هذان اثنان من القادة المنتصرين الذين شاركوا في صناعة نصر أكتوبر 1973 وشاركوا قبل ذلك في صناعة هزيمة 1967.
شغل هذان القائدان الموقعين الأولين في القوات المسلحة المصرية ما بين مايو 1971 وأكتوبر 1972 وكان الفريق محمد أحمد صادق قائداً عاماً وكان الفريق سعد الدين الشاذلي رئيساً للأركان.
مع المعروف الذي لا يحتاج إلى الإفصاح ومع هذا فسنفصح عنه من باب استيفاء أخلاقيات المهنة أنني منحاز إلى الرئيس أنور السادات بأكثر من انحيازي لهما، لكني منحاز لهما أيضاً مهما كانت انتقاداتي لبعض مواقفهما.
لكن من باب الانحياز للسادات فإنني أُذكّر القراء بأن هذين القائدين العظيمين بدءا حياتهما مرفهين فالشاذلي كان زوج ابنة اللواء محمد متولي باشا السحيمي، وصادق مان ابناً للواء أحمد فؤاد صادق قائد شرطة القصور الملكية، وبحكم هذا الوضع العائلي المتميّز جداً لكليهما فقد كانت خدمتهما في الحرس الملكي في الوقت الذي كان أنور السادات مفصولاً من الخدمة بسبب نشاطه الوطني أو بسبب مغامراته الوطنية على أقل تقدير فإذا اردت أن تذهب إلى أقصى الشمال وتتهم السادات بأنه كان عضواً في الحرس الحديدي الذي يحمي الملك فاروق ويُقال له خصومه فقد كان السادات في الحرس الحديدي على حين كانا هما في الحرس الملكي فحسب! ولهذا فإنهما بلا مبالغة كانا يعرفان مكانهما من الرئيس أنور السادات السابق عليهما في كل شيء بما في ذلك العلم العسكري والممارسة العسكرية أيضاً.
وإذا أخذنا بمنظف الأمريكية في تقييم حجم ممارسة المهنة فمن المعروف أن السادات شارك في قتل كثير بينما لم يشارك هذان القائدان العظيمان في قتل أحد!
على أنه فهمهما للحياة بصورة عامة لم يكن يتجاوز منهم العسكريين التقليديين جداً وهو ما ظل واضجاً إلى أقصى حد حتى في أحاديث الفريق الشاذلي التي أفردت لها الجزيرة مساحة واسعة كانت كافية بأن تجعله يذبح نابليون ويجلس مكانه.
الفكرة التي نعرضها في مدونتنا اليوم جاءت في مذكرات الفريق صادق التي لم تُنشر إلا في 2017 وفيها يذهب الفريق صادق إلى إثبات مجده في هم التجاوز الذي وقع فيه من مستشار الأركان السوفييتي في حق المصريين، وفي رد هذا التجاوز بأقصى عقوبة ممكنة اقتضت إبعاد الرجل وطرده من مصر عقاباً على نكتة قالها لسعد الشاذلي رئيس الأركان ولم يفهمها رئيس الأركان فرواها للوزير القائد العام وهو مسرور بها.
“ولقد برز في هذه العمليات المحارب والقائد الشجاع العميد أركان حرب إبراهيم الرفاعي، هذا القائد الفذ الذي تجاهله الجميع بعد تركي للقوات المسلحة، ثم استدعوه عندما حدثت الثغرة، وأرسله أحمد إسماعيل في مأمورية برأس كوبري العدو في الدفرسوار ولكن سعد الشاذلي رئيس الأركان لم يجد له مهمة قتالية سوى نصب كمين للدبابات الإسرائيلية غرب القناة، معتمداً على تسليحه بسلاح فردي للدبابات، وهي مهمة يمكن أن يقوم بها جندي عادي وليس قائد الفدائيين، ودفع هذا القائد حياته ثمناً لخطأ رئيس الأركان، وخسرت مصر واحداً من أبرز أبطالها وقادتها.
“روى الفريق سعد الشاذلي نكتة رواها له نائب رئيس الخبراء السوفييت، النكتة الخارجة عن المألوف وعن مقتضيات الحياء ومضمونها عن رجل تقدمت به السن، لذا عجز عن ممارسة حقوق الزوجية، مع زوجته الحسناء صغيرة السن، فطلب من صديقه القيام بهذا العمل نيابة عنه ….
كان رئيس الأركان سعيداً بالنكتة ولم ير فيها ما يعيب، وكان تقديره أنها نكتة ظريفة، فسألته عن الحوار أو الموضوع الذي كان يناقشه مع الخبير السوفييتي حينما قص عليه النكتة، فقال كنا نبحث معاً طلبات مصر من السلاح، وقلت لسعد إن هذا الخبير شبه مصر وجيشها بالرجل العجوز وزوجته الحسناء، الذي يطلب آخر أن يقوم بأداء واجباته كزوج نيابة عنه.
وسألته، ألم تفهم الإهانة يا سعد …؟
وفي الحال استدعيت كبير الخبراء وطلبت منه إنهاء خدمة هذا الجنرال فورا، على أن يغادر مصر خلال أسبوع. وحاول كبير الخبراء الاعتذار كثيراً، وتدخلت السفارة في الأمر لدى رئيس الجمهورية، وحاول الروس بكل الطرق تأجيل سفر هذا الخبير، ولكن بدون فائدة وقلت بإصرار وحسم سيسافر هذا الرجل في الموعد المحدد، ورفضت في نفس الوقت مقابلته قبل سفره عندما طلب مني كبير الخبراء ذلك.
كان هذا موقف الشاذلي من تلك النكتة حيث لم ير فيها ما يعيب حتى بعد أن أوضحت له ما يقصده نائب رئيس الخبراء”.