زعيم الأمة مصطفى النحاس/ الفصل الثاني عشر
الفصل الثاني عشر
النحاس في نهاية عهد فاروق
(1)
لا بد لنا بالطبع من الحديث عن طبيعة العلاقة الشخصية بين الملك فاروق والنحاس في هذه الفترة، ونبدأ فنقول إن كثيرًا من المؤرخين يستسهلون القول بأن النحاس مع تقدم السن قد مال إلي مهادنة الملك فاروق حتي إنه كان في وزارته الأخيرة يلبي للملك من الطلبات ما لم يكن يلبيه له من قبل.
والواقع أن في هذا القول كثيرًا من التجني علي الحقيقة نفسها، قبل أن يكون فيه قليل من التجني علي النحاس باشا والوفد.
ولو أن النحاس وصل في مهادنته للملك إلي هذا الحد لكان قد استمر في الحكم أكثر مما استمر، لكن الملك فاروق كان لا يفتأ يبحث كعادته عن مبرر للخلاص من حكم الشعب، ولم يكن يدري أن خلاصه من هذا الحكم هو في حد ذاته حكم بالإنهاء التام علي فترة ولايته.
ونحن لا نعرف أن النحاس قد خضع للملك في شيء، بل إنه علي سبيل المثال صمم علي مَنْ اختارهم للوزارة ولم يشأ أن يمرر اعتراضات الملك علي نحو ما مررها في 1937، فنحن نعرف أنه في 1937 قبل من الملك اعتراضه علي يوسف الجندي، وأحال وزارة المعارف علي عبد السلام جمعة (بالإضافة إلي منصبه)، لكنه في 1950 لم يقبل الاعتراض علي طه حسين وصمم علي وجوده، وقل مثل هذا في كل التعديلات التي تمت في عهد هذه الوزارة التي شهدت أكبر قدر من التعديلات الوزارية.
صحيح أن النحاس ترك الملك يستمتع بالألقاب التي بدأ يحبها وبدأ الشعب يسخر منها، وأن الملك بدأ يبحث عن نسب شريف، وأن الملك بدأ يمارس أكثر من نوع من أنواع الفساد الذي لم يكن يمارسه من قبل، لكن النحاس ترك الملك يفقد هيبة عرشه ولم يشأ أن يساعده في هذا الميدان، لأنه كان قد يئس منه ومن قابليته للتوجيه.
(2)
وربما كان من المفيد أن نبدأ دراستنا لهذه الفترة بقراءة بعض وثائقها الرسمية او الشكلية.. وهذا أولا هو نص كتاب تكليف النحاس برياسة الوزارة:
«حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفي النحاس باشا»
«إن توفير الرفاهية لشعبنا من أمن وسلام، أعز رغباتنا، وأعظم ما تتجه إليه أمانينا، ورائدنا دائما أن تكون الحياة النيابية، ونظم الحكم صورة صحيحة لأماني البلاد، وأن تكون عامل إسعاد، ودعامة استقرار».
«وبلادنا العزيزة اليوم في مسيس الحاجة إلي هدوء وسكينة وعمل منتج يوفر كل أولئك، الطمأنينة لأهل البلاد وضيوفها».
«لذلك اقتضت إرادتنا تحميلكم أمانة الحكم، وإسناد رئاسة مجلس الوزراء إليكم، لتقوموا بتلك المسئوليات الجسام التي ستلقي علي عاتقكم في تلك الحقبة الدقيقة من حياة البلاد، والتي تقتضيكم العمل لصالح الشعب، علي نهج واضح من السياسة القومية التي تهدف إلي تأليف القلوب، وتوحيد الجهود، للسير بالوطن العزيز نحو الغاية التي نؤملها جميعا لرفعته وإسعاده، وتحقيق ما ينشده أهله من مطالب طبيعية عادلة».
«وإنا علي يقين من أن تلك الأماني ستكون رائدكم، ورائد مَنْ تختارونهم للاضطلاع بأعباء الحكم».
«وقد أصدرنا أمرنا هذا إلي مقامكم الرفيع، للأخذ في تأليف هيئة الوزارة، وعرض المشروع علينا، لصدور مرسومنا به».
«نسأل الله جلت قدرته أن يكلأ بلادنا برعايته، ويوفقنا جميعا إلي ما يعود علي رعايانا بالخير والسعادة».
«صدر بقصر القبة في ٢٣ ربيع الأول 1369 (12 يناير ١٩٥٠)»
فـاروق
(3)
ربما كان من المفيد أيضًا أن نثني بالإشارة إلي أن دور الملك فاروق في تولية النحاس وزارة الوفد في 1950 كان هو أكبر أدواره حجما (وإن لم يكن هذا الحجم نفسه كبيرا بما يكفي لوصفه بأنه دور) فيما يتعلق بتولية النحاس والوفد، ذلك أن النحاس جاء في 1936 في عهد الوصاية علي الملك حين لم يكن الملك يملك أن يولي أو أن يعترض، وجاء في 1942 رغم أنف الملك ورغم قلبه كذلك، أما في 1950 فقد جاء النحاس والوفد بمعارضة أقل حدة من الملك، وقد حاول الملك بكل الطرق أن يكون القادم هو الوفد لا الوفد والنحاس معا، لكن محاولاته باءت بالفشل الذريع رغم كل الإلحاح والتآمر ودموع التماسيح.
وسنؤثر في هذه المقدمة أن ننقل تصوير الموقف كما صوره به كريم ثابت رجل الملك الذي كلف بمحاولة إنجاز هذا الهدف المقيت!!
(4)
يتحدث كريم ثابت بإفاضة شديدة عن الأجواء التي سبقت تشكيل آخر وزارات النحاس باعتباره شاهد عيان مقربا في تلك الفترة، وهو حريص علي أن يوضح حقيقة موقفه هو وموقف فــؤاد باشا سراج الدين، وسنعجب من مدي تغلغل التفكير في الجزئيات الصغيرة إلي نفس الملك فاروق وسيطرتها علي عقله، وليس من شك في أن التفصيلات التي قدمها كريم ثابت في مذكراته عن هذه الحقبة تنصف فــؤاد سراج الدين بقدر لا نهاية له، ومن الجدير بالذكر أن إبراهيم فرج روي في مذكراته التي تدارسناها في كتابنا «علي مشارف الثورة» ما يؤكد ما ذهب إليه كريم ثابت من محاولات القصر مع سراج الدين. ومن الطريف أنه استشهد بكريم ثابت نفسه الذي روي له التفاصيل حين كانا معًا في سجن المحطة.
يقول كريم ثابت:
«… لم يغير فاروق رأيه في موضوع قبول النحاس رئيسا للوزارة الوفدية الجديدة إلا في مساء اليوم السابق لليوم الذي قابله فيه وكلفه بتأليف الوزارة.. أي في اللحظة الأخيرة.. وبعدما أرهق أعصابنا».
«فقد أبي خلال هذه الفترة التي انقضت بين إذاعة نتيجة الانتخابات وإعادتها في بعض الدوائر أن يحيد قيد أنملة عن القرار الذي استقر عليه رأيه من زمان طويل، وهو ألا يسلم بحال ما بعودة النحاس شخصيا إلي الحكم».
«كنت أباحثه كل يوم في هذا الموضوع بصبر جديد، وأسلوب جديد، ونغمة جديدة، وحجج جديدة لعلي أوفق إلي إقناعه بالرجوع عن تصميمه، وفي كل يوم كان الشعور الذي يخالجني عند افتراقي عنه أنه ازداد عنادا وإصرارا، كأني لم أكلمه، ولم أعالج مخاوفه!».
«ولما لم يلن أمام الصورة المطمئنة التي صورتها له عن إخلاص النحاس، وولائه، وحسن استعداده للتفاهم معه وإرضائه، عدلت خطتي وبصرته بالأزمة العنيفة التي سيواجهها إذا رفض النحاس أن يتنحي عن رئاسة الوزارة وقابل مناوأته له بمثلها».
«فكان تارة يرد علي ذلك بأنه يعلن عندئذ عدم اعترافه بنتيجة الانتخابات التي جرت، ويؤلف وزارة أخري لتجري انتخابات جديدة.. وكان تارة أخري يقول إنه يعمد في هذه الحالة إلي تأليف وزارة عسكرية يعتمد عليها في تصريف شئون الدولة إلي أن يريحه الله من بلاء النحاس، أو يحل الوفديون عقدة النحاس من تلقاء أنفسهم عندما يستوثقون من أنه العقبة التي تحول دون وصولهم إلي الحكم! فإذا خذلته البلاد، ولم تقبل هذا الحل أو ذاك، وتمردت عليه، رحل عنها لتستمتع بالنحاس!!».
«ومع أني لم أدع اليأس يتطرق إلي نفسي، لئلا يوهن عزيمتي فأتراجع في جهودي، أعترف بأنه مرت بي أوقات أشعرتني بأن الحكمة والحيطة تقضيان عليّ بأن أحاول البحث عن حل آخر نلجأ إليه إذا فشلت جميع جهودنا عند فاروق وأقام علي إصراره حتي اللحظة الأخيرة».
«ففي تلك الأوقات العصيبة، اتصلت بفــؤاد سراج الدين مرارا، واجتمعت به ساعات طويلة كنا نقضيها في تبادل الآراء بالصراحة التي سادت أحاديثنا في كل مناسبة».
«ولم أكتم عنه في خلال هذه الاجتماعات أننا نواجه مشكلة كبري، وهي مشكلة النحاس ورئاسة الوزارة، وأن جميع الجهود التي بذلتها، وكررت بذلها، لتغيير موقف الملك من النحاس باءت بالفشل التام، ولم أخف عليه أنني أخشي جدا أن يتمسك الملك بقراره مهما تكن العواقب، ما دام يؤمن بأنه يدافع عن سلامة عرشه ومصير سلطانه».
«ورأيت أن التلويح له برئاسة الوزارة قد يدنيه من وجهة نظر الملك ويقلل من حماسته في الدفاع عن وجهة النظر المناقضة لها، فصارحته بعبارة لا غموض فيها ولا إبهام، بأن الملك يرحب به رئيسا للوزارة الوفدية إذا تنحي النحاس عن رئاستها!».
«وكان فاروق قد قال لي إنه يرضي بأي وفدي آخر رئيسا للوزارة الجديدة بدلًا من النحاس، وكان اسم فــؤاد سراج الدين في مقدمة الأسماء التي ذكرها وقال إنه يوافق عليها».
ويصرح كريم ثابت بتبرئة سراج الدين في فقرة أخري فيقول:
«وإذا كنت لا أستطيع أن أجزم برأي في موقف فــؤاد من الاشتراك في الوزارة في يناير سنة ١٩٥٠، وهل كان جادا فيه أم غير جاد، فهناك أمر أستطيع أن أجزم به (يشير كريم ثابت إلي قصة تناولها هو نفسه في مذكراته بالتفصيل حول تفكير سراج الدين في ذلك الوقت أن يتفرغ لسكرتارية الوفد)، وهو أن فــؤاد سراج الدين بريء مما عزي إليه يومئذ، وهو أنه سعي لإقصاء النحاس عن رئاسة الوزارة، ليكون هو رئيسها، أو أنه تمني أن يصر الملك علي عناده فتئول إليه رئاسة الوزارة بعد تنحي النحاس عنها.. فإن جميع الاتصالات والمباحثات المتعلقة برئاسة الوزارة جرت بواسطتي وعن طريقي في تلك المناسبة، ولم يكن أحد يعلم حقيقة ما يدور فيها سوي الملك».
(5)
وقد روي صلاح الشاهد في مذكراته تفصيلات كثيرة عن ظروف عودة الوفد إلي الحكم في 1950، وهي تفصيلات مناقضة تماما لما رواه كريم ثابت في مذكراته التي نشرها في بداية عهد الثورة، ناسبا الفضل فيها إلي شخصه، ثم كررها في كتابي مذكراته اللذين صدرا عن دار الشروق، وتدارسناهما في كتابنا «علي مشارف الثورة».
وقد أسند صلاح الشاهد ما عرفه في هذا الشأن إلي كثيرين من أبرزهم صديقه عوض قنديل الصحفي، الذي كان صديقا صدوقا لغزالي باشا مدير الأمن العام، الذي حدثت بسببه الأزمة الشهيرة بين الملك والوفد في وزارة 1942 ـ 1944، ثم صار وزيرا للزراعة في عهد وزارة الهلالي.
وقد روي عوض قنديل قصة التحول الملكي ناحية الوفد علي أنه تم قبل خروج إبراهيم باشا عبد الهادي بشهور، وأن اتصالات تمت بوساطة المرحوم غزالي باشا وبدون اشتراك قيادة الوفد بين مستر تشايمان أندروز القائم بأعمال السفير البريطاني في القاهرة ـ وكانا صديقين ودودين ـ وحسن يوسف باشا رئيس الديوان الملكي بالنيابة وحسين سري باشا والدكتور محمد نصر الطبيب الخاص للنحاس باشا، تستهدف تأليف وزارة محايدة برئاسة المرحوم حسين سري باشا وتجري انتخابات حرة (ثم) يؤلف حزب الأغلبية في مجلس النواب الحكومة الجديدة، وكان مفهوما أن الوفد هو صاحب الأغلبية الساحقة المؤكدة، وأن رئاسة الحكومة ستكون للمرحوم مصطفي النحاس باشا».
«وبدأت هذه الاتصالات في مسكن المرحوم محمود باشا (غزالي) بالمنزل رقم 10 بشارع سراي الجزيرة».
…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….
وقد أردف صلاح الشاهد التفصيلات التي رواها في هذا الشأن بجملة مهمة وضرورية لروايته التي أفاض فيها من أجل تكذيب كريم ثابت فيما زعمه منذ مرحلة مبكرة من أنه كان مهندس سياسة الوفاق التي جاءت بالوفد إلي الحكم:
«ولم يكن كريم ثابت يدري بأي شيء مما يجري برغم صلته الوثيقة بالملك نهارا وليلا».
(6)
وأعود لأقول إن الوفد جاء إلي الحكم في بداية 1950 بإرادة شعب مصر، وإذا كان للبريطانيين فضل في إتيان الوفد فلم يكن هذا الفضل يتعدي رفع يد الملك الغليظة عن إرادة الجماهير، وإذا أريد تصوير عودة الوفد علي أنها كانت تعبيرا عن ضجر الشعب من حكومات الأقلية فلا بأس، لكن الشعب أراد الوفد وعبر عن هذا أصدق تعبير.
ومن المضحك أن يقال إن نسبة المقاعد التي حصل عليها الوفد في الانتخابات التي جاءت به إلي الحكم في 1950 لا تتوازي في مجملها مع عدد الأصوات التي حصل عليها، وهذا في رأيي شبيه بالذين يقولون إن فريقا لم يفز علي فريق آخر إلا بهدف واحد، أو بعبارة أدق هو قول شبيه بالإشارة إلي فوز الفريق الذي فاز بالكأس النهائية والقول بأن الفارق بينه وبين الفريق الذي فاز عليه لم يكن في كل مراحل البطولة كبيرا، وهو قول لا ينتقص من الفوز، بل إنه علي العكس يجعل له مذاقا أحلي وأبلغ تعبيرا عن طبيعة الفوز، فقد كان فوزا صعبا ولم يكن سهلا ولا تقليديا ولا يأسا ولا تحصيل حاصل علي نحو ما عرفت مصر في عصور أخري.
(7)
ولا ينتهي العجب عند هذه المزاعم، فإن من أعجب ما يوجه إلي الوفد والنحاس أن يقال إن حسين سري وزوج ابنته محمد هاشم باشا كانا يعملان من أجل فوز النحاس باشا بالأغلبية التي فاز بها في انتخابات ١٩٥٠، وأن هذا كان باتفاق مسبق، ومن الواضح من تطور الأحداث بعد هذا أن سري وهاشم كانا يعملان من أجل محاولة تقليل نسبة الأغلبية الكبيرة التي سيحصل عليها الوفد، لذلك فإننا لا نجد تكريما ولا مجاملة حظي بهما سري من الوفد والنحاس بعد إنجاز الانتخابات، بل إن الرواية التي تقول إن الملك فاروق قال لسري باشا إنه عينه رئيسا للديوان لأنه هو الذي أتي بالوفد إلي مقاعد الحكم تدل دلالة قطعية علي أن الملك (وليس الوفد) هو الذي جاء بسري إلي مقعد رئيس الديوان، وأنه جاء به لسبب مناقض لذلك الذي يدعيه مناهضو الوفد.
ومما تجدر الإشارة إليه وفهمه أن حسين سري باشا كان هو الذي طلب الخروج من هذا المنصب بعد أن تعرض وهو فيه لكثير من ضغوط الحاشية ومضايقاتها، ولسنا نجد في أي من المصادر المتاحة ما يدل علي أن الوفد تمسك بوجود سري في ذلك المقعد المتميز، ولا سعي إلي مثل هذا الموقف، ذلك أن الوفد بقيادة النحاس لم يكن يعول علي الإطلاق علي خير يأتي من رجال من طراز حسين سري باشا.
(8)
وربما كان من المفيد أن نتأمل فيما يرويه رجل الديوان الملكي حسن يوسف عما أحس به من رد فعل الملك فاروق نفسه تجاه نتائج الانتخابات البرلمانية هذه التي كانت بمثابة الانتخابات الأخيرة في عهده، وهو ما أتيح لحسن يوسف نفسه أن يكون شاهد عيان عليه، ومن اللافت للنظر أن يكون رد الفعل علي هذا النحو من العصبية والخوف من الوفد وقوته، وهو ما جعل الملك يقترح علي نفسه ويستطلع رأي صاحب المذكرات في أن يعين سري باشا رئيسا للديوان، ومن الطريف هنا أن نذكر ما ترسخ في الوجدان الشعبي منذ ذلك الحين من أن الملك قال لسري ما معناه: «ما دمت قد حضرت العفريت فعليك صرفه»، وهو معتقد شعبي طريف:
«… ما إن ظهرت النتائج الأولي للانتخابات معلنة فوز الوفد الساحق، حتي ثار الملك وأوفدني في مساء يوم ٤ يناير إلي رئيس الحكومة (أي سري باشا) لسؤاله عما حدث في شأن ما وعد به من نتيجة متوازنة، وكان رد سري باشا أن معركة الانتخابات كانت بمثابة استفتاء بين الملك والنحاس، سألته عما إذا كان هذا هو جوابه الرسمي، فاستدرك واستدار علي كرسيه في وزارة الداخلية ثم قال: «يمكنك أن تقول لمولانا إن الانتخابات جرت في جو من الحرية التامة والحياد المطلق…»، ثم سألته عن رأيه في الخطوة التالية وهو يعلم أن الملك لا يرضي بالنحاس باشا رئيسا للحكومة، فقال: «حاولوا مع سراج الدين..».
«بعد عرض هذه الإجابة علي مسامع الملك لم يهدأ باله في تلك الليلة واتصل بي في الساعة الثالثة صباحا عن طريق التليفون المباشر يستطلع رأيي في تعيين حسين سري باشا رئيسا للديوان، وقد أجبت علي الفور باستحسان الفكرة وقلت: «ليشاطرنا متاعب الحكم بعد الذي كان من أمر الانتخابات…»، وكلفني بالاتصال بسري باشا وعرض المنصب عليه».
(9)
وعلي كل الأحوال فإن النحاس لم يأل جهدًا ـ كعادته ـ في رعاية الملك فاروق ونصحه طيلة عهد وزارته الأخيرة، وقد كان هذا طبيعيًا ومتوقعًا من هذا الزعيم ذي القلب الأبيض والعقل الكبير.
وقد امتد الدور الذي أداه النحاس في هذه الفترة إلي علاقة الملك فاروق بوالدته وبعض شقيقاته، وفي هذا الميدان بذل النحاس جهودًا محمومة من أجل إنقاذ واجهة الأسرة الحاكمة، لكن رعونة فاروق فيما مضي من سنوات، كانت كفيلة بأن تحول بين النحاس وبين النجاح في هذه المهمة الحرجة.
ومن العجيب أن كريم ثابت نفسه لا ينسي حين يتحدث عما أسماه بتحسن العلاقة بين الملك والنحاس في عهد وزارة الوفد الأخيرة، أن يذكر أنه هو الذي تولي إقناع النحاس بالدور الذي لعبه في محاولة إثناء الملكة نازلي عن الخط الذي كانت قد سارت فيه بالفعل:
«وكان عليّ بعد ذلك أن أقنع النحاس بأن يأخذ علي عاتقه مهمة معالجة هذه المشكلة فتدرك «الملكة» نازلي أن الملك والوزارة متحدان في موقفهما منها ومن مشروع هذا الزواج، وأن الحكومة متضامنة مع الملك تري رأيه وتشاطره استهجانه واستنكاره».
وبعد أن يروي كريم ثابت تفاصيل الجهود التي قام بها النحاس باشا مع الملكة نازلي يخلص إلي أنه ينبهنا من طرف خفي إلي أنه كان صاحب الفضل في تحسين علاقة الرجلين في فترة لم تتجاوز أربعة أشهر:
«وهكذا عرف النحاس، في خلال أربعة أشهر، كيف يحول شعور فاروق نحوه تحويلا تاما، فغدا في نظره الصديق الذي يستطيع أن يعتمد علي ولائه بعدما كان العدو الذي يتحتم عليه أن يحمي عرشه من خطره!».
ويقدم كريم ثابت مثلا بليغا يصور به الانقلاب الذي حدث في علاقة الملك والنحاس حين دعا الملك رئيس وزرائه إلي الركوب معه في إبريل ١٩٥٠:
«فعند هذا الضريح وقف فاروق في يوم ٩ أكتوبر ١٩٤٤ «ليخبر والده أنه طرد النحاس من الحكم في اليوم السابق»، كما قال لبعض رجاله عند عودته إلي القصر!».
«وعند هذا الضريح نفسه أمر فاروق في يوم 26 إبريل سنة ١٩٥٠ بدعوة النحاس إلي الركوب بمعيته تحية له وتكريما».
(10)
علي أن علاقات الود بين الملك والنحاس في وزارة الوفد الأخيرة لم تدم كثيرًا، وإن لم تصل إلي درجات عنف شديدة، وربما نجد مثلًا معبرًا عن طبيعة هذه العلاقة فيما يرويه حسن يوسف في مذكراته عن ردود فعل النحاس باشا تجاه تعيين حافظ عفيفي رئيسا للديوان الملكي في ديسمبر ١٩٥١، وقد كان رد الفعل ثلاثي الأطوار، فحين أنهي حسن يوسف إلي النحاس النبأ كان رد فعله الفوري أنه مستقيل، وبعد يوم تداول فيه الرأي مع مساعديه رأي الاستمرار، ولما زاره حافظ عفيفي مجاملا رد له الزيارة في اليوم التالي.
وها هو حسن يوسف يسجل لنا ذكرياته الجميلة عن هذه الأطوار الثلاثة، وهي ذكرياتٌ تدل علي ما كان النحاس يتمتع به من سجايا حميدة متعددة ما بين التعبير التلقائي عن المشاعر، ثم الأخذ برأي الجماعة، ثم الالتزام بحدود اللياقة الاجتماعية:
«…. عقب صدور الأمر بتعيين حافظ باشا استأذنت في إبلاغه إلي رئيس الحكومة فقال الملك: «لماذا؟» فأجبته بأن هذا هو ما تقضي به التقاليد الدستورية، وبعد تردد أبدي موافقته».
«اتصلت علي الفور بالنحاس باشا في منزله وأبلغته أمر التعيين فقال: «هذا مستحيل.. أنا مستقيل..»، وفي اليوم التالي تفضل بالاتصال بي في مكتبي عن طريق التليفون المباشر بيننا، وقال: «أخبرتك بالأمس أني مستقيل ولكن بعد التشاور مع إخواننا هنا قررنا الاستمرار والكفاح».
«… سألني حافظ باشا (عفيفي) عمن يبدأ بالزيارة؟ (دار الحديث في الفترة التي أعقبت تعيين حافظ عفيفي رئيسا للديوان الملكي) رئيس الديوان أو رئيس الوزارة؟ قلت: إني لست خبيرا في شئون المراسم والبروتوكول، فهي من اختصاص ديوان كبير الأمناء.. ولكن المفروض دستوريا أن رئيس الوزراء يشارك في استصدار الأمر الملكي الخاص بتعيين رئيس الديوان.. وسواء كانت المشاركة صراحة أو ضمنا، فإنها تعتبر موافقة منه تستوجب الشكر له».
«وتوجه حافظ باشا إلي رياسة مجلس الوزراء وقابل النحاس باشا، وفي اليوم التالي (26 ديسمبر) قدم النحاس باشا إلي القصر ورد له الزيارة».
«وجاء النحاس باشا يرد الزيارة لرئيس الديوان يوم 26 ديسمبر ثم تفضل بزيارتي في مكتبي وقال: إنه بعد أن هم بمغادرة القصر ذكرني بالخبر فعاد إلي التشريفات وصعد إلي مكتبي رغبة منه في مجاملتي، وتحدث طويلا في الشئون الجارية ثم حان موعد الصلاة فقام وتيمم وأدي فريضة الظهر».
«وكان الصحفيون في انتظاره وسأله مندوب «الأهرام» عن الحالة فقال: «إن الوزارة لم تقدم استقالتها.. وكل شيء حسن.. والله يوفقنا».
(11)
ويشير الدكتور رفعت السعيد إلي حقيقة مهمة وهي أن كريم ثابت باشا، وكان واحدا من أقرب المقربين من الملك، قد اعترف أمام محكمة الثورة بأن الملك قبل النحاس علي مضض، «لأنه مكنش عايزه، ولكن النحاس معاه الأغلبية، ومش ممكن ما يجيش، لكنه قبل النحاس علي مضض، لأنه كان بيسمع أن النحاس حاييجي يقلل من سلطته».
«… أما حسين سري باشا فيعترف في شهادته أمام نفس المحكمة بأن الملك ذعر من نتيجة الانتخابات، ومن مجيء النحاس وقال: الملك السابق كان يعتقد أن مجيء الوفد الحكم حيبقي صعب عليه، وحتبقي تحصل مشادات بينه وبين رجاله، فطلب مني أن أكون رئيس ديوان وقال لي: أنت السبب لأنك في الانتخابات اللي عملتها كنت رئيس حكومة رجعت الأغلبية الوفدية، ودول حاييجو يعاكسوني، فأنا عاوزك تيجي رئيس ديوان علشان تتقبل الصدمات».
(12)
وقد روي حسين سري قصة الخلاف حول دخول طه حسين الوزارة، (في شهادته أمام محكمة الثورة أثناء محاكمة كريم ثابت) فقال إنه لما طُلب من النحاس تأليف الوزارة عرض عليّ بعض الأسماء، وكان من بينهم طه حسين، بعضهم استبعدته بموافقة النحاس، وقلت للنحاس بلاش طه حسين لأنهم في السراي بيقولوا عنه إن أفكاره يسارية، فقال: ده أهمهم، فقلت له: أنت متشدد فيه؟ فرد عليّ بأن ده أهم واحد عندي، إنشالله تشطب الكل أنا مستعد أتنازل عن كل الوزراء ما عدا طه حسين، فقلت للملك: آدي الكشف واللي بيتشدد فيه النحاس قوي طه حسين، فقال مستحيل ده راجل أفكاره يسارية، قل للنحاس إني مش عاوزه، ولكن النحاس زي ما قلت قال إنه مستعد أن يتنازل عن كل الوزراء إلا طه حسين».
«وكان النحاس مصمما علي أن يستمر وحتي النهاية في تلقين المزيد من الدروس للملك، ومصمما علي الاستمرار في تحديه هو والاحتلال الإنجليزي».
(13)
ومن الإنصاف أن نشير إلي أن النحاس باشا والوفد معه قد وقفا أكثر من موقف معتدل في أثناء الوزارة الوفدية الأخيرة، وقد كان أشهر هذه المواقف علي المستوي الحزبي ذلك الموقف الذي اتخذه النحاس من عريضة المعارضة الشهيرة في عام 1951.
ويعبر حسن يوسف بوضوح عن إعجابه بما يصفه بأنه الموقف الحكيم الذي وقفته وزارة الوفد الأخيرة تجاه عريضة المعارضة، وهو يقول في هذا المعني:
«… وكان هذا تصرفا حكيما من الوزارة لأنها رأت أن في تقديم ست عشرة شخصية إلي المحاكمة بتهمة العيب في الذات الملكية، من بينهم رئيس سابق لمجلس الشيوخ ورئيس سابق للوزارة، فضلا عن رياسته للديوان، وأربعة عشر وزيرا، وإجراء تحقيقات معهم وما يترتب علي ذلك من الإدلاء بأقوالهم دفاعا عن أنفسهم، ما لا يتفق مع هيبة الملك وكرامة الجالس علي العرش، وقد أقر الملك هذا الرأي ومرت الأزمة بسلام».
* * *
ويواصل حسن يوسف مديحه لسياسة الوفد في وزارته الأخيرة مركزًا علي هذه الجزئية فيقول:
«وإن دلّ هذا علي شيء فإنما يدل علي أن الأمور يمكن أن تساس بالهدوء والروية بين القصر والوزارة طالما ابتعد عنها غير المسئولين من حاشية الملك ومَنْ لهم صالح شخصي في أمر من أمور الدولة».
(14)
وفي رأيي أن أكثر مشكلات النحاس في وزارته الأخيرة كان هو التوسع في الفئات التي اختار منها وزرائه، وهو التوسع الذي بدا ديموقراطيًا أو شعبويًا لكنه من ناحية السياسة والعمل التنفيذي كان أقرب إلي التدمير، ونحن نعرف مدي معاناة النحاس باشا من زكي عبد المتعال وزير المالية الذي سرعان ما انفصل عن الوفد، ثم كان هو نفسه قاسمًا مشتركًا في الوزارات التي خلفت وزارة الوفد، فقد عمل وزيرًا مع علي ماهر، وعمل وزيرًا مع أحمد نجيب الهلالي، وقد عاني الرجلان منه علي نحو ما عاني النحاس.
كذلك فقد عاني النحاس باشا من عبد اللطيف محمود وما نسب إليه ونحن نراه فيما روي عنه من مذكرات يصرح بأن ذلك الوزير كان أكبر غلطة في اختياراته!!
ولم يكن الدكتور أحمد حسين هو الآخر بعيدًا عن دائرة القلق والإقلاق لجماعة سياسية عرفت بالالتزام واحترام الزعامة.
وهذه فقرة من المذكرات التي رواها الأستاذ محمد كامل البنا يتحدث فيها النحاس باشا عن معاناته من زكي عبد المتعال:
«كان اختيار زكي عبد المتعال وزيرًا للمالية اختيارًا غير موفق وعمت الشكوي منه، فنصحته أكثر من مرة فلم ينتصح فلم أجد بدًا من أن أعفيه من منصبه، وطالبت بأن يرشح لوزارة المالية شخصية اقتصادية لها وزنها ولها سمعتها النظيفة، ورشحنا عبد الجليل العمري فاعتذر، وحسين فهمي فاعتذر، وعرض عليّ أسماء عدة أشخاص آخرين فلم أجد فيهم الكفاءة لتولي المنصب، وأخيرًا عرض عليّ فؤاد سراج الدين أن يتولي وزارة المالية مع وزارة الداخلية، فقلت له إن أعمال الوزارتين كثيرة ولا تستطيع أن تقوم بها، قال سأختار إلي جانبي الأشخاص المتخصصين المنتجين ولم نجد بدًا من الموافقة وتولاها وأنا أتوجس خيفة من أن يفشل في إدارتها، ولكنه أظهر كفاءة ودراية كانت موضع إعجاب الجميع، ولم تلهه الداخلية عن المالية ولا المالية عن الداخلية».
…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….
…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….
ومما يجدر بنا ذكره في هذا المقام أن الوفد حين طُلب منه في أول عهد الثورة تطهير صفوفه من بعض من شابت تصرفاتهم بعض الشبهات وضع علي رأس هذه القائمة ثلاثة من أعضاء هذه الوزارة الأخيرة وهم: حامد زكي، وعبد اللطيف محمود، وحسين الجندي.
أما الثورة نفسها (أي ثورة 23 يوليو) فقد تكفلت بعقاب محمد زكي عبد المتعال، وبإرهاق الدكتور أحمد حسين، وذلك علي الرغم من ترحيبها الشديد بمن كانوا ينتقصون من قيمة الوفد.
(15)
ونأتي إلي قصة قضية الوثائق المزورة، وقد كانت هذه القضية بمثابة مؤامرة طريفة (وضعيفة أيضًا) حدثت وقائعها في سنة 1951 حيث اندفعت إحدي الصحف فقدمت عدة وثائق إلي الدكتور محمد حسين هيكل باشا رئيس حزب الأحرار الدستوريين ولم تكن هذه الوثائق (المزعومة!!) إلا عدة رسائل (مزورة) متبادلة بين مصطفي النحاس رئيس الوفد المصري وبين الاتحاد السوفيتي، فرفعها هيكل باشا علي الفور إلي جلالة الملك فاروق وأخذت صحف أحزاب الأقلية تتباري في نشر هذه الوثائق هادفة بذلك التشهير بالوفد وبمصطفي النحاس ووزارة الوفد للنيل من وطنية مصطفي النحاس والوفد، وأنهم يعملون لحساب الشيوعية العالمية.
وقد أحال الملك فاروق هذه الوثائق إلي النحاس باشا، وبمجرد اطلاع النحاس باشا عليها اكتشف تزويرها فأحالها علي الفور إلي النائب العمومي الأستاذ عبد الرحيم غنيم لإجراء التحقيق فيها، وقد اكتشف النائب العام تزويرها واعترف المزورون بجريمتهم، وأحيلوا إلي محكمة الجنح التي قضت علي كل منهم بعقوبة الحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنوات.
(16)
ومع أن علاقة النحاس بالملك لم تخل من تصاعد درجات الاختلاف، فإن هذه العلاقة وصلت إلي أقصي درجات الشد والجذب في نهاية عهد وزارة الوفد الأخيرة، وقد كان من أكثر مواقف النحاس حدة اتهامه للملك شخصيا علي الملأ بتدبير محاولة اغتياله (1948)، وذلك عقب نجاته منها، ثم جاء علي هذا النحو موقفه الشهير من الملك في حفل الغداء (نوڤمبر ١٩٥١) حين لمح الملك بنوع من السخرية أو الشماتة إلي استقالة أحمد نجيب الهلالي من الوفد، فثار النحاس في وجهه ثورة عارمة.
يروي علي سلامة هذه الواقعة علي النحو التالي:
«قال الملك ضاحكا: «الوفد كش يا رفعة الباشا».. فرد النحاس باشا علي الملك غاضبا ضاربا بقبضة يده المائدة ضربة قوية اهتزت لها كل الأواني التي عليها قائلا: «الوفد ما كشش.. دا الوفد تطهر من القذارة»، ثم كررها أكثر من مرة».
«وعلي إثرها ساد الجو صمت رهيب ووجوم من الجميع قطعه الملك قائلا: «إنني أقول هذا يا رفعة الباشا من قبيل المداعبة»، فرد عليه النحاس باشا جادا غاضبا: «لا.. الحاجات دي ما فيهاش هزار».
(17)
وقد وصل الأمر بخصوم الوفد أن دللوا علي ضعف وزارته الأخيرة في مواجهة الملك فاروق بما كان من تأدية أحد وزرائها اليمين القانونية كوزير أمام الملك في خارج البلاد، ووصلت المبالغة إلي القول بأن الوزير أدي اليمين حيث كان الملك يمارس فجوره في كابري.. ومن الإنصاف لتاريخنا أن نذكر الحقيقة، وهي أن هذا الوزير أدي اليمين علي اليخت «فخر البحار»، ولم يكن في أداء الوزير اليمين مصلحة للملك في شيء، وإنما كانت المصلحة لمصر وللوفد، وقد أصبح هذا الوزير أحد أعمدة الوفد في الفترة التي تلت أدائه اليمين وقيامه بمسئولياته.. وليس أدل من كفاءة هذا الوزير وإفادته للوفد مما شهد به الرئيس السادات نفسه في حق هذا الرجل، وهي شهادة تنطق بالخوف من قدرات عبد الفتاح حسن الفائقة.. وقد تدارسنا في كتابنا في رحاب العدالة ما أورده هذا الوزير بنفسه عن هذه الواقعة:
«وبعد ظهر يوم 19 يونيو 1951 اتصل بي فؤاد سراج الدين تليفونيا، ومررت به في فندق سان استيفانو بالإسكندرية حيث كان يقيم، وبادرني مهنئا، إذ تم إخطاره من لحظات بالموافقة علي تعييني وزير دولة، وذكر لي لأول مرة أنه طلب من رئيس الوزارة أن يسمح له بإجازة لمدة حوالي شهر ونصف شهر يقضيها في الخارج للعلاج فوافق، واقترح فؤاد سراج الدين أن يتولي رئيس الوزراء أعباء منصب وزير الداخلية، ولما رفض رئيس الوزراء الاقتراح المذكور، قدم فؤاد سراج الدين له اقتراحًا بديلًا هو تعييني وزير دولة لأتولي القيام بعمل وزير الداخلية في أثناء غيابه، فرحب مصطفي النحاس بذلك، وطلب من فؤاد سراج الدين اتخاذ ما يلزم من اتصالات وإجراءات».
«وقد عقبت ـ بعد شكري له ـ أن ممارستي لعملي وزيرا تستلزم أداء اليمين وإلا تعرضت تصرفاتي للبطلان، ولم يكن بد من أن أؤدي اليمين علي ظهر «فخر البحار» خارج البلاد، وكان الملك يبحر به ويرسو في ذلك الوقت في المياه الإيطالية عند جزيرة كابري، و«فخر البحار» مركب مصري يرفع علم البلاد، ويعتبر قانونا أرضا مصرية، أيا كانت المياه التي يرسو فيها، وكانت تحضرني حركة تعيينات مجلس الدولة منذ بدء إنشائه (في 15 سبتمبر 1946)، وحركة قضائية واسعة أهلية، وشرعية، ومختلطة وقعت جميع مراسيمها في 12 سبتمبر 1946 علي ظهر «فخر البحار» وهو يرسو في مياه خارجية (جزيرة رودس). كما أن الملك وقع كذلك، وفي التاريخ المذكور، مرسوما بتعديل وزاري ونشرت كل تلك المراسيم في الأهرام الصادر في يوم 13 سبتمبر 1946».
«وسافرت في 32 يونيو 1951 علي طائرة شركة مصر للطيران إلي روما، ومنها بالسيارة إلي نابولي حيث قضيت الليل، واستقليت في الصباح (24 يونيو 1951) مركبا صغيرا (قاربا) إلي كابري، حيث كان يرسو «فخر البحار»، وكنت أحمل الطربوش، ولكن قيل لي عند وصولي إن الملك أذن في أن أؤدي اليمين حاسر الرأس، وأديت اليمين في هذه الصورة بحضور د. محمد عبد العزيز بدر سفير مصر في روما، والدكتور حسين حسني سكرتير خاص الملك، الذي دعي للحضور وكان في لندن، وإكرام سيف النصر أحد رجال التشريفات، وانصرف هؤلاء من القاعة التي أديت فيها اليمين، وأذن لي الملك في الجلوس وطلب القهوة فقلت: هل يسمح بإعفائي لأني صائم؟ وكنا في رمضان، واستدرك الملك وأعفاني».
(18)
علي أن الجديد في علاقة النحاس بالملك فاروق في نهاية عهد الأخير كان هو أكتشاف النحاس لمدي تورط الملك في الفساد المالي، وهو ما تبين عنه القصة التالية التي حرصت مذكرات النحاس أن توردها:
«… حادثني الملك شخصيًا في أن بطريرك الروم الأرثوذكس في مصر ارتكب مخالفات خطيرة ضد الجالية وأنه يبدد الأموال المرصودة للصالح العام علي لذاته الشخصية، وطلب إليّ أن أقابل بعض مندوبي الجالية واتسلم منهم مظلمة أبني عليها عزل البطريرك وتعيين شخص يدعي (ريشار كرمي) وقدم لي العريضة التي وقعها هو وأربعة معه وتحدثت مع وكيل وزارة الشئون الدينية في شأن العريضة فأبدي أنه لا يستطيع أن ينظر فيها لأنه قبل أن يعود إلي العمل في الحكومة ترافع عن البطريرك في دعوي عزل رفعت من بعض رجال جاليته إلي المحكمة وحكمت فيها برفض طلب خصوم البطريرك، فأنا بحكم القانون ممنوع عن النظر في هذه المظلمة. فأحلتها إلي موظف آخر وناديته وأسررت إليه: إن الملك مهتم هذه المسألة ولست أدري لماذا؟ وأخذ الموظف العريضة وبحثها من جميع جهاتها وانتهي إلي رفضها وأن البطريرك سيظل بحكم القانون وشرط الواقف ناظرًا علي الوقف إلي أن يموت أو يعزل لسبب مناف لكرامة أو خلق، ولكن إلحاح الملك توالي وأنا أجيبه بأن المسألة قيد التحقيق، ولما ظل يكلمني كل يوم تقريبًا. اتصلت بالموظف استعجله النتيجة ولكن الموظف جاء إليّ وأخبرني أن المدعو (كرمي) يتردد عليه كل يوم وطلب منه أن يكتب مذكرة لصالح مقدمي الطلب وأنه عرض عليه مبلغ مائة ألف جنيه، ولما دهش من هذا العرض وأخذ يتناقش، علم أن خمسة أشخاص من الجالية هم نايف عماد التاجر المليونير، وريشار كرامي وشقيقه إدوار (وهو صديق حميم للملك يلعب معه القمار كل ليلة)، والشقيقان ميشيل وجورج لطف الله صاحبي قصر لطف الله قد اتفقوا مع الملك بواسطة صديقًا (إدوار) علي أن يعزل البطريرك ويعين هؤلاء الخمسة مكانه، وأن إيراد الوقف ثلاثة ملايين جنيه سنويًا سيدفع منها للملك كل عام نصف مليون ويأخذ كل واحد من أعضاء اللجنة نصف مليون كذلك، ويصرف الباقي علي الجالية، وهذا سر إلحاح الملك في إنهاء هذه المسألة علي جناح السرعة».
«لم أصدق الخبر لأول وهلة ولكن الموظف أكد لي أن هذه المعلومات مستقاة من ريشار كرمي وإنه لا زال يتردد عليه ويعرض عليه المبلغ المغري الذي عرضه مقابل أن يعد مذكرة مملوءة بالتهم للبطريرك ليقرها المجلس ويعد أمرًا ملكيًا بعزل البطريرك وتعيين الأشخاص المذكورين لجنة تشرف علي أوقاف الجالية وتوزعها بمعرفتها، دهشت لهذا الخبر وقلت للموظف دع العريضة وأهملها في مكتبك وسأتصرف».
«وكلمني الملك يلح في سرعة الإنجاز وأنا أراوغه وأطاوله حتي كان ذات يوم احتد في لهجته وطلب أن ينجز هذا الأمر بسرعة فلم أفعل وغضب الملك غضبًا شديدًا وعاتبني في أول مقابلة عتابًا طويلًا، وقلت له أهدئ من ثائرته أن المسألة قيد البحث والموظف الخاص الذي يعرف هذه الأشياء في إجازة، ولم يسكت الملك وينسيه هذه المسألة إلا موت صديقه (إدوار كومي) فجأة وهو يصعد إلي الطائرة في مطار بيروت وانتهي الأمر وطوي وألقي في سلةالمهملات والله عزيز ذو انتقام».
(19)
وربما تتمثل مؤامرات القصر وأعداء الحركة الوطنية علي النحاس باشا في وزارته الأخيرة أفضل ما تتمثل فيما كان من خروج الهلالي، ومحمد زكي عبد المتعال، وأحمد حسين علي الوفد، وهو خروج متناثر لم يأخذ صورة تجمع ولا صورة انشقاق صريح، ولهذا فإننا سننقل للقارئ بعض ما اخترناه مما يصور هذه المؤامرات.
وربما كان أهم حدث داخلي في الوفد في هذه الفترة هو تلك التسربات الانشقاقية التي بدأت تعلن عن نفسها علي استحياء خارجة ببعض رجال الوفد منه، ولعل أشهر هذه التسربات هو تسرب أحمد نجيب الهلالي وبدء دعوته إلي شيء جديد لم يكن محدد المعالم، بل ظل، وهذا هو الغريب، غير محدد المعالم، وإن كان قد استغل مهارته اللغوية والبلاغية بعد ذلك عندما تولي الوزارة بعد الوفد ورفع شعار «التطهير قبل التحرير».
ومع أن هذا التسرب لم يكن ذا شأن كبير في حد ذاته، ولم يظهر أثره علي الوفد في قليل ولا كثير، فإني أعتبره رغم محدوديته أخطر من انشقاق مكرم عبيد، ذلك أن انشقاق مكرم استنزف طاقة صاحبه، واستنفد موارده وتاريخه، في الهجوم علي النحاس باشا دون جدوي، أما انشقاق الهلالي فكان أكثر دهاء، وقد بذل طاقته في الهجوم علي فــؤاد سراج الدين وجيل الوفديين الجدد الذين لم يكونوا بالطبع بقوة النحاس، وهكذا ظهرت اتجاهات مشجعة علي التسريبات الوفدية المتتالية بكل ما يصاحبها من ضوضاء.
وفي هذا الإطار جاء خروج الدكتور أحمد حسين وزير الشئون الاجتماعية، وتفكيره في تأسيس حزب جديد، ثم انتهاؤه إلي حزب صغير جدا، ثم انتهاؤه الثاني سفيرا للثورة في أمريكا، ثم انتهاؤه الأخير عندما أحيل إلي التقاعد عندما قامت الوحدة مع سوريا بطريقة فظة تشبه ما يحدث مع موظف متوسط من موظفي الدولة.
وفي هذا الإطار أيضًا جاء انسلاخ زكي عبد المتعال عن وزارة الوفد بطريقة انقلابية تكاملت لها عناصر غير مشرفة علي الإطلاق.
وهكذا بدأت الصورة تتضح لجدوي الانشقاق علي الوفد إذا ما حدث علي مستوي أقل من الانسلاخ علي الزعامة النحاسية الضخمة العصية علي الشروخ، وهو أمر لم يكن في مصلحة الوفد في مستقبل الأيام عندما قامت الثورة ووجدت أقطاب هذه الانسلاخات والانقلابات جاهزين لها (ضد الوفد) بصورة أو أخري.
(20)
وفي الأدبيات التاريخية التي كتبت في عهد الثورة كثير من اللغط حول ازدهار نمط من الحرية غير المسئولة أو الحرية غير الحزبية وسيطرة هذا النمط علي بعض أداء وزارة النحاس الأخيرة (1950 ـ 1952)، ومع أن هذا الحديث يمكن أن يندرج تحت عنوان «ديمقراطية الوفد الداخلية» فإنه يمكن أيضًا أن يصور علي أنه مرآة لضعف سيطرة النحاس، ولضعف الالتزام الوفدي.
ونحن نري كريم ثابت شأنه شأن أمثاله من السياسيين الذين لم يلتحموا بالحركة الوطنية لا يجد ما يمنعه من أن يغمز في سوء تنظيم الوفد لوزارته الأخيرة، ومع أنه لا يحدد بالاسم من انتقدهم إلا أن وضوح فكرته تكاد تنبئنا عنهم:
«إن أمر الكلام في السياسة الخارجية لم يكن مع الأسف مقصورا علي وزير الخارجية وحده أو علي أعضاء اللجنة السياسية ـ إذا توسعنا في تفسير اختصاصها إلي أبعد مدي ـ بل إن بعضا من الوزراء الآخرين كان مولعا بالتحدث في السياسة الخارجية، وفي مجريات المباحثات، شغوفا بالاجتماع برجال السلك السياسي، وبوجه خاص سفيري بريطانيا وأمريكا، وأدرك السفير البريطاني ذلك، فكانا يتبادلان الرأي ويتبسطان في الحديث في المآدب التي تجمعهما، ولما أنس السفير البريطاني إلي اعتداله (يقصد اعتدال الوزير الذي أشار إليه بلفظ «البعض» وهو وزير آخر غير وزير الخارجية) عهد إليه (يقصد: طلب منه) في الوساطة لدي النحاس للعدول عن موضوع إلغاء المعاهدة».
«ونقل الوسيط رغبة السفير البريطاني إلي رئيس الوزارة في كلام عابر، فرد عليه النحاس بكلام مبهم حرصا علي ما كان ينتويه».
«وعلي أثر ذلك، أرسل الوسيط إلي السفير البريطاني خطابا باللغة الفرنسية ينهي إليه أنه قام بمهمته ونجح في وساطته!!».
(21)
ورأيي أن انشقاق مكرم الزاعق وقصير الأجل لم يكن يصل في قيمته الفعلية طويلة المدي إلي الانشقاق «الهادئ» الذي انشق به أحمد نجيب الهلالي فيما بعد عن النحاس، ولكن انشقاق مكرم كان مصحوبا بضجة إعلامية كبيرة تتناسب مع سمات مكرم وعقيدته في نفسه وقدراته الإعلامية والخطابية، أما الهلالي باشا فقد كان كما نعرف أطول نفسا وأبعد نظرا، وعلي حين لم ينل مكرم ما كان يطمح إليه من رئاسة الوزارة فقد جاءت هذه الرئاسة إلي الهلالي مرتين، وكانت قابلة للمجيء أكثر من هذا لو استمر العهد الملكي.
وعلي حين أفني مكرم جهوده في حصر ما اعتقد أنه ممارسات خاطئة، فقد كان الهلالي أذكي بكثير منه وقد بلور سياسته المناهضة للوفد، كما ذكرنا، في كلمة واحدة لها سحر وبريق هي «التطهير»، وتطورت هذه الكلمة بعد هذا إلي شعار جعل لها مكانة ووجاهة، وقد تصاعدت هذه المكانة والوجاهة إلي حد أن جعلت لكلمة التطهير أو لسياسة التطهير الأسبقية علي قضية الاستقلال الوطني، فأصبح هناك من ينادي دون خوف أو وجل: التطهير قبل التحرير.
وجاءت الثورة لتمارس اللعب علي هذه السياسة التي ابتدعها الهلالي بعدما مهد لها الأرض.. وهكذا تفوق الهلالي في انشقاقه «الفردي» علي مكرم عبيد تفوقا ساحقا.
(22)
وقد حظي أحمد نجيب الهلالي من إبراهيم فرج بانتقاد شديد لسلوكه السياسي، وهو مع هذا ينصف هذا الرجل في قدراته وذكائه، ويعترف بأن الوفد أفاد منه في البداية إفادة كبيرة، وهو يشرح تاريخه السياسي في مراحله المختلفة فيقول:
«الهلالي باشا لم يكن وفديا في يوم من الأيام إلي ما قبل وزارة توفيق نسيم عام 1934 التي اختير وزيرا للمعارف فيها. وقبل هذا كان أقرب إلي خصوم الوفد ولم يكن الوفد ينجو من لسانه ونكاته اللاذعة كما كان يبلغنا. والهلالي باشا في غاية الذكاء. ولا أنكر كفايته الممتازة وعقليته الصافية حقًّا. سمع من توفيق نسيم ـ كما علمت ـ أن نجيب الهلالي هذا ينتظره مستقبل باهر، وأنه كفاءة مصرية ممتازة. ويظهر أن هذه العبارات التي قيلت له من توفيق نسيم علي سبيل المجاملة والتحية رسخت في ذهنه وأنشأت له طموحات واسعة.. فبدأ يتقرب إلي الوفد.. وفي الوقت نفسه كان الهلالي باشا خصما للنقراشي، ولم يكن يستريح له هو وأحمد ماهر باشا. ولما حدث الانشقاق في الوفد وخرج النقراشي وأحمد ماهر، ادعي أنه وفدي، وأن ما كان يحول بينه وبين الانضمام للوفد هو وجود النقراشي وأحمد ماهر، والآن خلا له الجو وانضم للوفد».
«ولما شكلت وزارة النحاس باشا في عام ١٩٣٧ بعد تولي الملك فاروق سلطته الدستورية، اختاره النحاس وزيرا للمعارف وضمه لعضوية الوفد ـ وهو أعلي هيئة في الحزب ـ في التعديل الوزاري الذي أجري في سبتمبر (يقصد أغسطس) ١٩٣٧. وكان كاتبا لامعا ووفديا ظاهر الحماس. والوفد في البداية كسب بانضمامه كسبا كبيرا. ومضت السنوات.. وكان الامتحان من ١٩٣٧ ـ ١٩٤٢ في صفوف الوفد قد أسفر عن نجاحه نجاحا كبيرا في خدمة الوفد والتقرب من رئيسه، وفي تقديم كل ما يمكن أن يقدم من رجل مثقف وواسع الكفاءة مثله، إلي أن جاءت سنة ١٩٤٢ فاختير وزيرا للمعارف وكان له القدح المعلي في كل البيانات السياسية وفي الرد علي التهم التي تناولها «الكتاب الأسود»، وكان أسلوبه الفكه يحبب فيه الناس».
…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….
…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….
وربما كان من حق القارئ علينا أن نشير عليه بإعادة قراءة الفقرة (15) من هذا الفصل، حيث نري طبيعة الحوار الذي دار بين الملك والنحاس باشا حول خروج الهلالي من الوفد.
(23)
وننقل عن إبراهيم فرج ما يتصور أنه كان بمثابة التطورات التي باعدت بين الهلالي والوفد، وسنجد الهلالي مدانا فيها من وجهة نظر إبراهيم فرج الذي لم يحاول أن يلتمس له أي عذر حقيقي، أو حتي مصطنع:
«وفي عام ١٩٤٩ بلغ النحاس باشا السبعين عاما، وللأسف بدأ التطلع إلي خلافته، وبدأت المطامع تلعب برأس نجيب الهلالي الذي يعتبر نفسه أكفأ شخصية في الوفد ـ في نظره ـ علي الرغم من أن الوفد كان يضم في ذلك الحين أساطين في السياسة والقضاء والقانون وفي التجربة السياسية وفي الأقدمية. إنما بدأت تسكره الآمال والمطامع في خلافة النحاس باشا. وفي الوقت نفسه كان يري أن الشقة بين النحاس والملك عميقة بعيدة، وأن النحاس سيصل في نهاية المطاف إلي أن يكتفي برئاسة مجلس النواب أو بشيء من هذا القبيل ويترك السبيل لغيره من أعضاء الوفد لكي يتولي الوزارة. وأخذ يعمل لهذا من وراء الستار ـ وهو ما انكشف فيما بعد ـ وجاءت وزارة الوفد عام 1950، فعرض عليه النحاس باشا الاشتراك في الوزارة فاعتذر، فعرض عليه أن يختار ما يشاء من الوزارات فأصر علي الاعتذار، كما اعتذر أيضًا عن قبول عضوية مجلس الشيوخ. وهو ما كان النحاس باشا ينوي عمله عندما تخلو بعض المقاعد».
«وكان يحتج بأنه عندما أقيلت وزارة الوفد في ٨ أكتوبر سنة ١٩٤٤ أقسم يمينا خطيرة ـ يقصد يمين الطلاق ـ أنه لا يمكن أن يدخل سراي عابدين بأي صورة وبأي ثمن، ولو عين وزيرا أو عضوا في مجلس الشيوخ فسيكون من واجباته أن يقابل الملك ويسلم عليه، وقال إني أرفض أن سيارتي تطأ فناء قصر عابدين».
«وسأقول لك سرا.. وهو أن الهلالي باشا عندما اعتذر عن قبول الوزارة، رشح طه حسين علي أساس أنه كان مستشارا لوزارة المعارف عام ١٩٤٢ ويعرف سياسة الوفد وخطته في شئون التعليم، وشارك في تنفيذها، وبالتالي فهو قادر علي مواصلتها.. وعلي الرغم من أن النحاس باشا كان يعرف أن الملك غير راض عن طه حسين، فإنه وافق علي تعيينه وزيرا للمعارف عملا بمشورة الهلالي باشا وترضية له، ولأن طه حسين مكسب بلا شك، وهذا سر اختيار طه حسين وزيرا للمعارف في وزارة الوفد 1950 ـ ١٩٥٢».
«أكثر من هذا عندما شكلت الوزارة في 12 يناير سنة ١٩٥٠، شكلت لجنة صغيرة لإعداد خطاب العرش، مكونة من عبد الفتاح الطويل باشا، ومحمد صلاح الدين باشا وطه حسين وأنا، ورأي النحاس باشا أن نجتمع في بيت الهلالي لإعداد الخطاب الذي اشترك في تدبيجه».
«المهم أن هذا يبين لك إلي أي حد كان النحاس باشا صافي النية تماما من ناحية الهلالي باشا والحرص علي وجوده معه، أو يبين لك من ناحية ثانية إلي أي حد كان الهلالي يرفض الوزارة لغرض في نفس يعقوب.. وفي ١٩٥١ بدأ يبتدع أن تليفونه مراقب ويثير المشاكل بينه وبين فـؤاد سراج الدين، وفـؤاد باشا بلباقته وسياسته كان يتجنب هذا ويفسره له مرة مباشرة.. ومرة عن طريق وسطاء.. ويكذب له هذا.. ويعمل علي أن يستبقيه ويستبقي الود معه.. لكن مطامع الهلالي باشا كانت أكبر من هذه المحاولات».
«وبعد أن أقيلت وزارة الوفد في يناير عام ١٩٥٢، وتعين علي ماهر باشا رئيسا للوزارة لمدة بسيطة، إذا بنا نفاجأ بأن الهلالي باشا مرشح لرئاسة الوزارة.. وإذا بنا نتبين أن الرجل كان علي صلة بالقصر، وأنه هو الذي نصح بأن يأتوا بعلي ماهر في الأول بل اتضح لنا أن الملك فاروق استشاره بعد إعلان النحاس باشا إلغاء معاهدة سنة ١٩٣٦ في ٨ أكتوبر ١٩٥١، وهل يوقع علي الإلغاء أم لا. فالهلالي باشا نصحه بالتوقيع لأن البلد معبأة تماما تأييدا لإلغاء المعاهدة. وإذا لم يوقع سيعطي الحكومة فرصة للانتصار عليه وسيتأثر شعبيا إلي حد كبير. وبعد إلغاء المعاهدة يفعل الله ما يشاء، وسيكون بإمكانه العثور علي فرصة لإقالة الوزارة، وكان الوسيط بينهما هو حافظ عفيفي باشا رئيس الديوان الملكي وإلياس أندراوس، فحافظ عفيفي سأله إن كان يقبل تأليف الوزارة؟ فقال له: لا، خذوا علي ماهر ثم أتولاها أنا».
(24)
ويكاد إبراهيم فرج يؤكد علي معني أن الهلالي خرج من الوفد لأنه وجد أنه لن يستطيع منافسة فــؤاد سراج الدين وبالتالي أدرك عدم جدوي الاستمرار في الوفد في تحقيق طموحه السياسي إلي رئاسة الوزارة:
«… وجد (أي الهلالي) أنه لا يستطيع منافسة سراج الدين، في قدرته وشعبيته وصلته الحميمة بالنحاس باشا، ومعالجته أمور الوفد باقتدار عظيم خاصة إدارته لعمليات الانتخابات في أواخر عام ١٩٤٩، وما تبين من شدة ولائه للنحاس باشا، وبالغ حرصه علي زعامته وقيادته. وهكذا أيقن الهلالي باشا عبث الاستمرار في الوفد».
* * *
هل لنا أن نعلق علي ما يرويه إبراهيم فرج بأنه علي هذا النحو وفي إطار التفكير قصير النظر فقد نجح الهلالي في تحقيق غايته بالوصول إلي رئاسة الوزارة، علي حين لم يصل إليها سراج الدين.
(25)
وننتقل مع النحاس في وزارته الأخيرة إلي إلغاء معاهدة 1936 والثورة الشعبية التي أعقبت هذا الإلغاء.
وتحفل أدبياتنا التاريخية بتصوير الطبيعة الوطنية والشعبية لثورة مصر في 1951 ضد الاحتلال البريطاني وهي الثورة التي تم تجاهلها عمدًا في ظل الحديث عن الثورة اللاحقة في 1952، ولم يحدث في الحقبة الليبرالية أن التحم الشعب مع حكومته الوطنية علي نحو ما حدث في 1951، وقد فاق هذا الالتحام ما حدث بعد ذلك في فترات الحروب التي خاضتها مصر في عهد الثورة، وقد أثبتت هذه الثورة قدرة الوفد المتجددة علي قيادة الجماهير كما عززت الزعامة التاريخية للنحاس. وفضلًا عن هذا وذاك فإنها جددت الأمل في حل المشكلات الإدارية والتنموية الكبري بإجراءات ثورية وروح قادرة علي الحسم واتخاذ القرار الكبير، وربما يدلنا علي بعض هذه المعاني هذه الفقرة التي ننقلها من المذكرات التي سجلها الأستاذ محمد كامل البنا عن النحاس باشا:
«… وهنا أعلن الوفد وأعلنت الحكومة تعبئة الحماهير وأصدرت القوانين والتشريعات بمعاقبة كل مَنْ يتعامل مع القوات البريطانية بالسجن، وعبأت وسائل الإعلام في الصحف والإذاعة حتي التهبت حماسة الشعب وأصبح بكل طبقاته شعلة من نار تحرق جيش الاحتلال وتقض مضجع قواته المجتمعة في القنال، وتحمس العمال المصريون وبرهنوا علي حبهم لوطنهم وتضحيتهم في سبيل استقلالهم وحريتهم، وترتب علي هذا أن تعطل عن العمل نحو خمسين ألف عامل كانوا يشتغلون في القاعدة وتركوها غير آسفين فأمرت بالحال وزير الشئون الاجتماعية بإصدار تشريعات صرف مرتبات هؤلاء العمال بالكامل وتهيئة الفرصة سريعًا لإلحاق من تعطل منهم بعمل جديد».
«وأسقط في يد بريطانيا فقد رأت مصالحها معطلة في القنال، إذ تجمع أكثر من عشرين باخرة بريطانية محملة بالبضائع تنتظر من يفرغ شحنتها».
«ولم نكتف بهذا بل أصدر وزير المواصلات قرارًا بمنع السكة الحديد من نقل أي شيء إلي القاعدة البريطانية سواء كانت مهمات أو بضائع وأصدرنا علي وجه السرعة تشريعًا بمعاقبة أي مصري يتعاون مع القوات البريطانية بالسجن، ومنعنا حركة النقل البري والبحري إلي تلك القاعدة فأوصدنا أمامها كل باب وتركناها منعزلة كل الانعزال عن الحياة الاجتماعية التي قال عنها سفيرهم إنها ضرورة لازمة للجنود وأنها أحد الأسباب التي يفضلون بها قاعدة قناة السويس علي غيرها من القواعد الأخري، وضيقنا عليهم الخناق فأصبحت المدن التي يحتلونها كأنها خارج حدود مصر».
«ولم نقف عند هذا الحد، بل شجعنا الفدائيين بجميع وسائل التشجيع وسلحناهم بأحسن أسلحة لدينا ومهدنا لهم السبيل ليذهبوا إلي القاعدة ويهاجموا الجنود في معاقلهم، وحرض وزير الداخلية ضباط البوليس علي الكفاح ضد القوات الأجنبية فارتدي عدد كبير منها الملابس المدنية وتسلح تسليحًا تامًا ودخل وسط المعمعة مع الفدائيين والمجاهدين جنبًا إلي جنب، كل هذا إلي جانب حرب العصابات التي كانت تُشن علي القاعدة البريطانية بين ساعة وأخري، واحتطنا حتي لا ينفد السلاح الذي لدي قوات البوليس فاشترينا أسلحة من كثير من أهالي الصعيد سلحنا بها المقاتلين من جميع النواحي، وأخذنا الحيطة أكثر فاتصلنا بسفراء الاتحاد السوفياتي وتشيوسلوفاكيا ويوغسلافيا وهي كلها بلاد اشتراكية معادية لإنجلترا، وطلبنا أن نشتري منها أسلحة».
«وأرادت بريطانيا أن تنتقم لقواتها التي حوصرت وأصبحت في حالة سيئة، وأرادت أن تنتقم من مصر فمنعت وصول المازوت من السويس المسيطرة عليها إلي القاهرة فاتصل وزير الخارجية ووزير الداخلية بسفير الولايات المتحدة فتدخل بدوره حتي عدلت القوات التي تحتل السويس عن منع تدفق المازوت، وأصدر وزير الداخلية بيانًا صريحًا لقوات البوليس أن تقاتل الإنجليز في الإسماعيلية مهما كان عدد القوات البريطانية وأسلحتها».
…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….
…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….
وسوف نناقش القضايا المتعلقة بإلغاء المعاهدة ومعقباتها في إطار حديثنا عن النحاس وقضية الاستقلال الوطني في فصل تالٍ.
(26)
ونأتي إلي حريق القاهرة، وقد ذهب الكثير من المؤرخين والمراقبين والسياسيين إلي القول بأن حريق القاهرة قد استهدف إقالة وزارة الوفد في المقام الأول، أو علي الأقل إظهارها في مظهر العاجز عن حفظ الأمن واستقرار النظام في الوطن، وهو تفكير شرير متكرر تستغله الديكتاتوريات في محاربة الديمقراطيات التي تفسح المجال للشعب للتعبير عن رؤاه وتطلعاته، وبخاصة إذا ما ارتبط هذا التعبير بالعمل علي إقلاق وجود محتل أجنبي أو مستعمر أو ذي نفوذ يستغل أرض الوطن أو خيراته.
ولم يكن هذا السيناريو غائبًا عن أذهان النحاس والساسة الوفديين حين فتحوا الباب علي مصراعيه أمام الكفاح المسلح ضد الوجود البريطاني في أعقاب إلغاء المعاهدة، وربما نجد دليلًا واضحًا علي وعي الوفديين بهذا النمط التآمري فيما أورده عبد الفتاح حسن من أدلة واضحة الدلالة تقدم بها إلي المحاكم العسكرية، ليثبت بكل وضوح أن الوفد كان ضحية لحادث حريق القاهرة ولم يكن هو (كنموذج لقيادات الوفد) مشاركًا فيه لا بالدفع ولا بالتحميس، علي نحو ما أرادت أجهزة القصر تصوير الأمر، ملقية عليه عبء تحريك الجماهير بخطبته الشهيرة في ذلك اليوم.
(27)
وقد كان ملخص شهادة عبد الفتاح حسن أمام المحكمة العسكرية العليا، كما أثبتها في مذكراته التي تدارسناها في كتابنا «في رحاب العدالة»:
«1 ـ إن الأيدي الأجنبية خاصة أعوانها ممن كان يطلق عليهم «إخوان الحرية» هي التي دبرت الحادث، وخططت له مستهدفة القضاء علي المد الثوري الشعبي، وإقالة وزارة الوفد من الحكم، والبطش بالأحرار، والتنكيل بالمناضلين، وكبت الحريات».
«2 ـ إن السراي الملكية تعاونت مع الأيدي الأجنبية لبلوغ تلك المآرب، لذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن تقام مأدبة في قصر عابدين ظهر يوم 26 يناير 1952 يدعي إليها فريق كبير من ضباط الجيش والبوليس، ولم يستثن مأمور قسم واحد من تلك الدعوة».
«3 ـ إن إهمالا جسيما وقع من بعض المسئولين عن الأمن العام ومن بعض قادة الجيش في ذلك الوقت، لتتفاقم الحالة وتشتد الحوادث، وتظهر حكومة الوفد بمظهر العاجز عن صيانة الأمن، ويتخذ من ذلك ستارا ظاهريا للإقالة، وهو ما تم فعلا».
«4 ـ إن أحمد حسين ليست له يد في تلك الحوادث».
«5 ـ إن إخوان الحرية (وهم المتحمسون لبريطانيا) كانوا سبب فتنة السويس، ولهذا حين عاد صاحب هذه الذكريات (أي عبد الفتاح حسن) من زيارته للسويس عرض علي مجلس الوزراء انطباعاته نتيجة تقصيه لتلك الفتنة اقتراحا بإغلاق نوادي تلك الجماعة في أنحاء البلاد، واستجاب مجلس الوزراء للاقتراح وأصدر قرارا بذلك».
(28)
وعلي كل الأحوال فقد تتابعت أحداث المقاومة الشعبية في قناة السويس، بعد إلغاء المعاهدة، علي نحو ما سنرويها في فصول تالية، وكان طبيعيًا أن ينتهز الملك فاروق حادث حريق القاهرة ليتخلص من النحاس باشا.
وهذا هو نص كتاب الملك فاروق بإقالة النحاس باشا بعد حريق القاهرة:
«حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفي النحاس باشا»
«إن أشد ما نحرص عليه ونعمل له، هو أن تنعم بلادنا العزيزة بحكم يحفظ سلامتها، ويرعي الأمن بين ربوعها، تسود فيه كلمة القانون، ويستتب معه النظام، وتتوافر في ظله طمأنينة الناس علي أرواحهم وأموالهم».
«ولقد أسفنا أشد الأسف لما أصيبت به العاصمة أمس من اضطرابات نتجت عنها خسائر في الأرواح والأموال، وسارت الأمور سيرا يدل علي أن جهد الوزارة التي ترأسونها قد قصر عن حفظ الأمن والنظام».
«لذلك رأينا إعفاءكم من منصبكم، وأصدرنا أمرنا هذا لمقامكم الرفيع، شاكرين لكم ولحضرات الوزراء زملائكم ما قمتم به مدة اضطلاعكم بأعباء مناصبكم».
«صدر بقصر عابدين في 29 ربيع الثاني 1371 (27 يناير ١٩٥٢)»
فـاروق
ولم يكن الملك فاروق يدري أنه بهذه الإقالة قد فتح علي نفسه الباب الذي سيخرجه من مملكته بعد قليل.
(29)
وقد روي صلاح الشاهد في مذكراته أن اسماعيل شيرين عندما اختير وزيرًا للحربية في اليوم السابق علي قيام الثورة حاول أن يقنع الملك فاروق بالكف عن محاولات الإنقاذ الفاشلة التي كان يشار عليه بها، وأن ينبهه إلي بوادر الانقلاب العسكري، وأن يقنعه باستدعاء النحاس من أوربا انقاذًا للعرش، لكن الحقد التقليدي عند الملك فاروق تجاه النحاس حال بينه وبين أن يستفيد من هذه النصيحة المخلصة التي جاءت في وقتها دون جدوي:
«… ولكن إسماعيل شيرين رفض أن يحلف اليمين وحاول أن يقبل يد الملك وقال والدموع في عينيه: يا مولاي.. أنا خادم العرش.. والعرش في خطر.. ولن ينقذ العرش سوي شخص واحد هو مصطفي النحاس».
«وأجفل الملك، لكن إسماعيل شيرين استمر يقول: يا مولاي.. نحن أمام بوادر انقلاب في الجيش، وسوف يطيح بالعرش وأنا مخلص لجلالتكم، وأطالبكم بإنقاذ العرش المفدي».
«كان إسماعيل شيرين صادقا في لهجته عندما أردف يقول: أرجو أن تعطيني الفرصة لإثبات ولائي لجلالتكم».
«ورد الملك: وكيف ذلك؟».
«أرجو أن تكلفني بأن أذهب علي ظهر طائرة خاصة لإحضار مصطفي النحاس باشا من أوربا في ساعات، وأنا كفيل بأن الشعب عندما يري زعيمه بين صفوفه سوف يهتف للعرش ولجلالتكم».
«وابتسم الملك».
«يا مولاي.. إنها فرصة، أرجو أن تغتنمها».
«وكان الملك مترددا، وكان يخشي سطوة النحاس باشا بين جماهير الشعب، وقبل الملك في النهاية، واستعد إسماعيل شيرين للسفر في آخر الأمر».
…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….
ثم يعقب صلاح الشاهد علي ما رواه بقوله:
«لكن الداهية حافظ عفيفي باشا (هكذا يصفه صلاح الشاهد) رئيس الديوان الملكي وقتئذ تدخل لدي الملك لمنع إسماعيل شيرين من تنفيذ اقتراحه.. وقال ساخرا: إن إسماعيل شيرين قليل التجربة في الحياة السياسية، وإنه شاب لم ينضج بعد، ولو دعي النحاس باشا لمثل هذا الأمر لشارك بنفسه في خلع الملك.. واقتنع الملك».
«وقامت الثورة التي انتهت بخلع الملك بعد ثلاثة أيام، وكأن إسماعيل شيرين كان يقرأ الغيب في كتاب مفتوح».
(30)
وقد وصل صلاح الشاهد إلي القول بما كان يعتقده من أن حافظ عفيفي دفع الملك والنظام إلي تشكيل وزاره الهلالي الأخيرة التي ضمت اسماعيل شرين وزيرًا للحربية تعجيلا بالثورة، بناء علي رغبة الولايات المتحدة الأمريكية، وأبعده عن الوضع الطبيعي المتمثل في عودة النحاس ومع أن صلاح الشاهد لا يفيض ولو قليلًا فيما لديه من معلومات عن هذه الجزئية، فإنه يلفت نظرنا إلي ما لم يلفت أحد آخر نظرنا إليه: ومن الواضح أن الشاهد، لسبب لسنا نعرفه، يأخذ من حافظ عفيفي موقفًا معاديا، وقد لاحظنا في كتابنا «في كواليس الملكية» أنه كان معاديا لحافظ عفيفي بصورة عميقة.
«وهنا تتحقق نبوءة مصطفي النحاس باشا الذي قال عندما تولي عفيفي باشا رئاسة الديوان الملكي أواخر سنة 1951: إن عفيفي باشا رجل الولايات المتحدة الأمريكية المرتقب».
«ويبدو أن حافظ عفيفي باشا أراد بإدخال إسماعيل شيرين بك وزيرا للحربية إثارة الخواطر وتهييج المشاعر علي الملك تعجيلا بثورة الجيش».
«وعين القائم مقام إسماعيل شيرين بك وزيرا للحربية بناء علي طلب الدكتور حافظ عفيفي باشا».
* * *
وهكذا انتهي عهد فاروق بينما هو بحقده علي النحاس يعارض في حل ذكي مخلص كان من الممكن أن ينقذ له عرشه مرة أخري.