في مطلع 1996 توفي هذا الزعيم بعد أن عاش بعيدا عن الأضواء أكثر من أربعين عاما وهو الذي كان في مطلع ثورة 1952 وقبلها نجما عاليا لامعا في الحياة المصرية، ظهر في رثائه مقالان مقال الأستاذ مصطفى أمين في عموده في الأخبار ومقال لي في الأهرام. كان مقال الأستاذ مصطفى أمين أسلس بكثير من مقالي وفيه بلور العقدة بأن هذا الرجل ظلم وفبركوا ضده اتهاما بالانقلاب لا لشيء إلا لأنه كان محبوبا أكثر من اللازم.
أما مقالي فكان اجتهادا في فلسفة التاريخ عقب لي عليه أستاذي الأكبر عميد أساتذة التاريخ الحديث الدكتور أحمد عبد الرحيم فقال إنه يدل على تمكني تماما من فلسفة التاريخ وكان قد كتب مقدمة لكتابي “المحافظون” وأشار فيها إلى أن التاريخ يتطلب أكثر مما في ذلك الكتاب من الجداول والإحصاءات والمعلومات. لكن لم أنشر في ذلك المقال المتفلسف قصة الرجل، وهأنذا أفعل في مدونتنا اليوم.
ولد محمد رشاد مهنا بمنشية على باشا مهنا- مركز كوم حمادة – مديرية البحيرة كان والده من خريجي الأزهر. التحق بالكتاب في طفولته المبكرة وتعلم به القراءة والكتابة وحفظ القران الكريم ثم دخل المدرسة الابتدائية بمدينة طنطا ثم الثانوية وحصل على البكالوريا عام 1928 وكان من أوائل القطر المصري فالتحق بكلية الطب لكنه تركها والتحق بالكلية الحربية وتخرج منها عام 1932 وعمل بسلاح المدفعية.
ابتعث محمد رشاد مهنا إلى إنجلترا عام 1937 وعاد منها بعد سنة ليعمل مدرسا بمدرسة المدفعية وكان أول ضابط مصري يتخصص في الدفاع الجوي. وفي عام 1944 حصل على كلية أركان الحرب وهو ما أصبح يسمى بعد ذلك ماجستير العلوم العسكرية وانتقل للعمل مدرسا بكلية أركان حرب.
اختير محمد رشاد مهنا ليتولى وظيفة أركان حرب قوات قسم القاهرة (ما يسمى الآن المنطقة المركزية) فأصبح على صلة قوية بالكثير من ضباط الجيش. تعرف محمد رشاد مهنا على الشيخ أمين الحسيني مفتى فلسطين وتعاون معه (1946 – 1948) وشارك في تزويده بالسلاح والعتاد، في عام 1947 نسبت إليه قيادة محاولة انقلابية لم تنجح وعلى إثرها تم اعتقاله مع مجموعة من الضباط بتهمة التأمر لقلب نظام الحكم لكن الدولة رأت إطلاق سراحهم بعد فترة قصيرة وقد عرضنا لقصة هذه المحاولة في كتابنا مذكرات الضباط الأحرار من خلال ما رواه جمال منصور.
في 16 أكتوبر 1951 كان البكباشي محمد رشاد مهنا أكبر الحاضرين رتبة في اجتماع ثوري للضباط في حديقة نادي الضباط. كذلك رأس الاجتماع الذي عقد في الساعة الرابعة من مساء الحادي والثلاثين من ديسمبر عام 1951 قبيل اجتماع الجمعية العمومية لنادي الضباط وقد حذر هذا الاجتماع من عرفوا بعد ذلك بأنهم تنظيم الضباط الأحرار، وانعقد هذا الاجتماع في منزل مجدي حسنين في عابدين وحضره من الضباط الأحرار: زكريا محيي الدين وجمال سالم وحسن إبراهيم وعبد اللطيف البغدادي، وكان هو الذي حثهم على التعبئة والتصعيد في انتخابات نادي الضباط؛ في مواجهة الملك، و ذلك بالوقوف خلف اللواء محمد نجيب ليكون رئيساً لمجلس إدارة النادي، بدلا من المنافسه حسين سري عامر قائد سلاح الحدود الذي تردد أنه مرشح الملك لرئاسة النادي. حضر اجتماعات التحضيرية كثيرة للثورة بيد أن التراب أهيل على هذا كله.
نعود إلى 30 من مارس 1953 حيث أذاعت محكمة الثورة المكونة من كل أعضاء مجلس القيادة برئاسة البكباشي أركان حرب جمال عبد الناصر، حكمها في القضية المتهم فيها القائمقام محمد رشاد مهنا وكانت الأحكام على النحو التالي:
القائمقام: محمد رشاد مهنا.. السجن المؤبد.
اليوزباشى: محسن عبد الخالق.. 15 سنة.
البكباشى: إبراهيم عاطف.. 10 سنوات.
البكباشى: مصطفى راغب.. 10 سنوات.
اليوزباشى: محمد سعد الدين عبد الحفيظ.. 7 سنوات.
اليوزباشى: محمد عبد الله.. 5 سنوات.
الملازم أول: محى الدين الخولي.. 5 سنوات.
الصاغ: السيد إبراهيم.. 3 سنوات.
اليوزباشى: أحمد وصفى.. 3 سنوات.
الصاغ: محمد عبد العزيز هندي.. سنة واحدة.
الطبيب: عبد العزيز الشال.. 10 سنوات.
المحامي: صبري عبد الحكيم.. سنتان.
المحامي: محمد رشيد.. سنتان.
اليوزباشى: حمزة أدهم.. الاستغناء عن خدماته.
ومن الطريف أن اليوزباشى فتح الله رفعت الذي ظل في السلطة حتى عهد مبارك كان متهما لكنه لم تجر محاكمته بسبب مرضه. ولأنه كان معروفاً عن رشاد مهنا انه متدين فقد حرصت شهادات الشهود ضده على الإشارة الى أنه كان يقول: إن الضباط ينوون في الدستور الجديد إلغاء النص على أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام.
تم النشر نقلا عن مدونات الجزيرة
ولقراءة المقال من موقع الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا