رغم أن هذا الشيخ العظيم مشهور بلقبه شمس الدين فقد آثرنا أن نكتب اسمه على هذا النحو للإشارة إلى أكثر من معنى. إذا صح أن شيخا للأزهر كان أولى الناس بالمشيخة حين تولاها فإنه هو الشيخ محمد محمد الإنبابي الملقب بشمس الدين، فقد كانت مكانته العلمية قد وصلت الذروة وكان تعيينه شيخا للأزهر من باب إقرار الأمر الواقع كما يقال في السياسة، أو تحصيل الحاصل كما يقال في المنطق، ذلك أن أستاذيته كانت ساطعة، وكان يعطي هذه الأستاذية حقها، وفضلا عن هذا فإنه كان شافعي المذهب حيث لا يلمع الشافعية إلا بأستاذيتهم القديرة، وقد عاصر تعاقب حكام أسرة محمد علي مع اختلاف أمزجتهم وأهوائهم، فلم يؤثر هذا الاختلاف في مكانته ولا في أدائه المتميز.
مقارنة بينه وبين علي مبارك باشا
ولد الشيخ شمس الدين الإنبابي عام 1824، وهو العام الذي ولد فيه (أو في العام الذي قبله بقليل) علي باشا مبارك، ومن الجدير بالذكر أنه ترك في مجتمع الأزهر أثراً شبيهاً إلى حد ما بأثر علي مبارك في التعليم، مع الفارق في القاعدة العريضة التي كانت تحت قيادة علي باشا مبارك الذي جمع الأشغال والحربية والأوقاف مع المعارف، والذي كان قادرا على أن يقدم نوعاً متميّزاً من التأليف العصري الذي يستحضر الماضي والحاضر معاً كما في الخطط التوقيفية أو في قصة علم الدين، وسنرى هذا الطابع أيضا مسيطرا على الإنتاج العلمي للشيخ شمس الدين الإنبابي.
شيخاً للأزهر للمرة الأولى
عيّن الشيخ شمس الدين الإنبابي شيخاً للأزهر في التاسع من ديسمبر/كانون الأول 1881، بالمواكبة لصعود الثورة العرابية، فلما انكسرت الثورة استقال من المشيخة في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 1882.
شيخاً للأزهر للمرة الثانية
عيّن الشيخ شمس الدين الإنبابي شيخاً للأزهر للمرة الثانية في 29 ديسمبر/كانون الأول 1886، وهو ما يوافق ما تناقلته الأدبيات المتاحة من أن هذا كان في الثالث من ربيع الثاني 1304.
تلمذته للباجوري
كان الشيخ شمس الدين الإنبابي تلميذاً لشيخ الأزهر الشيخ إبراهيم الباجوري (1784-1864)، وقد تولى أيضا تدريس حاشية الباجوري على بردة الإمام البوصيري.
أستاذيته
كان الشيخ شمس الدين الإنبابي قادرا على الأستاذية وحقوقها، حتى إنه كان ينتقي تلاميذه ويدفعهم دفعاً إلى أن يكونوا من أهل العلم، ولهذا فإننا لا نعجب من أن الأستاذ زكي مجاهد مؤلف كتاب الأعلام الشرقية مع حرصه البالغ على الاختصار لم يجد ما يمنعه من أن يعدّد تلاميذ الشيخ الإنبابي الذين وصل عددهم إلى 64 عالما بارزا.
آثاره العلمية
تقرير على حاشية الشيخ العطار على شرح الشيخ خالد للأزهرية (وهو الكتاب الذي أصدره الدكتور البدراوي زهران 1996 بعنوان: مناهج لغوية ومادة علمية في أعمال المدرسة اللغوية المصرية من خلال تقريرات الإنبابي على حواشي العطار لشرح الشيخ خالد لآجروميته الأزهرية).
في الفقه وأصول الفقه
- تقرير على نهاية المحتاج على المنهاج.
- تقرير على حاشية الشيخ عبد الله الشرقاوي على تحرير تنقيح اللباب.
- دفع الزكاة لمن بلغ ولم يصل طول عمره.
- سؤال رفع إلى الشيخ الإنبابي من اليمن.
- القول السديد في صحة نكاح المرأة بلا ولي مع التقليد.
- مجموع مشتمل على رسائل ومشاكل.
في النحو والبلاغة واللغة
- تقرير على حاشية الشيخ الأمير على شذور الذهب لابن هشام.
- تقرير على حاشية السجاعي على شرح القطر لابن هشام.
- حاشية على رسالة الصبان في علم البيان.
- الصياغة في فنون البلاغة (مخطوط في مجلدات).
- رسالة البسملة الصغرى.
- رسالة في تأديب الأطفال.
- رسالة في علم الوضع.
كتاب الطهطاوي عنه
كتب الشيخ أحمد رافع الطهطاوي (1859-1936) سيرة حياة الإنبابي في كتاب مطبوع وغير مسبوق “القول الإيجابي في ترجمة العلامة شمس الدين الإنبابي”، ومثله كتب الشيخان أحمد أبو خطوة وعبد الكريم سلمان عن صديقهما الشيخ محمد عبده.
وفاته
توفي الشيخ شمس الدين الإنبابي في 27 مارس/آذار 1896، وهو ما يقابل التاريخ الهجري 12 شوال 1313 المتداول في كل الأدبيات التي تنقل عن بعضها البعض، أي مقابل 1896 ميلادي. وتوفي سلفه الشيخ المهدي العباسي الذي تعاقب معه على المشيخة (1827ـ1867) في العام التالي لوفاته.
جنازته
يُروى أن جنازته كانت حافلة بأهل مصر، وأنهم انتظروا بالجنازة حتى جاء الشيخ الأشموني (1803ـ1904) متكئاً فأوصلوه للقبلة، وأمّ الصلاة على الشيخ الإنبابي.