الرئيسية / المكتبة الصحفية / الشيخ عبد الله دِراز الأصولي الذي وطأ كتاب الموافقات للدراسات المعاصرة  

الشيخ عبد الله دِراز الأصولي الذي وطأ كتاب الموافقات للدراسات المعاصرة  

ملحوظة طبية لا يمكن تجاوزها

أبدأ بملحوظة طبية موجزة فقد توفي هذا العالم الجليل قبل أن يصل الستين و كذلك توفي والده وعمه قبل جده ، و توفي ابنه العلامة محمد عبد الله دراز وهو في الرابعة والستين ، و يبدو هذا من باب التاريخ المرضي باعثا على دراسة النمط الوراثي لهذه العائلة .

مكانته في الحياة الأزهرية

الشيخ عبد الله دراز واحد من أبرز علماء الجيل التالي لجيل الشيخ محمد عبده 1849- 1905 ، وقد وصل في مكانته العلمية والفكرية إلي درجات عليا من ثقة الصفوة والجماهير علي حد سواء، حتى انه كان رمز العلم في جيل  المشايخ الأربعة الذين سبقوه إلى الحياة ، وتعاقبوا على وكالة الأزهر : محمد شاكر 1866 ـ 1939 ومحمد حسنين مخلوف 1861 ـ 1936  وعبد الرحمن  قراعة 1863 ـ 1939 و احمد هارون ١٨٧٢- ١٩٣٠  و كانت له مكانته المرموقة أيضا بين رموز الحياة العامة والفكرية في هذا الجيل :  الشيخ طنطاوي جوهري 1870-1940  والشيخ يوسف الدجوي 1870- 1946 والشيخ عبد المجيد اللبان 1871-1942  وعاطف بركات باشا 1872- 1924  ، ومع أنه كان أحدث سنا من هؤلاء جميعا فإنه في وجودهم كان من أكثرهم لمعانا في الأستاذية والمشيخة والعلم .

مولده و بيت العلم الذي نشأ فيه

وُلد الشيخ عبد الله دراز ( و اسمه الكامل : عبد الله بن محمد بن حسنين دِراز)  في 12 يناير سنة 1874بمحلة دياي، بمركز دسوق، التّابع الآن لمحافظة كفر الشيخ، ومن قبل لمديرية الغربية   ، في أسرةٍ علميّةٍ كان لها نشاطٌ تعليميٌّ بارز،  وقد أصبح هو نفسه هو واسطة العقد فيها ، فقد كان أبوه الشيخ محمد  و جدّه الشيخ حسنين دراز  وعمه الشيخ أحمد  يتولون تدريس اللّغة العربية وعلوم الشريعة، بالمسجد العمريّ في بلدة دياي، و كان يؤمّ دروسهم  طلاب العلم من هذه البلدة وما جاورها، كما كان هؤلاء الطلاب  يفيدون من الكتب التي وقفها الجدُّ الشيخ حسنين على أولاده وذريّته.

تكوينه

بعد ان حفظ الشيخ عبد الله درازالقرآن واظب على حضور دروس اللغة العربية وعلوم الشريعة التي كان يلقيها آباؤه بالمسجد العمري في البلدة. ،  و واصل تلقّيه العلم على يد جدّه  بعد أن تُوفّي والده وعمّه ، ثمّ انتقل بعد وفاة جدّه إلى القاهرة، حيث التحق بالأزهر الشريف،  وانتظم في الدراسة الازهرية العليا حتى  حصل على الشهادة العالمية في 1900.

شيوخه

تلقّى الشيخ عبد الله دراز العلم في الأزهر الشريف، على الشيخ محمد عبده في التّفسير، والشيخ سليم البشري في الحديث، والشيخ محمد بخيت المطيعي في التوحيد، والشيخ أحمد الرخامي في الفقه، والشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي في أصول الفقه، والشيخ محمد البحيري في المنطق والحكمة والحساب والجبر، والشيخ أحمد مفتاح الأديب الدّرعميّ المشهور في الإنشاء والأدب، وكان من أساتذته في الرياضة محمد بك إدريس، وفي تقويم البلدان “الجغرافيا” إسماعيل بك رأفت  وحسن صبري باشا.

تربيته لأبنائه

كان الشيخ عبد الله دراز  يأخذ نفسه وأبناءه بآداب الإسلام ،  وكان يؤم أهله في صلاتي الفجر والعشاء، ويقرأ “صحيح البخاري” في ليالي رمضان،  ومن المعروف ان ابنه العلامة الدكتور محمد عبد الله دِراز، أخذ عن والده ما عرف به من المواظبة على تلاوة ستة أجزاء من القرآن كلَّ يوم.  

وظائفه

عقب تخرج الشيخ عبد الله دراز وحصوله على الشهادة العالميّة، أُسند إليه التدريسُ في مسجد محمد بك أبي الذهب فحقق شهرة مدوية ، ثمّ في أول 1901 أُسند إليه كذلك تدريس مادة الجغرافيا في الأزهر و في يناير 1905، نقل  إلى معهد الإسكندرية الدّينيّ النّظاميّ، مع زملائه الثلاثة (عبد المجيد الشاذلي و إبراهيم الجبالي ) الذين اختارهم الشيخ شاكر لمعاونته على انشاء جامعة إقليمية موازية للأزهر في القاهرة . و اسهم  في تطوير مناهج الدراسة واختيار الكتب والإشراف على سير العمليّة التّعليميّة

مفتشا لمعهد الإسكندرية

 في يناير سنة 1907 عين الشيخ عبد الله دراز مفتشًا للمعهد، إلى جانب دروسه العلميّة، وإلى جانب اشتغاله بتأليف الكتب النافعة للطلاب في السيرة النبوية وتقويم البلدان

وكيلًا لمشيخة الجامع الأحمدي بطنطا

بعد نجاح تجربة معهد الإسكندريّة، اختير  الشيخ عبد الله دراز وكيلًا لمشيخة الجامع الأحمدي بطنطا، في مارس سنة 1908

تكريمه

منحه  الخديو عباس حلمي الوسام العثماني .

وكيلًا لمشيخة معهد الإسكندرية  

في سبتمبر 1912،  نقل الشيخ عبد الله دراز وكيلا  لمعهد الإسكندرية ، في اثناء تولى الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي مشيخة هذا المعهد فبث روحا في المعهد وجعله منارة للثقافة العامة و لعلوم  القرآن الكريم والسنة النبوية، ووقع اختياره من كتب السنة على “الشفاء” للقاضي عياض، وكتاب “مشكاة المصابيح”، وكتاب “تيسير الوصول”؛ فأتمَ  تدريسها كلها في عدة سنين.

شيخًا لمعهد دمياط

في أغسطس 1924، عُين الشيخ عبد الله دراز شيخًا لمعهد دمياط .

كثرة أعماله العلميّة و تّقارير الإصلاحية

كان للشيخ عبد الله دراز نشاط علميٌّ كبير، من خلال الدروس العلميّة التي كان يحرص على إقامتها في المعاهد التي عمل بها، كما قام بتأليف عددٍ كبيرٍ من المقرّرات الدراسية الشّرعيّة. و كتب كثيرا من  أجل إصلاح التعليم وإدارة المعاهد؛ في مراحل حياته العملية.

الموافقات في أصول الفقه

وجّه الشيخ عبد الله دراز عنايةً خاصّةً لكتاب “الموافقات في أصول الفقه” للإمام الشّاطبيّ، أعاد نشره محقّقاً تحقيقاً علميّاً متميّزاً. ، والتي جاءت تاليةً لنشرة الشيخين محمد الخضر حسين ومحمد حسنين مخلوف.

شهادة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان

يقول الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان، الّذي اهتمّ بتحقيق كتاب الموافقات وجمع الفوائد المتناثرة في طبعاته السابقة، يقول: “والحقّ يقال, إن أجود هذه الطبعات طبعة الشيخ عبد الله دراز، ولا سيَّما أنه بذل جهدا عظيما فيها، وذلك من خلال شرحه كلام المصنف، وتعقُّبه له وإحالته الدقيقة على كلام المصنف في مباحث فاتت أو ستأتي، وهذه التعليقات تدل على علم واسع، ونظر ثاقب، وقدم راسخة في علم الأصول، ودراسة دقيقةٍ عميقة لكتاب “الموافقات”، وقد لاحظ بعض الباحثين أن “تعليقات الشيخ دراز تمتاز بالشُّح في الإطراء، وبالمبالغة في المعارضات والاستدراكات”.

فقرة جميلة لقلم بليغ  تصور صفات الشيخ دراز الأب

” كان وئيد المشية في رزانة تحوطها المهابة، باسم الوجه، في جد ووقار، أسمر اللون، ربعة متوسط السمن، حسن البزة، نفيس الثياب، وكان يحب التروض ساعةً في كل يوم سيرًا على القدم. و كان له أسلوب وصفيٌّ قصصيٌّ، تهيمن عليه جاذبية روحية عجيبة تتعانق فيها طلاوة اللغة بحسن الأداء، في صوت نديٍّ هادئ، لا تصنُّع فيه ولا ترفُّع، هذا إلى جانب إخلاصه في أداء واجبه التّعليميّ، الأمر الّذي يُؤدي إلى تعميق الصلة بينه وبين تلاميذه، ويؤكّد ذلك ما روي من أنّه عندما تمّ نقله من القاهرة إلى الإسكندريّة، ودّعه تلاميذه بدموعٍ حارّة. كان قليل السهر، ينام مبكرًا، ويستيقظ سحرًا، فيقوم من آخر الليل ما تيسَّر ثم يضطجع قليلًا بعد صلاة الصبح. كان يحب في كل مناسبة أن يجمع إخوانه خاصّةً على طعام الغذاء؛ لأنه كان لا يتعشى إلا نادرًا خفيفًا، ولم يتعود منبهًا ولا مسكنًا ولا ملهاة قط، كانت صرامته في الحق مع فرط دماثة خلقه وغلبة صمته من الأسباب التي مكنت له في قلوب الخلق مزيجًا من المهابة والمحبة.

اعتزاله

في يونيو من عام 1931  اعتزل الأعمال الإدارية.

وفاته

أدى الشيخ عبد الله دراز  فريضة الحج، في أوائل سنة 1932، و بعدعودته ألمّ به مرض الموت، و كان قبلها معافى ،  وتوفي  ليلة الخميس 23 يونيو سنة 1932، وصلي عليه في الجامع الأزهر، ودفن بمدافن الأسرة بقرافة العفيفي قريبا من  العباسية.

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com