المهندس حسن فتحي (1899ـ1989) هو أبرز المعماريين القدامى في الشرق الأوسط خلال القرن العشرين كله على الرغم من أن أعماله انحصرت في نطاق ضيق ومتصل بفكره المعماري، وعلى الرغم من وجود معماريين أفذاذ صمموا وأنشأوا كثيرا من المنشآت العملاقة ذات الطابع القابل للخلود على مر الزمان، من أمثال مصطفي فهمي باشا، وعلي لبيب جبر بك، والعبقري محمد كمال إسماعيل.
وهو بلا جدال أشهر المهندسين المعماريين المصريين في نطاق التنظير لفكر معماري خاص، وقد اختير بسبب كتاباته وآرائه ومشروعاته خبيرا في عدة منظمات دولية، وكانت الصحافة العربية تصفه في كثير من الأوقات بأنه أشهر مهندس في العالم.
جمع الفكر والفلسفة مع العمارة
ينعقد الاجماع على أن المهندس حسن فتحي هو فيلسوف العمارة المحلية، وعالمها الكبير، ورفعه بعض المعجبين به إلى مرتبة القديسين، بينما استخف البعض الآخر بفلسفته المعمارية، وبإنجازاته فيها.
وكان كثير من المهندسين والعلماء المعجبين به يرونه مفكراً كبيراً، وكان المفكرون المقدرون له يرونه مهندسا فيلسوفا، أو صاحب فلسفة علي أقل تقدير.
معارضوه دفعوه إلى الهجرة من مصر
وعلى الجانب الآخر فقد وصل الأمر في عدواته أن بعض المسؤولين حاربوا مشاريعه بطرق غير أخلاقية اضطرته للهجرة من مصر والإقامة باليونان لسنوات عديدة، وقد ظلت نظريته تدرس لسنوات طويلة في أكثر من أربعين جامعة في العالم، لم يكن من بينها مصر.
نشأته وتكوينه
ولد المهندس حسن فتحي في 23 مارس 1899 بالإسكندرية لأسرة من ملاك الأراضي المستورين، ثم انتقل منها مع أسرته إلى القاهرة وهو في الثامنة من عمره، وتلقي تعليما مدنيا متميزا والتحق بمدرسة المهندسخانة (كلية الهندسة جامعة القاهرة) وتخرج فيها (1925).
عمل حسن فتحي بعد تخرجه في قسم العمارة مهندساً بالإدارة العامة للبلديات والمجالس المحلية لمدة أربع سنوات، ثم التحق بهيئة التدريس بكلية الفنون الجميلة (1930)، وأوفد إلى باريس للحصول على الدكتوراه، وبعد عودته عمل أستاذا بكلية الفنون الجميلة، ثم رئيسا لقسم العمارة بها، وانتدب للعمل في مصلحة الآثار (1946)، حيث تولي تصميم وتنفيذ قرية «القرنة» (الجرنة) بالأقصر لإنقاذ الآثار الفرعونية القابعة تحت بيوت القرية القديمة.
نظرية خاصة في العمارة البيئية
عرف حسن فتحي منذ مرحلة مبكرة بأنه صاحب نظرية خاصة في العمارة البيئية، وفي النزوع إلى البناء للفقراء، والسعي إلى التناغم بين الإنسان والمبني والطبيعة، وقد أشرف علي بناء أحياء كثيرة، وقري عديدة في الصعيد المصري بإمكانيات بسيطة، لكنها لائقة وصحية، وقد كان يحضر عمليات البناء بنفسه، ويشجع الفلاحين على البناء من المواد الموجودة القادرة على أن تستجيب للواقع الحضاري والثقافي والاقتصادي للسكان.
كان يكرر القول بأن العمارة الأفضل والأقل تكلفة هي التي ترتبط باستخدام المادة الخام المتاحة القريبة: «انظر تحت قدميك وابن»، ومن هنا أكد حسن فتحي ضرورة أن يشارك الفقراء بعملهم في بناء مساكنهم، وكان يري أن بوسعهم، بالعمل والتربة والمتاحة، أن يصلوا إلى الصيغة الأفضل لمسكن مريح.
كان يري أن العمارة الغربية الحديثة هي النموذج الأمثل لكل الذين ينتمون إلي ثقافات مختلفة، وبيئات متباينة، وكان ينبه إلي أن كوارث التصنيع امتدت آثاره فيما امتدت إلي تقاليد البناء المحلي في أماكن مختلفة من العالم.
من مشروعات حسن فتحي قرية «باريس» الجديدة بالواحات الخارجة في صحراء مصر الغربية، وعدد من المباني في العراق، والكويت، والجزائر، ومالي، وباكستان، والمسجد الذي تم بناؤه كجزء من مشروع دار السلام في نيو مكسيكو بالولايات المتحدة الأمريكية.
جوهر فكرته في عمارة الفقراء
أشهر كتب حسن فتحي هو كتابه «عمارة الفقراء»، نشر أولا بالإنجليزية (1969) تحت عنوان «القرنة: قصة قريتين»، في طبعة محدودة بإشراف وزارة الثقافة، وصدرت ترجمته الفرنسية تحت عنوان «عمارة الفقراء»، وترجم هذا الكتاب إلي 22 لغة، وأكد فيه علي فكرته المفضلة في أن تراعي المباني، خاصة في الريف، الجذور الثقافية ونمط العلاقات الاجتماعية للسكان، وقد أهدي حسن فتحي كتابه هذا إلي الفلاحين الذين تمني أن يتوجه إليهم مباشرة، وفيه وثق بطريقة علمية تجربته في قرية «الجرنة الجديدة» التي بناها قرب الأقصر (1949 ـ 1953) لأهالي الجرنة القديمة الذين تم تهجيرهم، وشرح تصميمات القرية، ورصد مراحل بنائها، وتكاليف البناء، وقد أثارت أعمال حسن فتحي منذ البداية جدلا واسع النطاق بين المعماريين المصريين، لأن تصميماته كانت لا تعتمد سوى على الطوب اللبن والحجارة.
مؤلفاته الفكرية الفارقة
ألف حسن فتحي أيضا «العمارة والبيئة» (1977). ومن محاضراته المنشورة «القاعة العربية في المنازل القاهرية.. تطورها وبعض الاستعمالات الجديدة لمبادئ تصميمها» (1970)، و«العمارة العربية الحضرية بالشرق الأوسط» (1971)، و«العمارة الإسلامية المعاصرة» (1981).
ملخص نظريته في عمارة الفقراء
وقد لخص حسن فتحي نظريته في عمارة الفقراء في مقدمة كتابه الذي حمل هذا الاسم فقال:
«….. هذه دعوة لموقف جديد لإصلاح الريف. إن مستوي المعيشة والحضارة بين فلاحي العالم الفقراء فقرا مدقعا هو مما يمكن رفعه بواسطة البناء التعاوني، الذي يتطلب تناولا جديدا للإسكان الجماهيري في الريف، وهذا التناول فيه ما هو أكثر من خالص الأمور التقنية التي تهم المهندس المعماري. فهناك مسائل اجتماعية وحضارية تتصف بتعقد ورهافة بالغين، وهناك المسألة الاقتصادية، ومسألة علاقة المشروع بالحكومة وهلم جرا، ولا يمكن أن تترك أي من هذه المسائل بدون اعتبار، لأن كل واحدة منها لها تأثيرها علي الأخرى، والصورة الشاملة ستتشوه بحذف أي منها ولهذا فإن الكتاب يعالج المركب الكلي لهذه المشكلات، وكل أمر يقع في مكانه المنطقي في العرض (إلا بالنسبة لبعض المعلومات التقنية المحضة، التي تم وضعها في ملحق)، بحيث يتمكن كل القراء، مهما كانت مؤهلاتهم أو أوجه اهتماماتهم الخاصة، من استيعاب شمولية فلسفة التخطيط المعروضة».
«ولما كانت مقترحاتي تتعلق أساسا بالفلاح، فإن كتابي مهدي إليه، وكم كنت أود لو كان من المستطاع أن يكون توجيهه مقصورا عليه، وإني لآمل أنه سيأتي سريعا ذلك الوقت الذي يستطيع فيه أن يقرأه ويحكم عليه، علي أنه ينبغي علي في الوقت الحالي أن أوجهه إلي أولئك الذين يضعون رفاهية الفلاح موضع العناية: إلي المهندس المعماري، وإلي المخطط، وعالم الاجتماع، وعالم الإنسان، إلي كل الرسميين المحليين والقوميين والدوليين الذين يهتمون بالإسكان، وبرفاهية الريف، إلي السياسيين والحكومات في كل مكان، وإلي كل فرد يعمل في المساعدة علي تشكيل السياسة الرسمية الموجهة للريف».
ثامن من نال جائزة الدولة التقديرية في الفنون
نال المهندس حسن فتحي كثيرا من التكريم وحصل علي جائزة الدولة التشجيعية (1959)، وعلي جائزة الدولة التقديرية في الفنون (1967)، وكان ترتيبه الثامن بين الذين حصلوا عليها منذ إنشائها في 1958، وقد فاز بهذه الجائزة بعد ثلاثة من التشكيليين الفنانين فازوا بها علي التوالي وهم: محمود سعيد، ويوسف كامل، ومحمد حسن، ثم المهندس المعماري علي لبيب جبر، ثم الأستاذ راغب عياد، ثم زميل طفولته الدكتور حسين فوزي، ثم السيدة الفنانة أم كلثوم، وتلاه في الفوز به كل من الأساتذة الفنانين يوسف وهبي، ومحمد عبد الوهاب، ومحمد كريم علي التوالي.
جائزة أغا خان للعمارة
حصل حسن فتحي علي جائزة أغا خان للعمارة (1980)
أفضل مهندس في العالم
حصل المهندس حسن فتحي علي الميدالية الذهبية من الاتحاد الدولي للمعماريين كأفضل مهندس في العالم (1984)، ونال جوائز وشهادات تقدير عالمية من اتحاد الصحفيين الفرنسي، ومؤسسة لوزان الإيطالية السويسرية، ومؤسسة العيشة الصحية بإستكهولم، وقد منحته كلية الهندسة الفيدرالية بجامعة لوزان درجة الدكتوراه الفخرية (1979)، ومنحته الجامعة الأمريكية بالقاهرة درجة الدكتوراه الفخرية (1984).
محاضراته العالمية
دعي المهندس حسن فتحي لإلقاء محاضرات في جامعات هارفارد، وشيكاغو، وكلورادو الأمريكية، وفي جامعة أسيكس البريطانية، وجامعات ومعاهد اليونان، والسويد، وفرنسا.
ـ «القاعة العربية في المنازل القاهرية.. تطورها وبعض الاستعمالات الجديدة لمبادئ تصميمها» (1970).
ـ «العمارة العربية الحضرية بالشرق الأوسط» (1971).
ـ «العمارة الإسلامية المعاصرة» (1981).
ـ «الطاقات الطبيعية والعمارة التقليدية: مبادئ وأمثلة من المناخ الجاف الحار» ، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1988.
اهتماماته الأدبية والمسرحية
كان لحسن فتحي اهتمام بالأدب، وله مسرحية بعنوان «قصة مشربية» (1942)، وأعاد تنقيحها عام 1984، ونشرت عام 1991، وهي تعكس شيئا من همومه الأساسية، فزمنها ومكانها قائمان علي سياق عالمي يضم العمارة القديمة والحديثة، ويقارن بينهما.
وله نص آخر بعنوان «قصة يوتوبيا»، كتبه كذلك في الأربعينيات، ولم ينشر إلا عام 1991 أيضا، وهو يتكون من عنصرين سردي وحواري، وتتخلل هذا النص أيضا إشارات إلي هموم حسن فتحي، مثل الإشارة إلي المدن المزدحمة التي يسكن الناس فيها «أجزاء صغيرة يسمونها شققا»، والتي تحفل بما يستدعي الرحيل بحثا عن «بلاد يوتوبيا».
أرشيفه محفوظ في الجامعة الامريكية
تبرعت أسرته بحقوق حفظ أرشيفه للجامعة الأمريكية بالقاهرة (1994)، ويضم هذا الأرشيف أوراقا ورسومات معمارية (حوالي 40 ألف ورقة)، وكتابات حسن فتحي، وبعض ما كتب عنه، وهو كثير، فضلا عن كتبه الخاصة، والعديد من الصور الفوتوغرافية، واللوحات، والشرائح المصورة.
وفاته
توفي حسن فتحي عام 1989.