الرئيسية / المكتبة الصحفية / الحقائق العشر التي سبقت خلاص السودان من حكم العسكر المصريين 

الحقائق العشر التي سبقت خلاص السودان من حكم العسكر المصريين 

كانت مشاعر السودانيين نخبة وشعبا تتجه إلى الاتحاد بل التوحد مع مصر، لكن تصرفات مجموعة الرئيس جمال عبد الناصر كانت كفيلة مرة بعد أخرى بتحويل هذا التوجه إلى النقيض تماماً، حتى إنه لا يمكن لأي قارئ للتاريخ أن يبرئ مجموعة الرئيس عبد الناصر من الحرص على استفزاز السودانيين ومُجافاتهم والتعامل معهم على انهم الآخر.. ومع هذا فإن هذا الآخر كان بصبر وحكمة يحقق من المكاسب السياسية بالتدريج ما يفوق مكاسب الرئيس جمال عبد الناصر ومجموعته، ولعلنا نتناول هذه المكاسب والتطورات في صورة إضاءات سريعة يمكن فهمها اليوم على حين لم يكن من الممكن فهمها في ذلك الزمان.

زيارة صلاح سالم لجنوب السودان تمت بترتيب أمريكي

تحفل أدبياتنا بالحديث عن زيارة صلاح سالم ورقصه مع السودانيين في الجنوب، وتُشير هذه الادبيات على استحياء إلى توزيعه الأموال على رجال القبائل (تذكر مصادر مصرية أن هذه الأموال لم تتعد نصف مليون جنيه ولم تصل إلى ما وصلت إليه المنح الناصرية في اليمن بعد سنوات) .. لكن هذه الأدبيات تتجاهل الإشارة إلى أن هذه الزيارة تمَّت بترتيب أمريكي ،  وقد كان هذا التعاون الأمريكي المصري متعدد الاحتمالات :

  • كان التدبير الأمريكي لفكرة الاستعمار الجديد يستهدف تقديم ضباط 23 يوليو للحياة السياسية كنموذج للأمر الواقع الجديد . 
  • كانت الحسابات الأمريكية التقليدية تستهدف اختبار ممارسة وقدرة ضباط 23 يوليو
  • كانت مؤسسات الفكر الأمريكي تستهدف التأكد مما تجمع لديها مما يتعلق بحقيقة التوجهات العميقة لضباط 23 يوليو .
  • كانت الاستراتيجية الأمريكية تستهدف دفع ضباط 23 يوليو للصدام مع الواقع بكل عناصره  ومن ثم وضعهم في مواجهة خبراتهم المحدودة.
  • كان التوجه الأمريكي العميق يستهدف في أقل تقدير مناكفة البريطانيين مع زيادة المساحة المُتاحة لأقدام الأمريكيين.

الشيوعيون المصريون كانوا دعاة لانفصال السودان

هذه حقيقة من الحقائق الكبرى التي تم التغافل عنها عن عمد على الرغم مما هو شائع جزئيا من حديث عن استدعاء صلاح سالم ليوسف ادريس وزهدي وإبراهيم عبد الحليم وفتحي خليل من السجون وتكليفيهم بالاتصال بالشيوعيين السودانيين من أجل العمل لمصلحة مجموعة الرئيس عبد الناصر، ومن الثابت تاريخيا أن التنظيمات الشيوعية المصرية نشرت بيانا في أثناء حكم وزارة النحاس باشا الأخيرة ( وبالتحديد في 17 أبريل 1951) وأيدت فيه ما أسمته صراحة حق تقرير المصير للسودانيين وجاء في هذا البيان نص مفزع في دلالته كان نصه:  “القوات الاستعمارية البريطانية والمصرية”.

استقالة نجيب الاولى دمرت صورة الضباط عند السودان

استقبل السودانيون بحساسيتهم المفرطة وذكائهم العملي استقالة محمد نجيب الأولى في فبراير 1954 على أنها موجهة ضدهم وضد فكرة الوحدة بين شطري وادي النيل، ومن العجيب أن مجموعة الرئيس جمال عبد الناصر بتصرفاتها و تصريحاتها سرعان ما أكدت لهم هذه الظنون القوية، ونحن نعرف أن دعاة الانفصال كانوا يرددون بحماس  وهم يخطبون وسط الجماهير: هل تقبلون أن يحكمكم جمال عبد الناصر؟ وصلاح سالم فترُدُّ الجماهير بالإجماع : لا …. لا ، وعلى حين أن المواطنين المصريين ظنوا رجوع محمد نجيب عن استقالة فبراير قد حلت المشكلة بين الضباط وبعضهم البعض فإن المواطنين السودانيين لم يقتنعوا بنظرية تقبيل اللحى ، بينما هم هم يرون الأمر في الشارع على خلاف هذا، ولهذا فإنه عندما زار الرئيس نجيب بنفسه السودان وبصحبة صلاح سالم في 2 مارس 1954 كان الاستقبال السوداني عنيفا في المطالبة بحقوق السودانيين.

السودانيون يفقدون ثلاثين شهيدا ومائة جريح

  وكانت نتيجة الألعاب الأمنية التي مارستها الدولة العميقة ضد الشعب السوداني في ذلك اليوم هي مقتل أكثر من ثلاثين قتيلا، وإصابة أكثر من مائة جريح .. وكانت النتيجة الطبيعية أن اضطر إسماعيل الأزهري الذي كان مواليا لمصر إلى أن يُعدل موقفه وإلى أن يصل ببلاغته في خطاب الجماهير إلى أن يقول  بكل صراحة و وضوح  إن لحم أكتافي من مصر، وإنني دخلتها معدماً، لكن هل ترضون أن يحكمكم عبد الناصر؟

اضطرار الحكومة السودانية لمواقف محتجة ومضادة  لمصر

وجدت الحكومة المحلية السودانية أن من الحكمة و اللباقة و احترام الذات وبعد النظر أن تُظهر غضبها من سياسات العسكريين الذين أصبحوا يحكمون مصر، وهكذا رفضت حكومة الأزهري الأسلحة المصرية، ورفضت فكرة تدريب ضباطها في مصر وآثرت أن تُدربهم في بريطانيا على الرغم من أن العصر كان عصر شعارات الاستقلال الوطني ، بل إن إسماعيل الأزهري نفسه اضطر إلى وقف الصحف الاتحادية وإلى رفض تسلم ثلاثة أرباع مليون جنيه مصريا كانت معونة شبه روتينية من مصر للموازنة الحكومية السودانية.

فشل المصريين في استنساخ  ثنائية نجيب وعبد الناصر في السودان

من المعروف أن مصر في وقت من الأوقات بذلت جهوداً محمومة للدفع بمحمد نور الدين نائب إسماعيل الأزهري ليكون بديلا له على نحو ما كان من ثنائية عبد الناصر ومحمد نجيب لكن هذه الجهود لم تنجح في ظل الشفافية السودانية  ، وانما باءت بالفشل وعادت بأثر سلبي على السياسة المصرية وعلى فكرة الوحدة، وزادت من الاقتناع بأن التعاون مع الضباط المصريين أمر خطر وغير مضمون العواقب.

الأزهري يحقق مكانة دولية و بروتوكولية تفوق مكانة المصريين

بالذكاء البريطاني المعهود، تم تنظيم زيارة لإسماعيل الأزهري الذي هو رئيس وزراء حكومة محلية في دولة لم تحصل بعد على الانفصال ولا على الاستقلال إلى عاصمة بريطانيا. ومن الطريف ان الملكة إليزابيث الثانية استقبلته بنفسها استقبالاً رسميا، وأن رئيس الوزراء التقليدي التاريخي تشرتشل دعاه إلى الغداء معه .

السودانيون هم من منعوا محاكمة الرئيس محمد نجيب

تمت مراسيم استقبال إسماعي الأزهري كزعيم ورجل دولة في نوفمبر 1954 في ذات الوقت الذي كان الضباط المصريون يُضحون بأبيهم الروحي الرئيس محمد نجيب بطريقة لا تليق بهم كشُبَّان ثوريين أو كضباط نظاميين، ومن العجيب أن القبض على محمد نجيب والتصريح بتقديمه للمحاكمة مع الإخوان المسلمين المتهمين بمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر قد حدث عقب عودة الأزهري مباشرة إلى الخرطوم، وكأنه كان رد فعل مكبوت على ما حظي به الأزهري  من مكانة في المجتمع الدولي، ومع أن المصريين المعاصرين لا يُدركون هذه الحقائق، فإن الساسة السودانيين في ذلك الوقت كانوا على درجة من الوعي جعلتهم يُسارعون إلى مصر ويعقدون اتفاقاً واضحا مع مجموعة الرئيس عبد الناصر يتعهد فيها الناصريون بعدم تقديم محمد نجيب لأية محاكمة وأن يُقفل موضوع محمد نجيب عند الحدود التي وصل إليها بإبعاده عن الرياسة ..

الغدر بمحمد نجيب حسم الموقف لصالح الانفصال

ولم تكن هذه هي النتيجة الوحيدة لهذه اللقاءات التي أعقبت غدر عبد الناصر بمحمد نجيب واعتقاله ، لكن النتيجة الأهم من قفل موضوع محمد نجيب كانت للأسف هي قفل موضوع الاتحاد مع مصر.

السودان يرفض قبول صلاح سالم سفيرا لمصر في الخرطوم

وفيما بعد الاستقلال (الانفصال ) والاحتفال به، حضر صلاح سالم الاستقبال ممثلا لمصر كأنه شخص عادي مدعو ليمثل دولة عادية هذا الحفل، أو بالأحرى كأنه شخص عادي فحسب ، ولم تُعط للحكومة المصرية أي صورة من صور الاعتراف حتى بوجود سابق لها في السودان ، بل إن السودانيين صرَّحوا بأنهم رفضوا طلبا مصريا ناصريا بأن يكون صلاح سالم سفيراً لمصر في السودان.

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com