الدكتور محمد مصطفى زيادة (1900-1968) واحد من أبرز أساتذة العصور الوسطى في الجامعة المصرية، وهو أول من احتل كرسي الأستاذية في هذا التخصص، مؤرخ متميز، ومحقق مجيد، ومترجم قدير، وناقد للأعمال التاريخية وأصولها ووثائقها، وفضلا عن هذا فإنه من أفضل من تمتعوا بروح الفريق وقيادته والإنجاز الحقيقي من خلال عمل المجموعة المنهجي والمنظم حتى إننا لا نجد له نظيرا بين المؤرخين في ما أنجزه بفضل هذه الروح.
نشأته و تكوينه العلمي
ولد الدكتور محمد مصطفى زيادة في المحلة الكبرى في التاسع من مايو/أيار 1900، وتلقى تعليما مدنيا متميزا، وتخرج في مدرسة المعلمين العليا (1921)، في دفعة من الدفعات التي تخرجت في أثناء اندلاع ثورة الشعب في 1919.
ابتعث الدكتور محمد مصطفى زيادة إلى إنجلترا، فحصل على بكالوريوس الشرف في تاريخ العصور الوسطى والتاريخ الحديث من ليفربول (1925)، وكان ثالث مصري من خريجي مدرسة المعلمين العليا يحصل على هذه الدرجة بعد كل من الأستاذين محمد رفعت باشا (1889-1975) ومحمد شفيق غربال (1894-1961)، ثم عاد إلى مصر فعمل مدرّسا في المدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية، ثم ابتعث مرة أخرى ضمن بعثات الجامعة المصرية في أكتوبر/تشرين الأول 1927 فحصل على درجة الدكتوراه من ليفربول بإشراف أستاذه جورج كوبلاند، وكانت رسالته عن العلاقات الخارجية للدولة المصرية في القرن الـ15 الميلادي-التاسع الهجري.
وظائفه الجامعية بعد حصوله على الدكتوراه
انتظم الدكتور محمد مصطفى زيادة في هيئة التدريس بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وتدرّج في وظائف الأستاذية مدرّسا في عام 1931 وأستاذا مساعدا في يناير/كانون الثاني 1937 وأستاذا في عام 1945، وتولى أستاذية كرسي العصور الوسطى في يناير/كانون الثاني 1949 مدة طويلة من الزمن، وأصبح رئيسا لقسم التاريخ في الفترة بين عامي (1954-1960).
تحقيقه لكتاب المقريزي
تعاون الدكتور محمد مصطفى زيادة مع جامعة برنستون الأميركية (1963) في دراسة وتحقيق كتاب المقريزي “السلوك لمعرفة دول الملوك”.
مدرسته العلمية واهتماماته
وجّه الدكتور محمد مصطفى اهتماما زائدا إلى دراسة الأصول التاريخية العربية، ودراسة وثائق التاريخ العربية، والآثار والمخطوطات النادرة، وقد أطلق عليه لقب “مؤرخ المؤرخين” لاهتمامه بطبقات المؤرخين، وكتاباته عنهم. أشرف على 20 رسالة ماجستير و18 رسالة دكتوراه في الفترة ما بين 1933 و1960، وكتب مقدمات وتصدير مجموعة من الكتب المهمة التي ترجمها طلابه.
مشاركته في ترجمة كتاب سارتون الشهير “تاريخ العلم”
شارك الدكتور محمد مصطفى زيادة في اللجنة التي راجعت ترجمة كتاب عميد مؤرخي العلم الأستاذ جورج سارتون (1884- 1956) “تاريخ العلم”، وكان العضو الرابع في هذه اللجنة التي ضمّت معه الأساتذة: إبراهيم بيومي مدكور، ومحمد كامل حسين، وقسطنطين زريق، ومحمد مرسي أحمد، وطبع هذا الكتاب في دار المعارف في أجزاء وطبعات متعددة على مدى الفترة بين عامي (1957-1972).
إسهاماته الصحفية وكتاباته عن المؤرخين المعاصرين
كان الدكتور محمد مصطفى زيادة من الحريصين على التواصل مع جمهور المثقفين، وكانت له كتابات مبكرة في مجلة الثقافة (1939-1952) عن كثير من المؤرخين وقد فهرسناها في كتابنا “مجلة الثقافة.. تعريف وفهرسة وتوثيق”، وكتب مقالا قيّما عن المؤرخ محمد رمزي بك في تلك المجلة 1945، ولا شك في أن مقاله أفضل بكثير من الفصل الذي قدمناه منذ 7 سنوات عن هذا المؤرخ العظيم في كتابنا “النجوم اللامعة في كتابة تاريخنا المعاصر”.
مشاركته في تأسيس الجمعية التاريخية
شارك الدكتور محمد مصطفى زيادة عام 1945 في تأسيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، وكان مع زميله الدكتور عزيز سوريال عطية (1898-1988) عضوين في مجلس الإدارة ممثلين للتاريخ الوسيط، وتولى منصب الأمين العام للجمعية عام 1957، كما تولى منصب الرئاسة بالنيابة حتى توفي.
إسهامه في تأسيس أول جامعة عراقية في بغداد
شارك الدكتور محمد مصطفى زيادة في تأسيس أول جامعة عراقية في بغداد 1946، وقضى هناك عامين، وشاركه تلميذاه الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور وإبراهيم طرخان، وقد ساعده وقته في بغداد على ترجمة الجزء الأول من تاريخ العصور الوسطى للمؤرخ فشر.
عضوياته في الهيئات العلمية
اختير الدكتور محمد مصطفى زيادة عضوا في المجمع العلمي المصري ولجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وخبيرًا في مجمع اللغة العربية (منذ عام 1957 حتى وفاته).
مؤلفاته
- تاريخ حياة المقريزي.
- أحمد بن علي المقريزي.
- التاريخ العربي الإسلامي، 1964.
- السلوك للمقريزي، موسوعة تراث الإنسانية.
- المؤرخون في مصر في القرن الخامس عشر.
- حملة لويس التاسع على مصر وهزيمته في المنصورة.
- تاريخ العالم العربي وحضارته في العصور القديمة والعصر الإسلامي، 1961، بالاشتراك مع السيد الباز العريني ومحمد الهادي عفيفي وعبد الرحمن فهمي ومحمد أحمد الغنام.
- تاريخ العرب والإسلام، 1964، جزآن، بالاشتراك مع السيد الباز العريني ومحمد أحمد الغنام ومحمد الهادي عفيفي.
- النظم الإقطاعية في الشرق الأوسط في العصور الوسطى، دار الكاتب العربي، 1968، بالاشتراك مع عبد الحميد العبادي وإبراهيم العدوي.
جهوده في الترجمة
- اشترك مع الأستاذ محمد نوفل في ترجمة كتاب المؤرخ هربرت فيشر عن نابليون، ونُشر الكتاب مبكرا 1927، وطبع مرات أخرى بعد ذلك.
- التاريخ الإنجليزي، 1946، بالاشتراك مع محمد مصطفى زيادة والسيد الباز العريني ومحمد أحمد الغنام.
- تاريخ أوربا في العصور الوسطى، بالاشتراك مع السيد الباز العريني وإبراهيم العدوي.
- تاريخ الإسلام ومصر الإسلامية، 1957، بالاشتراك مع إبراهيم العدوي وأحمد طربين ومحمد جمال الدين مختار.
- تراث العصور الوسطى، بالاشتراك مع الأستاذ محمد بدران ومجموعة من أساتذة الجامعات المصرية، سجل العرب 1965-1967.
- الإقطاع والعصور الوسيطة في غرب أوربا، 1958.
- أشرف مع الدكتور عبد المنعم أبو بكر على ترجمة الجزء الثامن من موسوعة تاريخ العلماء، مكتبة النهضة المصرية، 1955-1971.
- راجع أطلس التاريخ الإسلامي الذي ترجمه وحققه إبراهيم زكي خورشيد، وقدم له الدكتور محمد عوض محمد.
أهم ما كتب عنه
نشر أستاذنا الدكتور أحمد عبد الرحيم مصطفى مقالا عنه بعنوان “محمد مصطفى زيادة مؤرخا”، في المجلة التاريخية المصرية، عام 1963، والمقال أفضل بكثير مما كتبناه عنه من قبل في موسوعتين كبيرتين.
تكريمه
رُشّح الدكتور محمد مصطفى زيادة لنيل جائزة الدولة التقديرية بيد أنه توفي مبكرا، وأقامت دار الكتب المصرية ندوة لتكريم اسمه، في الموسم الثقافي لمركز تحقيق التراث عام 2004.
أسرته
تزوج الدكتور محمد مصطفى زيادة بسيدة إنجليزية وأنجب ابنتين، لكن صلة عائلته بمصر انقطعت بعد وفاته فلا يعرف أحد عنهم شيئا.
وفاته
توفي الدكتور محمد مصطفى زيادة في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1968.