تأليف: روجر آلن، ترجمة: حصة إبراهيم المنيف، سلسلة المشروع القومي للترجمة (34)، المجلس الأعلي للثقافة ـ مصر.
نشر هذا الكتاب لأول مرة عام 1982 ولقي منذ ذلك الحين تقديراً ملحوظاً في الأوساط العلمية والأكاديمية المعنية بالأدب العربى، وربما يمكن إرجاع جزء من هذا التقدير إلي علاقة روجر آلن نفسه بالأوساط الثقافية العربية، فله عدة مؤلفات حول الأدب العربي الحديث والمعاصر لعل أشهرها دراسته عن نجيب محفوظ والمضمون التاريخي في روايته.
ومن حسن الحظ أن المشروع القومي للترجمة قد تمكن من إنجاز وإصدار ترجمة كاملة للطبعة الثانية والموسعة من هذا الكتاب التي صدرت عن دار النشر الخاصة بجامعة «سيراكيوز» في ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية في عام 1994.
ومما يزيد من تقديرنا لهذا الإصدار أن مَنْ قامت علي ترجمته تمثل إحدي الزهرات الأكاديميات في مجال الدراسات الأدبية في الدول العربية الشقيقة، وهو معني مهم في ظل انصراف الأكاديميين المصريين إلي الانكفاء علي إنتاجهم الذاتي وحده في السنوات الأخيرة.
ويمكن القول بأن هذا الكتاب معني في الأساس بدراسة مستقبل الرواية العربية، وهو ما يتسق مع توجهات مؤلفه ومع الطبيعة المحبذة في دراسات جامعة أمريكية معنية بالطبع بكل ما يمكن له أن يضفي تصورات علمية عن مستقبل المجتمع العربي الذي يهم الأمريكيين من أكثر من زاوية.
ومما تجدر الإشارة إليه أن جدية البحث العلمي والجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية تهيئ للباحث أن ينطلق في دراسته بتمويل يكفي لأن تكون دراسته مكثفة وموسعة وممتدة المجال، فضلاً عما تتيحه سياسات البحث العلمي في مثل هذه الجامعات من تمويل ومنح وأجور تكفل الانتقال واللقاء بمن يدور البحث حول إنتاجهم من الأدباء.
ونستطيع أن ندرك ملامح تعمق المؤلف في دراسته للظواهر الأدبية ،كما نستطيع أن نلمح مدي اتساع الطيف الذي يمتد إلي نطاق واسع لا يكتفي بأخذ نموذج أو اثنين، ولهذا نجده وهو حريص علي الإشارة إلي الاتجاهات التجريبية التي بدأت في الظهور في كتابات بعض الأدباء العرب المعاصرين، وقد خصص الفصل الرابع من هذا الكتاب لدراسة 12 رواية عربية هى: ثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ، وما تبقي لكم لغسان كنفانى، وعودة الطائر إلي البحر لحليم بركات، وموسم الهجرة إلي الشمال للطيب صالح، وأيام الإنسان السبعة لعبدالحكيم قاسم، والسفينة لجبرا إبراهيم جبرا بالإضافة إلي رباعية إسماعيل فهد إسماعيل، والزيني بركات لجمال الغيطانى، والوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبو النحس المتشائل لإميل حبيبى، والنهايات لعبدالرحمن منيف، وحكاية زهرة لحنان الشيخ، ونزيف الحجر لإبراهيم الكونى.
أما الفصول الثلاثة الأولي من هذا الكتاب فقد تضمنت ما يمكن لنا أن نسميه رؤية المؤلف للتطور التاريخي والفني والموضوعي للرواية العربية.
وقد بدأ روجر آلن في الفصل الثاني من كتابه بدراسة التطورات المبكرة التي كونت أو أثرت في «تقاليد» الرواية العربية في كل من سوريا ولبنان والعراق والخليج والمغرب ومصر، كما تناول في هذا الإطار محاولات كل من جورجي زيدان في الرواية التاريخية، ومحمد المويلحي في نقد المجتمع، ورواية الدكتور محمد حسين هيكل «زينب» ثم التطورات في مصر بعد «زينب».
وفي الفصل الثالث تناول المؤلف «فترة النضج» كما يسميها، وفيها يظهر تأثره البالغ برؤية وكتابات المشتغلين العرب بالأدب، سواء كانوا من أساتذة الأدب العربي أو النقاد أو الأدباء أنفسهم ونظرة هؤلاء إلي تطور فن الرواية في الأدب العربى، ويبدو هذا واضحاً في الآراء التي نجده فيها وهو يربط بين نسيج الرواية وبين الأحداث السياسية والاستقلال والحرب الأهلية وتبدل وتحول العلاقات بين الغرب والعرب.
أما الفصل الأول من هذا الكتاب فقد تناول فيه المؤلف ما أسماه بمتغيرات تعريف الرواية. وربما كان هذا الفصل أكثر الفصول ـ في رأيي ـ حاجة إلي أن يعيد المؤلف النظر فيه في الطبعات القادمة من هذا الكتاب، إذ تتبدي في كتابته الروح المسيطرة علي طالب الدراسات العليا أكثر مما تبدو فيه روح الأستاذ المتخصص في الأدب العربى.
ونحن نلاحظ مثلا أن المؤلف حين يتحدث عن تعريف الرواية في الأدب العربي لا يكاد يبلور الرؤية التي يُتوقع أن تصدر عن أستاذ متخصص ولكنه حريص علي أن يظل في إطار دقة الطالب ـ طالب الدكتوراه ـ الذي يخشي من اعتراضات المناقشين له علي أن يطلق اسما علي مسمي نحن نعرف أنه موجود بالفعل.
ولهذا فإني أكرر أني أتمني علي المؤلف لو أنه أعاد كتابة هذا الفصل بادئا بنهايته ومنتهيا بما بدأ به.
وقد كنت أتوقع من المترجمة أن تضيف كثيراً من الهوامش في كثير من المواقع، لكنها آثرت ألا تفعل.
ولاشك أن هذا الكتاب يمثل مكونا مهما من مكونات الخلفية الثقافية التي لابد أن نبنيها (وأن نلم بأطرافها) عن نظرة الآخرين إلي أدبنا العربي المعاصر، مهما بدا لنا أو لبعضنا من أن هذه النظرة قد اتسمت بالحاجة إلي التعمق أو إعادة النظر، وربما يصور مثل هذا الكتاب رؤية أخري غير الرؤي المذهبية التي تفرض علي بعض دارسي الأدب العربي أن ينفوا «الآخر» في دراساتهم، وربما يثير هذا الكتاب في الدارسين اهتماما أكثر إلي الانتباه إلي الزوايا الأخري التي كانوا يتوقعون من المؤلف الاهتمام بالحديث عنها، لكنه في كل الأحوال كتاب ممتع للذين يقرأونه علي نحو ما كتب فصولا متفرقة، وممتع أكثر للذين يقرأونه علي نحو ما نشر وترجم كتابا متكاملا بين دفتين.