عبد اللطيف بك المكباتي (1868ـ1924) أحد الـ7 الذين أسسوا الوفد المصري مع سعد زغلول باشا وعلي شعراوي باشا وعبد العزيز فهمي ومحمد محمود باشا وأحمد لطفي السيد ومحمد علي علوبة، وهو أقلهم شهرة وثانيهم رحيلا عن الحياة.
ولد عبد اللطيف بك المكباتي في الدقهلية، واختير عضوا في الجمعية التشريعية (1913)، وترك منصبه القضائي من أجل العمل الوطني الذي رآه مستحقا للتضحية.
لقاء الرافعي والمكباتي
روى أستاذنا الرافعي ذكرياته عن اعتقاله في بداية الحماية البريطانية في الحرب العالمية الأولى، حيث زامل في هذا المعتقل الزعيم الوطني الكبير عبد اللطيف المكباتي:
“كان اعتقالي بالمنصورة يوم 17 أغسطس(آب) سنة 1915، وفي نفس هذا اليوم اعتقل لفيف من خاصة أهل المنصورة ممن عرفوا بميولهم الوطنية، ورحّلونا معتقلين إلى القاهرة حيث أودعونا سجن الاستئناف بباب الخلق، وهناك التقيت بأخي أمين الرافعي وبفوج آخر من الوطنيين، اعتقلوهم بمصر يوم اعتقالنا. وكان نظام الاعتقال بسجن الاستئناف أن تخصص كل غرفة من الغرف الانفرادية لاثنين من المعتقلين، وقد نسقوا اختيار كل اثنين بحسب مراكز المعتقلين وشخصياتهم، وإذ كنت قد اعتقلت بالمنصورة، فقد وضعوني أنا والمرحوم عبد اللطيف بك المكباتي عضو الجمعية التشريعية (وعضو الوفد المصري فيما بعد) في غرفة واحدة، وهي الغرفة رقم 15 من العنبر رقم 5، كنا صديقين حميمين، ومنزله بالمنصورة تجاه منزلي بها وقتئذ، وكنا قبل الاعتقال نتبادل الزيارات والأحاديث، وله ميول نحو مبادئ الحزب الوطني، وكنت أقدر فيه وطنيته وشجاعته الأدبية، واحتفاظه بكرامته، واعتزازه بشخصيته، وكفاءته الممتازة، فلما علم كلانا أنه زميل لصاحبه في الزنزانة، اطمأنت نفسنا إلى هذه الزمالة، وخففت عن كلينا غضاضة السجن، وقد استقبلنا موظفو السجن وعماله بالاحترام والتقدير، لأنهم عرفونا وعرفوا سبب اعتقالنا، وعرفوا على الأخص أننا لسنا من طراز ضيوفهم الآخرين نزلاء سجن الاستئناف، فأكرموا وفادتنا وبذلوا لنا كل ما أمكنهم بذله من التسهيلات، ولكن في حدود اللوائح، لأن عليهم رقباء من رؤسائهم في المحافظة”.
سخط الرافعي والمكباتي على الحكومة
على هذا النحو يروي عبد الرحمن الرافعي ما استطاع روايته عن هذه الفترة من الكفاح الوطني المبكر، وهو حريص على الإشادة بالمكباتي وشخصيته وخلقه:
“ولما التقينا، أنا والمكباتي بك، أول مرة في الزنزانة وأقفلوا علينا بابها وتمموا علينا طبقا للتعليمات، نظر كل منا إلى صاحبه نظرة دهشة واستغراب، ثم ما لبثنا أن مزجنا الدهشة بشيء من الفكاهة والسخرية من سياسة الحكومة التي تعتقل الناس جزافًا، وفي غير حدود العدل والقانون، دون أن توجه إلينا أية تهمة”.
نقل المكباتي والرافعي إلى سجن الحدرة
يروي الرافعي أن السلطات انتقلت بهما إلى سجن “الحدرة” لمدة أسبوعين:
“… وقد صحبني أيضا المكباتي بك في سجن الحدرة وأفرج عنه هناك، ثم عدنا إلى معتقل درب الجماميز، فرحب بنا الإخوان والزملاء وهنأوني على بطلان التهمة التي وجهت إلينا”.
سفره إلى باريس مع الوفد
كان عبد اللطيف المكباتي من الذين سافروا مع سعد باشا إلى أوروبا (1920)، وكان من أوائل الذين اختلفوا معه. وقد قدم استقالته من الوفد في 28 أبريل/نيسان 1921 أثناء حكم وزارة عدلي باشا.
عضويته في جمعية مصر المستقلة
وبدأ المنشقون إنشاء هذا الحزب من خلال ما سميت “جمعية مصر المستقلة”، واشترك المكباتي في إنشاء “جمعية مصر المستقلة” لمساعدة عدلي باشا ووزارته في النجاح من أجل تحقيق الأماني الوطنية، وهي الجمعية التي كانت بمثابة إرهاصة بإنشاء حزب الأحرار الدستوريين (1921) وباسم هذه الجمعية حصل الدكتور حافظ عفيفي على امتياز إصدار جريدة السياسة.
عضويته في هيئة مكتب حزب الأحرار الدستوريين
تأسس حزب الأحرار الدستوريين نفسه في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1922، وكان أقطابه الرسميون: عدلي باشا رئيسا، ومحمد محمود باشا وأحمد مدحت يكن وكيلين، وكان محمد علي علوبة السكرتير، وكان عبد اللطيف المكباتي أمين الصندوق، وبهذا استوعب الحزب الجديد في هيئة مكتبه 4 من مؤسسي الوفد السبعة.
فكره القانوني
كان المكباتي من رجال القانون القادرين على الاشتباك مع ما تقتضيه السياسة من التشريع والتقنين والتأسيس، وفي أثناء عضويته في لجنة الدستور 1923 كانت له مشاركات ذات قيمة.
علاقة الوزارة والقصر
ذكر الدكتور عبد العظيم رمضان عند دراسته ما نادى به الوفد في 1936 من إنشاء وزارة القصر أن عبد اللطيف المكباتي كان قد انتبه إلى ضرورة تنظيم العلاقة بين الملك والوزارة من خلال آلية ثابتة، ومن الحق أن نشير إلى ما ليس مشهورا من أن هذه الآلية هي الآلية البريطانية.
قال الدكتور عبد العظيم رمضان في معرض حديثه عن 1936 “والحقيقة أن الوفد لم يكن أول مَنْ فكر في إنشاء وزارة القصر سنة 1936، وإنما كانت هذه الفكرة مثار مناقشات طويلة وممتعة للغاية في لجنة الدستور عام 1923، عند مناقشة القرار 77 من قرارات اللجنة العامة الخاص بمسؤولية الوزارة واستقالتها”.
شهيد من شهداء الانتخابات
من الطريف أن عبد الرحمن الرافعي صنف المكباتي في مذكراته شهيدا من شهداء الانتخابات، وذلك بسبب وفاته عقب رسوبه في انتخابات 1924، إذ إنه لم يتحمل الصدمة فتوفي، وهو في رأي الرافعي أول 3 أطلق عليهم هذا الوصف، أما الآخران فهما عبد اللطيف الصوفاني 1925 وأحمد لطفي 1926.
شهادة الرافعي في حقه
“رأيت من المكباتي جلدا وصبرا أعجبت بهما وزاد من تقديري له، إذ كنت أظن أنه قد يتسخط على مسلكه الوطني الذي أدى به إلى الاعتقال، لكني على العكس رأيته فخورا به معتزا بشخصيته، عالي الرأس كعادته، وأخذنا نقطع الوقت بالأحاديث نتناولها في شتى المواضيع، فكانت خير سلوى لنا في هذه الأوقات العصيبة”.
تأبين الشيخ مصطفى عبد الرازق له
“في سنة 1913 سمعنا أن قاضيا من ذوي الكفاية والخلق قد استقال من منصبه ليضع مواهبه السامية ومطامح نفسه الكبيرة في خدمة أمته في الجمعية التشريعية. ولم يكن لأعضاء الجمعية التشريعية راتب ذو شأن ولا امتيازات مغرية، من أجل ذلك شعرت البلاد بتقدير العاطفة النبيلة في نفس هذا النائب الشاب، ثم جعلت مواقفه في الجمعية التشريعية تكشف عن أصله حتى صار أحد أولئك الأفراد الذين يشار إليهم بالبنان من بين أعضاء الجمعية، باعتبارهم قادة الحركة وأهل الرأي ولعله كان أحدثهم سنا. كنا في ذلك العهد شبابا في معاهد العلم ننظر بإعجاب وفخر وثبات لعبد اللطيف المكباتي في ميدان المجد والشرف”.