الشيخ محمد عبد الله الخراشي (1601-1690) هو الشيخ السادس عشر للأزهر، لكن المراجع المصرية التي نقلت عن بعضها البعض تعدّه أول شيخ للأزهر، لأنه أول شيخ مالكي، وندعو الله جل جلاله أن يصبح الأمر فيما سيوضع من مراجع قابلا للتصويب والتعديل بإذنه سبحانه وتعالى. وقد كان سلفه في المشيخة هو الشيخ محمد أبو الحسن العاملي، الشيخ الخامس عشر للأزهر المتوفى 1672.
مصادفة بدايات القرون
كان الشيخ محمد عبد الله الخراشي على موعد مع القرن السابع عشر الميلادي، إذ ولد في العام الأول منه، أي في 1601، لكنه لم يتول المشيخة إلا بعدما جاوز السبعين (في 1672)، واستمرت مشيخته للأزهر حتى وفاته.
وقد توفى سنة 1101 للهجرة، فكأنه أدرك عند وفاته أول عام من القرن الثاني عشر الهجري، كما أدرك عند مولده أول عام من القرن السابع عشر الميلادي.
نشأته العلمية وسنده
كان الشيخ محمد عبد الله الخراشي شيخا ابن شيخ، وكان والده الشيخ عبد الله الخراشي (وليس هو) قد أدرك التلمذة على الشيخ سالم السنهوري (1538-1606) أبرز علماء الجيل السابق. وكان الشيخ سالم السنهوري تلميذا للشيخ الثالث للأزهر الشيخ محمد الغيطي المتوفي 1573، والذي كان تلميذا لشيخ الإسلام المشهور الشيخ زكريا الأنصاري (المتوفى 1520)، والذي هو تلميذ للحافظ ابن حجر العسقلاني (المتوفى 1449) الذي له سند معروف يتصل بالإمام البخاري (المتوفى 870 للميلاد).
وبهذه الطريقة، فإن العلماء الأزهريين والمصريين المحدثين ينسبون سندهم على أنه سند متصل بالإمام البخاري، فمن كان تلميذا للخراشي (مثل الشيخ عبد الباقي القليني الشيخ التاسع عشر، والشيخ إبراهيم بن موسى الفيومي الشيخ الثاني والعشرين للأزهر)، فإنه ينتقل بسنده إلى الشيخ محمد عبد الله الخراشي، ثم إلى والده الشيخ عبد الله الخراشي، ثم إلى الشيخ سالم السنهوري، ثم إلى الشيخ محمد الغيطي الشيخ الثالث للأزهر، الذي كان تلميذا لشيخ الإسلام الشيخ زكريا الأنصاري، الذي كان تلميذا للحافظ ابن حجر العسقلاني بسنده المتصل إلى الإمام البخاري رضي الله عنه. ومن الطريف أن الفولكلور المصري يورد اسمه مقرونا بصيحة التعجب والرهبة: “يا خراشي!”.
أدرك عصر العناية بالتراجم
ونحن نلاحظ أن ترجمة الشيخ محمد عبد الله الخراشي أوفى من تراجم العلماء التالين له في مشيخة الأزهر، بسبب طريف وإن بدا عكس الزمن، وهو أن الشيخ الخراشي أدرك عصرا (القرن الحادي عشر الهجري) كانت تراجم الطبقات فيه منتبهة إلى التسجيل الحي والمتلاحق، على حين فترت الهمة (أو على حين ضاعت النصوص ولم تفتر الهمة) فيما تلا ذلك، على نحو ما نرى من الاختزال في تراجم خلفائه من مشايخ الأزهر أنفسهم.
أهم آثاره العلمية
أهم آثار الشيخ محمد عبد الله الخراشي العلمية هو شرحه لمختصر خليل، الذي يعدّ من أشهر الشروح الحديثة لهذا المتن المحكم والشهير في الفقه المالكي، الذي ألفه الشيخ خليل بن إسحاق المعروف بالجندي المتوفى 1374 للميلاد، أي قبل سطوع نجم الشيخ محمد عبد الله الخراشي بثلاثة قرون (وقد عرف الشيخ خليل بالجندي لأنه كان يلبس ملابس الجنود، ويقبض أو يتعاطى ما كان مفروضا لهم من المال في ذلك الزمان).
وفاته
توفي الشيخ محمد عبد الله الخراشي في 30 سبتمبر/أيلول 1690، فيما يوافق ما هو منصوص عليه بالتواريخ الهجرية من أن وفاته كانت في 27 ذي الحجة 1101 للهجرة، وخلفه في مشيخة الأزهر الشيخ إبراهيم البرماوي المتوفى 1690.