[حوارات الدين والطب و السياسة/ 8]
[حوارات الدين والطب و السياسة/ 8]
قال أستاذي: ما بال علاقتك برئيس القسم مضطربة هذه الأيام؟
قلت: ليست المرة الأولى.
قال: لكني أسأل عن هذه المرة.
قلت: ولكني في تفسيري أو إجابتي أحب أن أعود إلى المرة الأولى.
قال: كأنك تريد أن تقول: إنني المذنب؟
قلت: العفو.. لكني أريد إيضاح الأمور.
قال: فإذا قلت لك: إن الأمور واضحة بالنسبة لي، فلماذا لا تجيبني عن المرة الأخيرة؟
قلت: إن وضوحها في الماضي يكفي لتفسير سببها في هذه المرة.
قال: لكني أرى الأمر مختلفا.
قلت: لا أراه كذلك.. وسألخص لك الأمر بطريقة طرف رابع بعيدًا عنا نحن الثلاثة، وهو طرف يمثل نموذجًا بارزًا للبراجماتية.
قال: ومَنْ هو؟
قلت: زميلنا الذي يحمل اسمًا مشتقًا من نفس المعنى الذي يحمله اسم رئيس القسم.
قال: عرفته.. وهو حقًا كما وصفته، بل إنه وصل في براجماتيته حدودًا لم يصلها غيره، وإن كان أحد لم يلاحظ ذلك.. حدثني ماذا قال.
قلت: إنه لا يكف عن طرح نظريته القائلة بأن علاقتي برئيس القسم الحالي مرآة لصورتي في الحياة العامة، فإذا أقبلت علىّ الدنيا يصبح وكأنه صديق صفي، وإذا أدبرت يصبح وكأنه عدو متنمر.
قال: الرؤية قاصرة، والتفسير قاصر أيضاً، والفكرة سيئة.. لكن ما رأيك أنت فيما قال زميلك؟
قلت: إن الأمر يحتاج تعديلًا جوهريًا في الصياغة.
قال: وما هو؟
قلت: أظنك تدركه.
قال: لا تعذبني وهات ما عندك.
قلت: إن الأمر لا يتعلق بصعودي ولا توقفي عن الصعود، وإنما يتعلق بمدى علمه هو بالصعود أو التوقف عن الصعود.
قال: وما الفرق إذا كان صعودك ملحوظًا للكافة وإذا كان توقفك عن الصعود وقوفًا من أجل درجة أخرى في السلم؟ وهذا هو الصعود الطبيعي.
قلت: لكن رئيسنا لا يفهم هذا المعني.
قال: زدني إيضاحاً.
قلت: ربما أصدمك بحقيقة مذهلة، وهي أن صاحبنا هذا لا يؤمن بوجود طورين من أطوار الدورة القلبية.
قال: يبدو أنك مفترٍ، وأني لم أعرف حتى الآن أنك مفتر.. ماذا تقول؟ هل يمكن لأستاذ قلب أن ينكر ما يتضمنه أول درس من دروس علم الفسيولوجيا الخاصة بتخصصه؟ لن أقول لك : إنه لا يمكن لمثلي تصديق هذا من مثله، ولكني أقول إنه لا يجوز لمثلك أن يدعى بمثل هذا عن مثله.
قلت: دعنا من المثل ولنكن في الأصل، فالأصل موجود.
قال: تريدني أن أنخدع بالتدريج وأصدق ادعاءك المفترى؟
قلت: لا أريدك أن تصدق، ولا أن تكذب، لكني أريدك أن تجرب لترى الحقيقة بنفسك، وتسمعها بأذنيك، وهو يقول ما يعتقد بنبرة واثقة وصوت عال ويقين ليس إليه من شك!!
قال: وكيف لي أن أجرب مثل هذه المحاولة الحمقاء؟
قلت: إنك لن تعدم السبيل.
قال: هبني عدمت السبيل فكيف يمكن لك أن ترشد مثلي إلى طريقة للعب هذه اللعبة؟
قلت: أأنا الذي أرشدك إلى الطريق غير المباشر في السؤال وفي الجواب وأنت العمدة في هذا؟
قال: هأنذا أسلم لك، قل بالله عليك كيف يمكن لأستاذ عجوز مثلي أن يختبر ادعاء أستاذ نابه مثلك في أستاذ قديم مثل صاحبنا رئيس القسم؟
قلت: هل لنا أن نقف لنعدل بعض الصفات في حديثكم قبل أن نمضي؟
قال: تذكرت.. ستعدل لي كلمة عجوز لأنها لا تكون إلا في وصف المرأة، لكني أراها أخف وطأة من كلمة مسنّ التي ستمنحنيها.
قلت: يا سيدي لن أفعل ذلك.
قال: فماذا تفعل؟
قلت: أقول: أستاذ عمدة أو الأستاذ الأكبر، وأقول عن صاحبي إنه أستاذ متوسط.
قال: يبدو أنك تقمصت اليوم ثوب الافتراء فلا تريد أن تخلعه أبداً.
قلت: سوف أنضو الثوب عني.
قال: وما هذه؟
قلت: تعرفها ويعرفها كل المستمعين لأم كلثوم، فقد اختارها أحمد رامي لترجمة المعني الدقيق الذي وضعه عمر الخيام.
قال: الله يرحم العباد ويثيبهم عما أدوه للعربية من خدمات.. لابد أن أعترف لك يا محمد أني معجب أيما الإعجاب بقولك : إن أم كلثوم خدمت لغة القرآن بأكثر مما خدمته جهود كثير من علماء الأزهر.
قلت: هذا في الأصل قول مصطفي أمين.
قال: يا سيدي إنما بلغني على لسانك.. ولكن عد بي إلى صاحبك كيف يمكن أن أنصب له الشرك لأعرف ما تدعيه عليه من الجهل!!
قلت: ليس ما أقوله إلا بعضًا مما علمتنيه من التلطف.
قال: هلا أوصلتني إلى ما تريد قبل أن يضيع منا الوقت.
قلت: ما ظنك بالطورين اللذين يرى رئيسنا أنه لا وجود لهما في الدورة القلبية؟
قال: هل هيأ لك الغرور أني لا أدركهما وأنا الذي حدثتك عن المستوى الأفقي من الدرجة التي تقف عليها قبل أن تصعد مستواها الرأسي؟
قلت: وهل تظنني من الغباء حتى أصل إلى هذا القرار؟
قال: فما بالك تسأل؟
قلت: فما بالك لا تجيب؟
فأجاب بالإنجليزية.
قلت: فإذا كنا لا نفهم الإنجليزية؟
قال: هما طور الانبساط الإسوي أو متساوي الحجم، وطور الانقباض الإسوي أو متساوي الحجم.