الرئيسية / المكتبة الصحفية / الشيخ عبد ربه مفتاح شيخ الوعاظ الأزهريين 

الشيخ عبد ربه مفتاح شيخ الوعاظ الأزهريين 

كان الشيخ عبد ربه مفتاح من أعلام الوطنية المصرية في ثلاثة ميادين متصلة بعضها ببعض في ذلك الوقت من عصر النهضة، فقد كان أديبا وخطيبا ورائدا من رواد التجمعات و الجمعيات الأدبية ذات الصبغة الوظيفية او المهنية ،  وكان من دعاة الإصلاح الاجتماعي والمبدعين فيه ، وكان من أقطاب العمل السياسي و العمل السري ضد الاحتلال الإنجليزي، وهو العمل الذي ساعد ثورة 1919 على تحقيق ما حققته من استقلال للوطن ونهضته.  وقد انفرد من بين أقرانه بتحقيق نجاحات قياسية في مجال الدعوة ، فكان الخطيب المؤثر ثم شيخ الوعاظ كما أصبح رئيس تحرير مجلة الأزهر فأضفى عليها تألقه وتألق أسلوبه وهي لا تزال في شبابها .

نشأته وتكوبنه

ولد الشيخ عبد ربه مفتاح  بعزبة مفتاح عطا بمركز اطسا بمحافظة الفيوم.   وتلقى تعليما دينيا بدأ بحفظ القرآن الكريم ، ثم  التحق بمعهد القاهرة الديني، وأكمل تعليمه بالأزهر الشريف وكان من الأساتذة  الذين حضر عليهم في الجامع الأزهر : الشيخ عبد الرحمن البحراوي 1824- 1904 و الشيخ سليم البشري 1832 – 1917 والشيخ عبد الرحمن الشربيني 1832- 1908  ، والشيخ عبد القادر الرافعي  1832- 1905  والشيخ حسن الطويل 1834- 1899 والشيخ أحمد الرفاعي الفيومي 1834- 1907 ، والشيخ حسونة النواوي 1839- 1924 والشيخ محمد عبده 1849- 1905  والشيخ أحمد أبو خطوة 1852- 1906.

عمله بالدعوة منذ بداية حياته

بدأ الشيخ عبد ربه مفتاح عمله  الوظيفي إماماً لأحد مساجد القاهرة  ، وهو مسجد الغندور بشارع سوق السلاح ، والتزم في دعوته منذ مرحلة مبكرة بما التزم به بعد ذلك في مقالاته من محاربة الشعوذة والتيارات الهدامة على حد سواء . وقد لمع اسم الشيخ عبد ربه مفتاح على مستوى قومي بفضل دأبه في أداء رسالته و اشتباكه بالمجتمع السياسي ، و الأهم من هذا مشاركته الفاعلة في ثورة 1919  التي نمت عن نفس عالية مجاهدة في سبيل الحق

دوره في ثورة ١٩١٩

لما اندلعت ثورة ١٩١٩ كان الشيخ عبد ربه مفتاح من أبرز علماء الأزهر الذين مارسوا النشاط السياسي في مواقع متقدمة وكان أيضا من رموز هذه الثورة  ، فقد كان واحدا من قادة  العمليات ، وكان من أعلي الأزهريين قدرا فيها، وقد كتب  كثيرا من المقالات  السياسية و الوطنية  المهمة في الصحف، وكان لمقالاته أثرها في إذكاء الروح الدينية والوطنية. ومن المعروف أن من أقطاب الأزهريين في هذه الثورة : الشيخ محمد شاكر وكيل الأزهر وعضو الجمعية التشريعية و الشيخ أحمد نصر العدوي والشيخ عبد المجيد اللبان والشيخ يوسف الدجوي  أعضاء هيئة كبار العلماء والشيخ علي سرور الزنكلوني والشيخ عبد الباقي سرور نعيم والشاعر عبد الله عفيفي والشيخ محمود أبو العيون  والشيخ محمد عبد اللطيف دراز فضلا عن الشيخ مصطفى القاياتي ، والشيخ محمد عز العرب المبتديان اللذين كانا من طبقات الوفد القيادية  التي تولت مسئولية قيادة الحركة الوطنية في أثناء غياب زعامات الوفد في المنفى والسجن .

تواتر القول بمكانته في جماعة اليد السوداء

تذكر روايات كثيرة أن  الشيخ عبد ربه مفتاح كان سكرتيرا لجمعية اليد السوداء، التي كانت من أهم جماعات العمل السري  وسواء صح هذا أم لم يصح ففي كل الأحوال كان للشيخ دور علني في الثورة شأنه شأن زملائه الذين ذكرناهم .

إسهاماته الأدبية المتواترة

كان الشيخ عبد ربه مفتاح أديبا مشتبكاً مع الأدب والنقد والواقع والحياة فكان من الأدباء الذين يمارسون السجال الأدبي والنقدي ويخوضون المعارك الفكرية بحماسة واقتدار معبرين عن معتقدات أصيلة، ورغبة عارمة في التقدم والرقي وتحقيق الأماني الوطنية، وهكذا كان  رمزا حيا للمشاركة الازهرية في الحياة الأدبية .

رئاسته لجمعية أدبية

كان الشيخ عبد ربه مفتاح رئيسا لجمعية أدبية “إخوان الصفا” وكان من أعضاء هذه الجمعية الشيخ محمد عبد اللطيف دراز ، والشيخ محمود أبو العيون ، والشيخ محمود شلتوت.

أول من رأس قسم الوعظ والإرشاد

كان الشيخ عبد ربه مفتاح علما من أعلام الأزهر في داخل الجامع وخارجه ،  على أن إسهاماته العلمية والوظيفية توجت بما هو أهم من ممارسة العلم والتعليم بكثير ، وهو أنه كان أول من وقع عليه الاختيار ليرأس قسم الوعظ والإرشاد في الأزهر عندما تأسس هذا القسم في 1928 على يد الشيخ المراغي، وقد اتخذ هذا القسم من نواة الوعظ في السجون أساساً للقيام بهذه المهمة الدعوية على هذا المستوى الذي.

وقد طبع الشيخ عبد ربه مفتاح نشاط إدارة الوعظ بما تميز به أفقه الواسع و نقاؤه الديني  فجعل الجماهير جميعا مستهدفة بالوعظ ، و جعل من مسئولية الوعاظ الدعاة في تلك الإدارة نشر الدعوة الإسلامية والثقافة الدينية، ومحاربة البدع والخرافات وتقوية الوعى الوطني وتقويم السلوك الاجتماعي ، وغرس أسس الفضيلة، وهكذا أسس لآفاق من النشاط الدعوي الذكي غير المرتبط بمهام روتينية أو وقتية  .

ومع الزمن فقد تطورت وظائف هذا القسم (هذه الإدارة فيما بعد ) ومهامه  حتى عُرف  كثير من الأعلام فيما بعد  بعملهم فيه  ، كما خرّج عدداً من الشخصيات العظيمة ، كما تولاه أيضا عدد من أهم مفكري الأزهر و علمائه ، و في مقدمتهم الشيخ عبد الله المشد  الذي نال تكريم الدولة وهو مدير للوعظ  ، و الشيخ عبد اللطيف مشتهري الإمام الرابع للجمعية الشرعية.

رئاسته لتحرير مجلة نور الإسلام (الأزهر)

كان الشيخ عبد ربه مفتاح بهذه المكانة ومن هذا الموقع مرشحاً طبيعيا لأن يكون رئيس تحرير للمجلة التي كان لا بد للأزهر أن ينشئها مع  التطوير الذي حدث بإنشاء الكليات الأزهرية وتطوير قانون الأزهر  في 1930 .وهكذا كان هو رئيس تحرير مجلة “نور الإسلام” التي تأسست في عهد الشيخ الظواهري والتي تغير اسمها بعد هذا إلى مجلة الأزهر  و ظلت بهذا الاسم منذ ذلك الحين، ومن الإنصاف أن نشير إلى أن هذه المجلة لم تتسم من البداية باسم الأزهر لسبب عملي وهو أنه كانت هناك مجلة [تجارية] تحمل هذا الاسم، فلما رسخ قدم مجلة “نور الإسلام” وعرفت في الحياة العامة كانت هي الأحق باسم “مجلة الأزهر” وهو ما حدث على يد الشيخ المراغي في 1935 على نحو ما ذكرنا في كتابنا الظواهري والإصلاح الأزهري.

رواية طريفة للدكتور زكي مبارك 

روى الدكتور زكي مبارك في الحديث ذو شجون قصة تدل على سعة أفق الشيخ عبد ربه مفتاح و ميله إلى استيعاب التوجهات الفكرية من خلال نشاط الوعظ بعيدا  عن الجمود و  التمسك بمقاييس تقليدية مسبقة : 

” فجعت مصر منذ أعوام بوفاة رجل من أصحاب المروءات، هو الشيخ عبد ربه مفتاح، وكان شيخ الوعاظ، وإليه يرجع الفضل في تنظيم الوعظ الديني بالأقاليم، وكان له في ثورة سنة 1919 مجال . فماذا خلف هذا الرجل من الآراء؟  الجواب عند الذين دربهم على الوعظ والإرشاد، ولكني أذكر رأيا واحداً يصور حصافته العقلية، فقد كان يرى أن ينتفع الأزهر بمواهب المثقفين المتهمين برقة الدين، لأنه كان يعرف أن التهمة بالإلحاد لا تقوم في أغلب الأحوال على أساس، وإنما تكون فرية يذيعها أصحاب الأغراض، أو تأويلاً خاطئاً لكلام يحتمل التأويل، وكان من حججه أن الأزهر حين ينتفع بمواهب أولئك المثقفين قد يغرس فيهم الجاذبية الدينية، على فرض انهم ينفرون من الدين، أو يحولهم إلى أصدقاء يصعب عليهم التحامل على الأزهر الشريف والحق أن الأزهريين الشبان يتمنون أن يرفع الحجاب المسدول بينهم وبين أقطاب الفكر الحديث، ليروا دنيا العقل في ثوبها الجديد، وليصح القول بأنهم عرفوا ما عند أشهر المثقفين من مذاهب وآراء”

وقد أردف الدكتور زكي مبارك بذكر ما وصفه بأنه  فكاهة مؤذية تبين هذا المعني فقال:

” وهنا فكاهة مؤذية ولكنها طريفة: فقد اقترح فريق من طلبة كلية اللغة على فضيلة الأستاذ الشيخ المراغي أن يقوي كليتهم بأصحاب المواهب، ولو كانوا في جموح زكي مبارك وشطط طه حسين!! أنا والدكتور طه من أصحاب المواهب، بشهادة كلية اللغة العربية؟ هو ذلك، فما يرفض الكرامة إلا لئيم! أما القول بأننا من أهل الشطط والجموح فهو قول مردود فما عرفوا عنا فيما قرءوا وما سمعوا غير القول بحرية العقل وقدسية الدين”

قصته مع النبيل عباس حليم

من مواقف  الشيخ عبد ربه مفتاح الشجاعة التي حفظتها الذاكرة الشعبية  أنه وجد  النبيل عباس حليم  وقد أعلن في الصحف عن وليمة غذاء في الساعة الثالثة من ظهر أحد أيام شهر رمضان ، ودعا إليها كبار رجال الدولة آنذاك ، فهاجمه الشيخ علانية في الصحف وعلى المنابر مما دعا الملك إلى إعلان غضبه  على تصرف  النبيل عباس حليم وعدم رضاه عن فعله.

وفاته

توفي الشيخ عبد ربه مفتاح في 1938.

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com