تاريخ النشر : 2011/10/23
قد يبدو هذا العنوان غريبا بعض الشىء، وقد يبدو مباشرا بأكثر مما تحتمله كتابة تاريخه، لكن الأمر يتطلب بعض الهدوء ونحن نتأمل وقائع واضحة ومعلنة سمح مبارك نفسه بأن يتم تداولها دون أن يبذل جهده فى محاربتها ووأدها.
لن نتناول فى هذه الدراسة كل الجهود التى صبت فى هذا الاتجاه لكننا سنتناول أمثلة ناطقة بمدى عجز المحاولات عن أن تحقق نجاحا.. لأن القطار كان قد مضى فى سبيله.
(1) الدكتور صوفى أبو طالب
كان الدكتور صوفى واحدا من أساتذة القانون البارزين الذين لم يعملوا بالسياسة إلا بعد أن اكتملت شخصيتهم العلمية وقد بدأ رحلته مع المناصب البارزة نائبا لرئيس جامعة القاهرة فرئيسا لمجلس الشعب فى أكتوبر 1987 دون المرور بالمناصب الوزارية.
وقدرله ان يكون هو رئيس مجلس الشعب عند اغتيال الرئيس السادات وهكذا أصبح بمقتضى الدستور رئيسا مؤقتا للجمهورية فى 6 أكتوبر 1981 وحتى تم اختيار مبارك رئيسا للجمهورية.
كانت النخبة المحيطة بالرئيس مبارك تدرك انه يحترم صوفى أبو طالب لكنه لا يحبه.. ثم اكتشفوا بعد الزمن أنه ربما جاهر بأنه لا يحبه وقد كان السبب فى هذا على ما يعتقد كثيرون أن صوفى أبو طالب (عقب اغتيال السادات) رأى بحاسة الأستاذية أن من الخير لبلاده ان تتجنب رياسة حسنى مبارك، فمال على وزير الدفاع المشير أبو غزالة وهو الذى يملك مفاتيح القوة فى يده فى ذلك الوقت ملوحا له بأن يكون هو الرئيس.. لكن أبو غزالة لم يكن مستعدا بما فيه الكفاية وجاءت إجابته سريعة بأنه مع الشرعية أى مع تولى حسنى مبارك الرياسة.
ظل صوفى أبو طالب فى منصبه بحكم أنه كان من الصعب أن يتم تغييره فى التو واللحظة لكن دهاء حسنى مبارك جعله يستغل طيبة فؤاد محيى الدين ودفعه إلى الخلاف العلنى مع صوفى أبو طالب فى القصة المعروفة بمعركة الكباب والكفتة، وهى من قصة كوميدية من قصص عهد مبارك المبكرة، وجاء أحمد الجارالله رئيس تحرير السياسة الكويتية ليسأل مبارك عما تردد من توقعات لتغيير رجال الصف الأول ذاكرا فؤاد محيى الدين وصوفى
أبو طالب بالتحديد، وجاءت إجابة حسنى مبارك حاسمة وموحية رغم أنها بدت مراوغة فقد قال إن فؤاد محيى الدين يؤدى واجبه على أكمل وجه وأنه هو المسئول عن اختياره، أما صوفى أبو طالب فرجل منتخب!! وكأن رئيس مجلس الشعب يأتى بالانتخاب لا بالاختيار… وهكذا فهم الناس أن أيام صوفى باتت معدودة وهكذا خرج صوفى أبو طالب من منصبه فى أول عام من حكم مبارك.
ومع هذا فإن حسنى مبارك كان من الدهاء بحيث أوحى فى إحدى دورات مجلس الشورى أن صوفى أبو طالب قد يكون مرشحا لرياسة مجلس الشورى.. وهو ما لم يحدث بالطبع.
ومع هذا فإن الذين يدرسون التاريخ من زاوية التكريم والبروتوكول يلاحظون بسهولة أن صوفى أبو طالب لم يكرم بما فيه الكفاية ولا بأدنى درجات التكريم عن الفترة التى كان فيها رئيسا للجمهورية وقد كان من حقه أن ينال أرفع قلادات الدولة بحيث يصبح سابقا فى البروتوكول على كل رؤساء الوزارة ورؤساء البرلمان لكن هذا لم يحدث.. بل إن الأدهى والأمر هو ما رواه لى أحد علمائنا الكبار الذى فاز بجائزة الدولة التقديرية فى العام الذى فاز فيه صوفى أبو طالب فلما قابل الرئيس وكان له عليه دلال مما جعله يعاتبه على أنه لم يمنحه ما يستحق من وسام أرفع لأنه كان يحمل أوسمة سابقة فقال له الرئيس إنه لم يفعل ذلك لأنه لم يكن يريد أن يجامل زميله فى الجائزة.. أى صوفى أبو طالب..
وهكذا عاش صوفى أبو طالب ومات من دون التكريم المستحق لرئيس جمهورية مؤقت.. أمين ونزيه لم يطمع فيما صار إليه وحتى ندرك مدى نزاهة صوفى فى هذا الموقف.. فلنا أن نتصور ما كان عليه الحال لو كان رفعت المحجوب هو الذى وصل إلى هذا الموقع.. يقول العارفون ان رفعت المحجوب كان مستعدا ان يضحى بنصف الشعب المصرى من اجل الإبقاء على هذا الكرسى فى حوزته.. ويقول آخرون إن الدكتور أحمد فتحى سرور كان بوسعه أن يؤدى دورا أفضل لنظام مبارك فى أخريات أيامه لو أنه تنازل عن حقه المتوقع فى خلافة مبارك.. لكن هذا الفرض يحتاج إلى دراسات مطولة لم تتح مفرداتها بما فيه الكفاية.