لا يقف تعامل الكمبيوتر على اللغة عند الحدود التي يمارس بها سطوته الفكرية في لغة ما، ذلك أن الأسلوب الذي يمارسه الكمبيوتر مع أية لغة قابل للانتقال والتطبيق تلقائيا في اللغات الأخري ، و يمكن القول بان هناك خطوطا شعرية دقيقة من تطوير تطبيقات البرمجيات بحيث تحتوي علي وسائل كفيلة بالارتفاع بمستوي الأداء في النصوص المكتوبة في الأدب والنقد والدراسات الأدبية علي وجه العموم وعلي وجه الخصوص أيضا ً. وذلك من خلال عمليات «معلوماتية ذكية» تقوم بها أجهزة الحاسب الآلي في وقت متزامن مع نسخ النص علي جهاز الحاسب الشخصى، وسنعرض في هذا المقال لبعض التصورات التي يمكن عاجلا أو آجلا – ترجمتها إلي حقائق ـ ووظائف ـ كمبيوترية.
وليس من الصعب أن نتأمل فيما يفعله الكمبيوتر من تدقيق النصوص لغوياً وكيف أمكن تطوير برامج اللغة من برامج فاحصة للنص بعد كتابته إلي برامج تلقائية التصحيح متزامنة في تصحيحها (أو تصويبها) مع زمن كتابة النص. بل كيف أمكن تطوير هذه البرامج لتقوم بوظائف التصحيح المطبعي (أي تصحيح الأخطاء المطبعية) إضافة إلي تصحيح الأخطاء الإملائية إضافة إلي تصحيح بعض الأخطاء النحوية،وليس من المستبعد أن يتم تطوير برامج لتصحيح الأخطاء الأسلوبية والبلاغية والبيانية إذا ما نحن استطعنا تطوير معاجمنا اللغوية وتقديم دراسات تطبيقية كافية لصياغة لغة سليمة منزهة عن الخلط في استعمال المفردات.
علي سبيل المثال فإن برامج تدقيق النصوص كفيلة بأن تكتشف خطأ الكاتب حين يريد أن يعبر عن «الشعور» فإذا هو يعبر عنه بلفظ «الحس»، ولن يكون صعبا علي هذه البرامج أن تكتشف أي اللفظين أولي بالاستعمال إذا ما بحثت في النص عن طبيعة أو ماهية الأداة العصبية التي تمكن صاحب النص من أن يصل بها إلي استنتاجه العقلى، فإذا كان الأمر متعلقاً بأمور حسية كان هناك مبرر لاستخدام لفظ الحس، وإذا كان الأمر متعلقاً بانطباع نفسي توجه برنامج التدقيق تلقائيا إلي الإشارة علي الكاتب باستعمال لفظ الشعور.
كذلك يمكن للكمبيوتر أن يصحح للكاتب استخداماته للمشتقات المختلفة من ذات الفعل فإذا وصف الكاتب علي سبيل المثال قراراً ما بأنه قرار حزين نبهه الكمبيوتر إلي الخطأ في وصف القرار نفسه بهذه الصفة، وأشار عليه باستخدام الوصف محزن، حيث يجلب القرار الحزن علي حين أن القرار نفسه لا يجوز عليه بداهة الحزن ولا الفرح، وربما يتعجب القارئ من أن يصل الكمبيوتر إلي مثل هذه المعاني الدقيقة التي لا نصل إليها، ولكن الأمر لا يتعدي معلومة يغذي بها الكمبيوتر عن الصفات الجائزة علي المفردات، والصفات غير الجائزة.
ولا يقف الأمر بالطبع عند توظيف فهم جيد لحدود استخدام المشتقات من الفعل، ولكنه يمتد ليشمل الصيغ المختلفة من الفعل المشتق من جذر لغوي ما، فإذا وجد المدقق اللغوي للكمبيوتر الكاتب علي سبيل المثال وقد استعمل صيغة «احتمل» مسندة إلي شخص مسئول صححها بأن المقصود هو «التحمل» لا «الاحتمال». بل إن الكمبيوتر سيكون قادراً علي أن ينبه الكاتب إلي صيغ الجموع الصحيحة وليس يخفي علي أحد أن كثيرا منا يستعمل صيغاً خاطئة في الجمع.
بل إن في وسع برامج التدقيق اللغوي أن تنبه الكاتب إلي المواضع التي أهمل قرن جواب الشرط فيها بالفاء (علي سبيل المثال) أو إلي المواضع التي أخطأ فيها في وضع همزة إن، وهي قواعد قائمة علي المنطق الواضح ولا تحتمل اللبس ولا التأويل إلا من كثرة تداول الأخطاء علي نحو ما هو حادث الآن.
وفي وسع برامج تدقيق اللغة أيضا أن تنتبه إلي ما يهمله الكتاب من تذكير أو تأنيث الخبر (سواء خبر المبتدأ أو خبر كان وأخواتها أو خبر إن وأخواتها)، وكثيراً ما يقع الكتاب في هذا الخطأ إذا ما تأخر الخبر بعض الشىء.. وينطبق علي النعت ما ينطبق علي الخبر.. وتمتد القاعدة لتشمل التوابع وما تتمتع به ـ قانونا ـ من تطابق يكاد يغيب عنا ونحن نكتب.
وهكذا يتصل بهذا الجانب ما هو أسهل بكثير علي برنامج الكمبيوتر حين يجد صفات أنثوية تلي مفردات مذكرة أو العكس وهو ما يحدث نتيجة اعتقادنا الخاطئ في التأنيث والتذكير علي نحو ما نتصور المستشفي مؤنثا، أو علي نحو ما نتصور البلد مؤنثاً، وعكس هذا ما يشيع من وصف الساعد بالأيمن بينما الساعد مؤنث يستحق الوصف باليمنى.
بل إن الأمر لا يخلو في بعض الأحيان من استعمال اللفظ المذكر من لفظ مؤنث دون أي مبرر للوقوع في مثل هذا الخطأ، وذلك من قبيل استعمالنا للفظ الحماس بدلا من لفظ الحماسة، وبوسع مدقق الكمبيوتر أن يكتشف مثل هذه الأخطاء بمجرد النظر (أي إلي الكلمة التالية) علي حد تعبيرنا الطبي أو العام.
كذلك ففي وسع هذه البرامج أن تضبط الكلمات القابلة للتنوين حين يفرط الكاتب في تنوينها (الذي يتخذ في الإملاء صورة الألف في نهايتها) تبعا لموقعها من الإعراب، وكثيرا ما تلتبس هذه القاعدة وبخاصة في حالات الإضافة.
وليس من باب الخيال أن نتصور الكمبيوتر قادراً علي ضبط الأخطاء الشائعة في استعمال أسماء الإشارة حين يؤثر بعض الناس استعمال اسم الإشارة الدال علي البعيد للدلالة علي القريب.
بل إن في وسع برامج التدقيق اللغوي أن تطور من إمكاناتها بحيث تكون قادرة علي تصويب استعمالنا أو اختيارنا لحروف الجر التي تتعدي بها الأفعال مع الانتباه إلي المعاني المختلفة للفعل الواحد حين يتعدي بأكثر من حرف فيضيف كل حرف من الحروف التي تعدي بها معني غير المعني الذي يضيفه الحرف الآخر.
ويتصل بهذا أن نجد الكمبيوتر قادراً علي أن يكتشف الخطأ حين نلجأ إلي تعدية بعض الأفعال بحروف جر بينما هي في غير حاجة إلي هذا التعدى، وذلك من قبيل قولنا مساعدتهم لنا أو احتضانهم لنا أو استدعاؤهم لنا أو مزاحمتهم لنا أو تزويدهم لنا أو إدراكهم للحقيقة بينما هذه الأفعال في غير حاجة إلي هذا التعدي بالحروف.
وفي المقابل فإن هناك بالطبع أفعالاً لا تتعدي إلا بحروف الجر فإذا نحن «نعديها» من دون هذا الحرف، ومن ذلك فعل الوعد.
كذلك يتمثل الخطأ في صورة ثالثة حين تتعدي بعض الأفعال (علي أقلامنا) بحرف غير ذاك الذي تتعدي به في صحيح اللغة.
ويتصل بهذا من ناحية أخري أن نعبر عن المعني بمصدر الفعل اللازم بينما الأولي أن نعبر عن المعني بمصدر الفعل المتعدي الموحي (علي سبيل المثال) بأن الألم أو الأذي قد نشأ عن إيلام أو إيذاء.
وبعيدا عن اللزوم والتعدي في الأفعال فإن بعض الكلمات أصبحت ترد مسبوقة بحرف جر من قبيل قولنا «في أثناء»، و«بدون» وليست أثناء في حاجة إلي «فى» كما أن «دون» لا تحتاج إلي الباء وإن كانت تقبل في الفصحي حرفا قبلها فهو «من» وليس الباء.
وتبدو بعض الكلمات وقد استقرت في الكتابة المعاصرة بصيغة خاطئة وكأنها لم تكن إلا صيغة إملائية خاطئة تكررت حتي أصبحت هي الأكثر شيوعاً، من ذلك قولنا إنه وصل إليه أو توصل إليه «بواسطة» والمقصود «بوساطة».
كذلك تبدو بعض الصيغ مضحكة ومنفرة فمن ذلك أن أحد الصحفيين الشبان إذا تحدث في التليفزيون أو كتب في صحيفته الأسبوعية وأراد التحذلق بدأ حديثه بقوله «هناك ثمة» مع أن «ثمة» تعني هناك وكأنه يقول هناك هناك، ويبدو أنه يعتقد أن «ثمة» تعني شيئا من قبيل«ثلة» أو «بعض». ويذكرنا هذا ببعض الصيغ المتناقضة مع نفسها والتي يمكن اكتشافها بمجرد توالي كلمات لا ينبغي لها (ولا يمكن في الصواب) أن تتوالي وذلك كقولنا «وقد يكاد».