الرئيسية / المكتبة الصحفية / فاروق الملك المحسود: 2/8 نفسية الملك فاروق وشخصيته

فاروق الملك المحسود: 2/8 نفسية الملك فاروق وشخصيته

لم يكن الملك فاروق شخصية مسطحة فقد كان حتى في هواياته ذا لمسات متعددة تنم عن صفات لا يسهل التغاضي عنها، فقد كان هاويا للتحف ولطوابع البريد مع ما يدل هذا عليه من حب الادخار والثقافة التاريخية والجغرافية، كما كان هاويا للصيد مع ما يدل هذا عليه من القدرة على الصبر والمغامرة والاستكشاف والتهديف والتصويب.. الخ وكان قادراً على السياحة والرحلات والكشافة، وكان مغرما بقيادة السيارات بسرعات فائقة كما كان مغرما بإعادة التنظيم، وبالحدائق وترتيب الزهور.

وقد عاش الملك فاروق ومات شابًا مصريًّا بكل ما تعنيه الكلمة من المعاني، فقد عاش محبًّا للحياة على نحو ما يحبها الشبان المصريون التقليديون الذين يميلون لحب اللذة عن طريق الاقتناع بالاستماع، لا عن الطريق المتولد من تعود أو من تثقف، أو من تعويد أو من تثقيف فحسب ، وهكذا كان طابع الملك فاروق المسيطر عليه أنه كان مع كثرة ما يسمعه عما يجلبه شيء ما من اللذة، يجربه فإذا استساغه مضى في  التعود عليه إلى درجة الإيمان أو درجة الإدمان أو إلى الدرجتين معًا.

كان قد سمع عن مطعم يجيد صناعة الفول المدمس المتميز في دمنهور، فلم يمانع في أن يبذل جهده من أجل تجربة الاستمتاع بهذا الفول، وكان في أثناء زيارته الأوربية الشهيرة يسمع عن مزايا أنواع معينة من المياه الغازية محلية الصنع في جنوب فرنسا ، فكان يسأل عنها في خارج النطاق المحلي الذي تنتج وتوزع فيه.. وقد ضربت المثل بهذين النمطين من الحب المادي  لابتعد عن المقاربة المباشرة لمواقفه المتميزة من قضايا السياسة والإدارة عن عمد، ولاقترب منها بعد أن اتضحت الصورة في أذهان القراء.

تكوينه وتعليمه

حين  فقد  الملك فاروق عرشه كان عمره  32 عامًا فقط ، وكان قد قضى نصف هذا العمر 16 عامًا  ملكًا (مع وجود مجلس الوصاية في عام وشهرين من هذه الأعوام وبالتحديد منذ نودي به في إبريل 1936 عند وفاة والده وحتى تولى سلطاته الدستورية في يوليو 1937 حين أصبح عمره 18 عامًا هجريًّا أو 17 عامًا ميلاديًّا ونصف العام بالسنوات الميلادية ) .

ومع هذا فإن هذا الشاب المصري الذي هو الملك فاروق كان قد تربى تربية خاصة تجمع بين كونها تربية مصرية و أخرى شبه إنجليزية وأتقن اللغتين الإنجليزية والفرنسية ، لكنه  لم يكن يعرف كلمة واحدة من اللغة التركية لغة آبائه وأجداده.

و كان هذا الشاب المصري الذي هو الملك فاروق يعيش ثقافة سنه ومشاعر سنه، ومن ثم فإنه على سبيل المثال مال ، كما مال أبناء جيله من الشباب ، إلى جانب ألمانيا الهتلرية بكل ما كانت تمثله من الفتوة والقوة والعنفوان والقدرة على تحقيق الذات والانتصار، ومن أطرف ما نستشهد به على تصوير موقف الملك في الحرب العالمية الثانية ما هو منسوب لزيور باشا حيث قال إن القصر (أي من هم وراء الملك) إيطالي و الحكومة إنجليزية (بحكم معاهدة 1936) و الشعب ألماني ، و من العجيب أن الملك وفقا لهذا الكاريكاتير كان من الشعب لا من رجال القصر ولا من رجال الحكومة .

ذكاؤه المعرفي و حبه للمعرفة

كانت تعليقات الملك العابرة في لقاءاته مع الساسة وغير الساسة تنبئ بوضوح عن أنه مثقف جيد التكوين، وأنه قارئ مطلع، وأنه كان كوالده من الذين يجيدون قراءة الصحف العالمية في ذلك الوقت،  وقد روي سكرتير الملك  أنه  صحبه يوما [أثناء زيارة للندن بعد توليه] في زيارة خاطفة إلي دار لبيع الكتب علي مقربة من قصر كنري هاوس فوجد  كل من كانوا يعملون في المكتبة يعرفون الملك كعميل ممتاز حريص علي الاطلاع والاقتناء.

أما التسجيلات الصوتية التي أتيح لنا أن نسمعها للملك فاروق فتدل على مدى تمكنه من اللغة العربية، وعلى فصاحته، ذلك أنه لم يكن يلحن أبداً ولم يكن يسيء نطق أي حرف من الحروف بل كان قادراً على الالقاء الجيد المعبر عن المعاني التي يتحدث بها ، وكان لصوته رغم شبابه مهابة المسئولية ومهابة أخرى تتولد من احترامه للنص الذي كان يقرأه.

كان الملك فاروق محبا للسينما لكنه لم يكن مولعا بها ولع الضباط من جيله فقد كانت حياته أكثر انشغالاً منهم.

انحيازه الواعي للمنتج المصري حتى في العلاج والخدمات

لا يمكن لمن يتأمل التاريخ المصري المعاصر أن يقاوم الإحساس بالتقدير العميق لمشاعر الملك فاروق المعبرة عن ثقته في نفسه و وطنه ومؤسسات وطنه وأبناء وطنه ، وهي ثقة عبرت عن نفسها بوضوح ناصع يوم 15 نوفمبر 1943 حين أصيب الملك إصابة بالغة في حادث القصاصين فدبر أموره بتصميم تام على ألا يعالج الا في مستشفي مصري ، وبإشراف أطباء مصريين ، بل إنه عمل كل ما في وسعه من أجل تجنب غير المصريين في علاجه أو رعايته. وقد كان هذا دأب الملك في مرضه و في رعاية زوجته و ولادتها …الخ.  ومن المعروف أن الملك فاروق بدأ عهده الملكي بالاستغناء عن كل موظفي القصر البريطانيين .

و تنبئ روايات كثيرة عن أن الملك فاروق كان واعيا لدرجة قصوى إلى فكرة تشجيع المنتج المصري في كل شيء بما في ذلك المنتج المصري في الخدمات والرحلات.

العودة على باخرة مصرية

روى الدكتور حسن حسني باشا سكرتير الملك تفصيلات مهمة توحى بوطنية الملك فاروق منذ بداية عهده، وهو ما تجلى على سبيل المثال في اختياره العودة من الخارج على باخرة مصرية في الوقت الذى كانت والدته ورائده يصممان على العودة على باخرة أجنبية تضمن الراحة والمتعة بأكثر مما هو متاح في الباخرة المصرية : “….. وطول مدة الإقامة في باريس كان يدور البحث حول رحلة العودة إلى مصر واختيار الباخرة المناسبة، وكانت شركة مصر للملاحة قد أبدت استعدادها لوضع الباخرة “النيل” رهن الإشارة، وفى الموعد الذى يحدد لها، بل إنها جهزتها وأعدتها لهذا الغرض بما يوفر جميع أسباب الراحة، ولكن حسنين باشا أبدى ترددا كبيرا بحجة أن صغر حجم الباخرة يجعلها عرضة للتأثر بهياج البحر إذا حدث تقلب فى الجو، ولذلك فإنه من المستحسن العودة على إحدى البواخر الإنجليزية المماثلة لتلك التي [سافر الملك ] عليها من مصر، وكان يهم أي شركة أن يسافر الملك على إحدى بواخرها لما في ذلك من الدعاية العريضة لها، وكان مما أبداه حسنين باشا أنه مع تقديره لوجاهة الرأي بأن السفر على باخرة مصرية يحمل معنى وطنيا ساميا، فإن الملكة نازلى تخشى السفر على باخرة صغيرة فى حين أنها خبرت ميزة السفر على البواخر الكبيرة وما توفره من أسباب الراحة والاطمئنان، وطال التردد حتى حضر طلعت حرب باشا وفؤاد سلطان بك ليعرضا خدماتهما والاستفسار عما استقر عليه الرأي، [ربما جاز لنا أن نعقب هنا بالإشارة إلى أن الأستاذ محمد التابعي في كتابه “أسرار الساسة والسياسة» أشار إلى أن اللذين حضرا إلى باريس كانا هما فؤاد سلطان ومدحت يكن باشا، وجدير بالذكر أن أحمد مدحت يكن كان هو رئيس مجلس إدارة البنك الذى أسسه طلعت حرب ] ، فكان في حضورهما ما قضى على التردد، فضلا عن أن الملك كان قد اقتنع تماما بوجوب السفر على باخرة مصرية لما فى ذلك من توافق مع نزعته الوطنية، ورغبته فى عمل كل ما ينم عن حرصه على تشجيع الجهود الوطنية، وكل ما من شأنه إرضاء الشعور الوطني، وعلى ذلك تقررت العودة على الباخرة “النيل” عقب انتهاء الزيارة لمدينة فيشى».

حديث سكرتيره عن وطنيته العميقة

و هاتان واقعتان أخريان رواهما سكرتير الملك  ونرى فيهما مدى ما كان الملك فاروق قد تربى عليه من مشاعر وطنية وإحساس بالواجب تجاه الوطن و كافة رموز الوطن: “… ومازلت أذكر أن الملك اضطر في يوم ما إلى الاعتكاف في فراشه لبرد ألم به، فاعتذر عن مقابلة رجال الحاشية، وكنت الوحيد الذى طلب أن يراه فصعدت إليه وجلست إلى جوار فراشه، وأذكر أن الحديث طال بيننا وكانت موسيقى الحرس الملكي تصدح فى المكان المعد لها أمام القصر كالعادة كل مساء، تنفيذا لما كان قد أمر به الملك لكى يكون تدريب أفرادها مستمرا، وطبقا للنظام العسكري كانت تعزف النشيد الوطني قبل انصرافها، وإذ كنت منصرفا بكل انتباهي إلى حديثي مع الملك، فإني لم أنتبه إلى أن الموسيقى قد بدأت تعزف النشيد  الوطني، وإذا بالملك يقطع الحديث قائلا لي : إني لا أستطيع التحرك، فأرجو أن تقف بدلا منى يا حسني احتراما للنشيد الوطني، فاعتذرت طبعا عن عدم تنبهي ، ووقفت في الحال شاعرا بالخجل، ولكنى أكبرت في نفسى هذه الرقة في استلفات نظري، كما سعدت فوق كل شيء بمدى إحساسه الوطني».

حرصه على تقبيل العلم المصري عند رحيله

وفى موضع آخر، بعيد زمانا عن هذا الموقع، أجاد الدكتور حسين حسنى تصوير مشاعر الملك تجاه العلم المصري وتجاه الوطن في اللحظات الأخيرة التي سبقت رحيله بعد تنازله عن العرش فيقول: “… ولكنه بعد أن تجاوز الضابط حامل العلم بخطوتين عاد مسرعا وأشار إليه أن يعطيه العلم وتناوله من يده، واحتضنه ثم قبله فى تأثر بالغ، وكأنما أودع هذه القبلة رسالة حب ووداع لكل مَنْ يظلهم علم مصر، والذى حرص على حمله بين يديه وهو يتقدم نحو القارب البخاري حيث وضعه».

موقفه من إرادة الشعب

كان الملك فاروق نفسه حريصا على أن يستحوذ لنفسه (كملك) على ما يستطيع اقتناصه من حقوق الشعب على الرغم من أنه كان وهو طفل علي فطرته يهتف لسعد زغلول كالجماهير تماما، وكان الملك فؤاد نفسه هو الذي روي هذه الواقعة لسعد  زغلول باشا، وربما فاتت دلالة هذه الواقعة علي الكثيرين ممن شاهدوها أو عرفوا بأمرها، فهي تدلنا علي أن هذا الملك كان يعرف كثيرا من الحقائق التي لا يتصور الدهاقنة انه يعرفها  ، و أن الكيان الكبير للحركة الوطنية و للوفد وزعمائه كان محفوراً في وجدان فاروق منذ كان طفلاً، وبقي كذلك في الواقع مهما حاول هو ومستشاروه إضفاء مسحات فهمهم القاصر على توجهاته .

  ولا يمكن لنا أن نفهم إقبال الملك على إبعاد الوفد عن الحكم بعد خمسة شهور من بداية توليه المسئولية على أنه كان بسبب فشل الحكومة الوفدية في تلبية ما هو مطلوب منها من مهام  وطنية، أو فشلها في الإمساك بمقاليد الأمور، وإنما كان السبب الحقيقي هو النزعة الأوتوقراطية المسيطرة على ملك شاب يريد أن يقول أنا هنا ! وقد التف حوله علي ماهر باشا وأحمد حسنين باشا وغيرهما ممن يحبون أن يكونوا في كفة الملك لأنهم فاتهم أن يكونوا في كفة الشعب، وهكذا فإن الملك كان يعرف حق المعرفة أنه لا ينحي الوفد عن الحكم ولا ينقلب عليه من أجل الشعب ، ولكن من أجل نفسه هو.

ذكاؤه وقدراته العقلية

كان الملك فاروق ذكيا بلا شك وكان يتمتع بقدرات فائقة من الذكاء ومن مكونات الذكاء حسب تعريف علم النفس ، ومع ان الملوك عادة ما يظلمون حين تنسب  بعض عبقرياتهم الى مساعديهم فان فاروق كان الأكثر تعرضا لهذا النوع من الظلم ،  ومن العلامات البارزة على ذكاء الملك فاروق (بالمقاييس السياسية) انه استطاع في 1946 ان يستدرج السفير البريطاني الشهير لورد كيلرن إلى أن يسجل على نفسه كتابة انه طلب منه تغيير وزارة النقراشي باشا ، و بعث بصورة من هذا الطلب المكتوب الى الحكومة الإنجليزية فكان قرارها بالتعجيل بنقل سفيرها  من القاهرة .

كان يفضل أن يكون صاحب قرار على أن يكون ملكا

كان الملك فاروق يستشعر أنه لم يخلق ليكون ملكا مدى الحياة ، وهذا هو ما نلاحظه في سلوكه إذا ما قرأنا قراراته واختياراته، صحيح أنه كان سعيدا بانه ملك،  وسعيد بانه ولد ملكا ، لكنه كان يستشعر سعادة أكبر في اتخاذ القرار ،  حتى اننا اذا قلنا انه إذا خير بين أن يكون صاحب قرار وأن يكون ملكا لاختار أن يكون صاحب قرار، بل أن يكون صاحب القرار الأخير الذي يبتعد به عن الملك كما حدث بالفعل.

كان مباشرا و كان يبتعد تماما عن فكرة المناورة المحدودة

كان الملك فاروق قادرا على أن يصوغ علاقته بالساسة الوطنيين بطريقة اقرب ما تكون الى المباشرة و الشفافية و بقدر لا يعتمد الا على درجات محدودة من المناورة ، وهو ما يتعارض تماما مع السياسة التي عرفت عن اسلافه في التعامل مع الساسة والتمكين لأنفسهم ، وقد ظل في تعامله مع رؤساء الوزارة وزعماء الأحزاب السياسيين بعيدا عن المناورة وعن ضرب الساسة ببعضهم البعض وإنما كان يظهر على الدوام أنه هو صاحب القرار وأنه لم يقع تحت أي تأثير، ولم يكن يومئ أية إيماءة بأية طريقة إلى أنه انخدع في موقف ما  بسبب شخص ما ، وأنه يستمطر اللعنة على من خدعه بل إنه كان صريحاً مباشراً جريئا في التعبير عن موقفه وعن معتقداته مهما كانت خاطئة، ولمثل هذا فقد كان الملك فاروق نفسه يتوقع أنه لن يستطيع أن يواصل العمل ملكا لمصر.  بيد أن هذا لا ينفي هذا أنه كان يستطيع أن يخفي مشاعره لبعض الوقت ، أو أن يظهر الارتياح بينما هو ممتعض ، أو أن يظهر الرضا بينما هو ساخط .. لكن هذا التصنع كان في حدود.

فاروق و الصواب و التوفيق

ليس معني هذا أن الملك كان ملاكا، لكن معناه ببساطة أنه اختار في اللحظة المناسبة اختيارا صائبا، وقد كان الصواب حليفه في كثير من اللحظات، كما كان الخطأ رائده في حالات كثيرة أخري، على نحو ما أوضحنا بالتفصيل في كتبنا التي درست هذه الحقبة من الزمان ، ولم يكن الملك فاروق مدمنا للخطأ على نحو ما يحب بعض من يكتبون التاريخ أن يصوروه، كما أنه لم يكن محروما من التوفيق، بل كان محظوظاً بالتوفيق الشديد في كثير من المواقف ، وأكثر من هذا فإنه في إطار أهدافه الشخصية (وهي بالطبع ليست أهداف الوطن ولا أهداف الحركة الوطنية) كان ناجحاً بنسبة كبيرة جداً، ولا أحد يستطيع أن ينكر هذا مهما كانت النتيجة النهائية التي واجهها بفقدان عرشه والتي  لم يكن يستطيع الوقوف أمامها.

هل كان التعليم  هو المشروع القومي الأول في عهد الملك فاروق

ليس من قبيل المبالغة القول بأن الإنجاز الأكبر في عهد الملك فاروق   وحكوماته المتعاقبة من أغلبية و أقلية  قد ارتبط و تعلّق بالتعليم من أكثر من زاوية ، فقد عُني هذا العهد أو فلنقل عُني عهد هذا الملك أو عُني هذا الملك نفسه بأن يكون منشئا للكثير من المؤسسات التعليمية ، كما ظهرت بوضوح عنايته الشخصية بالتعليم وامتداده والتوسع فيه ورُقيّه ورفع مستوى مؤسساته ، وتُسجّلُ الموازنات أن مُخصّصات التعليم دوناً عن غيرها من المخصصات قد تضاعفت في عهد الملك فاروق  6 مرات وهو ما لم يحدث لغيرها من المجتمعات في عهده ،  كما انه لم يحدث للتعليم في أي عهد آخر .

ولنذكر أنه في عهده هو وحده تأسست 3 جامعات بعد الجامعة الأم  ، فقد تأسست جامعة الإسكندرية في 1942 ( بعد أن بدأت في عهده أيضا كفروع للكليات في ١٩٣٨ ) ثم جامعتا  إبراهيم (عين شمس) ومحمد على (أسيوط) في 1950 بل إن جامعة طنطا قد بدأت مسارها نحو الإنشاء و خصصت وزارة الوفد ميزانية لكلية طب طنطا ، وقبل طلابٌ على ذمتها (أو قوتها و موازنتها)  للدراسة في قصر العيني إلى أن تفتح الكلية.

 وكان من مظاهر انتعاش التعليم في عهده اهتمامه الشخصي بالتفوق و تكريم الأوائل في مراحل التعليم  المختلفة حتى إنه  كان يحتفل بالأوائل على مائدته هو كل عام ، بل ربما بدأت معرفة الأوائل ببعضهم البعض من خلال اللقاء على مأدبة الملك، و أذكر من هؤلاء كثيرين من أعلامنا رووا هذا .

والملك فاروق هو في حقيقة الأمر الذي أسس جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية وكان اسمها جوائز فؤاد الأول وفاروق الأول (منذ 1944) وهو الذي انشأ المدينة الجامعية الشهيرة في بين السرايات التي افتتحت في فبراير ١٩٤٦  في خضم مظاهرات الطلاب  ضد  وزارة النقراشي باشا ، وقد تبرع لها من ماله الموروث ب ١٥٠ ألف جنيه.  

وربما يندر أن تجد في تاريخ الحضارة أن يتوالى على منصب وزير المعارف مثل هذه المجموعة النادرة التي توالت عليه في عهد الملك فاروق وشملت كلا من الأساتذة والدكاترة (مع حفظ الألقاب) أحمد لطفي السيد ومحمد حسين هيكل و محمود فهمي النقراشي و أحمد نجيب الهلالي و عبد الرزاق السنهوري و محمد بهي الدين بركات و محمد حسن العشماوي و طه حسين ومحمد رفعت وعلي أيوب  .

وفي عهده تأسست مؤسسات تعليمية وثقافية كثيرة كانت جديدة في نشأتها وطابعها  من قبيل معهد الدراسات الإسلامية في العاصمة الإسبانية مدريد و معهد الدراسات الإسلامية في الجزائر و مكتبة الأميرة فريال في مصر الجديدة (1944) وهي أول مكتبة عامة في حي من الأحياء بهذا النمط  الرائد المُتحضر، وهي نفسها المكتبة التي أصبحت الآن بعد تقلبات متتالية :  مكتبة مصر الجديدة .  

وعلى صعيد البحث العلمي :  فمن المؤسسات العلمية التي تأسست في عهده على سبيل المثال :  المركز القومي للبحوث الذي تأسس أولاً باسم مجلس فؤاد الأول للبحوث العلمية ، وتم بناء مبناه الضخم العظيم في 1952 قبل أن تُطلق حكومات 1952 الاسم الجديد على المبنى في 1956.

   وكذلك تأسس في عهده معهد فؤاد الأول لبحوث الصحراء في 1950 ، في عهد وزارة الوفد ، و اختير له مقرا  قصر الخديو عباس حلمي الذي سمى بقصر الصحراء ، وعرف القصر والشارع الذي يقع فيه لفترة من الزمن باسم معهد الصحراء و شارع معهد الصحراء لكن حكومة من حكومات ١٩٥٢ استولت عليه ، و تعاقبت عليه إدارات عسكرية حتى أصبح الآن مقراً لإدارة المخابرات الحربية، بينما نقل معهد الصحراء إلى قصر الأمير يوسف كمال في المطرية.

وعلى صعيد الفنون والثقافة ،  تأسست مؤسسات ومعاهد كثيرة منها  المعهد العالي للفنون المسرحية .

وشهد عهده إنشاء عدد من المستشفيات الجامعية و  الخاصة والعامة ، وفي نهاية عهده تأسس مستشفى لجراحة العظام في اسكندرية باسم زوجته الثانية ناريمان (1952 على الرغم من قصر مدة زواجها و من أبرز المستشفيات العمالية التي تأسست في عهده مستشفى صيدناوى (1941)

وعلى مستوى الكليات العسكرية فإن مدرسة الطيران العالي في ألماظة بدأت في عهده 1937 ثم تحولت إلى كلية الطيران الملكية في 1948 أما الكلية البحرية فنشأت في (1945).  وفي 1952 وحدها وقبل قيام الثورة تم إنشاء مدرسة المهندسين العسكريين  نواة الكلية الفنية العسكرية و المعهد الفني فيما بعد ،  ومدرسة أركان الحرب ، ومدرسة ضباط الصف .

اهتمامه بصورته كزعيم إسلامي وبصلته بالشعب

 كان الملك حريصا علي أن يكون  في صورة قريبة من التدين و حب المظاهر الدينية  ، وقد واصل سياسة والده في صلاة الجمعة في مساجد مختلفة ، مع ما كان يرتبط بهذا من الاهتمام بعمارة المسجد و البيئة المحيطة بها ،  واستن  تقليدين جديدين : أن يزور هو و أفراد الأسرة المالكة مسجد محمد علي سنويا في ليلة ذكري معركة بدر وفي ليلة القدر، علاوة علي ما كانت قد جرت به العادة  في ذكري وفاة محمد علي باشا في الثالث عشر من رمضان ، وكان شيخ الأزهر يقوم في تلك المناسبات بإلقاء درس ديني، وعند عودة الملك من مسجد محمد علي كان يدخل إلي ساحة جلوس مَنْ يحضرون لسماع تلاوة القرآن الكريم فيحييهم، ويدخل إلي القاعة التي يجلس فيها المقرئون فيجلس إلى جوارهم في خشوع ويستمع إلي تلاوتهم ثم يصافحهم ويغادر المكان بعد تحية الزائرين.

ومنذ اليوم الأول لتولي سلطته الدستورية التزم الملك فاروق  بتوثيق صلاته بجميع طبقات الشعب، وعمل على إشراك طوائف الشعب في حفلات التولية التي قرر أن يدعو  إليها فئات لم يسبق لها دخول القصر من قبل، ثم انتهز الفرصة و قرر إحياء ليالي شهر رمضان بتلاوة القرآن الكريم في القصر، و أمر بفتح أبواب القصر لمن يشاء من الشعب المشاركة في الاستماع للذكر الحكيم ، ومن الطريف أن الرئيس السادات كرر هذا التقليد عندما أصبح رئيسا للجمهورية  من خلال سرادق كبير في ساحة قصر عابدين.

و كان الملك يدعو إلي موائد الإفطار الرمضانية بالقصر مجموعات من رجال الدين، والطرق الصوفية، ونقابات العمال، وطلبة البعوث الإسلامية،  واستن سنة  توزيع مبالغ من المال علي مختلف المديريات والمحافظات لإقامة مآدب أسبوعية للفقراء، وإحياء ليالي شهر رمضان .

على صعيد آخر فقد كان الملك فاروق يُشرك نفسه في العناية المصرية المتوارثة بمسلمي العالم، وكان يمول بعثات تعليمية باسمه هو لطلاب المناطق الإسلامية البعيدة ، كما كان يُمول استقدام الطلبة العرب والأفارقة للدراسة في الأزهر على نفقته الخاصة، وعلى سبيل المثال فإنه أهدى مسلمي الصين مئات الكتب من المكتبة الملكية، وموّل نفقات تعليم عشرين صينيا في مصر، كما أنه كان يمول بعثات  السودانيين والأفارقة للتعلم في الخارج حتى إننا نجد بعضا من أبرز السودانيين ممن تولوا المناصب الكبرى في السودان  وخارجها يثبتون في سيرة تاريخ حياتهم أنهم نالوا شهاداتهم الغربية الكبرى من خلال بعثة الملك فاروق للتعلم  العالي في الخارج.

وفي نهاية عهد الملك فاروق بدأ إنشاء مدينة البعوث الإسلامية ،  التي لا يستحي الناصريون من نسبتها زورا  لعهدهم .

دأبه على العمل

لا يزال  الملك فاروق متفوقا على كل من خلفوه فيما يتعلق بما كان يخصصه من الوقت والجهد  لمتابعته اليومية اللصيقة لشئون الدولة و للبريد الذي يعرض عليه ،  ويتضح هذا على سبيل المثال من متابعة أو مراجعة سلسلة الأوامر الملكية وتواريخها مع المقارنة مثلا بسلسلة القرارات الجمهورية في العهود المختلفة ، ومن العجيب ان هذه الميزة قد قدمت للجماهير في صورة مقلوبة  ،   من ذلك انه كان يتابع بريد الدولة حتى وهو يأكل  فقدمت الصورة على انه كان يأكل وهو يتابع بريد الدولة ، وقل مثل هذا في متابعته للبريد في أحوال أخرى …الخ .

وتطور تصوير هذا الأمر إلى ما شاع  من أن الأمناء ( الشماشرجية ) كانوا يدبرون أمور الدولة في عهد الملك فاروق  بينما كانت الحقيقة أن الملك في حرصه علي الاطلاع علي ما يرفع إليه من جميع فروع القصر، وهو  ما يملأ عدة مظاريف كبيرة، كان لا يري بدا لاكتساب الوقت، من أن يكلف ، الأمين صاحب الدور في الخدمة ، بأن يفض المظاريف الواحد بعد الآخر ويتلو عليه ما بها ورقة بعد أخري، وكان الملك في أثناء سماعه  لما يتضمنه البريد من الطلبات و الاقتراحات يشير أحيانا بالاتصال بالمسئول الذي رفع الورقة أو المذكرة للاستفسار عن أمر فيها قبل البت في أمرها، وأحيانا ما كان يكتب تعليماته بيده، وفي أحيان أخري كان يملي رأيه على الأمين  ليكتبه، لكن القرار بالطبع ظل قرار الملك.

وفي كل الأحوال فإن مطالعة نصوص الوقائع المصرية و أخبار القصر في الصحف اليومية كفيلة بأن تدل القارئ على ما اكتشفناه من حجم الإنجاز البيروقراطي الذي كان الملك فاروق قادرا عليه.

مقارنته بوالده كان ملولا و لم يكن كوالده الذي كان يلعب حتى آخر أوراقه

يحلو لكثيرين ان يقارنوا بين ما يصفونه من الملك فاروق وشبابه، و الملك فؤاد وحنكته، ومع ما في هذه المقارنة من ظلم من حيث السن و الخبرة فان كفة الملك فاروق ليست مرجوحة دائما، صحيح ان  الملل أو الضجر كانا يسيطران على الملك فاروق، مع أنه كان يملك كثيرا من أوراق اللعبة السياسية  حتى نهاية عهده  لكنه لم يشأ أن يوظفها  ، وفي مقابل هذا  ، فقد كان والده الملك فؤاد منذ ما قبل  عامه الأخير قد استهلك كل أوراقه إلى حد بعيد حتى إن محمد محمود باشا وإسماعيل صدقي باشا (وهما مَنْ هما من عداء للأغلبية والوفد والنحاس) وجدا أن من واجبهما أن ينضما للنحاس باشا في تظاهرة قوية في مواجهة وزارة محمد توفيق نسيم التي فرضها الملك في 1934! ( وربما يعجب القارئ لهذه الحقيقة ) لكن الملك فؤاد نفسه استوعبها ووجد أن عليه أن يبحث في أوراقه عن وجه جديد يستعين به على الأزمة ، ومن ثم فإنه جاء بعلي ماهر باشا  ليشكل وزارة جديدة تعود بعدها الحياة الديموقراطية أي يعود الوفد ويعود النحاس باشا.

 وقد كان الملك فؤاد محظوظا ، إذ  أنه توفي في عهد تلك الوزارة التي جاء بها لتحل له كل ما تراكم من مشكلاته مع النحاس باشا  والحركة الوطنية ومع محمد محمود باشا ومع اسماعيل صدقي باشا ومع أحزابهم ومنها الحزب الذي تأسس برعاية الملك نفسه وهو حزب الشعب.

الافتراق بين القدرة والرغبة

نستطيع إذاً أن نقول إن الملك فؤاد كان يريد استبقاء الحياة الملوكية على الرغم من انتهاء رصيده من الحياة (كان قد أصبح في سن 68) على حين أن الملك فاروق كان قد بدأ يزهد في تلك الحياة وإن لم يزهد في أن يكون صانع قرار الملوكية (وهو في سن الثلاثين ) على الرغم من أنه كان لا يزال في مقتبل عمره  وأنجب لتوه من كان يعتبره وريثا للعرش ، هذه المقارنة “المحسوبة و المفتعلة” أو “التجريبية” بلغة العلم الطبيعي كفيلة بأن تلخص ما تصوره صفحات طويلة من التحليل السياسي والنفسي للملك فاروق في أدائه وفي تاريخه، وفي إنجازه وقراراته، وفي سعادته وإحباطاته.. ثم إنها كفيلة بفهم تاريخ وطننا في تلك الحقبة التي لم تخل من الحظ لكنها في الوقت ذاته لم تخل من التعقيدات والمعقبات والعواقب التي لا تزال تفرض نفسها علينا حتى الآن.

دلالة المفارقة في طول عمر شقيقته الإمبراطورة فوزية

هل ارتبط ما حدث للملك فاروق من سوء الحظ بصغر سنه ، حين تولى و حين اعتزل ؟  ربما أن السؤال العلمي التجريبي في مثل هذه الحالة يقول هل كان ممكنا للملك فاروق أن يعيش إلى 2013 مثل شقيقته الامبراطورة فوزية التي ولدت بعده بعام؟ وأن يظل ملكاً إلى 2013؟ أو فلنطرح السؤال بطريقة أخرى ، ونسأل :هل كانت [الملكة] فوزية قادرة على الاستمرار [كملكة] حتى وفاتها في 2013 لو أنها كانت هي التي ورثت عرش أبيها؟

ولسنا نبتعد بعيداً عما هو محتمل الحدوث [نظريا فحسب] ، فقد روى عن الملك فؤاد أنه أبدى ذات مرة أو أكثر من مرة عجبه من أنه لا يستطيع أن يستخلف فوزية بدلاً من فاروق مع أن فوزية  ، كانت تبدو له ، أكثر قدرة على تحمل مسئوليات الملك من شقيقها الأكبر فاروق. ومع أننا لسنا ندري صحة هذه الرواية فإن من المدهش أن الملك فؤاد نفسه توفي قبل أن يرى بعيني رأسه شيئاً شبيها بما كان يفكر فيه، فقد كان الملك جورج الخامس 1865- 1936  الذي حكم بريطانيا ما بين 1910 و1936 يرى فيما تواترت روايته رأياً شبيها برأي الملك فؤاد (أو فلنقل إن رأي فؤاد هو الذي كان يشبه رأي الملك جورج الخامس) إذ كان يرى أن ابنه الثاني (وهو من أصبح جورج السادس وحكم بريطانيا ما بين 1936 و1952) أولى بالعرش من ابنه الأول الذي أصبح ادوارد  الثامن والذي حكم بريطانيا ما بين يناير 1936 وديسمبر 1936 فقط ، واضطر إلى التنحي عن العرش بسبب إقباله على الزواج من سيدة كانت مطلقة من قبل ، وكانت تستعد للطلاق الثاني من أجل الارتباط به، وهو ما دعا رئيس الوزراء البريطاني إلى أن يصارحه بأنه لا بد له من أن يختار ما بين العرش والزواج ، فاختار الملك الزواج.

بل إن الأكثر مدعاة للدهشة أن المرويات تقول إن الملك جورج الخامس كان يقول إنه يدعو الله ألا يتولى ابنه الأكبر العرش وأن يصير العرش من بعده إلى ابنه الثاني ثم ابنته الكبرى التي هي الملكة إليزابيث الثانية  (1926- ) التي تحكم بريطانيا منذ وفاة والدها في فبراير 1952 وحتى الآن!

ضعف العلاقة بالحاشية

من الشائع أن علاقة الملك فاروق بحاشيته كانت ضعيفة،  لكن هذا هو قول الحاشية التي عاشت عصراً كانت متفرغة فيه تماما  للملك ، وكانت تظن أن الملك للحاشية وليس لأشياء كثيرة جداً، وأبرز الذين أشاعوا هذا القول بعد وفاة الملك فاروق هو سكرتيره نفسه الذي قال إن الملك بدأ مهامه بلقاءات يومية بالحاشية ومساعديه ثم تمكن علي ماهر باشا من أن يقنعه بأنه لا حاجة به إلى مثل هذا اللقاء اليومي،  ومن هنا ضعفت علاقته بحاشيته مع ما كان السكرتير يظنه من أهمية هذه العلاقة ،  ومن الانصاف ان نقول إننا إذا قارنّا علاقة الملك بحاشيته بالرؤساء الذين خلفوه فإننا نجد أنه  كان أوثق منهم علاقة ، وأن وقته معهم كان أكثر عطاء و وفرة.

وربما كان السبب الحقيقي في تولد هذا الانطباع هو كثرة الكفاءات حول الملك الذي شهد عهده رؤساء ديوان من طبقة الباشوات علي ماهر وأحمد حسنين وإبراهيم عبد الهادي وحسين سري وحافظ عفيفي و رئيسا للديوان بالنيابة هو حسن يوسف باشا، كما شهد عصره عدداً من الأمناء المتميّزين وعدداً من المستشارين الخصوصيين الرسميين وغير الرسميين وإن كان اثنان منهما على وجه التحديد وهما إلياس أندراوس وكريم ثابت كانا يمثلان نكبة كبيرة على الملك وتاريخ الملك ومستقبل الملك .

وفي كل الأحوال فإن  الدكتور حسين حسني يلقي علي على ماهر باشا بالمسئولية عن تدمير علاقة الملك بحاشيته، علي نحو ما كان يرى أن أحمد حسنين كان هو المسئول عن سوء أدائه الشخصي .

تشخيص إبراهيم فرج باشا للازدواج في شخصية الملك فاروق

يري إبراهيم فرج باشا بعد سنوات طويلة من التأمل العاقل أن الملك فاروق  في بساطة بأنه كان ذا شخصيتين دون أن يحصر نفسه في مسميين لهاتين الشخصيتين، هكذا فإن إبراهيم فرج ـ في رأينا ـ  يصل في التشخيص إلي مرحلة متقدمة من الدقة الطبية والنفسية ويصف ما رآه في عبارة بسيطة جدا لكنها دقيقة جدا كذلك، ويدلل علي هذا بما رآه منه ـ كوزير للخارجية بالنيابة ـ خلال أسبوع واحد من مواقف متناقضة تماما لا تصدر إلا عن رجل ذي شخصيتين . وفي رأينا فان تشخيص إبراهيم فرج أقرب إلي الصواب من تشخيص كريم ثابت، وأقرب إلي الحقيقة من تشخيص المراغي ، فعلي حين ضحي الملك فاروق باسم السلام الملكي وجعله السلام الوطني، فإنه كان شديد التمسك بالشكليات في موقفه من بعض السفراء علي نحو ما فعل مع سفير إيران حين جلس ـ دون أن يعرف ـ إلي مقعد كان محجوزا للملك، أو علي نحو ما فعل مع سفير باكستان حين نقل في حركة دبلوماسية فتسرع بالذهاب إلي القصر ثم ألغي نقله فإذا الملك يصمم علي أن يقدم هذا السفير أوراق اعتماده من جديد.

تقييم كريم ثابت للملك فاروق من حيث كونه رجلا ومن حيث كونه ملكا

يري كريم ثابت الذي كتب مذكراته المبكرة المنشورة عن فاروق وهو رهينة في يد العسكر ظاهرة يسميها بالتناقض بين شخصيتين لفاروق، وهو ما يسميه بفاروق الرجل وفاروق الملك، مقدما صورتين متناقضتين لنفس الرجل وأدائه في مواقف مختلفة ، و يردف بأن   فاروق الرجل كان حريصا علي أن يهدم ما كان يبنيه فاروق الملك ، وهو تشخيص  قد يكون جذابا لكنه غير دقيق بالطبع   . 

تشخيص المراغي  باشا : مضاعفات الحمى الشوكية

 قدم مرتضى المراغي باشا رواية مفصلة لا يرقي الشك إلي قرب أصحابها من القصر الملكي ومن معرفة حقائق وخفايا ما دار فيه،  لكنها لا تكفل التفسير الكامل (ولا حتي التسويغ المعقول) لتطورات الأحداث وموقف فاروق منها ، تتعلق بإصابة الملك وهو طفل بالتهاب الحمي الشوكية، وترجيح الطبيب الإيطالي الذي تولي علاجه أن تظل للمرض بعض آثار علي عقل الملك.

أبرز عيوب الملك فاروق من وجهة نظر القريبين منه

 كان كريم ثابت يري أن القمار هو سبب ضياع فاروق، و يروي الدكتور حسين حسني سكرتير الملك الخاص أنه حدّث الملك نفسه بخطورة مسلكه لكن الملك نفسه (عن اقتناع تام)  كرر القول بتبريرات حسنين باشا (وهو أمر متوقع)  وكانت تبريرات حسنين تستند الى القول بانه “كان من المشكلات في حياة الملك أنه نشأ وحيدا وسط أخواته البنات، في حين أن أبناء الملوك في الخارج يسهل تعريفهم بأبناء الأسرات العريقة فيجد الواحد منهم عددا من الأصدقاء في مثل سنه، مما يفيدهم في التعرف علي أحوال وعادات المجتمع، وبما أن الملك حرم من مثل هذه الصداقات، فقد كان من الضروري تعريفه ببعض مَنْ يصلحون لصداقته من أبناء الأسرات الكريمة، ولعب الورق هو العادة الشائعة بينهم، وأنه كان علي كل حال يراقب مجري الأمر “.

أما  مرتضى المراغي باشا فكان يري أن انخداع فاروق في إحدى السيدات من زوجات الضباط كان  السبب الرئيسي في ضياع عرشه.. خطوة بعد خطوة!! وقد صور مرتضى المراغي لحظات فاروق الأخيرة في أسوأ صورة يمكن أن يقدمها صديق، ونحن نراه يعطي علاقة فاروق بالجنس الآخر أبعادا سياسية وعملية لم يتطرق إليها غيره..

الوصول إلى الاستهتار و اللا مبالاة

تعبر الفترة الأخيرة جدا من حكم الملك فاروق عن مدي التحلل الذي يصيب أية دولة حين يصاب من هم  في رأس الدولة باللامبالاة وعدم الحرص علي البقاء، وليس من الغريب أن كلا من رووا ما يعرفونه عن هذه الفترة  يشيرون الى  مواقف تنطق بكل وضوح بمدي استهتار الملك  ومن حوله بمسئوليته عن الحفاظ على عرشه وكأنه كان يمضي بإرادته إلى قدره .

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com