الرئيسية / المكتبة الصحفية / هل غير الكمبيوتر مصطلحات الكلمات والحروف؟

هل غير الكمبيوتر مصطلحات الكلمات والحروف؟

مع انتشار استعمال الحاسبات الآلية أصبحت بعض المصطلحات في حاجة إلي إعادة تعريف أو علي الأقل إلي إعادة صياغة التعريفات القديمة، كما نشأت بعض المفاهيم التي لم تكن موجودة، و تطورت وأصبحت بالتالي في حاجة إلي مصطلحات جديدة.

وقد امتد هذا الأثر ليشمل كثيراً من المفاهيم حتى مصطلحي الحرف والكلمة مع أن معناهما ومدلولهما قد يبدو لنا من البدهيات، لكننا سنرى بعد قليل أنه حتى هذه البدهيات قد أصبحت في حاجة إلى إعادة نظر.

ومع أن الحديث عن إعادة تعريف «الكلمة» يبدو غريبا بعض الشىء باعتباره كما قلنا من البدهيات، فإنه يمس جوانباً كثيرة في حياتنا الثقافية بل اليومية، وعلي سبيل المثال فإن الشائع عند المشتغلين بالكتابة وبالبحوث العلمية أن يتم تحديد حجم بعض المواد التي تطلب لصحيفة أو مجلة أو ملخص بحث علمي بموجب عدد الكلمات، وليس سراً أن بعض الصحف تعلن عن قبول مقالات الرأي بشرط ألا تتجاوز عدداً معيناً من الكلمات، وهكذا يصبح تحديد معني الكلمة عاملاً محدداً لتوجهات كثيرة.

وربما رجعنا إلي الوراء بعض الشىء لنذكر أن حساب رسوم البرقية المرسلة بالتلغراف كان يتم على أساس عدد الكلمات، وإذا قدر لنا أن نراقب موظف التلغراف وهو يعد الكلمات فسوف نلاحظ أنه يهمل حساب حروف الجر والضمائر ويكتفي بالكلمات الكبيرة، وعلي سبيل المثال فإنه في هذه الصيغة: «أطيب التهاني لكم بالنجاح مني ومن زوجتى» عادة ما يحسب موظف التلغراف كلمات: أطيب، التهانى، النجاح، زوجتي ويهمل حساب كلمات: لكم، منى، ومن، مع أن «لكم» في عُرف اللغويين تمثل أكثر من كلمة وكذلك «منى».. ويحدث في «الإعلانات المبوبة» وإعلانات «الاجتماعيات» و«الوفيات» في الصحف نفس ما يحدث في حساب البرقيات حيث يتحدد السطر في كل بنط بعدد كلمات معين، وتتبع في حساب عدد الكلمات نفس القواعد التي يتبعها موظفو التلغراف.

وعندما جاءت الحاسبات الآلية فإنها غيرت المفاهيم بعض الشىء، وأصبحت «المسافة» التي تُضرب علي مفتاحها في لوحة المفاتيح (الكيبورد) بمثابة العامل الوحيد المحدد لعدد الكلمات، وهكذا يمكن حساب عدد الكلمات آلياً في أي نص مكتوب علي أجهزة الكمبيوتر، وينطبق هذا الآن علي جميع الإصدارات الجديدة من برامج الكمبيوتر .. كما أنه قد أصبح في وسع معظم برامج الكمبيوتر أن تنبئ مستخدم الجهاز عن عدد كلمات مقاله حتي في أثناء كتابته للمقال.

والحروف أيضا :

وللكمبيوتر وجهة نظر أخري أيضاً في حساب عدد الحروف، وتقابل الحروف في الكمبيوتر وحدة تسمي «البايت»، ويمكن لنا أن نلخص الموقف علي سبيل التقريب بأن نذكر للقارئ تعريفاً مبسطاً للبايت بأنه يتوازي مع كل دقة من دقات الكمبيوتر، أي كل دقة علي أحد مفاتيح الكمبيوتر، وهكذا فإن ضربنا مفتاح المسافة بين كلمة وأخري ينشأ عنه ما يقابل الحرف تماماً (من حيث عدد الحروف) وهي فكرة ذكية جداً لأنها تعترف بالفرق بين أي كلمتين منفصلتين وأخريين متصلتين علي أنه شىء موجود مع أنه ليس حرفا.

وفي رأيي أن هذا الحل حتي وإن كان غير مقصود فهو حل ذكي لمشكلة كثيراً ما تقابلنا في أخطاء التجارب المطبعية ونضطر إلي كتابة الكلمتين بصورة منفصلة لنؤكد للناسخ علي انفصال الكلمتين عن بعضهما (والمثال علي ذلك: إن شاء، إنشاء، إن قضت، انقضت).

وهكذا يظل الكمبيوتر مستعداً علي سبيل المثال لأن يتقبل وجهتي النظر المختلفتين في شأن اللام ألف.. وهل هي حرف واحد أم حرفان؟ فإذا كانت لوحة المفاتيح «الكيبورد» تكتب «لا» بدقتين علي حرفي اللام والألف فهما حرفان، وإذا استعملت لوحة المفاتيح «الكيبورد» نفس منهج بعض الآلات الكاتبة القديمة وخصصت أحد مفاتيح الحروف لهذا الحرف (لا) فسوف يحسب حرفاً واحداً.

 

ولكن هل انتبه الأقدمون إلي تحديد معني واضح وحاسم للكلمة وللحرف؟

من الواضح أن «الكلمة» كانت إحدي المسلمات في المفهوم اللغوي لدرجة أن التعريفات النحوية تبدأ بها، وفي ألفية ابن مالك مثلاً بيت يقول ما معناه: «إن الكلم: اسم وفعل وحرف» وهو ذاته التقسيم الذي نلجأ إليه في الدروس الأولي للنحو في مدارسنا.

ومع هذا فإن العرب عرفوا بحكم اتقانهم لعلوم اللغة المختلفة وبحكم ممارستهم المبكرة لفن المعجم العربي وصناعته واستعماله صوراً أخري للكلمة تمتد بمصطلح الكلمة ليشمل طائفة أوسع من الألفاظ. ولعل القارئ أدرك الآن من جملتي الأخيرة أنه من الممكن استعمال مصطلح آخر غير «الكلمة» ليعبر عن «الوحدة» في بناء الجملة أو العبارة العربية.. وأصبحنا أمام مصطلحي «اللفظ» و«الكلمة» وعلي طريقة الأقدمين في تحديد المعاني اعتماداً علي التعبير الوصفي فإن اللفظ هو ما يتلفظ به حتي لو كان  دون معني كأي حركة لفظية تصدر عن الصم والبكم، أما الكلمة فشىء أكثر تميزاً لأن لها بناء معجمياً، وجذراً يُبحث عنها فيه من خلال معاجم اللغة وكتبها.

الوحدة المجمعية:

وبالإضافة إلي «اللفظ» و«الكلمة» فإننا نجد أنفسنا أمام «المدخل» وهو المصطلح الذي نطلقه علي الوحدات المكونة للموسوعات ودوائر المعارف، وفي معاجم اللغة مجال للخروج من أسر «الكلمة» إلي «المدخل» بطبيعة الحال لأن هناك «ألفاظا» لابد من تناولها حتي لو لم تكن خاضعة لمفهوم «الكلمة»،ولابد إذن من الاعتراف بوجود ما يسمي بـ«الوحدة المجمعية»، وقد اختار الدكتور أحمد مختار عمر في كتابه «صناعة المعجم العربى» مصطلح اللكسيم واقترح قبوله وإقراره كلفظ معرب نظرا لأفضليته علي المصطلح العربي «الوحدة المعجمية» الذي يتكون من لفظين.

وإذا انطلقنا من هذا المفهوم لنحدد صوراً أخري للكلمة غير تلك الشائعة فسوف نجد أن الأصل هو الكلمة المفردة، ثم هناك كلمات مركبة، وقد ذكر علماء اللغة قديما أن المركب في اللغة ثلاثة أنواع:

ـ المركب تركيباً مزجياً: بعلبك، معديكرب، حضرموت.

ـ المركب تركيباً إضافياً: فوق البنفسجية، وراء الطبيعة، ما وراء الطبيعة.

ـ المركب تركيباً إسنادياً: جاد الحق، فتح الله.

في حياتنا اللغوية:

ولكننا في حياتنا اللغوية نصادف صوراً أخرى شبيهة بالكلمة تحتاج إلي كثير من التأمل لوضع المصطلحات الكفيلة بالتعبير عنها من ناحية، ولإقرار القواعد الكفيلة بالتعامل معها في الموسوعات ودوائر المعارف والمعاجم والقواميس من ناحية أخرى، وسأحاول ـ على طريقتي في الرصد والتصنيف ـ أن أحصر بعض هذه الصور:

(1) علي الرغم من أن الكلمات المنسوبة يمكن تعدادها في نطاق الكلمات المفردة، إلا أنني أجد في نفسي شيئاً من هذا المنطق، إذ كيف يمكن وضع كلمات مثل نفس، نفسى، نفساني علي نفس الدرجة، وقل مثل هذا في صيدلة، صيدلية، صيدلى، صيدلانى، صيدلانية، صيدلانيات، وقد اكتسبت كل كلمة من هذه الكلمات دلالة مختلفة عن أخواتها إلي الدرجة التي لا يمكن معها استعمال إحداها بديلاً عن الأخرى.

(2) في الأسماء الشائعة أسماء كثيرة نستعمل كلمة «أب» مضافاً ونضيف إليها شيئا آخر.

من هذه الأسماء ما يضيف الأب إلي اسم ذات مثل: أبو النور، أبو الدهب، أبو الليل.

ومنها ما يضيف الأبوة إلي اسم معني أو صفة: أبو العز، أبو الوفا، أبو المجد، أبو العطا، أبو العزم، أبو العزايم.

وقد يكون المضاف نفسه علماً يقوم مقام الاسم بمفرده مثل: «أبو زيد» و«أبو على» و«أبو عامر» (ولنتذكر هنا التعريف القديم للكنية».

وقد يكون العلم نفسه اسم كائن حي «أبو غزالة» أو اسم لقب «أبو بيه» أو «أبو باشا».

ومن هذه الأسماء ما شاع مرتبطا بوجود الأب فيه حتي ليكاد الناس يتصورون ندرة وجوده بدون لفظ الأب، من ذلك اسم «أبو طالب».

وقل مثل هذا فيما يحدث مع «ابن»، فهناك ابن خلدون، ابن زيدون، ابن البيطار، ابن عفان.

بل إن هناك من الأسماء ما يجمع بين الابن والأب كابن أبي سفيان مثلا.

وقل مثل هذا في أسماء تبدأ بأم، كأم السعد، وأم العز.

 وقد لجأت كثير من المراجع والموسوعات إلي حذف الابن والأب وترتيب المداخل بعد حذفهما.

(3) من الأسماء الشائعة اسم مركب من اسمين، ولكن العامة بل والخاصة لا ينطقونه إلا وكأنه اسم واحد بينما يكتب كاسمين وهو اسم «سيد أحمد».

وقريب من هذا ما يحدث من استغلال «ذو» وهو اسم من الأسماء الخمسة مثل «أب» وذلك في اسم «ذو الفقار»، وعلي مستوي المؤنث نجد «ذات الهمة» و«ذات النطاقين».

(4) هناك نوع من التركيب في الألفاظ يقوم علي شكل يزداد شيوعه يوما بعد يوم مثل تعبير «السكة الحديد»، «الورق الحساس»، ويقوم التركيب هنا علي الصفة والموصوف، ولا يمكن معاملة «السكة الحديد» بطريقة المضاف والمضاف إليه لنقول «سكة الحديد» مثلاً.

ومن التعبيرات التي تدخل في هذا الإطار «الماء الثقيل» الذي يدل علي نوع أندر من الماء فيه ذرتان من الأكسجين بالإضافة إلي ذرتي الهيدروجين علي خلاف الماء العادي الذي يحتوي ذرة واحدة من الأكسجين بالإضافة إلي ذرتي الهيدروجين، ومع التطور العلمي  ُتضاف إلي اللغة أسماء  كثيرة من هذا القبيل كالأشعة السينية، والمناظير الضوئية، والعدسات اللاصقة، والرموش الصناعية، والشعر المستعار، والموجات فوق الصوتية.

ولست في حاجة إلي أن أذكر أن هذه الألفاظ لم تعد تستخدم علي أنها صفة وموصوف إنما هي تستخدم علي أنها أسماء أعلام تدل علي أشياء محددة قائمة بذاتها.

(5) بالإضافة إلي الكلمات المركبة فقد عرفت اللغة العربية الكلمات التي تنشأ عن النحت وهي كثيرة ومتداولة، وهناك أيضا الكلمات التي تنشأ عن الإلصاق وهي كثيرة مثل: أفروآسيوى، برمائى، بل إننا نستعمل الكلمات التي نحتت في لغات أجنبية علي نحو ما نحتت به في هذه اللغات، كما تستخدم الألفاظ التي كونت من الحروف الأولي للكلمات المكونة لاسم منظمة أو هيئة أو مصلحة أو اتحاد أو اتفاقية، وذلك علي نحو ما نقول اليونسكو واليونيسيف والفاو والجات والأوبك والناتو والموساد والينيدو والانكتاد والكوميسا والنافتا والآفتا والفيفا.. إلخ.

(6) عرفت اللغة العربية ما عرفته اللغات الأخري من تعبيرات أصبحت تجري مجري المثل مثل «شعرة معاوية» و«قميص عثمان» و«بقرة بني إسرائيل» و«بيضة الديك»، و«حمامة الأيك».

ومن هذه الأسماء ما أصبح يستخدم للدلالة علي أسماء عائلات أو أحياء سكنية أو أشخاص أو رموز: «ثعلب الصحراء» و«أسد الشرى» و«سيف النصر» و«صقر قريش». وعلي الرغم من أن هذه التعبيرات الشائعة تتكون من كلمتين ولكل كلمة منهما معناها الواضح تماماً، فإن ورود الكلمتين معا أصبح يمثل كلمة جديدة أو «دلالة جديدة» أو «مفهوما جديدا» لابد من معالجته باستقلال عند التناول الموسوعي المعجمي علي سبيل المثال.

ويصعب علي وعلي أمثالي من العلميين أو الأطباء تخيل معجم عربي أو موسوعة عربية في القرن الحادي والعشرين وهو يتحدث عن لفظ قميص دون أن يشير بعد انتهائه من المادة إلي المعني الاصطلاحي الشائع في الحياة العامة والكتابات السياسية لقميص عثمان.

(7) ولعل هذا يقودنا إلي جزئية أخري وهي تخصيص بعض الألفاظ بإضافة أوصفة ولنأخذ علي سبيل المثال  كلمة «دودة» هل يجوز لموسوعة عربية أن تتناولها وتقفز إلي ما بعدها دون أن يخصص مدخلا خاص لكلمة «دودة القز» التي أصبحت بمثابة كلمة واحدة، وكذلك «دودة القطن».. ثم ليخصص مدخلا آخر لتعبير وصفي شائع وهو «دودة الكتب» في وصف القارئ النهم؟

أظن أنه يصعب علينا الآن أن نعتبر أن «دودة القز» كلمتان وليست كلمة واحدة، وكذلك الحال في «ذو الفقار» و«جاد الحق» و«أبو النور» و«أبو غزالة».

 

وهكذا ترينا الخبرة بالأعمال الموسوعية والعلمية أن معني «الكلمة» أصبح في حاجة إلي إعادة تعريف حتي ولو اعتبر الكمبيوتر كل كلمة من هاتيك الكلمات بمثابة كلمتين.

ويبدو أننا سنلجأ ـ عاجلا أو آجلا ـ إلي مفهوم يسمح بالتنوع مع تمييز كل نوع بمصطلح مختلف عن غيره وذلك علي النحو الذي لجأ إليه علماء الرياضيات حين استخدموا مصطلحات الأعداد البسيطة، والأعداد الصحيحة، والأعداد الكلية.. إلخ.

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com