الرئيسية / المكتبة الصحفية / مقالات ماقبل الجزيرة / الدستور / تصوير الشيخ الظواهري لامتحان العالمية في أول القرن العشرين

تصوير الشيخ الظواهري لامتحان العالمية في أول القرن العشرين

 

 

ذكرنا في مقالنا السابق أن الشيخ الظواهري أحد أشهر مشايخ الازهر أجاد تصوير لحظات أدائه لامتحان العالمية بعين كانت منتبهة إلي ما قد يظهر من امتعاض الشيخ محمد عبده ، أو تحيزه ضده ، وكانت منتبهة أيضاً إلي رد فعله هو تجاه ما أحسه من هذا الجو .

والحق أن الشيخ الأحمدي الظواهري كان يرى فيما رواه عن طريقة الشيخ محمد عبده في امتحانه أن الأستاذ الإمام كان رجلاً قوي الرأي ، وقوي الأخلاق ، فبالرغم مما كان بينه وبين والده الشيخ إبراهيم الظواهري من خلاف معروف ، فإنه لم يغمط الإبن حقه ، ولم يرد أن يقلل من مقدار علمه ، وتدلنا قراءة مارواه الظواهري على طبيعة الامتحانات الشفوية في ذلك الوقت ، وسلوك اللجان التي تتولي هذه الامتحانات ولنواصل قراءة القصة على نحو ماذكرناها في كتابنا عن الشيخ الظواهري   :

 ” انتهيت من تقرير البحث وانتظرت إشارة إعجاب الشيخ عبده أو على الأقل إشارة عدم امتعاضه ، لكني لم أظفر بها، بل ظل الشيخ صامتًا، ونظر إليّ كما نظر باقي أعضاء اللجنة نظرة لم أفهم كنهها ، فلا هي نظرة المبتسم فأعدها إشارة إعجاب ، ولا هي نظرة مغضبة فأعدها إشارة المشمئز ” .

” والحق أنه قد شق علي نفسي -وقد ظننت خيرًا كثيرًا بهذا الأسلوب وقدرت أنه يستحق الإعجاب- (ألا) أظفر بشيء ولو قليل من هذا الإعجاب ، وحينئذ تملكتني نزعة الثقة بنفسي وبأسلوبي ، فولدت عندي عزمًا قويا وإقدامًا شديدًا، وأصررت في نفسي أن أنتزع إعجاب الشيخ وإعجاب اللجنة انتزاعًا، فخطر لي أن أعاود الكلام في نفس البحث ولكن بأسلوب آخر وألفاظ وتشابيه مغايرة ، وبدأت ذلك بأن قلت كلمة ” والحاصل ” وهي الكلمة التي تشعر أني أريد معاودة الكلام ، فعندئذ أنطق الله لسان الشيخ بالإعجاب الذي كنت أنتظره ، فقال: لماذا تريد استئناف الكلام؟  لقد تكلمت كلاماً طيبًا جداً ، وعالجت البحث علاجًا رائعًا جدّا، والأحسن أن تنتقل للبحث الآخر” .

” كانت عبارة الشيخ هذه كأنها البلسم علي نفسي ، فاندفعت أقرر المباحث الأخري التي طلبها مني هو وأعضاء اللجنة ، وأقبلوا يناقشونني فيها، وفجأة قال الشيخ محمد عبده: ” إن ترتيبك في أبحاثك وطريقة عرضها طريقة جميلة ، وسأتخذ معك في ترتيب الأبحاث طريقًا غير الطريق العادي لأعرف مقدار علمك الحقيقي”  فقلت: ” كما تريد ياسيدي ” . فأخذ يقلب أوضاع المسائل ويلوي اتجاهات الأبحاث ، وصار يخرج من علم إلي آخر ، ثم يعود إليه ثانية ، ثم يخرج إلي آخر ويعود للأول ، وأنا أسايره فيما ذهب إليه من الإفراط في محاولة إشكال البحث على توطئة لمعرفة مقدار علمي الحقيقي كما قال ” .

” وقد طالت هذه المناورات بضـع ساعــات عــلي خــلاف المألوف في الامتحــان ، ولا أكتمك أني أرهقت بها إرهاقاً عقلياً وجسمانياً،فطلبت نفسي شربة من المـاء من شــدة هذا الإجهاد ، ولكني غالبتها مخافة من الشيــخ أولاً ، وتأدباً له ثانياً ، ولكني بعـد ربع ساعة أخري فقدت زمام المغالبة ، فطلبت من الشيخ عبده أن يأمـر لي بكــوب مـاء ، فكـان طلبي هذا فاتحة خير آخر عليّ ، وكـأن الله ــ تعالى ــ أنطقنــي به خصيــصاً ليزيد في شجاعتي وفي جلدي ، فقد قال الشيخ محمد عبــده: ” أنــت تستحق شـرباتاً لا ماء.. فقد أحسنت أيما إحسان ” ، ثم أدخل الشيخ يده في جيبه وأرسل في طلـب (سطـل) من شربات (الخروب) فشربت ، وشربوا، وبعد ذلك بقليـل قال الشيـخ: ” لقـد فتـح الله عليك يا أحمــدي ، ووالله إنك لأعلم من أبيك ، ولــو كـان عنــدي أرقي مـن الدرجة الأولي لأعطيتك إياها ” ..فكانت هذه العبارة منه بعد شراب (الخروب) الـذي اشتراه لي أثناء الامتحان حديــث الناس في الأزهــر وقتئـذ ، وتناقلته الألسن بعد ذلك في كل مكان ،روكانت في الحقيقة من أسباب سعادتي بعد ذلك ” .

نٌشر بتاريخ : 2012/11/3

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com