الرئيسية / المكتبة الصحفية / نظام الحكم الأنسب للظروف المصرية المعاصرة

نظام الحكم الأنسب للظروف المصرية المعاصرة

تاريخ النشر: ٢٠١١/٧/٣

 

منذ قامت ثورة 25 يناير 2011 وأصبح المصريون منشغلين بنظام الحكم الذى يضمن لهم حياة كريمة تخلو من الاستبداد والفساد اللذين سيطرا على السنوات السابقة للثورة، وقد كان من الطبيعى ان ترتفع الأصوات المطالبة بتحديد سلطة رئيس الجمهورية، لكن هذا الطبيعى سرعان ما انقلب فى نظر البعض إلى أمر غير مرغوب فيه فى ظل الخوف من فوز الإخوان المسلمين بمقاعد البرلمان وإذا بكثير من اصحاب الفرصة فى الحديث والكتابة يطالبون بالبدء بالانتخابات الرئاسية قبل أن تأتى الفرصة المتاحة بالإخوان المسلمين.. وكان الرد المنطقى على هؤلاء أن البدء بالانتخابات الرئاسية يعنى إعادة النظام الفرعونى وهنا راجع كثيرون موقفهم. لكن بعضهم أخذ يعلن بصراحة- مشكورة- أو بطريقة مستورة ان النظام الفرعونى أهون عنده من أن يأتى نظام يرفع راية الإسلام.

هكذا وصلت الأمور فى الجدل السياسى الذى لا يعبر بصدق عن الشارع السياسى ولا عن أبناء الثورة لكنه يعبر عن توازن القوى القديم الموجود قبل الثورة وهو التوازن الذى كان يعمل لصالح النظام السابق مع رفع شعارات معارضة أو متحفظة لا تقلل من جوهر خدماته للنظام.
وقد كنت ومازلت أرى الخطر فى مثل هذه المعارك السياسية أوالفكرية يكمن فى مبدأ القول بإما.. وإما.. وهو منطق سياسى متخلف لا يقود إلا إلى العقم الفكرى وبقاء الأحوال على ما هى عليه. بل إننى أزعم أنه كان السبب فى نهاية النظام السابق وفى نهاية شرعيته، وقد وصل الأمر بالسيد نائب رئيس الجمهورية السابق أن يقول للذين حضروا معه جلسة الحوار الوطنى: إما الرئيس!! وإما فتحى سرور!! وكان من الطبيعى ان يكون الرد: بل الرئيس! وهو منطق زاد من اشتعال الثورة وتأججها.
وقد دفعنى هذا إلى ما انفردت به طيلة شهرى مارس وإبريل من القول بأن تجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معا فى نفس اليوم على نحو ما يحدث فى الولايات المتحدة الامريكية لكن أحدا لم يعن بالنظر إلى مثل هذه الفكرة باعتبارها فكرة مثمرة فى حد ذاتها، وإنما فضل الجميع العزف على سيمفونية إما وإما.
وعندما اتيح لى أن أتحدث فى مؤتمر الوفاق الوطنى وكنت لحسن الحظ ثالث من تحدثوا فى الجلسة الموسعة أشرت بكل وضوح إلى أننا يجب أن نتفق قبل وضع الدستور على طبيعة النظام الذى نريده لمصر.
وقلت ضمن ما قلته إننا إذا أردنا نظاما برلمانيا فإن منصب رئيس الدولة سيفقد مكانته الحالية وسيصبح شبيها بما هو موجود فى الدول التى تأخذ بالنظام البرلمانى سواء كانت ممالك (بريطانيا) أو جمهوريات (إسرائيل)، ومن ثم لا يصبح الحديث عن الانتخابات الرئاسية أمرا ذا بال،إذ يمكن بالطبع أن يتم اختيار رئيس الدولة بالتوافق فى خطوة لا تقتضى انتخابا مباشرا من الشعب كله على نحو ما هو قائم.
وينشأ عن هذا أن نبدأ فى رسم علاقة رئيس الوزراء بالأجهزة العديدة التى لا تخضع الآن لرياسته ولا لإشرافه بل إن بعضها يفوق رياسة الوزراء اهمية، وفى هذا الصدد أذكر أننى صرحت فى حديث تليفزيونى منذ أكثر من عام بأن هناك مناصب كثيرة فى مصر أهم واعلى من رئاسة الوزراء وقلت إننى لن أتحدث عن منصب القائد العام للقوات المسلحة الذى هو بحكم القانون وزير الدفاع، لكننى أضيف أيضا منصب رئيس الأركان الذى هو أهم من منصب رئيس الوزراء (وقد صدق توقعى بعد الثورة إلى الحد الذى جعل البعض يظننى صاحب كرامة أو ولاية)، وأشرت أيضا إلى أن رئيس المخابرات العامة والنائب العام ومحافظ البنك المركزى ورئيس الجهاز المركزى للمحاسبات يتمتعون بأهمية تزيد كثيرا على اهمية رئيس الوزراء (وبخاصة إذا كان من طبقة رؤساء الوزراء الذين عرفناهم فى الفترة الأخيرة قبل الثورة وبعدها).
فإذا أضفنا إلى هؤلاء الوضع البروتوكولى لرئيسى مجلسى الشعب والشورى والوضع البروتوكولى والروحى لشيخ الجامع الأزهر الإمام الأكبر لوجدنا أن منصب رئيس الوزراء أصبح ذا وجاهة ممتزجة بالعجز الحقيقى عن أن يمارسها، أى أنه أصبح رمزا للوجاهة المعطلة أو الزائفة.
بل إننى فى حديث تليفزيونى فى نهاية العام الماضى عن تصورى القائل بأن رئيس الوزراء يخشى وزير الداخلية بأكثر بكثير مما يتصوره اى إنسان، وقلت اننى لا أتصور عقلا ولا منطقا ان يرد رئيس الوزراء لوزير الداخلية أمرا، ولا طلبا.. وقد أثبتت قضية اللوحات المعدنية المتداولة الآن أمام القضاء أن كوادر وزارة الداخلية نفسها كانت هى التى كشفت صفقة رئيس الوزراء ووزير المالية التى فرضت عليها!!.
وإذا تأملنا التاريخ المصرى المعاصر طيلة الفترة الممتدة من 1952 وحتى 2010 فإننا نرى الوضع الذى تحدثنا عنه واضحا جليا بما لا يقبل الجدل لا فى واقعيته ولا فى قابليته للاستمرار.
من اجل هذا كان من الطبيعى أن أدعو إلى التفكير فى طبيعة علاقة رئيس الوزراء بهذه المناصب العشرة وشاغليها، ومدى قدرته على قيادتهم أو التأثير فيهم، ومن العجيب أن الشعب المصرى بذكائه كان يعبر عن هذا المعنى بالقول بأن هناك وزارات سيادية لا يملك رئيس الوزراء من أمرها شيئا إنما أمرها موكول للرئيس، وهكذا اصبح رئيس الوزراء مسئولا عن قطاع الخدمات فحسب، وهو قطاع تحول إلى نسيج شبه متهرئ بحكم ضعف معطياته.. ومع هذا فإن شاغلى منصب رئيس الوزراء لا يمانعون فى أن يظهروا فى المسرحية منتفخى الأوداج وكأنهم رؤساء وزراء بالفعل أو وكأنهم وزراء من الأساس!!
إننى لا أدعو إلى تفضيل النظام الرئاسى الموضح الحدود والملامح على نظام برلمانى مشوه.. لكننى أدعو إلى وضوح الرؤية والحدود والملامح قبل أن نسمى نظاما هذا أو ذاك بتسمية هو برىء منها وهى بريئة منه.
هل يمكن أن يكون رئيس الوزراء القادم بعد الانتخابات البرلمانية قادرا على تعيين رئيس المخابرات العامة والنائب العام ومحافظ البنك المركزى وشيخ الازهر ورئيس الاركان ووزير الداخلية؟.
هل يمكن أن نثق فى أن رئيس الوزراء الذى سيفرزه ما هو محتمل من عقد الائتلاف بين الاحزاب الإسلامية والوفد واليسار والليبراليين سيكون قادرا على هذا بعد مشاورات الائتلاف وحسابات الائتلاف والاختلاف والثلث المعطل والثلث المفضل وحلف اليمين بالله مرة وبالطلاق البائن مرة أخرى؟
وكيف يمكن لرئيس وزراء من هذا الطراز أن يستمر فى تأدية مهام وظيفته بينما الائتلاف معلق على كاريكاتير لعمرو سليم أو لمصطفى حسين أو لعمرو عكاشة أو أن الائتلاف خاضع لحسابات صلاح دياب أو أحمد بهجت فتوح أو حسن راتب أو نجيب ساويروس أو توفيق عكاشة أو محمد الأمين؟
هل يمكن لرئيس الوزراء الذى يفرزه الائتلاف أن يقف أو يجلس أمام علاء الأسوانى أو بلال فضل أم لابد له من الدكتور مجدى راضى أو الدكتور أحمد السمان كى يسمحا بتهريبه إلى وقت لاحق؟. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لانعدل عن فكرة وجود رئيس وزراء يحمل الأخطاء والتبعيات على نحو ما رأينا، وعلى نحو ما أوضحته من قبل فى مقال لى بالأهرام فى مطلع مارس 2011.
لقد سأل رئيس تحرير سابق رئيس الوزراء الحالى فى اجتماعه الموسع بالصحفيين إن كان هو رئيس الوزراء.. أم أن نائبه هو رئيس الوزراء، وقد أجاب رئيس الوزراء إجابة تنم عن نوع من الذكاء العقيم حين قال لرئيس التحرير إنه من الواضح أنه لا يعرفه جيدا . ومن الواضح ان رئيس الوزراء كان دقيقا فى إجابته، وأنه لم يقصد بالفاعل المعرفى رئيسي التحرير . إنما قصد نفسه الذى لم يعرف نفسه بعد!!
إننى بكل هذا الذى ذكرته لا أدفع إلى التفكير فى العدول عن النظام البرلمانى إلى النظام الرئاسى أو الفرعونى أو المختلط مع أن كل هذا يمثل خطرا قائما على مصر وعلى الثورة إذا لم نتدارك الأمر بالتوافق على رؤية محددة فى عصر الوضوح والشفافية الذى لن يقبل منا مرة أخرى أن نزعم أننا نأخذ بنظام برلمانى بينما هو فرعونى أو أن نزعم بأننا نأخذ بنظام مشترك بين الرئاسى والبرلمانى بينما هو مشترك بين الفرعونى والمماليكى أو أن نزعم بأننا نأخذ بنظام رئاسى بينما هو نظام أوتوقراطى فحسب.
لست متشائما لكنى أجد من الأمانة أن أفضى بمخاوفى لأبناء قومى، فليس فى العمر بقية تسمح بالمناورة، ولا بانكار ما أعلم وما أتصور.. ولست منحازا.. لكنى أجد نفسى خائفا من أن يقود عدم الانحياز أمثالى إلى عدم الولاء.. وساعتها سنفقد ما تبقى من أمل فى وطن ننتمى إليه.

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com