مكانته التاريخية والعربية
زكي طليمات 1894-1982هو الرائد الأكاديمي للمسرح العربي الحديث، ومن المدهش انه هو نفسه استنسخ تجربته أكثر من مرة بعد نجاحها في مصر، وقد تعددت محاولاته الهادفة إلي تأسيس علم المسرح في مصر، وإلي ربط الفن المسرحي بالدراسة الأكاديمية وبالعلم، ونجح في هذا الهدف بعد محاولات دائبة ، وهو صاحب الفضل في وضع المناهج المتكاملة للدراسة المسرحية في مستواها العالي ، وقد أكدت مدرسته الفنية علي الجماعية في الإبداع، وعلي أهمية العلم ، والمعرفة الحرفية الرفيعة، وعلوم النفس والحضارة، وكان أول من كسر قاعدة الحائط الرابع في المسرح، ومزج بين الجمهور وخشبة الممثلين، واهتم بالواقعية في المسرحيات التاريخية. فيما قبل 1952 كان زكي طليمات يحظى برعاية الوزارات الوفدية وبالمصاعب مع الوزارات السلطوية ، و في عهد 1952 حُسب تلقائيا ضمن الرجعية الوفدية ففصل من وظيفته ، فعمل في تونس 1954-1957 ثم احتضنته الكويت لفترة طويلة امتدت الى السبعينيات على نحو ما احتضنت صنويه الدكتور احمد زكي 1894-1975 و السنهوري باشا 1895-1971 ، فأنشأ علي مدي سنوات المسرح الكويتي والدراسات المسرحية في هذا القطر الشقيق، و كرر التجربة في الامارات بعد الكويت ، وفي عهد الرئيس السادات نال أقصى ما نال من التكريم إذ توجته الدولة بجائزتها التقديرية في الفنون (1975)، وكان الخامس عشر بين مَنْ حصلوا عليها في الفنون، كما كان ثاني مسرحي يحصل عليها بعد يوسف وهبي 1898-1982، وقد سبقه إليها من المطربين الذين اشتغلوا بالتمثيل أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، كما سبقه إليها من المخرجين محمد كريم 1896- 1972، وبالإضافة إلى هؤلاء الأربعة : سبعة من الفنانين التشكيليين و معماريان والعلامة الدكتور حسين فوزي. و منح أيضا درجة الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون في أول مرة تمنح فيها هذه الدرجة ، وذلك على يد رئيسها د. رشاد رشدي 1912- 1983 مع ثلاثة نظراء له من رواد الفن هم : توفيق الحكيم ، ويوسف وهبي ، ومحمد عبد الوهاب وكان منحهم في احتفالية ازدهت بها أجواء النصر والعهد الجديد للفن.
مقارنته بيوسف وهبي
نجتزئ للقارئ من دراساتنا المطولة المنشورة في مواضع متعددة فكرة سريعة تبلور هذا الفارق على طريقتنا فنقول إن زكي طليمات في ريادته للمسرح كان ينشئ الورشة داخل المدرسة على حين كان يوسف وهبي ينشئ المدرسة داخل الورشة ، ومن خلال هذه الفكرة يمكن لنا أن نعقد المقارنات اللانهائية بين هاتين المدرستين التأسيسيتين ، وثمارهما ، وهي ثمار غزيرة و ممتدة .
نشأته الأولى
اسمه زكي عبد الله طليمات، ولد في 29 ابريل 1894 [تشير بعض المصادر إلي أنه ولد في 1895و 1897 و 1899] يعود أصل والده إلي الجزيرة العربية، وقد ارتحل إلي الأناضول ثم إلى الشام [تروي بعض المصادر أن عائلتهم استقرت في حمص] ثم استقر في مصر وعمل في التجارة، أما أمه فشركسية، درس في مدرسة محمد علي والحسينية الابتدائيتين، ثم في المدرستين الخديوية والإلهامية الثانويتين، وحصل علي البكالوريا من المدرسة الالهامية ( بنبا قادن ) ، والتحق بمدرسة المعلمين العليا، لكنه هجر الدراسة وهو في السنة الثالثة (1917) بعد أن كان قد بدأ ممارسة هوايته في الفرق التجارية وفي 1912 ضمه الفنان جورج أبيض 1880- 1959 إلي الفرقة التي كونها بمعاونة الخديو عباس حلمي 1874- 1944 ، ثم انضم الى فرقة عبد الرحمن رشدي المحامي 1881- 1939 التي كانت تضم زكي رستم 1898-1958 وبشارة واكيم 1890-1949 وكانا من حاملي البكالوريا مثله .
اشتهار هوايته للمسرح
كان الفنان زكي طليمات صديقا لأبناء أحمد تيمور باشا (محمد تيمور 1892- 1921 ومحمود تيمور 1894- 1973 وإسماعيل تيمور )، وأثبت نجاحه المبكر من خلال تقديم بعض المسرحيات في قصرهم، كما اشترك في مسرح الهواة ومسارح المدارس.
بدء نجوميته
نال زكي طليمات شهرة بعد تمثيله مسرحيتي «الرداء الأحمر» و«الشمس المشرقة»، وأصبح من نجوم مدرسة مسرح جورج أبيض في مواجهة مدرسة مسرح الريحاني وعلي الكسار، وعمل مع جورج أبيض في أكثر من فرقة، ثم تحول إلي النقد الفني في جريدة «المقطم»، ثم عاد إلي «جمعية رقي الآداب والتمثيل».
بعثته العلمية الى فرنسا
تقدم الفنان زكي طليمات لمسابقة التمثيل التي نظمتها وزارة الأشغال المصرية لاختيار الفائز لبعثة فنية إلي فرنسا ففاز فيها، وقضي 5 سنوات في فرنسا (1924 ـ 1928)، وقد التحق بورشتي المسرح في مسرحي الأوديون والكوميدي فرانسيز، ونال دبلوم معهد التمثيل، ودبلوم معهد تقنية المسرح، وشهادة الإخراج المسرحي، كما زار خلال بعثته عددا من الدول الأوروبية الأخرى : بريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، وتحول توجهه من التمثيل إلي فنون الإخراج والجوانب الأكاديمية في المسرح.
تقريره الشهير لوزارة المعارف
عقب عودته من البعثة بدأ الفنان زكي طليمات جهوده المتكررة و المتعاقبة من أجل نشر الفن المسرحي بطريقة مؤسسية و مرتبطة بالدولة و النظام العام على نحو ما هو موجود في الدول المتقدمة في ذلك الوقت . وقد أعد زكي طليمات تقريراً عن المسرح لوزارة المعارف دعا فيه إلي إنشاء معهد لفنون المسرح وإدارة للمسرح المدرسي في وزارة المعارف، وإنشاء فرقة حكومية مستقلة الإدارة، لا يتعين [يقصد : لا يوظف] فيها إلا القادرون علي الأداء المسرحي المتميز، علي أن يتقاضوا مرتبات ثابتة، وبناء علي مذكرته هذه أنشأت الدولة معهد التمثيل. و في عهد الوزارة الانقلابية ( 1930-1933) برئاسة إسماعيل صدقي باشا 1875- 1950 و وزير المعارف محمد حلمي عيسى باشا 1879- 1953 أغلقت الدولة ذلك المعهد بعد سبعة شهور من إنشائه، وفشلت المحاولات في إعادته إلا من خلال صيغ أقل حفاوة بفن المسرح، من قبيل قاعة محاضرات، ثم مركز تخريج ممثلين، أما هو فعاد إلي الحركة المسرحية التجارية وشارك في عدة فرق، كانت منها فرقة اتحاد الممثلين.
المخرج الأول في الفرقة القومية
وفي 1935 دعته وزارة المعارف في عهد وزيرها أحمد نجيب الهلالي باشا 1891- 1958 ليكون المخرج الأول في الفرقة التي كونتها الوزارة (الفرقة المصرية) برياسة الشاعر خليل مطران 1872- 1949 ، وقد احتفي الشاعر الكبير بزكي طليمات وآرائه، ومكّنه من إخراج «أهل الكهف» لتوفيق الحكيم في افتتاح موسم الفرقة (15 يناير 1935) وقد حظيت هذه الفرقة بإشراف عدد من السياسيين المتنورين كان منهم أحمد ماهر باشا 1888- 1945 ، والدكتور محمد حسين هيكل باشا 1888- 1956، ومحمد حسن العشماوي باشا 1892- 1967 ، والدكتور طه حسين باشا 1889- 1973 ومن الطريف ان هؤلاء الأربعة بهذا الترتيب تولوا منصب وزير المعارف (كان منهم عند تشكيل الفرقة وزير سابق ، و ثلاثة لاحقون).
وزارة المعارف تكلفه بإنشاء المسرح المدرسي
وفي 1937 في عهد وزارة الوفد أوكلت وزارة المعارف إلى زكي طليمات إنشاء المسرح المدرسي، وسافر في بعثة ثانية (1939) إلي ألمانيا وفرنسا لدراسة المسرح الشعبي، وأسس وحدتين لهذا المسرح بعد عودته.
إنشاء المعهد العالي للتمثيل
في عهد وزارة الوفد برئاسة النحاس باشا تولي الفنان زكي طليمات إنشاء المعهد العالي للتمثيل (1944) الذي يعتبر بمثابة أبرز إنجازاته، وأشرك معه أساتذة فرنسيين في وضع مناهج الدراسة، وقد صُممت مناهج المعهد منذ البداية لتشمل الأدب وتاريخه، ومذاهب التأليف، ومدارس الإخراج، فضلا عن فنون الأداء والإلقاء والحركة، وتاريخ الفن التشكيلي، والموسيقي. وعمل عميدا للمعهد ومديرا للفرقة القومية، وقد بدأ المعهد تخريج أولى دفعاته (1947) مؤهلا لهم للعمل في الفرقة القومية، وهكذا كان له الفضل الأول في الطابع الاكاديمي المميز لذلك المعهد الذي سمي بالمعهد العالي للفنون المسرحية، و اصبح بمثابة أبرز معاهد أكاديمية الفنون عند إنشائها، وقد أوصى بمكتبته الشخصية للمعهد .
تأسيسه لفرقة المسرح المصري الحديث
وفي 1950 في عهد وزارة الوفد برئاسة النحاس باشا أسس الفنان زكي طليمات فرقة المسرح المصري الحديث ، وكوّنها من خريجي الدفعتين الأوليين من معهد التمثيل، وقدم من خلالها أعمالا لتوفيق الحكيم وعلي أحمد باكثير 1910-1969ومحمود تيمور وهوجو 1802- 1885و موليير1622- 1673.
معاناته بعد 23 يوليو
عاني زكي طليمات بسبب ما هو معروف من انتماءاته الوفدية السابقة، وصداقته لكثير من السياسيين الوفديين ومنهم محمد صلاح الدين باشا ، وطه حسين باشا ، والدكتور محمد مندور1907-1965 ، وأخرج من وظيفته في حركة التطهير.
الانتقال الى تونس
شغل زكي طليمات (1954) بتطوير المسرح التونسي في تونس، وفيها نقل تجاربه الناضجة في مصر وشارك في تأسيس ثاني معهد عربي لفنون المسرح، وثاني فرقة قومية مسرحية عربية .
الانتقال الي الكويت
منذ 1957 بدا الفنان زكي طليمات في إنشاء الحركة المسرحية الكويتية، على أساس علمي متكامل شمل المؤسسة التعليمية والتدريبية و المؤسسة المسرحية نفسها، فضلا عن تراث المسرح و مكتبته ، وبقي في الكويت يؤدي هذه المهمة بإخلاص حتي أوائل السبعينيات، ثم تولي نفس المهمة في الإمارات.
مكتبته العلمية المرجعية
نشر زكي طليمات كثيرا من البحوث والمقالات في المسرح و الثقافة و وضع كتبا مرجعية طبعت مرات عديدة منها :
- «فن الإلقاء وفن التمثيل» (1945
- «المسرحية والمسرح العربي» (1971)،
- «فن التمثيل العربي» (1971)
سلسلة رواية المسرح العالمي
تولي زكي طليمات ترجمة ومراجعة عدد من المسرحيات العالمية وبخاصة في سلسلة رواية المسرح العالمي التي أصدرتها الكويت، ومن هذه المسرحيات:
- «الجلف» لتيشكوف
- «الوطن» لسارتر
- «حلاق أشبيلية» لبومارشيه
- «هرناني» لفيكتور هوجو.
وظائفه الروتينية
كان زكي طليمات قد عمل في شبابه في وظيفة كتابية بحديقة الحيوان، وبعد عودته من البعثة عمل مفتشا عاما للمسرح المدرسي بوزارة المعارف، وتدرج في المناصب حتي أصبح مديرا عاما للمسرح الشعبي.
زواجه من السيدة روز اليوسف
وفي 1925 تزوج الفنان زكي طليمات من الفنانة روز اليوسف 1899-1958 نجمة مسرح يوسف وهبي وانصرفا لإصدار مجلتها الشهيرة التي بدأت كمجلة فنية.
وفاته
توفي الفنان زكي طليمات في 22 ديسمبر 1982