هذا الكتاب هو مجموعة من الفصول الجميلة التي كتبها الأستاذ سامح كريم على مدي سنوات، وقدم لنا بها صوراً أدبية تاريخية معبرة عن مجموعة من أعلام الإسلام، وتمتاز هذه الفصول بما تمتاز به كتابات الأستاذ سامح كريم من العناية الشديدة باللفظ العربى، ومن العناية الأشد بالتدقيق في الحديث عن الشخصية التي يتناولها الكاتب، وهو يتناول الإسهامات الباقية لهذه الشخصيات من منطق الامتنان لدورها قبل تقييم هذا الدور، وهكذا يتبدى لنا فيما كتب سامح كريم وأبدع من ترجمة تقديره الشديد لمن كتب عنهم، كذلك فإننا نراه متعاطفاً إلي أبعد الحدود مع شخصياته وهو يفعل هذا عن وعي واضح لأنه سبق أن تخير الشخصية من بين الشخصيات المناظرة علي مدي التاريخ الإسلامي ، وهكذا فإن دافع الحب والإعجاب والتقدير كانت بمثابة مناخ سابق علي مناخ الكتابة نفسه، ومن الحق أن نذكر أن سامح كريم قد تميز علي الدوام باختياره ما يكتب عنه حتي في خضم حركة الأحداث، وهكذا فإن عارفي فضله يقدرون له دائماً أنه ينتقي الموضوع قبل أن يكتب فيه ويقدمه لنا علي هذا النحو.
ولا يستطيع القارئ أن ينجو من الإحساس بالقدرة الصحفية في كتابة الأستاذ سامح كريم، فهو حريص علي أن يتناول الملامح البارزة في الشخصيات التي يعرض لها، وهو يقدم كل شيء في إطار الزمن الحقيقي الذي وقع فيه الحدث، وإن كان هذا لا يمنع قلمه من أن يرينا كذلك الكاميرا وهي تنتقل بين يديه من الحاضر إلي الماضي لتسجل ما حدث في عصور سابقة.
ويرتبط الأستاذ سامح كريم في كل ما يكتب بحياتنا التي نحياها وبمشكلاتنا التي نعيشها، فلا يخرج بقلمه إلي ما وراء التاريخ ولا إلي ما وراء الحقائق التي فرضت نفسها علي أرض الواقع، وهو حين ينتقي الروايات التي يوردها عمن يكتب عنهم يلتزم بما عرف عنه من منهج نقدي ملتزم بالحقائق والواقع، وبعيد عن الخيالات والأوهام.
وهو بالطبع يقدم هذا المنهج النقدي الجميل مغلِفاً لبحث طويل ودراسة متأنية سبقت الكتابة، ثم هو يقدم هذا المنهج مغلَفاً بروح الصحفي القادر علي الوصول بقارئه إلي لب الموضوع في رشاقة شديدة.
ولا شك أن الأستاذ سامح كريم قد استطاع من خلال استعراضه لهذه الشخصيات أن يقدم رؤيته الذاتية تجاه مواقف كثيرة من حياتنا المعاصرة التي تضطرب بالصراع الحاد حول كثير من قضايا الفكر الإسلامى، وقد نجح باقتدار في أن يوظف معرفته الواسعة وإلمامه الجيد بالتراث الإسلامي في انتقاء المواقف العظيمة للشخصيات العظيمة تجاه قضايا العصر الذي نعيشه.
وعلي هذا النحو وضع سامح كريم الأدب من خلال المقال في خدمة قضايا مجتمعه الذي يعيشه والذي يعايش مشكلات كثيرة في الفكر الإسلامي وتجديد هذا الفكر بما يواءم الاحتياجات المتطورة والمتكررة لمجتمعاتنا الإسلامية في القرن الذي نعيشه والقرن الذي نحن مقبلون عليه.
ومما تجدر الإشارة إليه أن المؤلف قد قدم ضمن ما قدم في هذا الكتاب إسهامات بارزة ومشرفة للمرأة المسلمة علي مدي عصور متتالية، ونستطيع أن نلاحظ بسهولة أنه كتب تلك الفصول التي خصصها للمرأة بروح الإنسان السوي الذي يفعل ذلك عن حب حقيقي وتقدير عميق لدور المرأة في المجتمع الإسلامى.
كذلك فإن الأستاذ سامح كريم ظل حريصا علي ألا يحصر نفسه في دائرة معينة من الاتجاهات أو التوجهات، فهو يقدم لنا العلماء جنباً إلي جنب مع السياسيين والمتصوفين وقادة الفكر وأهل البيت.
من ناحية ثالثة فقد اتسع معني الفكر عند المؤلف ليقترب من المعني الحقيقي للفكر بعيداً عن التوجهات الميالة إلي حصر دائرته وتضييق دلالته.
وحين ينتهي القارئ من هذا الكتاب فإنه يجد نفسه مدفوعا بكل جوارحه إلي أن يطلب من المؤلف المزيد من هذ النوع من الكتب ليلقي أضواء أخري علي شخصيات إسلامية كثيرة لا يزال القراء في حاجة إلي أن يقرأوا عنها مثل هذه الأفكار المستنيرة والعرض الشيق والتسلسل الجميل، وأن يقرأوا هذا كله بهذه العبارات المنمقة والمحملة في ذات الوقت بكل عطور المحبة والإخلاص.
وحين تتيح الدار المصرية اللبنانية هذا الكتاب للقراء العرب، فإنها تقوم بدور مهم في إثراء المكتبة العربية والإسلامية بمثل هذه الكتب التي لا غني عنها للشباب وللشيوخ في وقت واحد.