يوصف الدكتور عبد المنعم القيسوني (1916 ـ 1987) بأنه ذو حدين بينهما مسافة كبيرة ، فهو في حده الأعلى واحد من ألمع الشخصيات الاقتصادية المصرية، أما في حده الأدنى فهو اقتصادي مصري بارز قدر له أن يلعب دورا بارزا ومباشرا في تنفيذ الاهواء الشمولية المتعلقة بالسياسة الاقتصادية بين عامي 1954 و1968 ثم ما بين 1976و1978.
وليس هناك شك في ان الدكتور عبد المنعم القيسوني ترك من خلال مواقعه التنفيذية المتقدمة بصمات علي الاقتصاد المصري، فقد شارك في تنظيم وتخطيط وتنفيذ وإدارة كل الخطوات الاقتصادية التي لجأ اليها النظام الناصري من التمصير والتأميم، والمصادرة و الحراسة ، و إنشاء القطاع العام أو بعبارة أدق في صياغة هياكله الاقتصادية، و في وضع أسس كثير من النظم الاقتصادية في الإدارة المصرية الحكومية ، والعامة، والسياسات النقدية و المصرفية و قواعد الاستيراد والتصدير .
رأينا القائل بأنه أول الاقتصاديين مسئولية عن أزمتنا الاقتصادية
كررنا في كثير من كتبنا و مقالاتنا الإشارة الى ان الدكتور القيسوني هو أول الاقتصاديين المصريين مسئوليةً عن أزماتنا الاقتصادية ، و لسنا نظن أن في هذا أي تحميل للأمور بأكثر مما تحتمل ، فقد كانت الظواهر تدل بوضوح على الكوارث الاقتصادية التي ستتسبب عن القرارات السياسية التي كان الرئيس عبد الناصر يتخذها ومع هذا فان الدكتور القيسوني قبل البقاء في السلطة مع معرفته الاكيدة بالنتائج الحتمية لتسليمه لهم بالحق في اصدار القرار كيفما شاءوا و شاء لهم الهوى، و يكفي في هذا الصدد أن نشير الى ما أوردناه من أمثلة في كتابنا “الاقتصاد في قبضة الناصرية” و ما اوردناه قبل ذلك في كتابينا “اهل الثقة واهل الخبرة ” و” ثلاثية الهندسة و الصناعة و الفن” ، و لعل المثل البارز هو استقالة عبد الجليل العمري من منصب محافظ البنك المركزي حين علم من القيسوني بقرار عبد الناصر بـتأميم بنك مصر الذي كان مملوكا لمصريين معظمهم من صغار المودعين من دون أن يؤخذ رأيه ، و قد كان في وسع القيسوني في ذلك الوقت أن يضغط على الرئيس عبد الناصر بما كان قد حققه العمري و حسن بغدادي و زملاؤهم من نجاح في المفاوضات التي أعقبت تأميم قناة السويس وبخاصة ان القيسوني كان هو من نسق اختيار هؤلاء الأفذاذ لتلك المهمة الصعبة التي انجزوها بنجاح ساحق ، لكن القيسوني فضل مجاراة عبد الناصر والاذعان له ، ومن ثم تضاعفت الخسائر التي تولدت عن الاندفاعات غير المدروسة .
نشأته
ولد الدكتور عبد المنعم القيسوني في التاسع من يونيو1916 في ضاحية مصر الجديدة، وقد روي للأستاذ عبد التواب عبد الحي في حوار أعيد نشره في كتابه “عصير حياتي ” أن أباه اللواء محمود القيسوني باشا قد عمل وزيراً للحربية في إحدى حكومات الحجاز في أثناء الحرب العالمية الأولي، وإن كنا لم نعثر علي تحقيق لهذه الجزئية .
تخرجه وبعثته لبريطانيا
تخرج الدكتور عبد المنعم القيسوني في كلية التجارة جامعة القاهرة (1938) بامتياز (وهي الدفعة التالية لدفعة الدكتور أحمد أبو إسماعيل المولود أيضا قبله بعام)، وابتعث إلي بريطانيا للدراسة، وعلي عادة دراسة التجارة والاقتصاد في الجامعات البريطانية في ذلك الوقت، فقد امتد نشاطه الدراسي إلي العمل، حيث عمل موظفاً ببنك باركليز، وقد حصل علي درجة الدكتوراه من مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
عمله مديرا عاما في وزارة الاقتصاد
وفي 1950 عمل الدكتور عبد المنعم القيسوني مديراً عاماً للتجارة بوزارة الاقتصاد حديثة الانشاء في عهد وزارة الوفد الأخيرة (1950)
عودته للجامعة
عاد إلي الجامعة ليعمل أستاذ مساعداً ولم يطل به المقام أيضا .
العمل في البنك الأهلي وصندوق النقد الدولي
عمل الدكتور عبد المنعم القيسوني بالبنك الأهلي مديراً لإدارة النقد، وفيما بين عامي 1950 و1954 شغل القيسوني منصب الممثل الفني لصندوق النقد الدولي في البنك الأهلي المصري، وفي تلك الفترة نجح في تنظيم الوقت يوم الجمعة ليؤدي الموظفون المسلمون صلاة الجمعة ، وذلك على الرغم من أن أجازة البنك كانت يوم الاحد وكان يوم الجمعة يوم عمل كامل .
دخوله الوزارة
كان الدكتور عبد المنعم القيسوني من أوائل المدنيين الذين استعانت بهم سلطة 1952 في مناصبها الوزارية، ومنذ أن اختير نائباً لوزير المالية مع الوزير عبد الحميد الشريف في إبريل 1954(خلفاً لثنائي عبد الجليل العمري وعلي الجريتلي) عقب أزمة مارس 1954 الشهيرة، فقد أخذ يتنقل بين وزارات الاقتصاد والمالية والتخطيط حتي سنة 1968 مع فترات من البعد عن الوزارة، فقد بدأ نائباً لوزير المالية عبد الحميد الشريف حتي يناير 1955 حيث عين وزيراً للمالية، وبقي في هذا المنصب في وزارة الرئيس عبد الناصر الثالثة التي شكلها بعد انتخابه رئيسا للجمهورية ، حتي إذا قامت دولة الوحدة مع سوريا، وشكلت وزارة الرئيس عبد الناصر الرابعة بعدها في مارس 1958 شغل الدكتور عبد المنعم القيسوني منصب الوزير التنفيذي للاقتصاد والتجارة في مصر (مارس 1958 ـ أكتوبر 1958)، ثم شغل الدكتور عبد المنعم القيسوني منصب وزير الاقتصاد المركزي في ثلاث وزارات متعاقبة وزارات الوحدة الثانية والثالثة والرابعة (أكتوبر 1958 – أكتوبر 1961)
رئاسة مجلس إدارة المؤسسة الاقتصادية
وقد رأس الدكتور عبد المنعم القيسوني مجلس إدارة المؤسسة الاقتصادية (أكتوبر 1959) بالإضافة الى منصبه الوزاري .
مناصبه الوزارية بعد الانفصال وحتى 1966
بعد الانفصال عمل الدكتور عبد المنعم القيسوني وزيراً للاقتصاد في وزارة الرئيس جمال عبد الناصر السابعة (أكتوبر 1961 ـ 1962)، فوزيراً للخزانة والتخطيط في وزارة علي صبري الأولي (سبتمبر 1962 – مارس 1964)، ولما أعيد تشكيل الوزارة وصعد بعض الوزراء نوابا لرئيس الوزراء، كان القيسوني واحدا من هؤلاء، وقد عين نائباً لرئيس الوزراء للشئون الاقتصادية والمالية، ووزيراً للاقتصاد والتجارة الخارجية في وزارة علي صبري الثانية (مارس 1964 – أكتوبر 1965)، واحتفظ بوضعه نائبا لرئيس الوزراء للشئون الاقتصادية والمالية في وزارة زكريا محيي الدين (أكتوبر 1965 – سبتمبر 1966)، ولم يشترك القيسوني في وزارة المهندس محمد صدقي سليمان، وهكذا ترك مجلس الوزراء بعد وجوده فيه باتصال منذ 1954 وحتي سبتمبر 1966.
عودته للوزارة بعد هزيمة 1967 و خروجه في 1968
عاد الدكتور القيسوني لينضم إلي وزارة الرئيس عبد الناصر التاسعة التي شكلها في أعقاب النكسة وقد عين وزيرا للتخطيط (يونيو 1967 – مارس 1968)، لكنه سرعان ما ترك الوزارة في مارس 1968 ودخل الوزارة نجمان اقتصاديان جديدان (عبد العزيز حجازي وزير الخزانة ورئيس الوزراء فيما بعد، والدكتور السيد جاب الله السيد وزير التخطيط . وبقي معهما وزير الاقتصاد حسن عباس زكي الذي زامل القيسوني من قبل).
عودته للوزارة في السبعينيات
في نوفمبر 1976 وعند تشكيل وزارة ممدوح سالم الثالثة أعلن عن الاتجاه إلي الإصلاح الاقتصادي بمجموعة وزارة اقتصادية متكاملة يرأسها الدكتور القيسوني بدرجة نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية.. ومعه الدكتور حامد السايح وزيراً للاقتصاد والتعاون الاقتصادي.. والدكتور محمود صلاح الدين حامد وزيراً للمالية.. وبقي الدكتور محمد محمود الإمام وزير التخطيط من التشكيل السابق.
تغيير وزير قديم بآخر جديد
و في إبريل 1977 وفي أثناء عهد هذه الوزارة عين الدكتور عبد الرزاق عبد المجيد ليشغل منصب وزير التخطيط خلفا للدكتور محمد محمود الامام .
تحمله مسئولية وزارة التخطيط بنفسه
وفي وزارة ممدوح سالم الرابعة (أكتوبر 1977) احتفظ القيسوني بالمنصب ذاته نائباً لرئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية، وأضاف وزارة التخطيط إلى أعبائه وبقي الدكتوران صلاح حامد وحامد السايح وزيرين للمالية والاقتصاد.
في 1977 مثل القيسوني مصر في مجلس محافظي البنك الدولي ، ومع إعلان التشكيل الخامس لوزارة السيد ممدوح سالم استقال الدكتور القيسوني من الوزارة (مايو 1978) وبقي الدكتوران صلاح حامد وحامد السايح في وزارتهم، وعاد الدكتور عبد الرزاق عبد المجيد ليشغل منصب وزير التخطيط.
محاولته الجمع بين رئاسة المصرف و الوزارة
وفي بداية عهده بالوزارة في 1976 جمع القيسوني بين منصبه كنائب لرئيس الوزراء، وبين رئاسته لمجلس إدارة المصرف العربي الدولي، وفيما يبدو فقد كان هذا شرطه لتولى المنصب ، ولكن حملة الصحافة ومنافسيه دفعته إلي الاستقالة في ديسمبر 1976 ليتفرغ لمنصبه كنائب لرئيس للوزراء.