زعيم الأمة مصطفى النحاس/ الفصل الرابع
الفصل الرابع
النحاس فيما قبل ثورة 1919
(1)
طغت صورة وطنية النحاس وزعامته علي صورة الطالب المتفوق، والمحامي الناجح، والقاضي العادل في شخصيته، ذلك أن حضور الزعيم والزعامة كان كافيا لأن يطغي علي كل حضور سابق لصاحب الزعامة!!
وقد لا نعرف أن النحاس كان الأول (أو قريبا من الأولية) في جميع مراحل التعليم، كما كان أول دفعته في كلية الحقوق.
وليس لأحد أن يتصور مدي ما كانت عناية الله تحوط به النحاس في مراحل تكوينه، فقد قيض الله له أحد الباشوات المتنورين ليكتشف ذكاءه وألمعيته في صباه وليتولي إلحاقه بالمدرسة الناصرية الابتدائية، ذلك أن الصبي مصطفي النحاس كان قد ألحق بمكتب التلغراف التابع لمحطة سكة حديد سمنود حتي يتدرب علي شغل وظيفة تلغرافجي في إحدي محطات السكة الحديد، وقد استطاع بذكائه أن يثبت نفسه في هذه الوظيفة خلال أسبوع واحد من عمله بها، وكان كل حظه من التعليم قبل هذا هو دراسته في كتّاب القرية وبعض المعرفة باللغة الفرنسية علي يد أحد الأساتذة الخصوصيين، فإذا به حين عمل في مكتب التلغراف يجيد إرسال واستقبال البرقيات وترجمتها علي نحو جيد وسريع.. وتصادف أن كان أحد الأثرياء المتنورين وهو صالح ثابت باشا عائدا من عزبته إلي القاهرة مرورًا بمحطة سمنود فاكتشف مدي ما كان عامل التلغراف هذا يحظي به من أداء متميز، وفي زيارته التالية لعزبته مارًّا بسمنود أيضًا استطاع ثابت باشا أن يقنع والد النحاس بإلحاقه بالمدرسة الابتدائية في القاهرة، وكتب للتوصية عليه رسالة إلي صديقه أمين سامي باشا ناظر المدرسة الناصرية، الذي سرعان ما اكتشف أن مستوي النحاس يسمح له بالالتحاق بالسنة الثالثة الابتدائية مباشرة مع الاستعانة بأحد مدرسي اللغة الفرنسية خلال الشهور الثلاثة التي كانت متبقية من العام الدراسي ١٨٩٠، وقد نجح النحاس في امتحان النقل للسنة الرابعة الابتدائية في جميع المواد بما فيها اللغة الفرنسية، وكان ترتيبه الأول، مما أهله للالتحاق بالقسم الداخلي بالمجان في العام الدراسي التالي، وهو العام الذي حصل فيه علي الابتدائية.
(2)
وبعد أن حصل النحاس علي الشهادة الابتدائية التحق بالمدرسة الخديوية الثانوية وقضي سنوات الدراسة الخمس متفوقا علي الدوام علما وخلقا، وفي أثناء دراسته وقع عليه الاختيار ليلتحق بالمدرسة الحربية قبل أن يستكمل الدراسة الثانوية، وكان صاحب هذه الفكرة هو اللورد كتشنر المندوب السامي البريطاني، ولكن النحاس رفض هذه الفكرة، ويروي أن المفتش الإنجليزي استدعاه ليقول له: «إن كل تلميذ يتعلم هنا بالمجان لا بد أن يلتحق بالمدرسة الحربية»، فما كان من مصطفي النحاس إلا أن رد عليه بقوله: «إنني لم أطلب المجانية عن فاقة، ولا سألتها عن عوز، ولكن ناظر المدرسة هو الذي شاءها لي ولأمثالي المتقدمين والمتفوقين مكافأة وجزاء وفاقا علي تقدمهم وتفوقهم».
(3)
وعلي مدي دراسته في مدرسة الحقوق (١٨٩٦ ـ ١٩٠٠) تمكن الطالب مصطفي النحاس من الحصول علي كل مكافآت التفوق التي كانت مرصودة في ذلك الوقت، ومن الواجب أن نشير إلي هذه المكافآت:
١ ـ مكافأة النبوغ في القانون المدني، وكان المتبرع بها السيد ماكلارايسي مستشار وزارة الحقانية (العدل).
٢ ـ مكافأة المرافعات التي كان يقدمها مستر برونيات (المستشار).
٣ ـ مكافأة الشريعة الإسلامية التي كان يقدمها الشيخ محمد زيد الأبياني.
٤ ـ مكافأة السلوك.. وهي سجادة صلاة وذلك تقديرا لما لوحظ من مواظبته علي الصلاة في أوقاتها داخل المدرسة.
وقد توج النحاس هذا التفوق المستمر في كلية الحقوق بحصوله علي الأولية علي المدرسة عند التخرج.
(4)
وعقب تخرجه في مدرسة الحقوق استطاع النحاس إقناع زملائه بعدم قبول التعيين في وظائف كاتب نيابة (بخمسة جنيهات) وقاد زملاءه إلي الحصول علي حقوقهم في التعيين كمساعدين للنيابة (بعشرة جنيهات شهريا)، ورغم هذا النجاح فإن النحاس كان قد اتخذ قراره المبكر بالانصراف عن العمل في وظائف النيابة إلي العمل بالمحاماة، واختار مكتب الزعيم الوطني الكبير محمد فريد بك ليعمل به، لكنه عندما اكتشف أن محمد فريد يسير علي سياسة لا تسمح للمحامين العاملين في مكتبه بالانفراد بالعمل لحسابهم الخاص، آثر الاستقلال بالعمل بعيدا عنه، وقال في هذا قولته المشهورة: «كيف لي أن أرفض قيود وظيفة حكومية، وفي الوقت نفسه أقبل قيود وظيفة أهلية».
(5)
لعل هذا يقودنا إلي الحديث عن عظمة النحاس في أدائه لمهمة المحاماة، ونبدأ بأن نشير إلي أنه كان في مرافعاته شجاعا إلي أبعد الحدود، وقد احتفظ بهذا الخلق في مرافعاته حتي بعد أن أصبح رجل دولة ووزيرا سابقا، وقد وصل به الأمر إلي أنه في مرافعته في قضية الاغتيالات السياسية المتهم فيها أحمد ماهر والنقراشي أعلن في ساحة المحكمة أنه يتهم الحكومة والنيابة العامة بالتآمر والتضليل وتلفيق التهم للأبرياء (ماهر والنقراشي) خدمة لأغراض الإنجليز.
وعلي الرغم من أن تقاليد المحاماة تُؤثر ألا يسأل المحامي المتهم عن حقيقة ارتكابه الجريمة من عدمه، كما لا تسمح للمحامي بأن يرفض معونة من طلب معونته، إلا أن النحاس باشا كان في أثناء ممارسته للمحاماة حريصا علي ألا يقبل قضية إلا عن اقتناع وعن توافق مع أخلاقه ومعتقداته، بل إنه كان يترك بعض القضايا بعد قبولها حين يكتشف اختلافها مع مبادئه.
وقد ظل النحاس مؤمنا بعمله الحر في المحاماة، ولما سنحت له الفرصة الذهبية بعد ثلاث سنوات من تخرجه ليكون قاضيا رفض المبدأ رفضا تاما علي الرغم مما فيه من تكريم مذهل لم يُرشح له إلا بفضل سمعته العظيمة في المحاماة، وهو المعني الذي نبهه له واعترف به له الرجل العظيم عبد الخالق ثروت باشا، وكان في ذلك الوقت مدير إدارة المحاكم في وزارة الحقانية، وظل النحاس متشبثا برأيه الرافض لهذه الفرصة الذهبية، لكن ثروت باشا تمكن من دفعه إلي القبول بطريقة ذكية، فقد طلب منه أن يرتب له اللقاء بوالده، وصدق حدس ثروت باشا فقد أقسم الوالد علي ولده بقبول منصب القضاء، وهكذا أصبح النحاس قاضيا وهو لا يزال في الرابعة والعشرين من عمره.
(6)
هكذا فإن مصطفي النحاس لم يعمل بالمحاماة سوي أربع سنوات، بدأت في مكتب الزعيم محمد فريد قبل أن يستقل بمكتب خاص به بمدينة المنصورة، فلما لفت أداؤه المبهر نظر عبد الخالق ثروت باشا مدير إدارة المحاكم بوزارة العدل رشحه للعمل بالقضاء حيث قضي خمسة عشر عاما في سلكه، لمع خلالها اسمه باعتباره قاضيا نزيها، حسن السمعة، صلبا في الحق، يدرس عمله بعناية، ويبدع في فهم القانون وتطبيقه، ويتمسك برأيه الذي توصل إليه، ويحرص كل الحرص علي كرامته.
(7)
وهكذا استمر النحاس باشا يعمل بالقضاء خمسة عشر عاما كانت كافية لصقل شخصيته، وتنمية معارفه بالحالة العامة للوطن، وبقضايا التنمية فيه، وبطبيعة النزاعات التجارية والمدنية، والعوامل المستترة وراءها.
قضي النحاس السنوات الأولي من عمله القضائي (1903 ـ 1908) في قنا وأسوان، وفي 1909 نقل إلي القاهرة، وقد كان صاحب قرار هذا النقل هو المستشار القضائي الإنجليزي لوزارة العدل، الذي أبدي إعجابه بأداء النحاس، ثم قضي السنوات (1909 ـ 1918) متنقلا ما بين القاهرة وطنطا.
وقد أصدر النحاس عددا من الأحكام القضائية المهمة في أثناء عمله القضائي، فهو أول من أصدر الحكم بعدم اكتساب ملكية الأوقاف الخيرية بالتقادم، وهو الحكم الذي اضطرت الدولة بسببه إلي الإسراع باستصدار تشريع يقضي بعدم اكتساب الملكية بالتقادم علي الأوقاف الخيرية.
كذلك فقد كان أول من أصدر حكما بثبوت الشخصية المعنوية لمجالس المديريات، رغم أن القانون المنظم لها وقتذاك لم يمنحها هذه الشخصية.. مما اضطر الحكومة إلي تعديل هذ القانون، وبفضل النحاس القاضي المجدد اكتسبت مجالس المديريات صفة الشخصية الاعتبارية بكل ما يترتب علي هذا من قوة موقفها في إجراءاتها وقراراتها المدنية.
وكان النحاس يتمتع منذ مرحلة مبكرة من حياته العامة بقدر كبير من المرونة الفكرية في آرائه، وذلك علي عكس ما هو شائع في ظاهر كتابات أنصاره وخصومه علي حد سواء، وكان يتمتع بفضيلة العودة إلي الصواب والاعتذار عن الخطأ. وقد حدث أنه قضي في إحدي الدعاوي بحبس المتهم مدة معينة، وبعد النطق بالحكم أدرك أنه أخطأ بتجاوزه الحد المقرر للعقوبة التي نص عليها القانون، فنظر إلي كاتب الجلسة في الحال وقال بلا تردد: «أثبت أيها الكاتب أن هذا الحكم خطأ ويجب علي النيابة أن تستأنفه».
(8)
وفي أثناء عمله القضائي تجلت فضائله الشخصية كما تجلت روحه المنصفة، ومما يذكر له أنه حكم علي مدير الغربية محمد محب باشا بالغرامة ولم يخل سبيله إلا بعد سدادها وذلك بسبب اعتداء المدير علي أحد المواطنين، الذي رفع جنحة مباشرة أمام محكمة طنطا.
وقد تجلي اعتزاز النحاس بشخصيته كقاض في قصة معروفة لأنها كانت أول فرصة احتكاك بينه وبين سعد زغلول باشا، الذي كان وزيرًا للحقانية (العدل) في ذلك الوقت، ذلك أن صالح حقي رئيس الدائرة، التي كان النحاس عضو الشمال فيها، كان يحكم في قضية فلما انتهت المداولات مال علي عضو اليمين وتحدث معه ثم مال علي عضو الشمال ـ الذي هو النحاس ـ وقال له في استخفاف (سنصدر حكما بكذا)، فقال مصطفي النحاس: «أنا لي رأي آخر.. ويجب أن ننتقل إلي غرفة المداولة». لكن حقي باشا رئيس الدائرة لم يستجب إلي طلب مصطفي النحاس عضو الشمال ونطق بالحكم. فما كان من مصطفي النحاس إلا أن قال لكاتب الجلسة بصوت عال وعلي مسمع ومرأي من جمهور المتقاضين وغيرهم من المواطنين الموجودين داخل قاعة المحكمة: «اكتب: لم يؤخذ برأي عضو الشمال في هذا الحكم»، وعلي إثر ذلك حدثت ضجة كبري داخل القاعة اضطر بعدها صالح حقي باشا إلي رفع الجلسة والانتقال إلي غرفة المداولة. فقد ترتب علي قولة القاضي مصطفي النحاس «بطلان الحكم».
ولم يجد صالح حقي باشا حلًّا إلا أن يشكو أمر مصطفي النحاس إلي وزير الحقانية سعد زغلول باشا، حينذاك استدعي سعد زغلول باشا مصطفي النحاس القاضي، وقد روي النحاس فيما بعد قصة مقابلته لسعد زغلول، ونحن بالطبع لا نسلم بكل ما يروي في مثل هذه القصة من تصوير للأمر، لكن رواية النحاس علي كل حال: معقولة متزنة، وظاهرها أنها لم تصدر عن انحياز لشخص صاحبها ولا لشخص زعيمه.
وهذه هي روايته:
«قابلت سعد باشا، فظهر لي بمظهر الجاد، الضائق بما حدث، ولم يسألني عما حدث، ولم أدافع عن نفسي، أو أبد وجهة نظري، وفجأة استغرق سعد زغلول في الضحك، ثم أتبع ذلك قائلا: اسمع.. أنا سعيد جدا لأنك وقفت هذا الموقف، أنا لما كنت قاضيًا مثلك كان الخلاف بيني وبين زملائي في غرفة المداولة يشتد ويصل أحيانا إلي حد التماسك بالأيدي، هذا الخلاف بيني وبينهم يقع دائما داخل غرفة المداولة بعيدا عن أعين المتقاضين علي خلاف حالكم، وقد نطق رئيس المحكمة بالحكم وأنتم في الجلسة، فهذه العلانية التي تمت بهذه الواقعة لا يد لك فيها ولست مسئولا عنها، لأنهم لم يمكنوك من دخول حجرة المداولة.. وشكرني سعد زغلول علي موقفي وقدم لي التهنئة لشجاعتي».
«ثم قال سعد: إن لديّ نصيحة أسديها إليك، هي ألا تكون عنيفا مع زملائك.. فقلت: إني لا أستطيع أن أكون لينا فيما أعتقد أنه حق وعدل».
ثم يضيف مصطفي النحاس:
«لقد كان الأثر الوحيد الذي ترتب علي هذا الحادث صدور قرار سعد زغلول باشا (وزير الحقانية) بنقلي قاضيا جزئيا، ويخطيء من يظن أن هذا النقل يعتبر من قبيل العقوبة، ولكن علي العكس كان هذا النقل تكريما وإعجابا بشجاعتي وموقفي، ذلك لأن القاضي الجزئي (في ذلك الوقت) يختار لشخصيته وكفاءته وقدرته علي إدارة الجلسة بمفرده، ولديه من العلم والمعرفة ما يجعله مستقلا بالفصل في الدعاوي المنظورة أمامه».
(9)
وربما كان من المفيد هنا أن ننتقل مع القارئ إلي تصوير علاقة الزعيمين من خلال نص آخر نُشر في مطلع الثلاثينيات كتبه النحاس بنفسه أوكتبه له مَنْ كلفه بهذا، ونشر في مجلة «المصور» وقد أثبته الأستاذ إبراهيم الوليلي في كتابه المعروف:
«في سنة 1900 تخرجت في مدرسة الحقوق الملكية بعدما أحرزت شهادة الليسانس، وعكفت علي الاشتغال بالمحاماة فكنت أتتبع بحكم مهنتي الأحكام التي كانت تصدر عن المستشار سعد بك زغلول بعناية واهتمام، لما كانت تصادفه في نفسي من التقدير والإعجاب، وذلك بدون أن تكون بيننا ثمة معرفة، وبعد نحو سبع سنوات عينت قاضيا ونقلت إلي ميت غمر، بينما كان سعد باشا ينتظم في سلك الوزارة، ويتقلد وزارة المعارف، فازداد إعجابي وإكباري له لأنني ما لبثت أن رأيت الوزير الجديد يختلف بأعماله وخططه اختلافا عظيما عن سائر وزراء ذلك العصر، ولم يمض علي تربع سعد باشا في كرسي وزارة المعارف وقت طويل حتي شرع في نهضته المعروفة بنهضة «الكتاتيب»، وأخذ يجوب في الأقاليم حاثا الأهلين بفصاحته المأثورة علي الإقبال علي التعليم، منوها لهم بأهميته وضرورته لرفع مستوي البلاد إلي المنزلة الجديرة بها، وبتاريخها».
«وشاءت الظروف أن يصل سعد باشا في رحلته إلي ميت غمر، فما كاد أهلها يعلمون بقرب مقدمه حتي أخذوا يعدون معالم الزينة، ومعدات الاستقبال، وبذلت بنفسي مجهودا عظيما لأجعل احتفال ميت غمر بضيفها الكريم بالغا الغاية في الأبهة والإكرام، وكنت أشعر يومئذ بأنني مدفوع إلي ذلك بعاملين: عامل الإعجاب الذي كنت أحمله لسعد باشا بين جنبي منذ تخرجت في مدرسة الحقوق، وعامل التقدير للوزير العامل الذي خالف سنن أسلافه، وبعد يومين وصل سعد باشا إلي ميت غمر فخف الأهلون والموظفون إلي استقباله، وكنت أنا في طليعة الموظفين المستقبلين بصفتي قاضي البلدة، وكانت تلك أول مرة اجتمعت فيها بالرئيس، فلما سمعت أحاديثه، وأصغيت إلي خطبه ومناقشاته، ازداد إعجابي به».
«ثم مرت الأيام وقلد سعد وزارة الحقانية، وكنت أنا قد نقلت إلي القاهرة وعينت قاضيا في إحدي محاكمها الجزئية، فحدث يوما حادث في المحكمة بعث سعد باشا علي دعوتي إلي مقابلته في ديوانه فقابلته مقابلة انفرادية طويلة خرجت منها وأنا أشعر بأن إعجابي بهذا الرجل العظيم يتضاعف علي مر الأيام، وهذا الإعجاب الذي تولد في نفسي لسعد باشا منذ ما تخرجت في مدرسة الحقوق ظل ملازما لنفسي إلي أن قامت الحركة الوطنية، ونفخ الفقيد العظيم في بوق الاستقلال».
«وقد كان كثيرون يومئذ يسألونني كيف أتمكن من تدوين خطب سعد باشا وهو يلقيها في وسط الجماهير الغفيرة من الناس، فكنت أقول لهم إن إعجابي بآراء الرجل وأقواله يبعث فيّ قوة تمكنني من تسجيل كلامه في أثناء خطابته مهما أسرع في الكلام، أو أطال، وكنت كلما عرفت الفقيد العظيم وتعمقت في معرفته اكتشفت ناحية جديدة من نواحي العظمة، وقد كانت كلها جديرة بكل إعجاب وإكبار».
…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….
هكذا تعارف العظماء والتقي الأكفاء..