الأسماء العربية حتى لا يحدث لبس في كتاباتها في هذه اللغات، وما يتسبب عن هذا اللبس من مشكلات في الجوازات والسفر والأمن والمطارات، كذلك نفس القاعدة في ما يتعلق بكتابة الأعلام الأجنبية في اللغة العربية لا بد من توحيدها «سول»، و«سيول»، «هامبورج» أو «همبورج»، أو «همبرج» كذلك تضمين قواميس اللغة نبذات واقية عن الأعلام سواء الشخصيات أو المدن بحيث تجد في حرف القاف في القاموس نبذة عن القاهرة وقاهر التتار.. وهكذا.
* لكل عضو اختصاص وهناك لجان معينة يشارك فيها. ما اللجان التي ستشترك فيها؟
ـ سوف أشارك في لجان التاريخ والطب وألفاظ الحضارة.
* صدر لك 56 كتاباً ما بين السياسة والأدب والنقد والتاريخ والطب. فما أحب هذه الكتب إليك؟
ـ كتاب لم يصدر بعد، اسمه «التشابهات القرآنية» وهو تحقيق لمخطوط عنوانه «هواية المرتاب» وبغية الحفاظ والطلاب ويتناول الآيات المتشابهة في القرآن الكريم، ورغم أنني انتهيت من هذا الكتاب منذ 7 سنوات، لكنني ما زلت أتهيب تقديمه للمطبعة.
* لماذا؟
ـ أظن أنه بحاجة إلى كثير من التحقيق والاضافات.
* هل تواجهك مشاكل التوفيق بين عملك كطبيب وبين كونك كاتباً؟
ـ بالطبع، وهذا على حساب صحتي وعمري وحياتي الاجتماعية.
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا