الرئيسية / المكتبة الصحفية / كتاب نفق معتم ومصابيح قليلة للناقد الأستاذ فاروق عبد القادر

كتاب نفق معتم ومصابيح قليلة للناقد الأستاذ فاروق عبد القادر

هذا عمل متفرد في مكتبتنا العربية صدر  في مطلع 1996وقد جمع فيه الأستاذ فاروق عبدالقادر واحدا وسبعين مقالا من مقالاته الرصينة الممتازة التي كتبها بكل جوارحه وبكل الإخلاص للقيم الرفيعة وللغة العربية وللأدب وللفن الحقيقي وللنقد العادل المترفع عن المجاملات المشبوهة والصغار.

وكان في وسع الأستاذ فاروق عبدالقادر أن يوزع هذا الكتاب علي مجموعة كتب بدلا من أن يجعل هذه الكتب فصولا، ولكنه ناقد مخلص لوظيفته إلي أبعد حدود الإخلاص التي نعرفها والتي لا نعرفها في التسعينيات.

وفي الحقيقة أنني كنت قد قرأت كثيراً من هذه الفصول حين نشرها الأستاذ فاروق عبدالقادر في الصحافة من قبل، ولكني أعدت قراءة كثير من هذا وهي منشورة في كتاب.

 وأعترف أنني وجدت هذا الرجل العظيم يكتب المادة القابلة للذيوع وللخلود في الوقت نفسه، وهي قدرة من قدراته المتعددة، التي تتسع أيضا لتشمل القدرة علي التعليم، ففاروق عبدالقادر حين ينقد عملا من الأعمال حريص علي أن يرتقي بذوق القارئ له علي أن يدرك الغث من الجميل، والقبيح من الجميل أيضا، وهو لا ينحاز إلي الشكل علي حساب المضمون ولا للمضمون علي حساب الشكل، ولكنه حفي أشد الحفاوة بأن يكون العمل قيمة في حد ذاته، وليس مجرد تقليد لأعمال سابقة، أو تطبيق لنظريات سائدة.

ولهذا فإن فاروق عبدالقادر يأخذ بأيدينا نحن القراء وبأيدي الأدباء كذلك ليرشدنا إلي الأسلوب الأمثل لأداء الفكرة ولصناعة العمل الأدبي نفسه.

وهو يتمتع بثقافة رفيعة وموسوعية أيضا، وقد أجاد الإلمام بتاريخ المسرح علي المستويين النظري والتاريخى، كما أجاد الاطلاع علي أدبنا المعاصر في كافة صوره وهو يستدعي من ذاكرته الحافظة القوية المنظمة ما يراه ضروريا لأن يضىء صورة العمل الذي يتناوله بالنقد.

ويتمتع الأستاذ فاروق عبدالقادر كذلك بالقدرة علي فهم النص الذي يتناوله في إطار من الفن الجميل، والعلم الدقيق، ثم هو قادر بحكم ثقافة حقيقية علي أن يقدم لنا هذه الرؤية العميقة بأسلوب سلس وقوي وأخاذ، وبقلم شجاع وعادل وجرىء وبدون إسهاب أو إطناب أو ادعاء، وليس من شك أن كل هذه المؤهلات ترتفع بالإنتاج النقدي لفاروق عبدالقادر لتضعه في مرتبة الذروة بين نقاد الأدب في التسعينيات.

وبالإضافة إلي هذا كله فإن فاروق عبدالقادر لا يتعالي علي النص الذي ينقده حتي وإن كان هذا النص بحاجة إلي شىء من التعالى، وهو يفحص النص الذي بين يديه بدقة وأمانة ويظن بعض الناس أن هذا الفحص نوع من أنواع التشريح، بينما التشريح نفسه في واقع الأمر نوع من أنواع الفحص.

وعلي هذا النحو من الفهم لأهمية الفحص وطرقه يبدو فاروق عبدالقادر متمكنا من وسائله وقادرا عليها، وإن ظن بعض الناس أنه يتزيد في استعمال هذه الوسائل بينما هو يؤدي دورا إنسانيا جليلا وشريفا افتقدنا مَنْ يؤديه منذ زمن طويل حتي كادت الوظيفة تغيب عن الحياة لغياب من يقوم بها.

وتنطق كتابات فاروق عبدالقادر النقدية بتمكنه البارع من مجال تخصصه الأصلي في علم النفس فهو قادر علي أن يؤطر ما يراه في العمل الأدبي في إطاره الصحيح من النفس الإنسانية علي المستويين: مستوي المبدع (أو الكاتب) ومستوي المبدع (أو الشخصية التي يقدمها العمل الفنى)، وهو حين يؤطر هذا الذي يراه فإنه يصل إلي الهدف بسرعة شديدة، ولكن الأعظم من هذا أنه يصل إلي الهدف الصواب لا الهدف الخاطئ، ومن الطبيعي أنه يوهمنا أنه فعل ذلك بسرعة، لأنه لاشك يعاني مع العمل حتي يصل به إلي حقيقته التي ربما غابت حتي عن المبدع، ولكنها لا تغيب عن ناقد قدير مثل فاروق عبدالقادر.

كذلك فإن فاروق عبدالقادر يستغل اللغة العربية الجميلة بما هي أهل له من التعبير الجميل والدقيق، وفي قاموس كلماته ألفاظ لا يصل إليها إلا المتمكنون من اللغة الفلسفية والمصطلح النقدي والاجتماعى، وأشهد أني كثيرا ما أفدت من الألفاظ الجميلة التي يحييها لنا فاروق عبدالقادر، ومن هذه الألفاظ «يؤطر» التي استخدمتها في الفقرة السابقة، «مجايليهم»: أي الذين من نفس الجيل، واصفوا الكلمات.. إلخ.

ولست في حاجة إلي أن أستعرض الفصول التي ضمها هذا الكتاب، ولكني أريد أن أشير إلي هذه الصفحات الجميلة التي قدم بها فاروق عبدالقادر لهذا الكتاب مضمنا إياها بعضا من سيرته الشخصية التي هي في حاجة إلي كتاب أظنه لن يبخل به علينا في فترة قادمة، ليرينا ويري الأجيال القادمة أنه أصاب الصواب كله حين امتلك الحرية كاملة غير منقوصة، ولا أظن أن أحدا يستطيع أن يفعل ذلك غير فاروق عبدالقادر.

ولكني أجد نفسي مدفوعا إلي أن أسجل الشكر والتقدير للناشر الذي أتاح لنا هذا المجلد القيم، وهو المركز المصري العربي الذي يرعاه ويقوم عليه الفنان الأستاذ محمد بغدادى.

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com