لم تكن ثورة 1919 انتفاضة محدودة، ولا كانت ثورة طلبة أو ثورة شبابية، ولا كانت رد فعل على استفزاز عسكري محلي امتد أثره بحكم التذكارات أو التجارب والثأر السابق، بل كانت ثورة حضارية مكتملة الأركان واضحة الرؤية قام بها شعب ناضج إلى أقصى حدود النضج التي أتاحها ذلك الزمان، وتمثلت مظاهر حضارته في مؤسسات ومهن وطبقات، كما خرجت أفكاره من مدارس فكرية ومهنية متميزة، وعبرت عن توجهات فكرية متباينة تختلف في مضمونها ومرجعياتها لكنها تجتمع في بؤرة العمل الوطني.
وإذا أردنا نموذجا تمثلت فيه هذه المعاني فإنه ساحة و”بدروم” بيت الشيخ محمد عز العرب المبتديان نقيب المحامين الشرعيين وأحد الزعماء الميدانيين في ثورة 1919، الذي كان بيته بساحته وقاعاته وبدرومه معقلا من معاقل الثورة، وبالطبع فإن البدروم كان للعمل السري والمطبعة ولقاء شباب الثورة الواعدين المسؤولين عن العمل السري؛ ولهذا تعتز القاهرة بإطلاق اسم هذا الرجل الوطني العظيم على هذا الشارع الرئيسي القادم من السيدة زينب إلى جاردن سيتي وشارع قصر العيني.
مكانته الاجتماعية والتاريخية
الشيخ محمد عز العرب المبتديان (1870-1934) زعيم من زعماء ثورة 1919 وما بعدها، ورمز بارز للنجاح المهني الملتزم والساحق في المحاماة الشرعية، وقد كان بلا منافس أشهر المحامين الشرعيين في أول القرن العشرين، بل إنه يعد بمثابة مؤسس النقابة والمهنة. ولما كان نظام 23 يوليو/تموز حارب المحاكم الشرعية والقضاء الشرعي فإنه حارب المحاماة الشرعية بالتبعية، وذلك رغم أن شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت كان قد عمل بعض الوقت محاميا شرعيا.
تكوينه العلمي
ولد الشيخ محمد عز العرب عام 1871، بالغربية، ودرس بالأزهر الشريف في سن كبيرة نسبيا، في 16 من عمره، ثم التحق بدار العلوم (1893)، وتخرج في تلك المدرسة عام 1897 في الدفعة التي ضمت أكبر علمين من خريجي دار العلوم، وهما الزعيم الوطني عبد العزيز جاويش وأستاذ الشريعة الأشهر أحمد إبراهيم. وعقب تخرجه كان واحدا من أستاذين للغة العربية والشريعة عينا أول مرة في مدارس البنات بالمدرسة السنية، والثاني هو الشيخ حسن منصور.
تفرغه للمحاماة
عمل الشيخ محمد عز العرب بالمحاماة، فنال شهرة واسعة، ولما صدر قانون المحاماة الشرعية آثر عز العرب أن يتفرغ لمهنة المحاماة الشرعية.
إسهاماته الصحفية
كان الشيخ محمد عز العرب يكتب المقالات في “المؤيد”، وهي أقوى الصحف في عصره، كما كان يكتب مقالات علمية تتصل بمهنته في مجلة “المحاكم الشرعية”.
تنازله عن الترشح للجمعية التشريعية لصالح سعد زغلول
في سنة 1912، كان الشيخ محمد عز العرب مندوبا عن قسم السيدة زينب، وفي سنة 1913 كان قد رشح نفسه لعضوية الجمعية التشريعية، فلما رأى أن سعد زغلول باشا رشح نفسه عن تلك الدائرة لم يتردد في التنازل عن ترشيح نفسه وتأييد سعد زغلول.
نقيب المحامين الشرعيين
ولما أنشئت نقابة المحامين الشرعيين كان الشيخ محمد عز العرب ثاني نقيب لها، وتولي رياسة هذه النقابة عامي 1919 و1920.
في لجنة الوفد المركزية
اختير الشيخ محمد عز العرب عضوا في لجنة الوفد المركزية منذ بداية تكوينها، وأسهم إسهامات بارزة في حركة الجماهير في ثورة 1919.
عضوية مجلس الشيوخ والوفد
انتخب الشيخ محمد عز العرب عضوا في مجلس الشيوخ (1924) عن دائرة السيدة زينب، وكانت هذه مكانة رفيعة تنم عن جمعه بين ثقة الجماهير والقدرة على التعاون مع الساسة التقليديين، وهو ما نجح فيه طيلة الفترة التالية، حتى أصبح واحدا من ألمع أعضاء مجلس الشيوخ وأقواهم أثرا.
عضو الوفد المصري
وفي سنة 1932 وصل إلى أعلى نجاحاته السياسية، واختير عضوا في الوفد المصري، وهو لقب يعني عضوية الهيئة العليا للوفد.
وفاته
توفي محمد عز العرب في 12 يوليو/تموز 1934 في مزرعته بالجعفرية بمديرية الغربية، وشيعت جنازته يوم 13 يوليو/تموز من منزله في الشارع المنسوب إليه والمعروف بشارع محمد عز العرب المبتديان.