الشيخ محمد البرديسي (1853-1921) أحد كبار رجال القضاء الشرعي، وهو المفتي الذي شاء له الله أن يتوفى في منصبه رغم قصر عهده بالمنصب. كما أنه عين وتوفي في أثناء ثورة عام 1919؛ فغفلت كتب التاريخ عن ذكر اسمه، وطبيعته حتى كاد أن يلحق بأحد أسلافه ممن تولوا منصب الإفتاء، الذي تغفل المراجع ذكره وتقفز على وجوده، وهو الشيخ عبد القادر الرافعي الذي توفي بعد يوم أو يومين من تعيينه مفتيا عام 1905 خلفا للشيخ محمد عبده.
أما الشيخ البرديسي فاسمه بالكامل محمد محمد إسماعيل البرديسي الأنصاري، وهو ينتسب إلى عائلة القاضي إسماعيل الأنصاري، وهي عائلة مشهورة في مركز البلينا بمحافظة سوهاج.
ينتمي الشيخ محمد البرديسي إلى جيل المشايخ محمد عبده (1849-1905)، وأحمد أبو خطوة (1852- 1906)، وعبد الكريم سلمان (1848-1918)، ومحمد ناجي (1849-1927) رئيس المحكمة الشرعية العليا. ومن هذا الجيل، 3 تتابعوا على منصب مفتي الديار بعد الشيخ عبد القادر الرافعي الذي خلف الشيخ محمد عبده، وهم الشيخ بكري الصدفي (1848-1919)، والشيخ محمد بخيت المطيعي (1854-1935)، ثم الشيخ محمد البرديسي نفسه.
نشأته وتكوينه
ولد الشيخ محمد البرديسي عام 1853 في قرية برديس التي تنتسب إليها العائلة، وتلقى تعليما دينيا تقليديا، فبدأ بحفظ القرآن الكريم وإتقان العلوم الأولية، ثم قدم للأزهر وواظب على الدراسة فيه وتلقى العلم عن مشاهير علماء عصره: محمد المهدي العباسي (1827-1897)، وشمس الدين الإنبابي (1824-1896)، وعبد الرحمن البحراوي (1819-1904)، وعبد القادر الرافعي (1832-1905)، وأحمد الرفاعي الفيومي (1824-1907)، وسليم البشري (1832-1917)، وعبد الرحمن الشربيني (1832-1908) حتى تخرج وأذن له بالتدريس في الأزهر تبعا للنظام القديم، ثم انتظم في سلك القضاء الشرعي وتنقل بين محاكم عدة في عدد من المديريات وتدرج في وظائف هذا السلك حتى صار نائبا لرئيس محكمة مصر (أي القاهرة) الشرعية في الوقت الذي كان في الشيخ أحمد هارون (1872-1930) رئيس تلك المحكمة.
عضويته في هيئة كبار العلماء
نال الشيخ محمد البرديسي عضوية هيئة كبار العلماء في السادس من أغسطس/آب 1920، فكان من أوائل من نالوا هذه العضوية بعد أعضائها المؤسسين عام 1911.
اختياره خلفا للشيخ المطيعي
عين الشيخ محمد البرديسي مفتيا للديار خلفا للشيخ محمد نجيب المطيعي بعد اصطدام ذلك المفتي العظيم مع رئيس الوزراء محمد توفيق نسيم باشا، وكان تعيينه يوم 12 يوليو/تموز 1920 في عهد وزارة نسيم باشا الأولى، وذلك على نحو ما أوضحناه في كتابنا “القضاء والرياسة في زمن السياسة”، لكن الشيخ البرديسي توفي قبل مضي 6 شهور في منصب المفتي إذ توفي في الرابع من يناير/كانون الثاني 1921 وخلفه في هذا المنصب المفتي الشيخ عبد الرحمن قراعة (1863-1939) بعد يومين من وفاته، وكأنما كان نسيم باشا يخشى أن يسارع غيره بإعادة الشيخ المطيعي لمنصب المفتي.
أداؤه
- أدى الشيخ محمد البرديسي وظيفة الإفتاء على نحو هادئ رصين، وكان أداؤه كالنسيم رغم اضطراب الأحوال في عهده، وتمتع بالحكمة والنزاهة والقدرة على مقاربة الأحكام بطريقة مرجعية متميزة.
آثاره
- الإتحاف في أحكام الأوقاف
وفاته
- توفي الشيخ محمد البرديسي في الرابع من يناير/كانون الثاني 1921