الرئيسية / المكتبة الصحفية / مقالات الجزيرة / الجزيرة مباشر / قصة المستشرق اللامع الذي قتله أهل سيناء دفاعا عن مصرية سيناء

قصة المستشرق اللامع الذي قتله أهل سيناء دفاعا عن مصرية سيناء

كان المستشرق بالمر 1840 ـ 1882 من أفضل المستشرقين إلماما بالعربية وكان مرشحاً لأن يكون عالما عظيم القدر من حيث أستاذيته، لكنه رغم هذه الأستاذية قبل أن يكون أداة لوطنه إنجلترا في احتلال مصر، ومع أن هذا يمكن قبوله بالحس المقدر لوطنية إنجليزي تجاه وطنه حتى لو جاءت هذه الوطنية على حساب مصر وشعب مصر فإن المنطق الإنساني لم يُنصف هذا المستشرق وإنما صنفه في التصنيف اللائق به كجاسوس متآمر دساس، حتى إن المستشرق البريطاني اللاحق آرثر أربري نفسه 1905 ـ 1969 قال إنه يستحق هذه النهاية أي القتل [لأني، وهذه هي عبارة أربري، أومن بكل قوة ورسوخ أن المهمة الحقيقية للعالم هي العلم وليس السياسة].

وعلى كل حال فإننا نقدم  تلخيص قصة الخيانة والجاسوسية معتمدين في الأساس على المصادر الغربية التي لم تدافع عن الرجل ولم تقدمه في صورة الوطني الملتزم بوطنه، وإنما في صورة الخائن الذي خان من استضافوه من أجل العلم، وقد  قدم  أستاذنا الدكتور عبد الرحمن بدوي لقصة خيانة بالمر بأدق تلخيص عن الدور السيئ الذي قام به هذا المستشرق ولقي بسببه الجزاء المستحق لأمثاله من الذين يسلكون هذا السلوك المشين ولما بدأت بريطانيا في 1883 تدبر لاحتلال مصر، دعاه الرئيس الأول للبحرية البريطانية لورد نورثبروك في يوم 27 يونيو 1883 لمقابلته و أخبره أن بريطانيا تريد الاستفادة من خبرته بسيناء لكي يتصل ببدو سيناء ويؤلبهم ضد مصر، ويستخدمهم لتأمين الجانب الشرقي من قناة السويس لصالح بريطانيا. ووافق بالمر على القيام بهذه المهمة الدنيئة.

المهمة القذرة

وقد وصف صديقه وولتر بيزنت هذه المهمة فقال: “كانت مهمة بالمر أن يذهب إلى صحراء شبه جزيرة سيناء بأفضل طريق، وعلى مسؤوليته وحده. ثم يتنقل بين أفراد الشعب في سيناء، من قبيلة إلى قبيلة، أولاً من أجل أن يعرف مدى الثورة بين الناس، وإلى أي مدى كانوا يميلون للانضمام إلى ثورة عُرابي (باشا). وثانيا أن يُباعد بين مجموع القبائل، إذا استطاع، وبين القضية المصرية، ومن أجل هذا كان عليه أن يقوم بإجراء ترتيبات مع الشيوخ، فكان عليه أن يعرف ما هي الشروط التي يستطيع بها أن يجعل شعب سيناء يلتزم السكون، أو عند الضرورة أن ينضموا إلى القوات البريطانية ويحاربوا في صفها (ضد الجيش المصري)، وأن يعمل بطريقة أخرى من شأنها خدمة المصالح البريطانية على خير وجه وأن يتفق معهم على هذه الشروط، وسيعُدّ وعده لهم ملزماً. وثالثاً، فيما يتعلق بقناة السويس كان عليه أن يتخذ أية خطوات يراها هي الأفضل من أجل الحراسة الفعلية للشواطئ الشرقية للقناة، أو لإصلاح القناة، لو حاول عرابي تدميرها.

وقبل أن يغادر بالمر إنجلترا عرض على الحكومة التقديرات الدقيقة المفصّلة للنفقات المحتملة لمنع تدمير القناة أو لإصلاح ما يهدّم منها في أيّ موضع. وكان تأمين سلامة القناة يبدو في ذلك الوقت أهم نقطة على الإطلاق. وأظن أن هناك نقطة أخرى في التعليمات التي يحتمل أنه تلقاها وهو في الإسكندرية، وهي أن يتأكد هل يمكن شراء عدد كافِ من الجمال، وما هو ثمنها. ولم تكن هذه التعليمات مكتوبة فلم تكن لديه تعليمات مكتوبة أبداً، بل أعطيت له التعليمات شفوياً.

شهادة المستشرق آربري

ويشير الدكتور بدوي إلى هذا النص الذي قاله المستشرق آربري :

“ولا محل ها هنا لإطالة الحديث عن هذه “المهمة” القذرة التي أخذها بالمر على عاتقه عن وعي تام، ومسؤولية كاملة. ونجتزئ بأن نقول إنه سافر إلى الإسكندرية، ومنها إلى يافا حيث نزل إلى البر، وتوجه إلى غزة حيث كان قنصل إنجلترا فيها قد دبّر له اللقاء مع أحد شيوخ العرب في غزة، ويُدعى سليمان. ووصل غزة في 13 يوليو 1883 وكان الإنجليز قد ضربوا الإسكندرية قبل ذلك بيومين، في يوم 11 يوليو، إيذانا بغزوهم لمصر. وبعد أن أقام عشرة أيام مع الخائن الشيخ سليمان، مضى متجهاً إلى السويس، راكبا جملاً، واتصل ببعض العرب من قبيلة طرابين، وكان يلبس لباساً عربيا كاملاً “مثلما يلبس العربي المسلم في المدن”، كما قال. واتصل بقبيلة تدعى “التياهة” يقول إنها أقوى القبائل العربية في سيناء وأشدها قدرة على القتال، ووصل في يوم 30 يوليو 1883 إلى مضارب خيام الشيخ سليمان، فوجد أخاه ـ وكان مكلفاً من قبل الحكومة المصرية بحماية الحجاج أثناء مرورهم بسيناء ـ ويقول المستشرق بالمر إن هذا الأخ ” كان هو الرجل الذي أحتاج إليه، لقد أقسم بمغلّظ الإيمان بأنني لو طلبت منه لضمن له سلامة القتال حتى ضد عرابي باشا، وقال إنني لو استطعت أن أخرج من السجن ثلاثة شيوخ، وهو ما آمل أن أفعله عن طريق القسطنطينية وسفيرنا، فإن كل العرب سيقومون قومة رجل واحد وينضمون إلينا!!

الجاسوس والعميل

وتعرف بالمر إلى شيخ عربي يُدعى مطر أبو صوفية (أو: صفية؟) وهو بدويّ طويل في السبعين من عمره، وكان شيخاً لقبيلة الحويطات فاستخدمه بالمر لإرسال الرسائل إلى السويس، ووصل بالمر إلى السويس في أول أغسطس، وأقام على ظهر باخرة وكان بالمر يعمل خصوصاً على شراء الجمال للجيش البريطاني وفي برقية بعث بها سير بوشانب إلى قيادته: “كتب إليّ بالمر رسالة من السويس بتاريخ أول أغسطس أنه لو أرسلت إليه تعليمات محددة متعلقة بالخدمات المطلوبة من البدو وزُوّد بالأموال، فإنه يعتقد أنه يستطيع شراء ولاء خمسين ألف عربي مقابل عشرين ألف أو ثلاثين ألف جنيه”.

وردت القيادة البحرية ببرقية تقول فيها: “أصدر تعليمات إلى بالمر كي يحتفظ بالبدو مستعدين للقيام بالداورية أو النقل على القتال. ويمكن دفع مبلغ معقول، أما التعهد بمبالغ أكبر فلا يكون إلّا بعد وصول الجنرال واستشارته”. وأخذ بالمر مبلغ ثلاثة آلف جنيه للقيام بهذه المهمة، وكان معه أربعة أشخاص آخرين هم: كابتن وليم جون جل، واللفتنانت هارولد شارنجتون، وخادم سوري مسيحي يُدعى خليل عتيق، وخادم يهودي يُدعى باخور حسّون، وإلى جانب هذه الجماعة، كان معهم مطر أبو صوفية وابن أخيه سلامة بن عايض وعدد من الجمّالين.

النهاية المستحقة

وقد نصب بعض البدو كمينا لأولئك الخمسة، واقتادوهم إلى وادي سُدْر (في الجنوب الغربي من سيناء) وقتلوهم وألقوا بهم في وادي سحيق وذلك في حوالي العشرين من أغسطس 1883، وتفاصيل هذا كله موجودة في الكتاب الأزرق الذي أصدرته الحكومة البريطانية 1883.

ثم يُعلّق الدكتور عبد الرحمن بدوي فيقول:

“وما كان لبالمر وأمثاله أن يستحق نهاية غير هذه بل وأبشع، حتى إن ابن وطنه آرثر آربري يكاد يقول إن بالمر يستحق هذه النهاية “لأني، هكذا يقول آربري، أومن، وبكل قوة ورسوخ، أن المهمة الحقيقية للعالم هي العلم، وليس السياسة”.

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com