الرئيسية / المكتبة الصحفية / نموذجان لطرد الوزراء من مناصبهم بالطريقة العسكرية

نموذجان لطرد الوزراء من مناصبهم بالطريقة العسكرية

النموذج الأول: إقالة الوزير البكري من وزارة الصناعة بسبب الاضطرابات العمالية

في كتابه عن الرئيس جمال عبد الناصر وفي معرض حديثه عن طبيعة المسئولية الوزارية روي أمين هويدي قصة إقالة المهندس احمد توفيق البكري وزير الصناعة من منصبه، ومن الواضح أيضا أن أمين هويدي يغمز بروايته هذه وزيري الداخلية والصناعة القويين شعراوي جمعة وعزيز صدقي من طرفين خفيين:

“وقد حدث أن المرحوم أحمد توفيق البكري وزير الصناعة لم يكن يدري أن بعض الاضطرابات العمالية قد حدثت في قطاع الصناعة في الصباح إلا عند مناقشة الموضوع في مجلس الوزراء الذي تصادف وأن عقد إحدى جلساته في مساء نفس اليوم وبعد أن أدلي وزير الداخلية السيد شعراوي جمعة بيانه التفصيلي عن طبيعة الاضطرابات ومطالب العمال والاتجاهات السائدة بينهم جاء دور أحمد توفيق البكري وعاتب وزير الداخلية على عدم إخباره بالأحداث وقت وقوعها”.

ونأتي إلى رد فعل الزعيم الرئيس عبد الناصر: “وهنا تساءل الريس بصوته المنخفض كيف ذلك؟ كيف لا تكون قنوات الوزير مفتوحة على قطاعه؟ كيف لا يشعر الوزير بكل ما يجري في قطاعه؟ وإذا كان الوزير لا يعرف بالاضطرابات التي تحدث في المصانع وبأسبابها ويبدأ الحوار معهم؟ ولم يعط أحمد توفيق البكري إجابات مقنعة.

وهذا هو أمين هويدي الذي كان يهيئ نفسه في ذلك الوقت لرياسة الوزارة يعقب فيقول: “ورغماً عن أن الرجل، رحمه الله، كان فاضلاً أميناً إلا أنه فقد منصبه الوزاري في نفس الليلة. “وعاد عزيز صدقي وزيراً للصناعة”. “وبعد فترة وجيزة تولي أحمد توفيق البكري رئاسة مؤسسة الطيران ليواجه فيها متاعب جديدة لوجود بعض الاضطرابات بين العاملين ولكنه كان يتتبع الأمر بعينين مفتوحتين تراقبان كل ما يحدث”. من الطريف الذي لم يذكره أمين هويدي أن حادثا وقع في بداية 1971 فأثار أعصاب السادات، وغضب على الوزير البكري، وكانت غضبته هذه فرصة كي يُعين وزير دولة مستقل للطيران لأول مرة.

النموذج الثاني: مصطفي الرفاعي يروي سيناريو تنحيته عن بتروجيت

في هذا النموذج نقدم بدون تدخل منا مجمل الرواية التي قدمها الدكتور مصطفي الرفاعي الذي عمل وزيرا للصناعة في وزارة الدكتور عاطف عبيد ١٩٩١- ٢٠٠١ عن تجربته الأليمة مع وزير البترول عبد الهادي قنديل حين كان هو رئيسا لمجلس إدارة شركة بتروجيت الشهيرة. ولولا أن مصطفي الرفاعي رزق المنصب الوزاري وأصبح صاحب منصة مناظرة لمنصة الوزير الذي اضطهده ما حظيت روايته عن وقائع الظلم الذي تعرض له بما حظيت به من الاهتمام والتقدير. ومن الجدير بالذكر أن الدكتور الرفاعي كان قد نشر مذكراته تحت عنوان عبور الفجوة التكنولوجية؛ وقد استعرضنا هذه المذكرات في مقال مفصل في مجلة عالم الكتاب ثم تدارسناها في كتابنا “ثلاثية السياسة والصناعة والفن. مذكرات أساتذة الهندسة”.

يحكي الدكتور مصطفي الرفاعي مرارته من الظلم الذي تعرض له وهو في قمة الجهاز الوظيفي فيقول: “حضر وزير البترول عبد الهادي قنديل لتفقد المبني تحت الإنشاء، وقطع الزيارة فجأة غاضبا، ثم أصدر قرارا بحل مجلس الإدارة وتشكيل مجلس إدارة جديد من عشرة أعضاء، كانت مهمته الرئيسية هي دفعي للاستقالة، وعندما لم يتحقق ذلك أصدر قرارا بنقلي إلى هيئة البترول كخبير، وندبي نائبا لرئيس الهيئة للغازات”.

“حدث ذلك بعد أن اكتمل هذا المشروع المهم وتم تسلمه من المقاول في موعده التعاقدي، وفي أثناء فترة تنفيذ التجهيزات الداخلية، مثل خلايا المكتب، والسجاد، والشبكات الداخلية للكمبيوتر والاتصالات بعد ستة شهور من نقلي إلى هيئة البترول قررت الاستقالة، وتعاقدت معي شركة بترول أبو ظبي الوطنية «أدنوك» بعقد استشاري خاص، وبأفضل شروط الخبراء العالميين”.

ولا يبخل مصطفي الرفاعي على القراء برواية قصة إخراجه من منصبه على نحو مسرحي أعد سلفا: “اتصل بي رئيس هيئة البترول د. حمدي البنبي في الليلة السابقة، وأبلغني برغبته في لقائي بمكتبه صباح اليوم التالي، ولما لم تكن هذه زيارة للشركة، فأخبرته أنني سأحضر للقائه بالهيئة، إلا أنه أجاب بأنه يفضل أن يكون اللقاء بمكتبي، حيث سلمني صورة من قرار النقل، وكان بصحبته المهندس مدحت حتاتة الذي تسلم رئاسة الشركة من بعدي، وطلب مني رئيس الهيئة أن أجمع جميع المديرين بالشركة وأبلغهم بأنني طلبت التنحي من رئاسة الشركة لأسباب صحية، وأن أقدم لهم في الاجتماع الرئيس الجديد”. “تم الاجتماع وأعلنتهم بالقرار، ولكنني لم أقل إنه بناء على طلبي، أو أنني تركت لأسباب صحية، كان التنفيذ فوريا طبقا للخطة، حتى لا أتمكن من أخذ أي مستندات، وقام نائب رئيس الهيئة للشئون الإدارية فاضل عثمان بتغيير جميع كوالين مقر رئاسة الشركة”.

“بعد انتقالي إلي مبني الهيئة بالمعادي أمر الوزير بتشكيل أكثر من لجنة لدراسة مشروع مبني إنبي، والبحث عن أخطاء مالية أو فنية، حتي يستطيع أن يوجه لي اتهاما لإحالتي للنيابة العامة، إلا أن هذه اللجان لم تجد شيئا معيبا، فكان أن استعان الوزير ببعض أعضاء هيئة الرقابة الإدارية لبحث إمكانية توجيه اتهام لي بإهدار المال العام في هذا المشروع العظيم، ولم ينجح هذا المسعي، وصاحبت ذلك حملة إعلامية لتشويه هذا العمل المشرف والسابق لعصره، محتواها أن مصر بلد فقير لا يجوز أن يكون به مبان بهذا المستوي من الفخامة، وأننا شعب يسكن أغلبيته بمباني إسكان متوسط تنشع بحوائطها المجاري”. “أعلنت الهيئة أيضا عن رغبتها في تأجير دور بالمبني لإحدى شركات البترول، لأن به مساحات فائضة عن الحاجة، ولم يكن ذلك حقيقيا، إذ كان المخطط أن يستوعب المبني نموا متوقعا في عدد العاملين”. وهنا يسخر الرفاعي مما آلت إليه الأمور فيقول: “تستأجر الشركة حاليا عمارتين”.

تم النشر نقلا عن موقع مدوانت الجزيرة

لقراءة التدوينة من موقع مدونات الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا



شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com