الإمام الشيخ عبد الله الشرقاوي (1737-1812) أحد مشايخ الأزهر البارزين، وربما عده البعض أبرزهم جميعا في ما قبل عهد الشيخ المراغي. كان الشيخ شافعي المذهب.
نشأته وتعليمه
ولد عام 1737 في قرية الطويلة بإقليم الشرقية، وإلي الإقليم ينسب، واسمه بالكامل: عبد الله بن حجازي بن إبراهيم الشرقاوي. حفظ الشيخ عبد الله الشرقاوي القرآن الكريم في طفولته، ثم درس في الجامع الأزهر وفي مدرسة السنانية وفي رواق الجبرت، وفي المدرسة الطيبرسية، وتتلمذ على الشهاب الملوي، والشهاب الجوهري، وأدرك العلامة الشيخ علي الصعيدي، وشيخ الأزهر الرابع والعشرين الشيخ الحفني (1688-1767)، وشيخ الأزهر الخامس والعشرين الشيخ الدمنهوري (1689-1778).
توليه المشيخة
اختير الشيخ عبد الله الـشرقاوي لمشيخة الأزهر (عام 1793 خلفا للشيخ أحمد العروسي)، وكان في الـ56 من عمره مسموع الكلمة مهاب الجانب، وكان عليه أن يملأ فراغ القيادة الاجتماعية والشعبية في ذلك الوقت العصيب من التاريخ المصري، ويكفي أنه شهد المحنة التي ألمت بمصر التي يطلق عليها “الحملة الفرنسية على مصر”، وقد وجد أن عليه أن يهتم بالشكل والحضور والتفاعل، فزاد -على سبيل المثال- تكبير عمامته وتعظيمها، حتى كان يضرب بكبرها المثل، وحتى أنه يمكن التعرف على صورته بين شيوخ الأزهر من خلال هذه العمامة، لكنه شغل لفترات مبكرة بالنزاع مع زميله الشيخ مصطفي الصاوي واضطربت بعض سنوات من عهده نتيجة لهذا النزاع.
مقاومة طغيان محمد بك الألفي
ومن المواقف الكريمة التي رفعت الإمام الشرقاوي مبكرا إلى مرتبة الزعامة الشعبية موقفه في مقاومه طغيان محمد بك الألفي الحاكم المملوكي، إذ تزعم معارضة شعبية رشيدة أجبرت الحكام المماليك على الامتثال لإرادة الشعب، بل إنه حرص على أن يتطور الأمر إلى كتابة وثيقة بالتزامات الحكام تجاه الشعب رفعوا فيها المظالم والضرائب، وكان الفضل للشيخ الشرقاوي، ولعمر مكرم (1750-1822) في إعلان هذه الوثيقة.
المقارنة بينه وبين عمر مكرم
بزغ نجم هذين العلمين في الوقت نفسه عام 1793 فتوليا مشيخة الأزهر ونقابة الأشراف، وكان الشيخ الشرقاوي يكبر عمر مكرم بـ13 عاما وتوفي قبله بنحو 10 أعوام، فلم يشهد مرحلة تغول محمد علي وتألهه.
مقوماته العقلية الفائقة
تمتع الشيخ عبد الله الـشرقاوي بقدرات عقلية متميزة فكان أديبا شاعرا ناقدا موهوبا، لكنه لا يصل في موسوعيته ومنهجيته إلى تلميذه الشيخ حسن العطار (1766-1835).
الأمة ممثلة في علمائها مصدر السلطات
يشبه بعض المؤرخين هذه الوثيقة بوثيقة حقوق الإنسان، كما يراها البعض وثيقة دستورية تؤكد أن الأمة ممثلة في علمائها مصدر السلطات، وإن كان الحكام بعد قليل قد عادوا إلى ممارسة الظلم والطغيان، فلم يمض وقت طويل حتى نزل مراد بك إلى دمياط وفرض عليها الضرائب الباهظة مما مكّن الفرنسيين من الغدر بالبلاد، لأن الشعب أصبح لا يثق في هؤلاء الأمراء.
لباقته وموازنته بين البدائل
كان الشيخ عبد الله الـشرقاوي يدرك أن الأزهر أمانة في عنقه، فكان يهادن أحيانا حرصا على صيانة الأزهر من الأحداث الجسام التي مرت بها البلاد، ولقد كاد دور الأزهر أن يتصدع لولا لباقة الشيخ وحسن تأنيه في الأمور مع تمسكه بالدعوة إلى العدل، ووقوفه في وجه الظلم.
قدراته النفسية المتوازنة
وكما تمتع الشيخ عبد الله الشرقاوي بقدرات عقلية متميزة، فقد تمتع بقدرات نفسية متوازنة مكنته من أن يجتاز بمؤسسة الأزهر (والحياة الدينية في مصر) أحداثا جساما تعاقبت عليه في فترة قصيرة، وقد عاش حياة مضطربة، وعانى معاناة شديدة في كثير من فترات حياته، لكنه كان يجمع بين العلم والتصوف والسياسة في اعتدال نادر، وقد قاوم المماليك وانضم إلى الشعب في الثورة عليهم، وشارك كذلك في تنظيم المقاومة المسلحة ضد الحملة الإنجليزية على رشيد، وفيما بين العهدين اللذين شهدا حسمه الواضح في الحق ومع الحق فإن موقفه من الفرنسيين كان معقدا ومركبا.
توازنه في مواجهة الفرنسيين جعله أعظم من تولى المشيخة
مع أن الشيخ عبد الله الـشرقاوي كان في مقدمة الزعماء الذين قاوموا الاحتلال الفرنسي بالمقاومة الشعبية وبالسياسة، فإنه لم يتجنب المفاوضة معهم ولا الاتفاق على حدود للتعامل، وهكذا فقد حملته السياسة في غمارها إلى القمة، وكادت تقذف به إلى الأعماق لولا ما كان يتمتع به من مكانة علمية، وقيادة شعبية مرنة ومستوعبة للرأي الآخر، وهي قدرات تكفلت بنجاحه ورفعته إلى مرتبة الزعامة الوطنية، فلم تجعله متأثرا بهذه الأحداث فحسب، وإنما مكنته من أن يكون مؤثرا فيها إلى حد كبير. قاوم الشيخ عبد الله الـشرقاوي سطوة الفرنسيين بوسائل متعددة بالمقاومة الشعبية أو بالسياسة والمفاوضة وإن تكن فيما يبدو متعارضة، لكن النظرة المجملة للتاريخ تنصفه من حيث إنه حقق لوطنه وللأزهر بالسياسة كثيرا مما عجز معاصروه عنه، وعلى سبيل المثال فإنه لا يزال يؤخذ عليه -ما أُخذ عليه وقتها- من قبول مشاركته ولو مكرها (في عهد الحملة الفرنسية على مصر) في التوقيع على بيان يحذر من معارضة الفرنسيين، وقبوله بانتخابه رئيسا للديوان الوطني الذي أنشأه الفرنسيون، من 9 أعضاء بالإضافة إلى رئيسه وسكرتيره، وكان هدف الديوان المعلن إشراك الوطنيين مع الحكام المستعمرين في إدارة شئون البلاد، وكان تولي الشيخ الشرقاوي رئاسة هذا الديوان بمنزلة خصم من رصيد الحركة الوطنية والمقاومة للعدو المحتل على الرغم من أنه أفاد في دينامية الصراع. ومع هذا فإن أدبيات التاريخ تروي أنه اكتسب في أيام الفرنسيين مالا عظيما فاقتنى القصور، والحمامات، والحوانيت، وعاش إلى شيخوخة هنية.
دوره في مقاومة حملة رشيد
وعندما هاجم الإنجليز رشيد بعد احتلالهم الإسكندرية (مارس/آذار 1807) اجتمع العلماء بزعامة السيد عمر مكرم والشيخ عبد الله الشرقاوي ودعوا الشعب إلى مقاومة الإنجليز، ورتبوا شؤون الدفاع عن البلد، وأرسلوا الإمداد والذخائر إلى رشيد حيث قاوم أهل رشيد الحملة الإنجليزية بقيادة الشيخ حسن كبريت كبير علماء رشيد ونقيب الأشراف فيها، وألحق المصريون بالحملة الإنجليزية هزيمة منكرة.
بناء رواق خاص للشرقاويين
حدثت في عهده فتنة بين المجاورين بالأزهر من الشرقاويين، وطائفة أخري من المجاورين برواق معمر، وتعصب الشيخ إبراهيم السجيني ضد الشرقاويين، ورجا الشيخ الشرقاوي الحاكم المملوكي إبراهيم بك لبناء رواق خاص للشرقاويين والتوسعة عليهم، وأنفق الشيخ نفسه أموالا طائلة في إعداد هذا الرواق إكراما لأهالي الشرقية.
استمرار تأثيره في فترة محمد علي باشا
ظل الشيخ الشرقاوي طوال حياته يتمتع برأي مسموع في الشئون السياسية، كما كان له رأي مسموع في الشؤون الدينية، وظل شيخا للأزهر بعد خروج الفرنسيين من مصر، وقد كان محمد علي باشا (1869-1849) يستجيب لرأيه في كثير من المسائل المتعلقة بشؤون الدين.
مؤلفاته
كانت له مؤلفات كثيرة، لكن تلاميذه كانوا أكثر من مؤلفاته، وأكثر مؤلفاته مخطوطة ومعروفة ومودعة في دار الكتب.
حاشيته الفقهية الشهيرة
- حاشية الشرقاوي على كتاب التحرير للشيخ زكريا الأنصاري في الفقه.
في أصول الفقه
- يروى أن الشيخ الشرقاوي كتب بخطه كتاب “جمع الجوامع” وكتب حاشية عليه.
- “شرح مختصر في العقائد والفقه والتصوف” مشهور في بلاد داغستان.
- رسالة في مسألة أصولية.
تاريخه المشهور
- “تحفة الناظرين فيمن ولي مصر من الولاة والسلاطين” مطبوع على هامش كتاب “لطائف الأول في مَنْ تصرف في مصر من الدول”، وفيه تاريخ مختصر عدد فيه ملوك مصر حتى خروج الفرنسيين.
التراجم التي كتبها
- “التحفة البهية في طبقات الشافعية” ضمنه تراجم الشافعية من سنة 900 إلى 1121هـ، ورتبه على حروف المعجم، وتوجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- الفقيه النبيه الشيخ حسين بن الكاشف.
- العلامة الشهير إبراهيم البحيري.
- العلامة العمدة الشيخ محمد الدواخلي.
ثبته المشهور
- “ثبت الشرقاوي” ذكر فيه أسانيد شيوخه في التفسير، والحديث، والفقه، وفي الأحزاب والأوراد، توجد منه 4 نسخ خطية بدار الكتب.
في علمي التوحيد والتصوف
- “متن العقائد المشرقية في علم التوحيد” مخطوط.
- “الجواهر السنية في شرح العقائد المشرقية” مخطوط.
- “حاشية على شرح الهدهد” مخطوط.
- “شرح حكم ابن عطاء الله السكندري في التصوف” مخطوط.
- “مختصر الشمائل وشرح المختصر” وكلاهما من تأليفه.
- “رسالة في لا إله إلا الله”.
- “شرح رسالة عبدالفتاح العادلي في العقائد”.
- “شرح الحكم والوصايا الكردية في التصوف”.
- “شرح ورد السحر للبكري”.
في علم الحديث
“فتح المبدي في شرح مختصر الزبيدي في الحديث” طبعت منتخبات منه على هامش كتاب “التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح للبخاري”.
في علوم اللغة
“مختصر مغني اللبيب لابن هشام في النحو الإعراب”
استمراره في منصبه حتى وفاته
توفي الشيخ عبد الله الشرقاوي عام 1812 ودفن بمدفن خاص به في مدينة الخانكة.