الشيخ محمد عليش (1802ـ1882م) واحد من كبار علماء الفقه المالكي، كان شيخ المالكية في عصره، وهو أيضا واحد من كبار رجال الحياة العامة والحركة الوطنية، وإذا أريد تخليد رمز لعلماء الأزهر الذين استشهدوا في الحركة الوطنية فإن أول المرشحين لهذا المجد هو الشيخ عليش الذي استشهد وهو في الثمانين من عمره بسبب انحيازه للحق والدفاع عن شعبه ضد الاحتلال، ولهذا فإنه على طريقة الغربيين أولى العلماء بتخليد ذكره بميدان وتماثيل في ساحة الجامعة الأزهرية، وعلى مستوى التاريخ العام فإنه أبرز شهداء ثورة عرابي من المدنيين وأعلاهم مكانة وقدرا، وقد كان على وجه العموم طموحا إلى تقدم وطنه ومجتمعه لكنه كان في فقهه وإفتائه وآرائه الاجتماعية من المحافظين الذين يؤثرون التدرج على الطفرة.
نشأته وتكوينه العلمي
على عادة عصره فإن اسمه مع كنيته هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد عليش.
ولد الشيخ محمد عليش بالقاهرة في حارة الجوار قرب الجامع الأزهر سنة 1802، وأصله يعود إلى بلاد المغرب العربي، قال سركيس في معجم “المؤلفين” “إنه من المنوب في بلد فاس” (المملكة المغربية حاليا)، على حين قال الزركلي في الأعلام “إنه من طرابلس الغرب” (ليبيا حاليا).
تلقى الشيخ محمد عليش تعليما دينيا تقليديا في الأزهر الشريف، وأخذ العلم عن الأساتذة الشهيرين في عصره كالشيخ محمد الأمير الصغير والشيخ عبد الجواد الشباسي وغيرهما، وقد أجازه أساتذته وجلس للتدريس بالجامع الأزهر وهو في الـ28 من عمره (سنة 1830م)، واستمر يؤدي وظيفة الأستاذية حتى وفاته.
تتلمذ له الكثيرون من العلماء الشهيرين في الجيل الذي تلاه، وكان منهم مشايخ الأزهر الكبار؛ مثل شمس الدين الإنبابي وعبد الرحمن الشربيني، وكان يحظى بإقبال شديد من الطلاب على دروسه؛ حتى قيل إن مرتادي حلقة درسه كانوا يزيدون على مئتي طالب، عدا الذين يمرون بدروسه.
توليه مشيخة المالكية
تقلد الشيخ محمد عليش مشيخة علماء المالكية والإفتاء على المذهب المالكي في الديار المصرية سنة 1855، في الوقت الذي كان فيه الشيخ محمد العباسي المهدي (1827-1897) يتولى منصب مفتي الديار المصرية منذ عينه إبراهيم باشا بهذا المنصب وهو في سن الشباب، ومن الجدير بالذكر أن الشيخ عليش في مكانته كان لا يقل تأثيرا عن الشيخ المهدي العباسي الحنفي والشيخ شمس الدين الإنبابي الشافعي (1824-1896) اللذين تولى كل منهما المشيخة مرتين وتعاقبا عليها وحدهما ما بين 1881 و1895.
إسهامه في الحركة الوطنية
يذكر التاريخ للشيخ محمد عليش أنه اشترك في الحركة الوطنية وانحاز للثائرين بقيادة عرابي وكان هذا السلوك الثوري الفذ دليلا على أن المحافظين في منهجهم الإصلاحي لا يعارضون الثورة السياسية متى توافرت أسبابها ودوافعها، وكان من الذين عوقبوا وأذوا في بدنهم بسبب موالاة ثورة عرابي، بل هو كما ذكرنا في مقدمة التعريف به أبرز شهداء هذه الثورة من المدنيين، وقد أخذ من داره مريضا محمولا، وأودع في سجن المستشفى إلى أن مات سنة 1882 ودفن بقرافة المجاورين.
آثاره في الفقه:
- “تدريب المبتدئ وتذكرة المنتهي”، وهو في فرائض المذاهب الأربعة، ذكر أنه فرغ من تأليفه سنة 1283هـ، المطبعة الشرقية، طبعة 1301هـ.
- “فتح العلي المالك في الفتوى في مذهب الإمام مالك”، ويعرف بفتاوى محمد عليش، وهو في جزأين، مطبعة شرف، طبعة 1300هـ.
- “منح الجليل على مختصر الشيخ خليل”، وهي حاشية في 4 أجزاء، مطبعة بولاق، طبعة 1294هـ.
- “تسهيل منح الجليل”، وهي حاشية على كتاب “منح الجليل على مختصر الشيخ خليل” السابق ذكره.
- “هداية السالك إلى أقرب المسالك”، وهو في جزأين، وهي حاشية على الشرح الصغير للشيخ أحمد الدردير في الفقه المالكي، المطبعة الوهبية، طبعة 1296هـ.
في التوحيد والمنطق وعلوم الفلسفة
- “تقريب العقائد السنّية بالأدلة القرآنية”، طبعات عديدة.
- “القول المشرق على شرح إيساغوجي في المنطق”، أشار سركيس في “معجم المؤلفين” إلى أن صاحب الخطط ذكره وقال إنه مطبوع.
- “الفتوحات الإلهية الوهبية على المنظومة المقرية”، وهو شرح لمنظومة في علم التوحيد اسمها الأصلي “إضاءة الدجنة في عقائد السنّة”، وقد طبع هذا الشرح مع هامش كتاب “هداية المريد لعقيدة أهل التوحيد”.
- “هداية المريد لعقيدة أهل التوحيد”، وهو شرح على كتاب “عقيدة أهل التوحيد” لمحمد السنوسي، وطبع بهامشه الفتوحات الإلهية الوهبية على المنظومة المقرية المسماة “إضاءة الدجنة في اعتقاد أهل السنّة” مطبعة محمد مصطفي، طبعة 1306 هـ.
في علوم اللغة
- “حل المعقود للعقود من نظم المقصود”، شرح فيه منظومة الشيخ أحمد بن عبد الرحيم الطهطاوي (وهي منظومة شهيرة في علم الصرف)، انتهى من تأليفه سنة 1262هـ، مصر، وطبع مرات عديدة منها طبعة 1282هـ، وطبعة الميمنية 1323هـ، وطبعة المطبعة الجمالية 1329هـ، كما طبع في مكة 1316هـ.
- “موصل الطلاب لمنح الوهاب في قواعد الإعراب” في النحو، وهو شرح على كتاب “قواعد الإعراب” للشيخ يوسف البرناوي، طبع مع كتاب “منح الوهاب في قواعد الإعراب”، مطبعة مصطفى وهبي، طبعة 1281هـ.
في علوم البلاغة
- “الإيضاح في الكلام على البسملة الشريفة”، من 18 علما في غاية الإفصاح، ولهذا الكتاب اسم آخر مثبت على مخطوطته الموجودة في الخزانة التيمورية وهو “إيضاح إبداع حكمة الحكيم في بيان بسم الله الرحمن الرحيم”، وقد طبع كتاب الإيضاح في المطبعة الوهبية، 1295هـ.
- “حاشية الشيخ عليش” على رسالة الصبان في البلاغة البيانية، وتعرف باسم آخر هو “وسيلة الإخوان على رسالة العلامة الصبان في فن البيان”، وهي مجلد اختصر في نحو 12 كراسة، طبع بطريقة طباعة الحجر في مصر سنة 1281هـ.
وله أيضا
- “القول المنجي على مولد البرزنجي”، طبع عدة مرات.
- “مواهب التقدير في شرح مجموع الأمير”.
وفاته
توفي الشيخ محمد عليش كما ذكرنا بسبب حبسه في الثورة العرابية في سنة 1882.